اتهامات للعسكر برعايتها.. مفاصلة داخل الائتلاف الحاكم تضع السودان على حافة أزمة دستورية

يضم تحالف "قوى الحرية والتغيير 2" -أو دعاة العودة لمنصة التأسيس- قوى من أبرزها: حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور.

صور لاجتماع قاعة الصداقة ـ الجزيرة نت
اجتماع قاعة الصداقة بالخرطوم لتدشين الميثاق السياسي الموازي للمنشقين عن قوى الحرية والتغيير (الجزيرة)

الخرطوم– استبانت المفاصلة بين مكونات ائتلاف قوى الحرية والتغيير الحاكم بالسودان بعد تدشين إعلان سياسي مواز لقوى منشقة من التحالف أمس السبت بالخرطوم، وهو انقسام سينسحب بالضرورة على أجهزة الحكومة؛ خاصة مجلسي السيادة والوزراء.

وغصت قاعة الصداقة وساحتها الخارجية بحشود مناصرة لنحو 16 حزبا وحركة مسلحة آثرت الانشقاق عن قوى الحرية والتغيير وتكوين كيان بالاسم ذاته؛ في إرباك واضح للساحة السياسية.

وهتف أنصار الكيان الجديد بشعارات ضد قوى الحرية والتغيير، ورفعوا صور نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). لكن تبدو الخطوة القادمة بتوسعة تحالف المجموعة المنشقة بانضمام تحالف يضم أحزاب الحوار الوطني التي شاركت النظام المعزول السلطة.

وشهد التاريخ السياسي الحديث في السودان مفاصلات تاريخية، مثل مفاصلة الإسلاميين الشهيرة عام 1999، التي انتهت بمفاصلة بين الشيخ الراحل حسن الترابي وتلامذته في حكومة البشير.

وتكون تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير بالتوقيع على إعلان سياسي لإسقاط البشير في الأول من يناير/كانون الثاني 2019.

صور لاجتماع قاعة الصداقة ـ الجزيرة نت
أنصار الكيان الجديد هتفوا بشعارات ضد قوى الحرية والتغيير (الجزيرة)

رغبات المؤسسين

ورغم نجاح المنشقين في الحشد للميثاق الوطني لوحدة قوى الحرية والتغيير، فإن مراسم التوقيع ستجري بعد أسبوعين -في ما يبدو- لطرح الوثيقة لمزيد من التشاور لتحفّظ أحزاب منذ الأسبوع الماضي على بيان للمنشقين، بدا مناصرا للعسكر في أزمة استعرت الأسبوع الفائت بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة.

وبنهاية تلاوة الميثاق كان رئيس الحزب الاتحادي الموحد محمد عصمت يحيى يهم بالخروج من القاعة عندما سألتْه إن كان موقفه مع مجموعة الميثاق الوطني فقال إنه "لبى دعوة غير موقع".

ويؤكد عصمت للجزيرة نت أن شرطه عدم وجود فريقين لقوى الحرية والتغيير ووحدة التحالف في هذه المرحلة الحرجة، إذ السودان مهدد من أطرافه.

ويوضح أنه مع مؤتمر لإعادة تأسيس قوى الحرية والتغيير خاص بالقوى المؤسسة للتحالف فقط.

ويحذر من أن انقسام قوى الحرية والتغيير سينسحب على انقسام مجلس الوزراء والمجلس السيادي ومجلس الشركاء باعتبار أن مجموعتي الحرية والتغيير لديها دستوريون وممثلون في هذا الاجتماع.

ويضيف "أنا في مربع الرشد الوطني وأرفع شعار صوت العقل"، ويحذر من أن ظهر قوى التغيير انكشف في أزمتها من المكون العسكري في السلطة بسبب تشظيها.

أبرز المنشقين

ويبدو أن إبراهيم الأمين نائب رئيس حزب الأمة القومي الذي يخالف حزبه بموالاة المجموعة المنشقة ما زال متحفظا على خط المنشقين، وانتقد ما عده تدخلا غير مقبول من العسكريين في شأن التحالف السياسي، رغم تأكيده ضرورة إصلاحه.

كما أن الحزب الناصري أبدى -حسب قيادي بارز تحدث للجزيرة نت- تأييده لعقد مؤتمر تأسيسي لقوى الحرية والتغيير، قائلا إن الحزب يدرس ما جرى في قاعة الصداقة ليقرر بشأنه.

وتشير الجزيرة نت إلى أن من أبرز القوى في تحالف "قوى الحرية والتغيير 2" أو دعاة العودة لمنصة التأسيس؛ حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور.

كما يضم التحالف تكتلا شكله أخيرا مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول، وحزب البعث السوداني بقيادة يحيى الحسين ومحمد وداعة، ورئيس مسار الوسط التوم هجو، ومسار الشمال محمد سيد أحمد سر الختم.

