لماذا تعد منصّة "تيك توك" بيئة غير آمنة للمراهقين؟

يتم تزويد ملايين المراهقين والشباب يوميا بمحتوى على "تيك توك" يرسم صورة غير واقعية وغير دقيقة عن الطعام والتغذية والصحة (بيكسلز)

أظهرت دراسة حديثة، نُشرت نتائجها في مجلة "بلوس وان" (PLOS One)، أن مقاطع الفيديو حول فقدان الوزن وصورة الجسم على منصّة "تيك توك" (TikTok) يمكن أن تكون ضارة بالصحة العقلية للمراهقين.

وتعد "تيك توك" واحدة من أشهر منصات التواصل الاجتماعي في العالم، وقد بدأت شعبيتها في الارتفاع مع انتشار جائحة كورونا عام 2020، عندما بدأ الجميع العمل وتمضية معظم أوقاتهم في المنزل.

ووفقا لموقع "ذا هيل" (The Hill) الأميركي فإنه خلال ذلك الوقت، شهد التطبيق نموا بنسبة 180% بين المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاما. ويُعد التطبيق أحد أكثر منصات التواصل الاجتماعي شيوعا بين الشباب الأميركي، إذ أبلغ 67% من المراهقين أنهم يستخدمون المنصة في عام 2022.

وبيّنت الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعة فيرمونت الأميركية، أن محتوى "تيك توك" يروّج لنظام غذائي غير صحي وثقافة مقيدة للأغذية، خصوصا في سن المراهقة. كما يساهم التطبيق في اضطراب الأكل وعدم الرضا عن الجسم لدى شريحة واسعة من المستخدمين.

ووجد الباحثون، كذلك، أنه يتم تمجيد فقدان الوزن والتركيز على الطعام كوسيلة لتحقيق النحافة والصحة على المنصة الشهيرة. ورغم أن غالبية المجتمعات اليوم تميل إلى مساواة الصحة بالنحافة، فإنه ينبغي عدم استخدام الوزن كمقياس منفرد للصحة، إذ إن الأخيرة أكثر دقة وتعقيدا.

ترامب يمهل مايكروسوفت 45 يوما للاستحواذ على تيك توك
شهد التطبيق نموا بنسبة 180% بين المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاما خلال جائحة كورونا (الأوروبية)

بيئة "تيك توك" صعبة للمراهقين

في عام 2021، انتشر فيديو لمدربة اللياقة البدنية لوسي بيرغين على تطبيق "تيك توك" لخسارتها 35 رطلا (15.8 كيلوغراما) في 6 أشهر. وحصدت مقاطع الفيديو الخاصة بها أكثر من 12 مليون مشاهدة. ومنذ ذلك الحين، شهدت منصة "تيك توك" انفجارا في مقاطع الفيديو المعيارية للوزن وثقافة النظام الغذائي.

ويؤدي وقوع المراهقين في براثن مثل هذه الفيديوهات إلى جعل "تيك توك" بيئة صعبة للشباب الصغار، ممن يمثلون المستخدمين الرئيسيين للمنصة.

ويعد التعرض للرسائل الصحية الضارة أمرا صعبا، خصوصا بالنسبة إلى المراهقين، لأنهم يشعرون بالضغط، الفسيولوجي والنفسي، من أجل التأقلم. وأظهرت الدراسات السابقة بالفعل وجود علاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وانتحار المراهقين وإيذاء النفس.

تقول ليزي بوب، المؤلفة المشاركة في الدراسة، إنه يتم تزويد ملايين المراهقين والشباب يوميا بمحتوى على "تيك توك" يرسم صورة غير واقعية وغير دقيقة عن الطعام والتغذية والصحة. وقد فوجئ الباحثون بالفعل بمدى انتشار موضوع الوزن على هذه المنصة. كما توضح بوب حقيقة مشاهدة مليارات الأشخاص لمحتوى عن الوزن على الإنترنت والدور الخطير الذي تلعبه ثقافة النظام الغذائي في المجتمعات.

تطبيق تيك توك يؤثر في حياة المراهقين (الجزيرة)

انعدام شفافية المؤثرين

ووفقا لموقع "هيلث لاين" (Healthline)، فإنه غالبا ما تكون وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للافتعال، ولكن الآخرين يأخذون الأمر على أنه واقع حقيقي. وهذا قد يولّد حالة من عدم الرضا عن حياتنا أو أجسادنا.

