الحياد الفنلندي السويدي أصبح من الماضي.. الناتو على حدود سانت بطرسبورغ

في أول ردودها العملية على سعيها للانضمام لحلف الأطلسي، قررت موسكو وقف إمداد فنلندا بالكهرباء تحت ذريعة "عدم الدفع"، إلى جانب وقف تزويدها بالغاز أيضا.

NATO holds ceremony to mark Sweden's and Finland's application for membership in Brussels
حلف الناتو يقيم حفلا خاصا بمناسبة تقدم السويد وفنلندا لطلب عضويته في بروكسل (رويترز)

موسكو- قد تصبح السويد وفنلندا العضوين الـ31 والـ32 بحلف شمال الأطلسي، وفي حال حصل ذلك فإن روسيا ستصبح على حدود 7 دول في "الناتو"، بدلا من 5 وهم: إستونيا ولاتفيا، عبر منطقة كالينينغراد، وليتوانيا وبولندا، وكذلك مع النرويج في منطقة مورمانسك.

فبعد أن كانتا دولتين محايدتين في العلاقات مع روسيا، تعتزم السويد وفنلندا التقدم بطلب للحصول على عضوية الناتو قريبا. ويَعِد التحالف البلدين بدراسة الطلب في أسرع وقت ممكن.

أمين عام حلف الناتو يتوسط سفيري السويد (يمين) وفنلندا في حفل أقيم ببروكسل بمناسبة طلب بلديهما الانضمام إلى الحلف (الفرنسية)

الجغرافيا والتوقيت

يبلغ الطول الإجمالي لحدود روسيا مع دول التحالف الأطلسي حاليا 1200 كيلومتر. وفي الوقت نفسه، تشترك روسيا في حدود تمتد إلى 1300 كيلومتر مع فنلندا، مما يعني أن وجود الناتو على الحدود الروسية سيتضاعف في المستقبل القريب.

ومن غير الواضح حتى الآن متى سيحدث هذا. لكن مراقبين روس يرون أنه حتى لو تم تبسيط إجراءات الانضمام قدر الإمكان، كما وعد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، فستستغرق الموافقة على جميع الإجراءات شهورا حتما.

كما يعتقد هؤلاء المراقبون أن التصريحات التي سمعت في وسائل الإعلام بأن السويد وفنلندا ستصبحان عضوين كاملين في التحالف في الصيف، بعيدة كل البعد عن الواقع.

ففي الواقع، سيتعين على هلسنكي وستوكهولم إرسال رسالتي (اهتمام ونوايا) على الأقل إلى بروكسل، لتصبحا عضوين مراقبين في الناتو، ثم الانتظار حتى يتم توقيع البروتوكولات الخاصة من قبل دول الناتو. وقد تستغرق عملية التصديق على انضمام البلدين من 4 إلى 12 شهرا.

التوسع شرقا

ويُعد مواجهة توسع الناتو باتجاه الشرق أحد الأهداف المعلنة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وردا على النوايا الفنلندية والسويدية، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنها ستجري تحليلا شاملا لـ "عواقب التشكيل الجديد للقوات"، ووعدت برد سياسي.

جاء ذلك بعد بيان سابق أكثر قسوة للخارجية أيضا، حذّرت فيه فنلندا والسويد من أنهما سيكونان على "خط جبهة الناتو"، وحثت البلدين على التفكير في العواقب.

متظاهرون في العاصمة الفنلندية هلسنكي ضد الحرب الروسية على أوكرانيا (رويترز)

متلازمة تعددية الأقطاب

يقول الباحث في شؤون الأمن والدفاع الدوليين، ديمتري كيم، إن "العملية الخاصة في أوكرانيا لم تؤثر على خطط الجيران الشماليين لفك الارتباط مع روسيا والانضمام إلى الناتو"، وإن "محاولات جرهما" بُذلت من قبل.

