مونديال قطر يحيي هواجس الربيع العربي لدى إسرائيل

وضع مونديال قطر 2022 الإسرائيليين نخبا وجمهورا أمام المرآة، حيث تهاوت أمام ناظريهم فجأة السردية التي عمل قادتهم على تسويقها على مدى عامين، والتي قامت على الزعم بأن اتفاقات التطبيع قد أسست لفك ارتباط الشعوب العربية بفلسطين وقضيتها.

لم يتمكن الصحفيون الإسرائيليون الذي أوفدوا لتغطية أحداث المونديال ولا مقدمو البرامج الحوارية في قنوات التلفزة وضيوفهم الذين علقوا من الأستوديوهات من تل أبيب والقدس المحتلة من إخفاء شعورهم بالإحباط والصدمة من مظاهر التفات جماهير مشجعي الفرق العربية التي شاركت في المونديال حول فلسطين وقضيتها، والتي تمثلت بالهتاف لها ورفع العلم الفلسطيني والتعبير عن الرفض لإسرائيل عبر عدم قبول إجراء مقابلات مع الصحفيين الإسرائيليين.

العنوان الرئيسي الذي حملته صحيفة "إسرائيل اليوم" -وهي أوسع الصحف الإسرائيلية انتشارا- على صفحتها الأولى بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي هو الأكثر تعبيرا عن حجم الإحباط من موقف الجماهير العربية من إسرائيل كما عكس ذلك مونديال قطر، حيث جاء فيه "إنهم لا يحبوننا ولا يرغبون بوجودنا".

وقد ظن موفدو الإعلام الإسرائيلي الذين توجهوا لتغطية المونديال أنه سيتم التعاطي معهم كسائر الصحفيين الأجانب الذين قدموا لنفس المهمة، فإذا بهم يُفاجؤون بمواقف الجماهير العربية المبدئية من الصراع مع الاحتلال، والتي عكست وحدة موقف الأمة من هذا الكيان بوصفه كيان احتلال دخيل.

وقد تسببت مظاهر احتفاء الجماهير القطرية والعربية بفلسطين وقضيتها بإحراج معلقي الشؤون العربية والمستشرقين الذين دأبت قنوات التلفزة الإسرائيلية منذ التوقيع على أول اتفاق تطبيع في أغسطس/آب 2020 على استضافتهم، حيث توسعوا في إمطار المتلقي الإسرائيلي بما اعتبروها "مؤشرات" على التحولات التي طرأت على توجهات الجماهير العربية من فلسطين وقضيتها عبر الاستناد إلى ما يقوله ويكتبه بعض المرتبطين بأنظمة الحكم العربية، وقد أقر بعض هؤلاء بأن تقديراتهم السابقة لم تكن تعبر عن حقيقة توجهات الشعوب العربية.

ولعل العنوان الرئيسي الذي حملته صحيفة "إسرائيل اليوم" -وهي أوسع الصحف الإسرائيلية انتشارا- على صفحتها الأولى بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي هو الأكثر تعبيرا عن حجم الإحباط من موقف الجماهير العربية من إسرائيل كما عكس ذلك مونديال قطر، حيث جاء فيه "إنهم لا يحبوننا ولا يرغبون بوجودنا".

وكما كتب راز شكنيك موفد صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى المونديال في حسابه على تويتر، فإنه وزملاءه توقفوا عن التعريف عن ذواتهم أمام الجماهير القطرية والعربية كإسرائيليين، بل كصحفيين من الإكوادور، بعد أن لمسوا مستوى الرفض الشعبي للكيان الذي ينتسبون إليه.

ومما لا شك فيه أن مونديال قطر 2022 دلل بما لا يقبل مجالا للشك على أن الحملات الدعائية التي شنتها إسرائيل في العامين الماضيين بهدف التأثير على الوعي الجمعي للشعوب العربية قد باءت بفشل ذريع، فاعتماد المؤسسات الحكومية الإسرائيلية وجيش الاحتلال الدبلوماسية الرقمية عبر تكثيف الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي العربية وإغراقها بالرسائل الهادفة إلى استمالة الجماهير العربية عبر التركيز على ثمار التطبيع والتعاون مع إسرائيل أثبت أنه لم ينجح في إحداث تأثير يذكر على الوعي الجمعي العربي.

لقد تبين للقائمين على ماكينة الدعاية الإسرائيلية أن تخصيص الموارد البشرية والمادية وتدشين الحسابات باللغة العربية على مواقع التواصل بهدف التأثير على توجهات الجماهير العربية لم ينجح في أن يلامس الصورة الواقعية التي تكرست لإسرائيل في الذهنية العربية ككيان محتل غاصب يمارس أبشع الجرائم ضد شعب عربي أعزل.

ودفع الإحباط من ردة فعل الجماهير العربية بعض نخب الحكم في تل أبيب إلى ردود فعل نزقة، حيث هاجم النائب عن حزب الليكود عمي حاي شيكلي -الذي من المتوقع أن يشغل منصب وزير في حكومة بنيامين نتنياهو القادمة- قطر بسبب رد فعل الجماهير القطرية والعربية، ووصفها في تغريدة في حسابه على تويتر بأنها "دولة عدو وتشجع الإرهاب".

لكن عندما جبنت الحكومة الإسرائيلية والناطقون باسمها عن الاعتراف بفشل جهودها على صعيد حرب الوعي راحت تكيل التهم لقطر بوصفها الدولة المنظمة للمونديال وتحميلها المسؤولية عن سلوك الجماهير العربية والقطرية المحتفية بفلسطين والرافضة لإسرائيل، فقد احتجت الخارجية الإسرائيلية رسميا لدى قطر على سلوك الجماهير العربية تجاه موفدي وسائل الإعلام الإسرائيلية رغم أن أيا منهم لم يتعرض لأي اعتداء مادي.

إن هذا الاحتجاج يعكس في الواقع النفاق وازدواجية المعايير التي تحكم سلوك إسرائيل، فإسرائيل التي قتلت 55 صحفيا فلسطينيا منذ العام 2000 وتواجه دعوى قضائية أمام محكمة الجنائية الدولية قدمتها شبكة الجزيرة الإعلامية بسبب اغتيال مراسلتها في الأراضي الفلسطينية شيرين أبو عاقلة تغضب لمجرد أن الجماهير العربية عبرت أمام صحفييها عن مواقفها من فلسطين وقضيتها.

وأثار هذا النفاق استفزاز بعض الصحفيين الإسرائيليين الموضوعيين، حيث استهجن تسيون نانوس الصحفي في القناة الـ12 الإسرائيلية في سلسلة تغريدات من رد الفعل تجاه مواقف الجماهير العربية من إسرائيل، معتبرا إياها طبيعية في ظل السياسات التي تتبناها كدولة احتلال تجاه الفلسطينيين.

وكتب نانوس "للأسف في نظر جزء كبير من العالم وبكل تأكيد العالم العربي نحن نمثل نظام الفصل العنصري الذي كان قائما في جنوب أفريقيا حتى ثمانينيات القرن الماضي"، لافتا إلى أن الرفض لإسرائيل الذي يعبر عنه طلاب الجامعات الأميركية بسبب سياساتها تجاه الفلسطينيين لا يقل صخبا عن رد فعل المشجعين العرب في مونديال قطر 2022.

وسخر أساف كامر الصحفي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" من انزعاج زملائه الذين أوفدوا لتغطية أحداث المونديال، حيث أشار في مقال نشرته الصحيفة إلى أنه "يحسد" زملاءه على ظروف العمل التي يتمتعون بها في الدوحة، في ظل الاعتداءات التي تعرض لها شخصيا والكثير من أقرانه في المدن الإسرائيلية على أيدي جماعات يهودية متطرفة أثناء أدائه مهامه كصحفي.

لقد أحيا مونديال قطر 2022 في الواقع كابوس الرعب الذي أثار الفزع في أوساط القيادات الإسرائيلية عند تفجر ثورات الربيع العربي أواخر 2010 عندما تبين للإسرائيليين أن الالتفاف حول فلسطين وقضيتها هو أهم ما مثل عهد الثورات الذي كان قصيرا.

وقد أجمعت الأدبيات الإسرائيلية التي تناولت تجربة ثورات الربيع العربي على أن نجاح عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي سيملي على الحكومات المنتخبة أن تراعي توجهات الرأي العام العربي، وتحديدا تجاه إسرائيل، مما سيقلص قدرتها على مواصلة سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.

وعزز مونديال قطر لدى إسرائيل صدقية الاستنتاج الذي ولجت إليه الكثير من نخبها بعد ثورات الربيع العربي أن ضمان أمنها وتحقيق مصالحها الإستراتيجية والإقليمية يتوقفان بشكل أساسي على الحفاظ على طابع بعض النظم السياسية الحاكمة القائمة في المنطقة، والتي لا تراعي سياساتها الخارجية توجهات الرأي العام.

وإن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو قد بشر الجمهور الإسرائيلي بعيد تكليفه بتشكيل الحكومة القادمة بالتوصل إلى مزيد من اتفاقات التطبيع فإنه قد بات من الواضح لدى هذا الجمهور أنه حتى لو وفى نتنياهو بتعهده فإن هذه الاتفاقات ستعبر فقط عن توجهات نظم الحكم التي ستوقع عليها ولن تكون ملزمة للجماهير العربية التي ستعبر عن حقيقة موقفها من إسرائيل في أي فرصة تسنح لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.