فعندما يقدّم شخص لديه جسد مثالي، معلومات عن التغذية، فمن السهل الاعتقاد بأن هذه المعلومات هي السبب الذي يجعله يمتلك هذا الجسد. إننا نفعل ذلك لا إراديا، من دون التفكير في العوامل الوراثية أو سلوكيات الأكل المضطربة التي قد تكون جزءا من هذه الحالة. ووفق الدراسة، فإن الافتقار إلى الشفافية يعد جزءا من المشكلة لدى مؤثرين كُثر.

وتوصّل الباحثون، بعد تحليل ألف مقطع فيديو على "تيك توك"، إلى أن المعلومات الغذائية يتم نشرها من جانب المؤثرين والأشخاص العاديين بدلا من الخبراء، وأن آراء الخبراء كانت غائبة إلى حد كبير على المنصّة الشهيرة.

وعلى الرغم من وجود كثير من المؤثرين المحترفين في مقاطع الفيديو تلك، فإن الدراسة وجدت كذلك أشخاصا عاديين كثيرين ممن يقولون "هكذا خسرت 10 كيلوغرامات، إنه سهل للغاية يمكنك أن تفعل ذلك أيضا". ووفقا للباحثين في الدراسة، فإن هذا الخطاب مغرٍ بشدة بالنسبة للمشاهدين.

ويتساءل الباحثون والخبراء عن سبب إعطاء مستخدمي "تيك توك" الكثير من القيمة لآراء المؤثرين الذين يفتقرون إلى الخبرة ويروّجون للرسائل الضارة حول التغذية والنظام الغذائي. وتوصلوا إلى أن أحد الإجابات المحتملة هي أن الرسائل البسيطة غالبا ما تكون مفهومة من المشاهدين بشكل أفضل، فهم يقدمون رسالة مبسطة للغاية.

غالبا ما تكون وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للافتعال، ولكن الآخرين يأخذون الأمر على أنه واقع حقيقي (بيكسابي)

المشكلة في خوارزميات "تيك توك"

وتقول كاثرين هيل، المتخصصة في طب الأطفال، لموقع "فيري ويل فاميلي" (Verywellfamily)، إن تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم الخوارزميات لدفع الشباب نحو الاتصال الذي قد يكون مضللا وضارا.

وفي ثوان معدودة يمكن للمستخدمين مشاهدة صور متعددة لأجساد وأنماط حياة لا يمكن الوصول إليها، ويعتقدون أنه من الواقعي تحقيقها من دون معرفة الضرر الذي تسببه هذه العملية لهم.

وتعرض خوارزمية "تيك توك"، مثلا، محتوى متشابها للمستخدمين في كل مرة يزورون فيها المنصة، بحيث يتم تخصيص محتوى محدد لهم حرفيا. ووفقا لخوارزميات الموقع، فإنه إذا شاهد شخص ما مقطع فيديو واحدا عن اضطراب في الأكل، فسيتم منحه مزيدا من مقاطع الفيديو ذات المحتوى المماثل. وتساهم الزيادة في مقاطع الفيديو هذه في زيادة اضطرابات الأكل لدى المراهقين.

قاعدة المستخدمين الرئيسة لـ" تيك توك" تتكوّن من الشباب (الأوروبية)

مشكلات ومضار

وتوجد مشكلات مماثلة خاصة بالترويج للرسائل غير الصحية على مواقع مثل "إنستغرام"، ولكن ما يميز خوارزمية "تيك توك"، تحديدا، وجود تقاطع قوي بينها وبين ثقافة النظام الغذائي.

كما أن قاعدة المستخدمين الرئيسة لـ" تيك توك" تتكوّن من الشباب الذين يميلون إلى أن يكونوا من الفئة العمرية الأكثر عرضة لخطر الإصابة باضطراب الأكل. إلى ذلك، فإن تصميم المنصة يجعل من السهل جدا استهلاك الكثير من المحتوى في فترة زمنية قصيرة جدا.

وإذا كان بإمكان مستخدمي "تيك توك" الأصغر سنا تعلم كيفية اكتشاف المحتوى الضار المحتمل، والذي يروج لثقافة النظام الغذائي السام، ويختارون عدم التفاعل معه، فقد يتمكنون من تجنب بعض الرسائل الضارة حول اتباع نظام غذائي.

وقد يؤدي القيام بذلك إلى تعديل الخوارزمية، وربما تقليل عدد الأشخاص المعرّضين لمحتوى ضار.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية