دراسة حديثة: أقفاص فئران التجارب تسبب أزمة في دقة البحوث الطبية

ظروف السكن المجهدة تؤثر على فسيولوجيا فئران التجارب (شترستوك)

يتم استخدام أكثر من 120 مليون حيوان من الجرذان والفئران المعملية في جميع أنحاء العالم كل عام، ويستخدم الكثيرون منها لدراسة الحالات الوخيمة المؤلمة وأمراض مثل السرطان والتهاب المفاصل والألم المزمن، ويقضي جميعهم جل حياتهم تقريبا داخل أقفاص صغيرة فارغة تشبه الصناديق، وهو شيء مشابه للإغلاق الدائم الذي عانى منه مئات الملايين من البشر أثناء جائحة كورونا.

‎جاء ذلك في مقال نشر على موقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation)، في 12 مايو/أيار الجاري، شاركت في كتابته كل من جورجيا ميسون، أستاذ علم الأحياء التكاملي، جامعة جيلف (University of Guelph) الكندية، وجيسيكا كايت، طالبة دكتوراه علم الأحياء التكاملي بنفس الجامعة.

ووجدت الباحثتان اللتان شاركتا في إعداد دراسة حول تأثير معيشة حيوانات التجارب على نتائج البحوث، نشرت في دورية "بي إم سي بيولوجي" (BMC Biology) في مطلع العام الجاري، أن هذا السكن الاصطناعي المقيد يتسبب في إجهاد الفئران والجرذان بشكل مزمن، مما يغير من بيولوجيتها، ويثير أسئلة مقلقة حول رفاهيتها، وحول مدى تمثيلها الصحيح للمرضى من البشر بشكل جيد.

وقد حدد الباحثون تأثير نوعية المسكن على فئران التجارب عن طريق استخلاص البيانات من أكثر من 200 دراسة بحثت في آثار تصميم أقفاص التجارب على النتائج الصحية المعروف أنها حساسة للإجهاد لدى البشر، مثل معدلات الوفيات وشدة الأمراض مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكتة الدماغية.

أهمية المسكن

وأظهرت الدراسات التي قام الباحثون بتجميعها أن المساكن ذات الموارد الأفضل والتي تحتوي على عجلات جري، ومساحة إضافية، أو عناصر أخرى تسمح بالسلوكيات الطبيعية مثل الحفر والتسلق والاستكشاف والاختباء، أفضل كثيرا مقارنة بما يعرف بـ"علب الأحذية" التقليدية، ممثلة بالأقفاص الصغيرة الجرداء النموذجية في المختبرات.

وبشكل عام، فقد أصبحت الحيوانات الموجودة في الأقفاص التقليدية أكثر مرضا من تلك الموجودة في المساكن ذات الموارد الأفضل. وعلى سبيل المثال، إذا أصيبوا بالسرطان، فإنهم يصابون بأورام أكبر. كما كانت الحيوانات التي يتم إيواؤها تقليديا أيضا أكثر عرضة للوفاة، حيث انخفض متوسط عمرها بنحو 9%.

السكن أمر بالغ الأهمية لرفاهية فئران التجارب (غيتي)

وجدير بالذكر أن العلماء قد فطنوا منذ عقود إلى أن الجرذان والفئران تريد المزيد من الراحة والتمارين والتحفيز أكثر مما هو متاح في العادة، وبالتالي فإن الأقفاص التقليدية تحفز السلوك غير الطبيعي والقلق. ولكن نتائج هذا البحث هو أول دليل على أنها تسبب أيضا ضائقة مزمنة شديدة بما يكفي للإضرار بصحة الحيوانات.

نتائج مجهدة

ووجد الباحثون أن ثلثي الدراسات لم تصف بشكل كامل الظروف المعيشية للحيوانات، علاوة على ذلك، وجدت العديد من الدراسات أيضا دليلا على المشكلات المنهجية والتقارير السيئة للتفاصيل التجريبية للأبحاث. على سبيل المثال، كانت التجارب متحيزة للذكور، مع القليل من الدراسات التي تستخدم إناث الحيوانات.

وتدعم النتائج التي توصل إليها الباحثون العديد من الاقتراحات السابقة بأن الجرذان والفئران التي تعيش في أقفاص تفتقر إلى التحفيز قد لا تكون نماذج مناسبة، لعدة أسباب: عادة ما تكون حيوانات البحث ذكورا، وغالبا ما تكون زائدة على الحد، وأحيانا مصابة ببرد مزمن وضعف إدراك.

عندما يتم احتواء الفئران في بيئات محفزة، فإنها تكون أكثر صحة (غيتي)

ويرجح الباحثون أن الاعتماد على الحيوانات "المزدحمة" -الباردة، غير الطبيعية، المنحازة للذكور، التي تعيش في أماكن منغلقة وكئيبة ومنكوبة- يمكن أن يساعد في تفسير معدلات النجاح المنخفضة الحالية للبحوث الطبية الحيوية.

وتوجد بالفعل أمثلة لدراسات بحثية تولد استنتاجات مختلفة تماما اعتمادا على كيفية احتجاز حيوانات التجارب. ومن الناحية البيولوجية، فإن نوعية السكن مهمة جدا للقوارض، ومع ذلك غالبا ما يتم وصفه بشكل سيئ في البحوث، ويمكن أن يساعد ذلك في تفسير "أزمة التكرار"، حيث لا يمكن تكرار 50% على الأقل من نتائج الأبحاث قبل السريرية (الإكلينيكية) عندما يعيد علماء آخرون إجراء نفس الدراسة.

تبعات مالية

ولكن إذا كان الإسكان الحيواني يغير بالفعل استنتاجات البحث، فإن ذلك ستكون له آثار وتبعات مالية أيضا. على سبيل المثال، تنفق كندا حوالي 4 مليارات دولار سنويا على الأبحاث الصحية، ووفقا للتقديرات، إذا كان نصف البحوث يعتمد على حيوانات التجارب، فقد تنفق كندا حوالي مليار دولار سنويا على دراسات حيوانية غير قابلة للتكرار.

ما يقرب من 60% من العمل الحيواني يؤدي إلى عقاقير بشرية جديدة (غيتي)

وحتى عندما تكون الدراسات قابلة للتكرار، فإن أقل من 5% منها يحقق فوائد طبية قابلة للاستخدام للبشر. وهذا تناقض كبير مع توقع الجمهور الكندي، من دافعي الضرائب، أن ما يقرب من 60% من العمل الحيواني يؤدي إلى عقاقير بشرية جديدة. وتتطلب المعايير الكندية تزويد الفئران بمواد تعشيش يمكن أن تبقيها دافئة، ولكن هل حان الوقت لتحسينها أكثر؟

ويري الباحثون أنه يجب التوقف عن تجاهل "علب الأحذية" التي تعيش فيها الجرذان والفئران حاليا، وبدلا من ذلك يُنظر إليها على أنها عامل محدد للصحة يمكن تعديله وتحسينه ودراسته. وسوف يسمح لنا القيام بذلك بنمذجة أفضل للمحددات الاجتماعية المتنوعة لصحة الإنسان، وتحسين رفاهية الحيوان في نفس الوقت.

المصدر : ذا كونفرسيشن