إستراتيجية أميركا لمنع الصراع ودعم الاستقرار (3) | خطة بايدن

الرئيس الأميركي جو بايدن (الفرنسية)

عرضنا في المقالين الأول والثاني من هذه السلسلة لخطة الولايات المتحدة الإستراتيجية لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار في الدول الهشة التي أطلقها الكونغرس الأميركي عام 2020 عملا بقانون الهشاشة العالمية "حي إف إيه" (GFA) الذي أقره أواخر عام 2019.

ثم استعرضنا في المقال الثاني الدول الهشة والمؤشرات الدولية لقياس مستوى الهشاشة في دول العالم.

وقد جاء تناولنا لهذا الموضوع بمناسبة تقديم الرئيس جو بايدن أواخر مارس/آذار الماضي خططه إلى الكونغرس الخاصة بتنفيذ إستراتيجية منع الصراع وتعزيز الاستقرار ومدتها 10 سنوات، والتي نتناولها في هذا المقال للتعرف على أهدافها وآليات عملها والدول التي تستهدفها وأسس اختيارها ومدى قدرتها على منع الصراع وتحقيق الاستقرار.

استغرقت إدارة بايدن عامين لإعداد الخطط بعد مشاورات مكثفة مع أصحاب المصلحة المحليين في المناطق والدول الشريكة ذات الأولوية، وتبلغ ميزانيتها السنوية حوالي 200 مليون دولار

الدور القيادي

في رسالته بمناسبة تقديم خطة إدارته الإستراتيجية لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار في الدول الهشة للسنوات العشر القادمة شدد الرئيس بايدن على أن أمن الأميركيين وازدهارهم يرتبط ارتباطا مباشرا بالأمن والصحة الاقتصادية للشعوب في كل مكان، وأنه ليس بمقدور أي دولة في العالم أن تنأى بنفسها عن الأزمات التي تعاني منها العديد من دول العالم بسبب الصراعات والأوبئة وتغيرات المناخ.

وأكد بايدن على الدور القيادي للولايات المتحدة في حشد العالم لمواجهة هذه الأزمات، وتخفيف الآثار على المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، موضحا أن أفضل إستراتيجية لإنقاذ الأرواح وبناء استقرار دائم وتعطيل دائرة العنف تتمثل بمنع النزاعات قبل وقوعها.

وأوضح أن هذه الخطط مبنية على الشراكات المحلية ورفع الأصوات المتنوعة، بما في ذلك أصوات النساء والشباب إدراكا لحقيقة أن الأقرب إلى التحديات هم أكثر من يعرف ما هو مطلوب لتحقيق السلام والتقدم، وسيتم تنفيذها بالتعاون بين الأجهزة المعنية (الدبلوماسية والتنموية والدفاعية) في الولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء المحليين والدوليين.

وأشار بايدن إلى أن "هذه الاستثمارات لن تحقق في السلام والازدهار عائدات للدول الشريكة ذات الأولوية في العقود المقبلة فحسب، بل ستعزز المزيد من الاستقرار والنجاح والأمن للدول في مختلف أنحاء العالم، وتساعد على دفع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة".

تم إعداد الخطط على مدى عامين بعد مشاورات مكثفة مع أصحاب المصلحة المحليين في المناطق والدول الشريكة ذات الأولوية، وهي هاييتي وليبيا وموزمبيق وبابوا غينيا الجديدة ودول ساحل غرب أفريقيا، بما في ذلك بنين وساحل العاج وغانا وغينيا وتوغو، وتصل الميزانية التي تحتاجها الخطط التنفيذية المخصصة لهذه الدول إلى حوالي 200 مليون دولار سنويا.

لم توضح الإدارة الأميركية على وجه التحديد الأسباب التي بنت عليها قرار اختيار هذه الدول من بين أكثر من 60 كيانا هشا في العالم، ولكنها أوضحت أنها تهدف إلى معالجة دوافع الصراع مع منظور طويل الأجل

أهداف الولايات المتحدة في الدول المختارة

لم توضح الإدارة الأميركية على وجه التحديد الأسباب التي بنت عليها قرار اختيار هذه الدول من بين حوالي 60 كيانا هشا في العالم، ولكنها أوضحت أنها تهدف إلى معالجة دوافع الصراع مع منظور طويل الأجل لدعم جهود الدول الشريكة الرامية إلى تشكيل مستقبل أكثر سلاما، وذلك من خلال الشراكات والتحليل والتعلم التكيفي، ومن خلال برامج دبلوماسية ودفاعية وإنمائية متكاملة جديدة وقائمة، وقد حددت هذه الخطط أهدافها في كل دولة منها على النحو التالي:

دول ساحل غرب أفريقيا

العمل مع الشركاء على كافة المستويات لمنع التوسع المزعزع للاستقرار، ومنع الإرهاب والتطرف العنيف.