واتفق كل من جبريل ومناوي لدى مخاطبتهما مراسم إعلان الميثاق على مهاجمة لجنة تفكيك نظام 30 يونيو/حزيران 1989، التي تحظى بدعم شعبي ملفت.

وقال مناوي إنه يجب مراجعة كل ما صدر عن لجنة التفكيك من فصل عن الخدمة أو مصادرة للممتلكات، ويجب ألا تعطى صلاحيات الشرطة والقضاء، وألا تمارس السياسة.

ورفض جبريل فصل الموظفين عن الخدمة بسبب انتماءاتهم السياسية، ومصادرة أموال الناس بالباطل، والتشهير بهم قبل إكمال كل فرص التقاضي.

الخطة "ب"

ويبدو أن المفاصلة التي جرت فصولها أمس السبت بقاعة الصداقة ستتبعها الخطوة "ب" بانضمام قوى سياسية وحركات موقعة على اتفاقات سلام إبان حقبة البشير.

ورصدت الجزيرة نت حضور قيادات شاركت الرئيس المعزول عمر البشير السلطة ضمن عملية الحوار الوطني التي أشرك بموجبها النظام السابق بعض القوى، حيث حضر رئيس حزب الحقيقة الفدرالي شعيب فضل السيد، ورئيس حزب الأمة الوطني عبد الله مسار.

وأثناء تدشين الميثاق السياسي الموازي للمنشقين كان تحالف القوى السياسية السودانية برئاسة بحر إدريس أبو قردة المكون من 42 حزبا وحركة "شاركت البشير السلطة"؛ يعقد اجتماعا لاتخاذ قرارات حول الواقع السياسي.

ويقول عمار زكريا المتحدث باسم هذا التحالف إن التحالف داعم لمجموعة قوى الحرية والتغيير التي أعلنت ميثاقها أمس، لكن لم يقرر بعد الانضمام إليها.

ويضيف للجزيرة نت أن مجموعة قاعة الصداقة جزء من الثورة، لكن تم إقصاؤها عبر أحزاب محدودة انفردت بالسلطة.

أزمة سياسية ودستورية

وتبدو قوى إعلان الحرية والتغيير -التي باتت تعرف بصاحبة المجلس المركزي- غير آبهة لتحركات مجموعة الميثاق الوطني، رغم الاتهامات لقادتها بالعمل مع العسكر لتنفيذ انقلاب أبيض يغير الحاضنة السياسية.

وكان رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بدا أكثر وضوحا وهو يخاطب قوات جهاز المخابرات أمس الأول عندما قال إنهم لم يقبلوا سيطرة 4 أحزاب فقط على السلطة.

ويقول الصادق آدم إسماعيل عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير للجزيرة نت إن مجموعة قاعة الصداقة لا تعنيهم في شيء.

ويبين أن تحالف قوى الحرية والتغيير معروف ولديه مؤسساته، وهو محدد بالقوى التي وقعت على إعلانه السياسي مطلع 2019، وهو الذي قاد ونسق الاحتجاجات التي أسقطت البشير، كما أنه التحالف ذاته الذي فاوض المجلس العسكري، ونتج عن ذلك التفاوض نسب المشاركة في السلطة الحالية.

ويتابع إسماعيل "لذا أرى أن اجتماع السبت بلا قيمة، ويمكن أن يكون تحالفا لدعم الفترة الانتقالية"، مقرا بأن "بعض المشاركين من المؤسسين للتحالف لكن ذلك لا يعني نهاية الكيان".

ويحذر من أن اجتماع قاعة الصداقة هو محاولة لن تنجح لخلق أزمة دستورية، كما أن أي محاولة لخلق أجسام باسم الحرية ستدخل البلاد في أزمة سياسية.

 

 

أزمة تمثيل

ويتفق تجمّع المهنيين السودانيين -الذي شكل أيقونة للثورة السودانية- مع عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير في أن اجتماع قاعة الصداقة يستهدف خلق أزمة قانونية ودستورية حول من يمثل قوى الحرية والتغيير.

ويقول إن هذه الأزمة تسمح بمزيد من ابتزاز مجموعة المجلس المركزي للحرية والتغيير، "التي أثبتت أنها لاهثة وراء شراكة الخيانة رغم كل شيء، وصمّت آذانها عن كل نداء".

ويضيف التجمع -في بيان- أن "مجموعة المجلس المركزي لا يحق لها النواح فهي من بدأت هذا النهج، منذ انفرادها بالقرار في التحالف وعزلها كل من لا يوالي خطها".

ويرجع التجمع هذا الصراع إلى وراثة قوى الحرية والتغيير ومن يجلس إلى طاولة شراكة العسكريين، ولكنه يجعل من وحدة القوى الثورية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى بالتوافق على ميثاق للانتقال الديمقراطي.

ودعا البيان لإزالة سلطة الشراكة وفتح طريق البلاد نحو انتقال كامل لدولة الديمقراطية والكرامة.

المصدر : الجزيرة