ثورة الذكاء الصناعي في مجال الأفلام

AI love you
الفيلم التايلندي "حب الذكاء الصناعي" المعروض على شبكة نتفليكس (مواقع التواصل الاجتماعي)

تخطو "لانا" إلى مقر عملها فيلقي روبوت آلي عليها التحية. وحين تنتهي من أحد اجتماعات العمل وتخرج منه محبطة يواسيها الروبوت المصمم داخل أحد المباني الذكية التي تستخدم تقنية الذكاء الصناعي لتقديم خدمات من الأنشطة اليومية بشكل آلي للبشر مثل الطهي وغيره.

تخوض في نقاش مع الروبوت الذي يقول لها إنه يحبها ويعرض عليها مساعدة مهنية في مجال عملها. تنبهر "لانا" من التصميم البديل الذي أعده لها الروبوت "روب" وتبدأ في الدخول معه في حوار على المستوى الشخصي لكنها ترفض الدخول معه في علاقة عاطفية لأنه آلة وليس بشرا. يهرب الروبوت إلى جسد رجل ويحاول أن يفوز بقلب الفتاة في فيلم تايلندي يدور حول "حب الذكاء الصناعي" ويحمل الاسم نفسه من إخراج "ديفيد أسافانوند" و"ستيفان زلوتيسكو" وتعرضه شبكة نتفليكس.

يتم تصنيف الفيلم على أنه من فئات الخيال العلمي وهو ليس خياليا بالكامل، فمساحة التقطعات بينه وبين الحياة الحديثة التي تعتمد على الآلات والذكاء الصناعي كبيرة. ويعرض للتزاوج الذي حدث بين الذكاء الصناعي من جهة والآلات والأدوات التي يستخدمها الناس يوميا من جهة أخرى، وكيف يمكن لهذا التوغل أن يصل إلى الجانب العاطفي بين البشر ويحل محلهم أحيانا. وربما لا يدرك كثيرون أن ظهور مثل هذا الفيلم، أو غيره من الأفلام ضمن قائمة الأفلام لمن يفتح الشاشة الرئيسية لشبكة نتفليكس، هو ترشيح شخصي له وحده من قبل لوغاريتمات الذكاء الصناعي، ولن يظهر لصديقه الذي يفتح حسابه حتى لو كان جالسا بجواره. فهذه المنصات الفيلمية تعتمد بشكل كبير على الذكاء الصناعي على كافة المستويات، كما سنعرض في هذه المقالة.

قديما كانت موهبة مخرج ومؤلف الفيلم وباقي طاقم العمل تقوم بدور رئيسي في نجاحه وانتشاره. أي أن التقدير البشري للعمل الفني كان هو العامل الرئيسي. أما الآن فيقوم الذكاء الصناعي بدور رئيسي في تحديد نوعية وشكل الإنتاج، والنطاق الجغرافي للتوزيع، وأيضا فهم مزاج وشخصية المشاهد بشكل فردي لتصميم ومن ثم ترشيح أفلام ومسلسلات يضمن أنه لن يقاوم إغراء مشاهدتها لأنها اختيرت خصيصا لتناسب اهتماماته وتطلعاته وحالته النفسية.

الذكاء الصناعي يساعد على التصنيف السريع للأفلام من دون التقدير البشري سواء أكانت مناسبة للأطفال أو المراهقين أم لا وبالتالي وضع الشارات والعلامات التحذيرية عليها. بالإضافة إلى أن للذكاء الصناعي دورا هاما في عملية إصلاح أي خلل تقني على مستوى الصورة أو الصوت بدلا من الطريقة اليدوية التقليدية التي تعتمد على الملاحظة البشرية

وينبغي التنويه هنا إلى أن الذكاء الصناعي في مجال الأفلام مثل غيره من المجالات يعتمد على 3 عناصر رئيسية، وهي تحليل البيانات، والتعلم الآلي أي الضبط الآلي لعملية فرز هذه البيانات، وأخيرا توظيف هذه المخرجات. وإذا طبقنا هذا على مجال إنتاج الأفلام نجد أنه يدخل سيناريو الفيلم إلى برامج الذكاء الصناعي ليقوم بتقييمه آليا بدلا من أخذ الانطباع من المشاهد قبل العرض. ويقوم البرنامج بتحديد نسبة العنف أو الألفاظ أو المشاهد الإباحية، والخروج بتوصيات سواء بتخفيف أو ترك هذه النسبة أو المشاهد بحسب المعايير التي تمت برمجته عليها مسبقا.

