صفقة غامضة بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب الكردي

رئيس حزب الشعوب الجمهوري ومرشح رئاسة الجمهورية التركية كمال كليجدار أوغلو (الأوروبية)

حصل المرشح الرئاسي عن التحالف السداسي المعارض في تركيا كمال كليجدار أوغلو على دفعة إضافية أخرى لتعزيز فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى بالتوازي مع الانتخابات التشريعية في 14 مايو/أيار المقبل، بعد قرار تحالف العمل والحرية بقيادة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي عدم تقديم مرشح عنه للرئاسة. مع أن الحزب الكردي -الذي قد يلعب دور صانع الملوك في هذه الانتخابات- لم يذكر صراحة أنه سيدعم كليجدار أوغلو، إلا أن تخليه عن تقديم مرشح رئاسي جاء بعد لقاء جمع الرئيسين المشاركين له بكليجدار أوغلو مطلع الأسبوع الماضي، وأثمر ذلك تفاهما غير مُعلن سيدعم بموجبه حزب الشعوب كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية.

لا يزال من غير الواضح الثمن الذي حصل عليه الحزب الكردي مقابل هذا الدعم، وسيكون محل نقاش داخلي كبير في الفترة المتبقية للانتخابات، لكن بعض الوعود التي قدّمها التحالف السداسي في ورقة السياسات المشتركة، التي تلتقي مع أهداف حزب الشعوب؛ كالتعهد بمنع إغلاق الحزب في حال وصلت المعارضة إلى السلطة، والتخلي عن نظام الوصي على البلديات ذات الغالبية الكردية التي عزلت الحكومة بعض رؤسائها بسبب اتهامات لهم بالارتباط بحزب العمال الكردستاني المُصنّف إرهابيا -مهّدت الأرضية للتعاون الانتخابي بين الطرفين. علاوة على ذلك، فإن تعهد كليجدار أوغلو بإعادة نقاش المسألة الكردية في البرلمان شكّل دافعا إضافيا لهذا التعاون.

مع ذلك، فإن الغموض المتعمد في التفاهم بين حزب الشعوب وكليجدار أوغلو انطلق من دافعين أساسيين:

  • أولا- رغم أن الشراكة بين الجانبين ليست وليدة الانتخابات الحالية، وترجع إلى الانتخابات المحلية عام 2019 عندما أسهم دعم حزب الشعوب الديمقراطي للمعارضة في فوزها ببلديات كبرى، إلا أن هذه الشراكة ظلّت غير مُعلنة. ويرجع السبب في ذلك إلى مخاوف كليجدار أوغلو من أن تؤدي شراكة مُعلنة مع الحزب إلى تفكك التحالف السداسي، لا سيما أن حزب الجيد القومي -الذي يُعد ثاني أكبر حزب في التحالف- يُعارض مثل هذه الشراكة لخشيته من تأثيرها على قاعدته القومية. كما أن كليجدار أوغلو حصل على مباركة ضمنية من حزب الجيد للمضي في التفاهم مع حزب الشعوب على اعتبار أنه تفاهم ثنائي ولا يصل إلى حد انخراط الحزب الكردي في الطاولة السداسية. بالإضافة إلى إدراك زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار صعوبة فوز المعارضة في الانتخابات الرئاسية من دون الحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطي؛ فإن الأزمة الأخيرة التي عصفت بالتحالف على خلفية المرشح الرئاسي المشترك أدّت إلى انسحاب مؤقت لأكشنار من التحالف قبل العودة إليه وضعتها في موقف ضعيف وحدّت من قدرتها على مقاومة ضغوط كليجدار أوغلو والأحزاب الأخرى في التحالف للانفتاح على الحزب الكردي.
  • ثانيا- رغم أن حزب الشعوب الديمقراطي لا تجمعه أيديولوجية سياسية واضحة مع الطاولة السداسية، والحال نفسها تنطبق على الأحزاب الستة في الطاولة، فإنه يلتقي معها على هدف رئيسي واحد على الأقل، وهو إنهاء حكم أردوغان. كما أن الحزب لا يزال مُتشككا على الأرجح في قدرة كليجدار أوغلو على تنفيذ الوعود (المُعلنة وغير المُعلنة) التي قدّمها له، ويُرهن تحويل الدعم الضمني له إلى علني بالحصول على ضمانات ملموسة والضغط على أعضاء الطاولة السداسية الآخرين في الفترة المتبقية للانتخابات للاعتراف بالحزب الكردي بشكل صريح كشريك للطاولة السداسية.

