6 خلاصات مهمة تخبرنا بها انتخابات تركيا

الناشط المقدسي محمد الدويك ينقل الانتخابات التركية على حسابه بفيسبوك
لا يزال نصف الشعب التركي تقريبا ينظر إلى أردوغان على أنه الرئيس الوحيد الذي يستطيع قيادة تركيا في هذه المرحلة (الجزيرة)

أحدثت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجرتها تركيا نهاية الأسبوع الماضي هزة سياسية داخلية، وبالتأكيد تسببت بإرباك في الغرب الذي كان ينظر إلى هذه الانتخابات على أنها ستؤدي إلى نهاية عقدين من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان.

رغم أن الانتخابات لم تنته بالفعل وستضطر البلاد إلى خوض جولة إعادة رئاسية بين أردوغان ومنافسه كمال كليجدار أوغلو في 28 من الشهر الجاري، فإن نتائج 14 مايو/أيار رسمت بالفعل جزءا كبيرا من الصورة لما سيكون عليه مستقبل تركيا بعد هذه الانتخابات.

بات من الواضح على الأقل أن الانتخابات لن تؤدي إلى إحداث تحول سياسي كبير في تركيا، لأن المعارضة فشلت في السيطرة على السلطة التشريعية بعد فوز التحالف الحاكم بأكثرية مقاعد البرلمان الجديد، وهي ضرورية لتغيير النظام الرئاسي وإنشاء نظام برلماني مُعزز.

كما أن تقدم أردوغان بفارق يقترب من 5 نقاط مئوية عن كليجدار أوغلو في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية يجعل أردوغان بالفعل الأوفر حظا للفوز في جولة الإعادة. سيكون من الصعب الجزم بشكل نهائي أن جولة الإعادة ستنتهي لصالح أردوغان، لأن الصناديق هي من ستُقرر ذلك، لكن في لغة السياسة والأرقام يُمكن القول إن الانتخابات التركية انتهت بالفعل في 14 مايو/أيار بهزيمة المعارضة وفوز أردوغان.

يُظهر تفوق أردوغان على منافسيه كليجدار أوغلو في المناطق المنكوبة التي ضربها زلزال 6 فبراير أن أردوغان استطاع أيضا تحويل تداعيات الزلزال إلى فرصة لإظهار أنه الوحيد القادر على إعادة الإعمار والتعافي من الكارثة

هناك 6 خلاصات مهمة يُمكن قراءتها من نتائج انتخابات 14 مايو:

أولا: أن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يقود البلاد منذ أكثر من عقدين وفاز بنحو 15 استحقاقا انتخابيا كبيرا بينها 3 استفتاءات شعبية، لا يزال أقوى مما تعتقد المعارضة والمراهنون في الغرب على ضعفه. بالطبع، يُمكن للمعارضة أن تُمني النفس بأنها حرمت أردوغان من الفوز في الجولة الأولى، لكن الحقيقة أن الرهانات التي وضعتها قبل الانتخابات لم تكن أبدا على هذا الجانب، بل على أن المعارضة ستفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معا.

مجرد أن يفشل كليجدار أوغلو في حسم السباق الرئاسي لصالحه في الجولة الأولى وأن تفشل المعارضة بشكل ذريع في الحصول على أكثرية في البرلمان الجديد، يعني في السياسة انتصارا مذهلا لأردوغان، لأنه خاض هذه الانتخابات في وجه 3 منافسين أشداء: معارضة موحدة بشكل لم تشهده السياسة التركية الحديثة وتضخم مرتفع وتداعيات زلزال مدمر. إذا ما أردنا النظر إلى نتائج الانتخابات من هذا المنظور، فإن اختبار 14 مايو أظهر بوضوح أن أردوغان قوي.

ثانيا: مهارة أردوغان الاستثنائية في تحويل الأزمات إلى فرص. كان الاعتقاد السائد قبل الانتخابات أن ارتفاع تكلفة المعيشة اليومية للأتراك سيؤدي إلى أثمان باهظة على أردوغان في صناديق الاقتراع. مع ذلك، استطاع أردوغان بفضل حزم التحفيز الاقتصادي القوية التي اتخذها في الأشهر الماضية تحويل أزمة تكلفة المعيشة إلى فرصة لإعادة إظهار أنه الوحيد القادر على التعامل مع مواجهة الصعوبات الاقتصادية، حتى لو رأى جزء من الناخبين أنها من صنع يديه.

