العالم كما يراه الرئيس شي جين بينغ

الرئيس الصيني شي جين بينغ في المملكة العربية السعودية (الأناضول)

جاء الرئيس الصيني شي جين بينغ للولايات المتحدة عام 1985، عندما كان يبلغ من العمر 31 عاما. ووصل شي إلى ولاية آيوا للتعرف على التكنولوجيا الزراعية الأميركية وأنواع علف الحيوانات، وعلى كيفية الاستفادة من النجاح الأميركي في هذه المجالات. كان شي حينذاك مسؤولا صغيرا في الحزب الشيوعي، وخلال جولته التي امتدت أسبوعين، نزل ضيفا على عائلة أميركية في بلدة موسكاتين بالولاية، ونام في غرفة مزينة بملصقات من فيلم "حرب النجوم". أحب شي ولاية آيوا، واستغرب بشدة أن الحالة الاقتصادية للفلاحين والمزارعين الأميركيين أكثر من ممتازة من النواحي المادية والمالية مقارنة بنظرائهم الصينيين.

تركت زيارة شي المبكرة للولايات المتحدة أثرا كبيرا على الرئيس الصيني، وعلى قناعاته بضرورة تحقق الغنى والثروة لبلاده ومواطنيه، وذلك على الرغم من التزامه الصارم الأيديولوجي تجاه سياسات الحزب الشيوعي الذي يراه عمودا أساسيا تعتمد عليه وتستند إليه الدول الصينية كلها.

في الوقت ذاته، بدأ العالم يدرك بهدوء أن الصين ستكون حتما أكبر اقتصاد في العالم، أو ثاني أكبر اقتصاد، ومن المستحيل عزل بكين أو إخضاعها لعقوبات مشددة، في وقت أصبحت الصين فيه الشريك التجاري الأول لأغلب دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة إذ وصل حجم التبادل التجاري بينهما عام 2020 إلى 691 مليار دولار.

يؤمن الرئيس شي أن المنافسة بين الصين والغرب هي في المقام الأول من الأهمية، منافسة بين فلسفات متنافسة. تعتقد الحكومات الغربية أن النجاح يأتي من ترك الناس يختارون مصيرهم، في حين يؤمن شي والقيادات الصينية أن الأفراد يجب أن يضحّوا بحرياتهم وخصوصيتهم وكرامتهم من أجل الصالح العام وعلى النحو المحدد من قبل الحزب الشيوعي.

تشكل القومية الماركسية التي يتبناها الرئيس شي رؤية أيديولوجية للمستقبل، حيث يقوم الحزب الشيوعي الصيني بتقييم الظروف الدولية المتغيرة من خلال منظور التحليل الجدلي.

ومنذ وصف واشنطن الرسمي للصين بأنها "منافس إستراتيجي" عام 2017، والحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، والأشكال المتبادلة (وإن كانت انتقائية) للانفصال الاقتصادي، يؤمن الرئيس الصيني أن ما أسسته واشنطن بهدف احتواء الصعود الصيني وتحقيق توازن إستراتيجي معها، مثل تحالف أواكوس مع بريطانيا وأستراليا، أو التجمع الرباعي مع الهند وأستراليا واليابان، ما هي إلا مؤسسات معادية إستراتيجيا للصين.

ومن وجهة نظره الماركسية، فإن انتصار الصين النهائي مضمون لأن القوى العميقة للحتمية التاريخية تقف إلى جانب الحزب الشيوعي الصيني، وأن أميركا في انحدار بنيوي منذ سنوات.

ولم تعرف الصين التورط في أي نزاعات عسكرية منذ انتهاء نزاع حدودي مع فيتنام عام 1979، وإن كانت تتبنى إستراتيجية توسع في بحر جنوب الصين، أجّجت خلافات على الحدود البحرية مع إندونيسيا والفلبين وفيتنام وماليزيا، إلا أنه في الوقت ذاته، تعد الصين الشريك التجاري الأول لكل هذه الدول.

ويؤمن الرئيس شي بوحدة الأراضي الصينية، وعليه تعهد وكرر تهديداته لتايوان بضرورة العودة للوطن الأم، إما طوعا أو قسرا لو تطلب الأمر.

