هل يوقف فوز نتنياهو مسار التقارب بين تركيا وإسرائيل؟

General elections in Israel
زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو يلوح وهو يخاطب مؤيديه في مقرّ حزبه خلال الانتخابات العامة الإسرائيلية في القدس (رويترز)

أتى فوز الائتلاف الذي يقوده بنيامين نتنياهو في الانتخابات "الإسرائيلية" مؤخرا بعد أيام قليلة من استعادة العلاقات التركية "الإسرائيلية"، وإعادة تعيين سفير لكل منهما لدى الآخر، مما طرح علامات استفهام حول موقف نتنياهو من العلاقات المستعادة وفرص استمرار هذا المسار الذي بدأ واستُكمِل في غيابه.

تقارب حذر

تراجعت العلاقات بين تركيا ودولة الاحتلال إثر سحب تركيا سفيرها في تل أبيب وإعلانها السفير "الإسرائيلي" لديها شخصا غير مرغوب به في أيار/مايو 2018، احتجاجا على قتل الاحتلال عشرات الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة وكذلك على نقل السفارة الأميركية للقدس.

لكن تركيا سعت لاحقا ومنذ نهايات 2020 لتحسين علاقاتها مع عدد من الأطراف الإقليمية التي شهدت علاقاتها معها توترا وتراجعا خلال السنوات الماضية، ومن بينها إسرائيل، إلا أن مسار التقارب مع الأخيرة لم يكن بالسهولة التي توقعتها أنقرة بسبب تشكيك المؤسسة الأمنية والعسكرية "الإسرائيلية" بنوايا الرئيس التركي وأهدافه من تطوير العلاقات معها.

 ما صدر من تصريحات تركية في جانب العلاقات مع "إسرائيل" يرضي الأخيرة بالحد الأدنى، بدءا بالحرص على تطويرها وتعزيزها، مرورا بـ"مراعاة كل طرف حساسيات الطرف الآخر"

بعد إشارات متعددة من أنقرة حول رغبتها بتحسين العلاقات، كان التواصل الأول هاتفيا بين أردوغان ونظيره "الإسرائيلي" هيرتسوغ قبل عام كامل، أي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. وعلى مدى عام كامل تكرر التواصل بين الجانبين على شكل اتصالات هاتفية بين أردوغان من جهة وهيرتسوغ ولبيد وبينيت من جهة ثانية، وتوّج المسار بزيارة هيرتسوغ لأنقرة ولقائه مع أردوغان في مارس/آذار الفائت، ثم زيارة وزير خارجية كل طرف للآخر. ومع نهايات العام، التقى أردوغان رئيس الحكومة "الإسرائيلية" يائير لبيد في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، قبل تعيين سفير لكل طرف لدى الآخر، ثم استقبال أردوغان لوزير الدفاع بيني غانتس في أنقرة.

كان نتنياهو، بشخصه وتصريحاته وسياساته، عقبة أمام تقدم العلاقات بين الجانبين، كما أن أنقرة حمّلته مع حكومته مسؤولية تراجع العلاقات معها. ولذلك فقد كانت خسارته الانتخابات العام الفائت فرصة بالنسبة لأنقرة للسعي نحو تحسين العلاقات، كما أنه لا تربطه علاقات جيدة مع الرئيس التركي الذي يولي أهمية خاصة للبعد الشخصي بين السياسيين. بل من الممكن القول إن الجانبين تعمّدا تبادل السفراء وتثبيت مسار العلاقات بينهما قبل انتخابات الكنيست الأخيرة، سعيا لبناء أمر واقع يصعب التراجع عنه تحسبا لفوز نتنياهو، وهو ما كان.

فهل يتراجع نتنياهو بعد فوزه الذي يرشحه لتشكيل الحكومة، عن مسار التقارب مع أنقرة؟

فوز نتنياهو

لا يبدو ذلك مرجّحا، بل المتوقع الاستمرار في مسار التقارب بين الجانبين وإن كان سيحدث بوتيرة مختلفة.

فمن جهتها، لا تخفي تركيا رغبتها في تعزيز التقارب مع "إسرائيل" بعد فوز نتنياهو، كما جاء على لسان الرئيس التركي في أول تصريح له بعد ظهور النتائج الأولية للانتخابات. ومن جهة ثانية، لا يبدو أن تطورات القضية الفلسطينية -أو بكلمة أخرى سياسات الاحتلال ضد الفلسطينيين- ستكون عائقا أمام استمرار العلاقات، بعد أن تحدث أردوغان عن الفصل بين علاقات بلاده بـ"إسرائيل" وبين سياساتها ضد الفلسطينيين.

لا يمكن القول إن أنقرة سعيدة بنتائج الانتخابات "الإسرائيلية" الأخيرة.  يتبدى ذلك في تصريح الرئيس التركي مباشرة بعد الانتخابات، والذي خلا من أي تهنئة لنتنياهو (أتت التهنئة بعد أيام)، وفي استقبال أردوغان بنفسه لوزير الدفاع "الإسرائيلي" بيني غانتس قبل أيام فقط من الانتخابات، وهو ما يمكن قراءته كمحاولة لدعم حظوظه فيها. لكن ذلك لا يعني زهد أنقرة في تطوير العلاقات، بل يمكن القول إن الرئيس التركي قد رمى الكرة في ملعب نتنياهو بعد أن عبّر عن تمسك بلاده بالمسار.