وربما الدور الأهم للذكاء الصناعي في مجال الأفلام هو مشاركته في عملية تأليف وكتابة نصوص الأفلام. فعند تغذية برامج الذكاء الصناعي بمئات أو آلاف سيناريوهات الأفلام التي حققت رواجا جماهيريا كبيرا، والتي حصدت جوائز هامة، تستطيع هذه البرامج أن تقدم نصوصا شبيهة اعتمادا على عملية الهضم والاستيعاب لقواسم النجاح المشتركة التي أوصلت هذه الأفلام لهذا النجاح.

ولذلك فإن كثيرا من نصوص أفلام هوليود تعتمد في تأليفها على هذه الآلية. الأمر نفسه ينطبق على تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام ومسلسلات.

مخاطر ومزايا الذكاء الصناعي في الأفلام

ويعد دور الذكاء الصناعي في مجال الأفلام والمسلسلات ثورة تقنية بكل معنى الكلمة. فبدون هذه الكلمة السحرية ما كان يمكن لمنصات، مثل نتفليكس وأمازون برايم وآبل بلس وغيرها، أن تحظى بكل هذا الإقبال والجماهيرية، وذلك بسبب الآلية التسويقية الشخصية والتي سبق ذكرها. كما أن الذكاء الصناعي يساعد على التصنيف السريع للأفلام من دون التقدير البشري سواء أكانت مناسبة للأطفال أو المراهقين أم لا، وبالتالي وضع الشارات والعلامات التحذيرية عليها. بالإضافة إلى أن للذكاء الصناعي دورا هاما في عملية إصلاح أي خلل تقني على مستوى الصورة أو الصوت بدلا من الطريقة اليدوية التقليدية التي تعتمد على الملاحظة البشرية أثناء عملية المونتاج أو المراجعة مما يوفر وقتا وجهدا كبيرين.

في مراحل ما قبل الإنتاج، الأمر يتعدى هذه الجوانب أيضا ويشمل اختيار مواقع التصوير واختيار الممثلين أنفسهم. كما يشمل أيضا اختيار نوعية وموضوع ومحاور المسلسل أو الفيلم والنطاق الجغرافي المستهدف بالإنتاج. ولذلك نجد أن كل الأفلام والمسلسلات على هذه المنصات ليست متاحة في كل البلدان. وهذا بسبب تجنب الضغط التقني الشديد لكثافة المستخدمين، ولكنه يتعلق أيضا بالنطاق الجغرافي للمشاهدين والذين يتم تصميم أو عرض أعمال خاصة بهم. لهذا فإن نسب نجاح وانتشار مسلسلات وأفلام هذه المنصات كبيرة جدا بعكس الإنتاج العادي الذي لا يعتمد على كل هذه المعلومات.

الجانب السلبي لهذه التقنية الحديثة أنها تتيح لجهة الإنتاج التحكم بشكل رئيسي في نوعية العمل الفني، وبالتالي يمكن أن تزيد أو تنقص منه كما تشاء وتدس فيه ما تراه من أفكار وآراء وتضمن في الوقت ذاته أنه سيحظى بنسبة مشاركة عالية. وهنا لم يعد الأمر مقتصرا على الإبداع الفردي وهو المكفول في معظم القوانين كرؤية ذاتية جمالية للكون والحياة، وإنما هندسة ثقافية مقصودة ومبرمجة. وسيلاحظ كثير من المشاهدين أن هناك حلقات ومشاهد منبتة الصلة عن السياق القصص العام للمسلسل أو الفيلم المعروض على هذه المنصة الفيلمية أو تلك. لكنهم يمرون عليها مرور الكرام طمعا في استكمال بقية الخط القصصي والاستمتاع به. وهذه الفجوة تعبر غالبا عما نقصده من دس مشاهد وحوارات ليست ذات صلة وسط العمل الفني الذي ضمن له الذكاء الصناعي مستوى عاليا من الانتشار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.