ويتابع في حديث للجزيرة نت، أن الغرب يتعمّد تجاهل إشارات روسيا المتكررة بأن الناتو يهدف إلى المواجهة، وأن توسّعه الإضافي لن يجلب مزيدا من الأمن إلى أوروبا، نظرا للطبيعة العدوانية للحلف، وفق تعبيره.

ويشير إلى أن توسع كتلة الناتو شرقا بسبب احتمال دخول السويد وفنلندا إليه، وتضاعف حدود التحالف العسكري، يشكلان مثالا على سياسة الضغوط التي ينتهجها الغرب، وعقدة تعددية الأقطاب، والتي تتعارض مع الحقوق السيادية للدول.

وبرأيه، فإن هذا لا يمكن أن يغير أي شيء في ضمان أمن روسيا، مؤكدا أنه مكفول بالكامل. ولكن بعد تقييم جميع التهديدات المحتملة، حسبما يقول كيم، سيكون رد موسكو متناسبا.

من ناحية أخرى، يرى الباحث أن عملية انضمام كل من السويد وفنلندا إلى الناتو لن تسير بسلاسة، نظرا لموقف تركيا وكرواتيا المعارض لإحداث تغييرات في هيكلية التحالف العسكري.

ويعتقد الخبير الروسي أن نشر أسلحة أطلسية على أراضي هذه البلدان لن يغير في تناسب موازين القوى، حيث ستظل روسيا -وفق رأيه- متفوقة من حيث حجم الوجود والترسانة العسكرية.

ومع ذلك، يلفت إلى أنه يمكن في المستقبل توقع تغييرات في ميزان القوى ببحر البلطيق، ما يستدعي إجراءات لتعزيز الحدود بين روسيا ودول الناتو وتحديثها، "إذ سيؤدي دخول فنلندا والسويد للحلف إلى تعزيز وجوده في بحر البلطيق، وإذا ما استثنينا منطقة المياه الروسية (قريبا من سانت بطرسبرغ العاصمة السابقة لروسيا القيصرية)، فقد يصبح بحر البلطيق أطلسيا".

ردود أولية

ولكن في أول إجراءات الرد، لم تتأخر موسكو بوقف إمداد فنلندا بالكهرباء (السبب المعلن رسميا يرجع إلى عدم الدفع). كما أكد عملاق الغاز الروسي وقف إمدادات الوقود الأزرق إلى فنلندا، بعد أن احتفلت شركتا "غازبروم" و"جاسوم" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالذكرى الـ50 لأول عقد لتوريد الغاز الروسي إلى فنلندا وبدء عمليات التسليم عبر خط أنابيب الغاز تم التوقيع عليه في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1971.

ومع ذلك، يرجّح الخبير في العلاقات الدولية، سيرغي بيرسانوف، أنه من الناحية الاقتصادية، يمكن لروسيا أن توجه "ضربة موجعة جدا لفنلندا" ردا على انضمامها إلى الناتو؛ ففي الأشهر الستة الأولى من عام 2021، زادت فنلندا واردات الغاز من الاتحاد الروسي بنسبة 35% (حتى 1.035 مليار متر مكعب)، وبلغت حصة الوقود الأزرق الروسي من إجمالي الإمدادات إلى البلاد في نهاية العام إلى 92%.

في الوقت نفسه، يتابع بيرسانوف، أنه يبدو من الواضح أنه نظرا للتغيّر الحاد في الرأي العام حول عضوية التحالف، وتحديدا في فنلندا، فإن هلسنكي لن تتراجع عن قرارها بأي حال من الأحوال.

ويرجّح أن تنصب جهود الدبلوماسيين الروس حيال مسألة انضمام فنلندا والسويد، على أن يتخذ البلدان خط إستونيا، المعتدل نوعا ما، وليس بولندا، الأكثر حماسة في دعوة الجيش الأميركي إلى أراضيها.

المصدر : الجزيرة