من جهة ثانية، ثمة ما هو مختلف في مسار تطوير العلاقات بين الجانبين هذه المرة عن سابقاتها، وفي مقدمة ذلك أنها تأتي في ظل مسار تركي للتهدئة والتقارب مع أكثر من طرف إقليمي، وبعد اتفاقات التطبيع بين الاحتلال وعدد من الدول العربية، ودون تنفيذ أي طرف لشروط الطرف الآخر، وفي ظل حالة عدم استقرار واضحة لدى دولة الاحتلال، مما يشي بأن التقارب الحالي مرشّح لأن يكون أكثر استقراراً وأطول عمراً من سابقاته. ومن مظاهر هذا الاختلاف إرسال أردوغان رسالة تهنئة له بالفوز في الانتخابات.

ومن جهة ثالثة، يعود نتنياهو للحكم في ظروف مختلفة تماماً عن فترة رئاسته السابقة للحكومة، وتحديدا ما يتعلق بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. فالعلاقات مع روسيا والبعد الشخصي مع بوتين أبعد ما يكونان عن الفترة السابقة، ولا تبقي الحرب وموقف الولايات المتحدة منها فضلا عن موقف دولة الاحتلال الداعم لأوكرانيا، مساحات واسعة للمناورة أمام نتنياهو.

ويضاف لما سبق بعض مسارات التعاون أو ملفات الاهتمام المشترك بين الجانبين، وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية (مجددًا) والقضية السورية والملف الإيراني وغاز شرق المتوسط، ولعل ذلك مما يفسر تزامن زيارة وزير الدفاع الأذربيجاني لأنقرة مع زيارة غانتس لها.

ورغم أن تركيا كررت على لسان وزير خارجيته رفضها لشرط دولة الاحتلال لتطوير العلاقات، والمتمثل في طرد قيادات فلسطينية يزعم الأخير إقامتها فيها والعمل ضده انطلاقاً من أراضيها؛ فإن ذلك لم يمنع استقبالها وزير السياحة "الإسرائيلي" بعد الانتخابات بأيام في دلالة لا تخفى.

كما أن ما صدر من تصريحات تركية في جانب العلاقات مع "إسرائيل" يرضي الأخيرة بالحد الأدنى، بدءا بالحرص على تطويرها وتعزيزها، مرورا بـ"مراعاة كل طرف حساسيات الطرف الآخر"، وليس انتهاءً بتصريح أردوغان بخصوص الفصل بين العلاقات مع تل أبيب وبين سياساتها وممارساتها ضد الفلسطينيين، وإن كان التصريح الأخير يحمل معنيَيْنِ متناقضَيْن ظاهريا.

ذلك أن هذه التصريحات تتضمن متغيرا مستجدا بالنسبة لأنقرة لم يكن موجودا في السابق، إذ إن تدهور العلاقات بين الجانبين في عهد العدالة والتنمية، عام 2010 ثم عام 2018، كان مرتبطا بشكل مباشر بسياسات الاحتلال تجاه الفلسطينيين. وهذا يعني أن العلاقات بين الجانبين ستكون أمتَنَ في المدى المنظور مما كانت عليه سابقا من جهة، وأن موقف تركيا من القضية الفلسطينية عموما وفصائل المقاومة بشكل أخص مفتوح على احتمالات التغيير نسبيا في المستقبل.

يضاف لكل ما سبق، كقرينة عملية، الاتصال الهاتفي بين أردوغان ونتنياهو بعد تكليف الأخير رسميا بتشكيل الحكومة في "إسرائيل"، والذي جاء بمبادرة منه للتعزية في الهجوم الذي حصل في منطقة تقسيم في إسطنبول، وهنأه خلاله أردوغان بفوزه في الانتخابات مرة أخرى. وقد قال أردوغان في الاتصال لنتنياهو إن العلاقة بين الجانبين "دخلت في مرحلة جديدة بفضل الإرادة القوية التي أظهراها"، وإن ثمة  مصلحة مشتركة في "استمرار العلاقات وتقويتها على أرضية قابلة للاستدامة، بناء على المصالح المتبادلة وعلى أساس مراعاة كل طرف لحساسيات الآخر".

ولذلك، ختاما، لا يبدو أن هناك سببا جوهريا سيدفع نتنياهو للتراجع عن خطوة تبادل السفراء، فضلا عن أن تفعل أنقرة ذلك، وبالتالي فمسار العلاقات بين الجانبين غير مرشح للتراجع أو الانقطاع أو القطيعة. ولا يبدو أن تطور علاقات "إسرائيل" بتركيا يواجه اعتراضاً حقيقياً من اليونان، خصوصاً أن المسؤولين في الأولى أكدوا أكثر من مرة أنها ليست بديلاً عن العلاقات الخاصة مع الأخيرة، لا سياسيا ولا بخصوص غاز شرق المتوسط.

لكن، في المقابل، لن يكون نتنياهو بنفس حماسة الآخرين في تل أبيب بخصوص العلاقات مع تركيا، ولا سيما بالعلاقة المباشرة مع أردوغان، مثل هيرتسوغ ولبيد وبينيت وغانتس. ولذلك ستبقى العلاقات بين الجانبين على الأرجح في مستواها الحالي مع احتمال حصول تطور تدريجي بطيء، طالما غابت أي تطورات كبيرة مفاجئة ولا سيما على صعيد القضية الفلسطينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.