ويتطلع الرئيس شي لدور صيني محوري في الدبلوماسية العالمية، وعليه اهتزت دوائر السياسة الخارجية الأميركية على وطء تطورين دبلوماسيين عكسا دورا متصاعدا للصين على الساحة الدولية خلال الأيام الماضية.

التطور الأول عكسته صورة التقطت من العاصمة الصينية بكين، حيث توسط وانج يي -وهو أكبر دبلوماسي صيني- بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني على شمخاني، ومستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان. والصورة الثانية جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ في موسكو.

مع الصورة الأولى، تم الإعلان عن التوصل لاتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية المقطوعة منذ 2016، وأعلنا عن عزمهما إقامة علاقات دبلوماسية خلال أسابيع، وهو ما يمثل صفعة قوية على وجه واشنطن. ومع الصورة الثانية، تم التأكيد على تعزيز التحالف بين بكين وموسكو ضد الغرب بزعامة الولايات المتحدة.

وخلال زيارته لموسكو، قال الرئيس شي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في نهاية قمتهما التي استمرت 3 أيام، إننا "في الوقت الحالي نشهد تغييرا لم نشهده منذ 100 عام، ونحن نقود هذا التغيير معا".

الوساطة الصينية قادت اتفاقا لإعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية المقطوعة منذ 2016 (رويترز)

وبالفعل، يدفع شي باتجاه مهاجمة النظام الدولي الذي أسسته واشنطن عقب نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، خاصة ما يتعلق بأهمية مبادئ حقوق الإنسان كقيم عالمية، وتقديس الديمقراطية والليبرالية السياسية.

واليوم، يدرك الرئيس شي أن عالم القرن الحادي والعشرين أصبح غنيا ومعقدا، متعدد الحضارات، ومتعدد الأقطاب، ومتعدد الأطراف، ومن هنا يمقت الرئيس الصيني رؤية واشنطن القائمة على أن العالم ينقسم إلى أبيض وأسود بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية.

يؤمن الرئيس شي أن هذه المبادئ تخدم تماما المصالح الدبلوماسية والجيوسياسية للولايات المتحدة، ويرى أنه من خلال رسم الخطوط الأيديولوجية واستخدام المعايير التي وضعتها الولايات المتحدة، فإنها تقسم المجتمع الدولي إلى ما يُسمى بالمعسكرات الديمقراطية وغير الديمقراطية، وتخلق الانقسام والمواجهة في عالم يحتاج بشكل عاجل إلى الوحدة والتعاون.

ونادرا ما يختار كبار القادة في الصين دولا أو قادة آخرين بالاسم لتوجيه انتقادات إليها، ويفضلون تركها ضمنية أو الإشارة بشكل غامض إلى "بعض البلدان" أو "دول معينة". وكرر الرئيس الصيني شي جين بينغ اسم الولايات المتحدة في تصريحات خلال الجلسة السنوية للبرلمان الصيني الشهر الماضي، وقال إن "الولايات المتحدة تقود الدول الغربية في محاولة لتطويق الصين وقمعها".

وفي 15 مارس/آذار، كشف الرئيس الصيني النقاب عن "مبادرة الحضارة العالمية"، التي تجادل بأن الدول يجب أن "تمتنع عن فرض قيمها أو نماذجها الخاصة على الآخرين، وعن تأجيج المواجهة الأيديولوجية".

وفي كلمة له، اقترح الرئيس شي المبادرة، ودعا في إطارها إلى احترام تنوع الحضارات، والدفاع عن القيم المشتركة للإنسانية، والتقدير الشديد لميراث الحضارات وابتكارها، والتدعيم المشترك للتبادلات الشعبية والتعاون على الصعيد الدولي.

في النهاية، يبقى من المؤكد أن نهج الرئيس شي ليس مرتجلا، بل منهجيا وأيديولوجيا. وقبل نصف قرن حث الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ القادة الصينيين على "إخفاء قدراتك وقضاء وقتك"، لكن الرئيس شي لا يخفي رغبته في إعادة تشكيل النظام العالمي الساري منذ عام 1945.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.