تبرز فرضية أخرى في دوافع الحزب لتقديم دعم ضمني لكيجدار أوغلو، وهي أنه يسعى لإبقاء موقفه الانتخابي غامضا إلى حين اتّضاح خارطة التحالفات الحزبية بشكل كامل والحصول على أكبر قدر من المكاسب من كليجدار أوغلو. رغم أن كليجدار أوغلو يحظى بفرص قوية لهزيمة أردوغان في الانتخابات، فإن هذا الفوز لا يزال غير مضمون، ولا تزال بعض استطلاعات الرأي الأكثر مصداقية تُشير إلى أن أردوغان لا يزال قادرا على الفوز. بهذا المعنى، فإن حزب الشعوب يُراقب أيضا تحركات خارطة التحالفات الحزبية للخروج بموقف واضح لتعزيز الدور الذي يطمح إليه في هذه المنافسة وهو لعب دور صانع الملوك.

بمعزل عن طبيعة التفاهم المُبرم بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي، فإنه جعل الحزب شريكا لا غنى عنه للطاولة السداسية، ومن المرجح أن تلعب هذا الشراكة دورا أساسيا في رسم السياسات الداخلية والخارجية التي تنوي المعارضة انتهاجها في حال وصلت للسلطة، خاصة في ما يتعلق بمقاربة المسألة الكردية الداخلية والصراع الذي تخوضه تركيا منذ فترة مع حزب العمال الكردستاني في الداخل والخارج ومع ذراعه السوري وحدات حماية الشعب الكردية. مع أن جزءا من الصفقة بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب يبدو أكثر وضوحا، لا سيما في مسألة الوضع المستقبلي للحزب الكردي وإلغاء نظام الوصي، ومناقشة المسألة الكردية في البرلمان، إلا أن الجزء الآخر غير المرئي في هذه الصفقة يكتسب أهمية أكبر.

في حين أن التحالف السداسي بدا متحررا مما تفرضه الصفقة خاصة في الجوانب المرتبطة بإشراك الحزب في الطاولة السداسية، ومنحه حقائب وزارية في الحكومة المستقبلية، إلا أن المكاسب الكبيرة التي يتطلع إليها الحزب الكردي لا تتعلق بشكل أساسي في المشاركة في السلطة. ما يبدو واضحا في هذه الصفقة الغامضة أن حزب الشعوب سيلعب دورا حاسما في السياسات الأكثر أهمية على مستقبل تركيا بقدر أكبر من الأحزاب الأخرى المنخرطة في التحالف السداسي، خصوصا في ما يتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب.

تبدو الأسئلة الأكثر إلحاحا في هذه الصفقة تتعلق بما إذا كان كليجدار أوغلو وعد حزب الشعوب بتعزيز الحكم الذاتي في المناطق ذات الأغلبية الكردية ووقف العمليات العسكرية التركية ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا وحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

بعيدا عن هذه الأسئلة التي لا يُمكن إيجاد إجابات واضحة لها، فإن من المهم مقاربة التفاهم بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي من منظور الحاجة الانتخابية أولا. قد يجد كليجدار أوغلو نفسه مُتحررا من النقاط المحتملة المثيرة للجدل والإشكالية في هذه الصفقة في حال وصل إلى السلطة، لكن الموقف القوي لحزب الشعوب الديمقراطي سيبقى قائما بعد الانتخابات. حتى لو استطاع كليجدار أوغلو حسم المنافسة الرئاسية لصالحه، فإن التحالف السداسي للمعارضة يبدو عاجزا وحده في تحقيق أغلبية برلمانية تُساعده في تعديل الدستور وإلغاء النظام الرئاسي والتحول إلى نظام برلماني مُعزز، مما يُظهر أن حاجة التحالف لحزب الشعوب الديمقراطي ستظل قائمة بعد الانتخابات.

لقد أثبت كليجدار أوغلو براعته في جمع تشكيل من مجموعة من الأحزاب السياسية التي تختلف أيديولوجيا عن بعضها البعض اختلافا جذريا، وأقام تعاونا تحت الطاولة مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في الانتخابات المحلية الأخيرة، ونجح مُجددا في مواصلة هذا التعاون في الانتخابات المقبلة، لكنّ قدرته على مواصلة اللعب على هذه التناقضات ستكون موضع شك عندما ينتقل من قيادة المعارضة إلى رئاسة تركيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.