علاوة على ذلك، يُظهر تفوق أردوغان على منافسيه كليجدار أوغلو في المناطق المنكوبة التي ضربها زلزال 6 فبراير أن أردوغان استطاع أيضا تحويل تداعيات الزلزال إلى فرصة لإظهار أنه الوحيد القادر على إعادة الإعمار والتعافي من الكارثة، رغم أن حكومته واجهت انتقادات لطريقة استجابتها الأولية للكارثة. لدى أردوغان سجل حافل في تحويل الأزمات إلى فرص، لكن مهارته برزت بشكل خاص في هذه الانتخابات.

ثالثا: لا تزال المعارضة أضعف من حيث القدرة على إحداث تحول سياسي كبير في تركيا، وأن القوة القصوى التي وصلت إليها في هذه المنافسة الانتخابية لا تزال غير كافية لإنهاء حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. لقد نجح كمال كليجدار أوغلو في بناء شبكة معقدة من التحالفات تُحسب له كزعيم معارض استطاع جمع معظم أحزاب المعارضة على هدف الإطاحة بأردوغان من السلطة.

مع ذلك، فإن الهندسة الانتخابية التي انتهجها جاءت بنتائج عكسية للغاية، لأنها لم توازن بدقة بين تحالفه مع حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي وبين الحد من ارتدادات هذا التحالف على جبهة المعارضة، خصوصا لجهة الأصوات القومية الرافضة لهذا التحالف. لم يول كليجدار أوغلو أهمية لطمأنة هذه الكتلة بالقدر الذي فعله لكسب أصوات حزب "الشعوب" الكردي. كانت تقديراته تقوم على أن حسم المنافسة الرئاسية من الجولة الأولى ستُجنبه الوصول إلى مثل هذه الموازنة الصعبة، لكنه فشل في ذلك.

رابعا: لا يزال نصف الشعب التركي تقريبا ينظرون إلى أردوغان على أنه الرئيس الوحيد الذي يستطيع قيادة تركيا في هذه المرحلة الصعبة من الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها والتحديات الكبيرة التي تواجهها في السياسات الخارجية. لا يُخفي ذلك، أن نتائج الانتخابات أظهرت تراجعا آخر في مستوى شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص، لكنها أيضا أظهرت أن هذا التراجع لم يصل إلى المستوى الذي يُنهي حكم أردوغان.

جانب رئيسي من هذه النتيجة يرجع أيضا إلى انعدام ثقة أكثر من نصف الشعب التركي بقدرة المعارضة على إدارة البلاد. الأصوات القومية المعارضة التي منحت صوتها لمرشح تحالف "الأجداد" سنان أوغان، لم تصوت لصالح أردوغان، لكنها أيضا لم تجعل معارضتها لأردوغان دافعا لمنح أصواتها لمرشح التحالف السداسي كمال كليجدار أوغلو. لقد ساهمت المعارضة بنفسها في خلق هذا التصور لأنها خصصت حيزا كبيرا من مناقشتها قبل الانتخابات على تقاسم حصص السلطة فيما بينها، مما أدى إلى ظهور الانقسامات وضعف الثقة بين مكونيها الرئيسيين "الشعب الجمهوري" و"الجيد" القومي.

خامسا: على عكس الاعتقاد الذي كان سائدا قبل الانتخابات بأن حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي سيكون صانع الملوك في هذه الانتخابات وسيدفع باتجاه فوز كليجدار أوغلو بالانتخابات الرئاسية، فإن نتائج 14 مايو أظهرت عكس ذلك. لقد دفع كليجدار أوغلو أثمانا باهظة للتحالف مع الحزب الكردي بشكل جعل هذه الفوائد أقل أهمية مما كان يتوقع.

لقد بالغ كليجدار أوغلو في استمالته للأصوات الكردية لدرجة أنه أعطى انطباعا قويا لدى كتلة قومية وازنة في التحالف السداسي أنه أبرم "صفقة قذرة" مع حزب الشعوب ومن خلفه حزب "العمال الكردستاني" المحظور تُهدد وحدة تركيا وتُضعفها في صراعها مع المشروع الانفصالي. كما أن هذه المبالغة ساعدت الرئيس رجب طيب أردوغان في تركيز جزء كبير من خطابه الانتخابي على مخاطر "الصفقة القذرة" لحث الناخبين القوميين في التحالف السداسي على التمرد على خيارات أحزابها.

سادسا: تكشف التقييمات الإعلامية الغربية المسبقة للانتخابات التركية أن جزءا كبيرا من هذا التقييم يقوم على العداء لأردوغان، وعزز قناعة لدى كتلة واسعة من الناخبين الأتراك الذي دعموا أردوغان بأن كليجدار أوغلو هو مشروع غربي لإضعاف تركيا وإعادة إخضاعها للغرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.