وسوف تتبع الولايات المتحدة نهجا متكاملا للحوكمة والأمن لدعم المبادرات التي تقودها أفريقيا ومواءمة الجهود التي تقوم بها مع خطط الحكومات الوطنية في الدول المستهدفة، مما يعمل على التخفيف من مخاطر الصراع ونقاط الضعف وتعزيز التماسك الاجتماعي.

هاييتي

العمل على تعزيز الاستقرار في المجتمعات المتأثرة بالعنف ومعالجة الدوافع الكامنة وراء النزاع مع مرور الوقت بشكل منهجي، والتخفيف من تأثير الصدمات المناخية في المستقبل.

ليبيا

العمل على إرساء الأساس لحكومة وطنية منتخبة قادرة على الحكم وتوفير الخدمات والحفاظ على الأمن في مختلف أنحاء البلاد، وصولا إلى الأمن والعدالة والمساءلة والمصالحة واستكمال أعمال نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

موزمبيق

دعم خطط الحكومة الوطنية لتعزيز المصالحة والتنمية الشاملة والمستدامة والمرونة في المناطق المهمشة والمتأثرة بالصراع تاريخيا، ويشمل ذلك الجهود المبذولة لمواجهة نقاط الضعف في مواجهة الإرهاب وتعزيز التعافي من آثاره ومعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الاستقرار في الشمال، بالإضافة إلى مساعدة الحكومة والشركاء المحليين على تعزيز مسارات النمو الاقتصادي الشامل لزيادة فرص العمل، خاصة بين الشباب.

بابوا غينيا الجديدة

تعزيز شراكات الولايات المتحدة مع دولة رئيسية من جزر المحيط الهادي، والسعي إلى تعزيز قدرة المجتمعات على منع العنف المزمن والصراع، ومنع الاستجابة لهما، بالإضافة إلى دعم النمو الاقتصادي الشامل والمستدام والعادل، وتحسين أنظمة العدالة، وتطوير قدرات قوات الأمن، والنهوض بالإنصاف والمساواة بين الجنسين، ومنع العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتعزيز قدرة النساء العاملات في بناء السلام.

من جهتها، أصدرت كل من وزارة الخارجية ووزارة الخزانة ووزارة الدفاع الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية "يو إس إيه آي دي" (USAID) بيانا مشتركا أكدت فيه العمل معا لتسهيل التنسيق والتعاون على جميع المستويات، والاستفادة من دور كل منها لتعزيز الجهود الدبلوماسية والإنمائية والأمنية والبرامجية في العمل على الدول التي تضمنتها إستراتيجية الرئيس بايدن العشرية.

وستقوم وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية بتصميم برامج مرنة وقابلة للتكيف تعمل على تمكين الحكومة المحلية والمجتمع المدني وشركاء الأمن المدنيين.

في المقابل، تدعم وزارة الدفاع المشاركة بين المدنيين والعسكريين، وتدريب الجيوش الشريكة وتجهيزها، وبناء القدرات المؤسسية الدفاعية، وإضفاء الطابع المهني على قوات الأمن، فيما تقود وزارة الخزانة الارتباطات مع المؤسسات المالية الدولية لتنسيق المساعدة بما يتماشى مع هذه الخطط التي تعتمد على الدروس المستفادة وتحدد الأساليب المبتكرة لدعم الحلول المقترحة والمدعومة محليا، وتعزيز المرونة، وصياغة مستقبل أكثر سلاما وديمقراطية، وذلك عن طريق معالجة دوافع الصراع والعنف بشكل جماعي ودعم البلدان الشريكة في السعي لتحقيق السلام والازدهار.

شددت المبادئ التوجيهية للخطط التنفيذية على تأكيد أن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان يخدمان الجميع، وأنهما أفضل طريقة للحد من الهشاشة، وتعزيز التنمية المستدامة، وتخفيف مخاطر الصراع العنيف وعدم الاستقرار

المبادئ التوجيهية للخطط

أضافت إدارة بايدن مقدمة تمهيدية لخططها التنفيذية أكدت فيها على أنها ستعمل عليها من خلال الالتزام بالمبادئ التالية، وذلك في ضوء الموجهات الرئيسية لخطة الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار:

تعلم من الماضي و"العب اللعبة الطويلة"

الاستفادة من تصورات الممارسين الخبراء والأكاديميين، وبناء حلقات التغذية الراجعة في عمليات صنع السياسة والتخطيط الأميركية، وإجراء التعديلات بناء على نتائج التحليل والبحث والمراقبة المستمرة وتقييم الفعالية.

تغيير السلوك البيروقراطي الأميركي

تمارس حكومة الولايات المتحدة بيروقراطية كبيرة وغير عملية في بعض الأحيان تركز على تنفيذ مهامها وفقا لإجراءاتها الداخلية وسياساتها وميزانياتها دون اعتبار للمهمة الكبرى المطلوب إنجازها.

متابعة تحالف الحكومة بالكامل

وضع إطار شامل يعمل على منع الصراع، وإطار وتحقيق الاستقرار بمشاركة جميع الجهات الحكومية المعنية، وذلك بإنشاء لجنة توجيهية جديدة رفيعة المستوى يقودها مجلس الأمن القومي، وتتألف من كبار المسؤولين في حكومة الولايات المتحدة.

تحويل الموضوع

العمل على تحويل وصمة "الهشاشة" إلى أجندة إيجابية لقانون الهشاشة العالمي تقوم على شراكات شبيهة بالاتفاق من أجل السلام والمرونة.

الالتزام بالتعددية

الاستثمار في التعاون متعدد الأطراف لتعزيز السلام ومعالجة الهشاشة بالشراكة مع حلفاء الولايات المتحدة الذين لديهم كذلك أجندات سلام فردية تعمل في الاتجاه نفسه، والالتزام بأهداف التنمية المستدامة "إس دي جي إس" (SDGs) التي يتوافق الكثير منها مع أهداف قانون الهشاشة العالمية.

تقديم استشارات فعالة

العمل على تجميع الجهود مع الشركاء الراغبين في مواجهة التحديات المشتركة، وتقديم أجندة عمل أكثر إيجابية والتزاما قائمة على الشراكة وتقاسم التكاليف، وتوسيع دائرة التعاون على أساس الاحترام المتبادل.

الشركاء الإقليميون والوطنيون والمحليون

المشاركة والملكية المتبادلة للشركاء الإقليميين والوطنيين والمحليين الموثوق بهم في التخطيط والتنفيذ على المستويين القطري والإقليمي من أجل ضمان المعرفة والملكية المحلية، ودعم بناء القدرات، وخلق قدر أكبر من المساءلة والشفافية المتبادلة، وإشراك السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني والشركات والمجتمعات، مع التركيز على السكان المهمشين والممثلين تقليديا.

الشركاء الدوليون

الأمم المتحدة والمنظمات المتعددة الأطراف، والبلدان ذات التفكير المماثل والمهتمة بمعالجة دوافع الصراع في جميع أنحاء العالم.

الكونغرس

تقديم إحاطات منتظمة إلى الكونغرس للاطلاع على التقدم الذي يتحقق في تنفيذ الإستراتيجية، وتحديد أولويات البلدان والمناطق على النحو المنصوص عليه في قانون الهشاشة العالمية.

الشعب الأميركي

إشراك الجمهور الأميركي والمجتمع المدني والقطاع الخاص في تنفيذ الإستراتيجية، من المهتمين بالعمل والقدرة على منع الصراع وتعزيز الاستقرار.

رفع مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم

التأكيد على أن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان يخدمان الجميع، وأن هذا النهج هو أفضل طريقة للحد من الهشاشة، وتعزيز التنمية المستدامة، وتخفيف مخاطر الصراع العنيف وعدم الاستقرار.

التخفيف من حدة تغير المناخ وتعزيز الأمن البيئي

النظر في الآثار والمخاطر المترتبة على تغيير المناخ، وإيجاد سبل للتصدي لها، وإيجاد طرق جديدة لبناء القدرة على الصمود مع تغير المناخ، وتعميق فهمنا للصلات بين الهشاشة وبناء السلام والبيئة.

السعي لتحقيق العدالة والمساواة على أساس الجنس وعوامل أخرى

العمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان وتمكين النساء والفتيات والأشخاص المتنوعين بين الجنسين.

يتبع.. لماذا تم اختيار هذه الدول بالذات؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.