الصراع على السلطة في ليبيا يأخذ منحى آخر.. هل يتم إقصاء الدبيبة بحكومة ثالثة؟

Protest in Tripoli against newly elected Libyan Prime Minister
الأزمات السياسية في ليبيا تتوالى في ظل عدم توافق الأطراف المتصارعة على إجراء انتخابات عامة (غيتي)

طرابلس- منذ التقارب بينهما في بوزنيقة المغربية قبل شهر تقريبا، تواردت أنباء عن نية مجلسي النواب والأعلى للدولة في ليبيا الذهاب إلى تشكيل حكومة ثالثة تحل مكان حكومتي الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والاستقرار الوطني برئاسة فتحي باشاغا.

وأكدت مصادر خاصة من المجلسين للجزيرة نت تلك الأنباء، موضحة أن الجسمين التشريعيين دخلا فعلا في مفاوضات حول تقاسم المناصب السيادية في الحكومة المقترحة، بعد اتصالات ومشاورات مكثفة بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، اللذين لم يُخفيا امتعاضهما من استمرار الدبيبة في رئاسة الحكومة التي وُصفت "بمنتهية الولاية".

ورجّحت المصادر ذاتها أن الاتفاق سيفضي إلى تشكيل حكومة جديدة مكونة من 18 وزيرا، وتسمية شاغلي المناصب السيادية بعد الاتفاق عليها بين عقيلة والمشري خلال أسابيع من المفاوضات. في حين يُتوقّع أن يكون فتحي باشاغا جزءًا من الاتفاق بتولّيه إحدى الوزارات التي ستكون غالبا وزارة الدفاع.

وقالت المصادر الخاصة إن هذه الخطوة تحظى بدعم إقليمي ودولي، وهو الأمر الذي يخالفه المحلل السياسي عبد السلام الراجحي الذي توقع "أن تلقى الحكومة الجديدة مصير حكومة باشاغا"، في ظل غياب حوار شامل يضم كل الأطراف المتصارعة.

من المتوقع أن تحل الحكومة الجديدة محل حكومتي عبد الحميد الدبيبة (يمين) وفتحي باشاغا مع إمكانية أن يتولى الأخير منصبا سياديا فيها (وكالات)

خطوة فعلية

أخذ رئيس المجلس الأعلى للدولة خطوة عملية بدعوته أعضاء المجلس إلى عقد جلسة رسمية لاستعراض تقرير لجنة اختيار المناصب السيادية، ومناقشة آلية توحيد السلطة التنفيذية.

غير أن الجلسة أُجّلت لتوتر الأوضاع الأمنية بعد محاصرة الأعضاء المجتمعين في فندق "المهاري" بطرابلس من قبل مسلحين، حسب ما نشره المكتب الإعلامي للمجلس، الذي اتهم حكومة الوحدة الوطنية بمنع أعضاء المجلس من دخول قاعة الاجتماعات لعقد جلستهم.

وخاطب المشري المجلس الرئاسي -بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي- بشأن واقعة حصار المجلس ومنع انعقاد جلسته، كما وجّه خطابا كذلك إلى رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي، ليتوجه بعدها بشكوى رسمية للنائب العام مطالبا بفتح تحقيق في الواقعة، متهما رئيس الحكومة الدبيبة ومستشاره إبراهيم الدبيبة ووزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي باستعمال القوة ضد سلطات الدولة.

بدوره، ردّ رئيس حكومة الوحدة الوطنية على اتهامات المشري مؤكدا رفضه ما وصفها بـ"حالة التأجيج والتضخيم التي تقوم بها بعض الأطراف لعرقلة الانتخابات"، واصفا المحتجين بالقلة.

وقال الدبيبة إنه أعطى تعليماته لقوة الردع لتفريقهم وتأمين المكان، مع عدم المسّ بحق المواطنين في التظاهر والاحتجاج السلمي. دون أن يخفي اتهامه للمجلس بمحاولة القفز من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية، عبر صفقة تقاسم سلطة تؤجل الانتخابات، على حد تعبيره.

وفي هذه الأثناء، أكدت مصادر أمنية للجزيرة نت أن قوة حماية الدستور التابعة للدبيبة هي التي حاصرت المكان ومنعت الأعضاء من الاجتماع.

اتهامات متبادلة

ويرى المحلل السياسي عبد السلام الراجحي أن الاتهامات المتبادلة ستعمق الأزمة في ظل ما وصفه بأسلوب "البلطجة" الذي يمارسه جميع من في السلطة في غياب الرادع. متوقعًا أن تنتقل هذه الأجسام من الصراع السياسي إلى الصراع المسلح.

ويقول الراجحي للجزيرة نت إن "ما حدث سيشجع على ممارسة العنف أكثر، فعلى الجميع أن يَعُوا أنهم أطراف في الصراع، لذلك لا حل سوى بالحوار الجامع الذي يشمل كل الأطراف، والذهاب إلى حل سياسي مرضٍ، كما حدث في حوار تونس وجنيف؛ فالجميع لا يريدون انتخابات بما فيهم الحكومة".

وهو الأمر الذي حاول الدبيبة تفنيده حين أكد في أكثر من مناسبة أن حكومته قادرة على تنظيم الانتخابات وتأمينها في جميع مناطق ليبيا، وكان آخرها خلال مشاركته في عملية محاكاة لتأمين العملية الانتخابية أجرتها وزارة الداخلية قبل أيام بحضور المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي، إذ عدّها الدبيبة برهانا يُسقط "حجة عدم القدرة على تأمين الانتخابات"، على حد قوله.

 

رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري (وسط) قدّم شكوى رسمية للنائب العام في منع المجلس من الانعقاد (مواقع التواصل)

من ناحيته، أكد المجلس الرئاسي رفضه محاولة "منع المجلس الأعلى للدولة من عقد جلسته"، مطالبا الأجهزة الأمنية المختصة بتوفير بيئة آمنة تضمن حرية التعبير للجميع وسلامة القرار للمؤسسات السياسية في إطار الإعلان الدستوري وخارطة الطريق.

في حين قال زياد دغيم مستشار رئيس المجلس إن الحل الوحيد للأزمة الراهنة هو "الاحتكام للشعب لحسم الخلافات بين الأطراف وتوحيد الرؤية للمرحلة القادمة"، مقترحا إجراء استفتاء على استمرار المجالس التشريعية أو حلّها، وذلك بموجب اختصاص رئاسة الدولة الممثلة في المجلس الرئاسي منذ التعديل السابع للإعلان الدستوري في مارس/آذار 2014.

على صعيد دولي، وتعليقًا منها على حادثة منع عقد جلسة الأعلى للدولة، أكدت سفارة الولايات المتحدة الأميركية في ليبيا "أن التهديد بالقوة يزعزع الاستقرار ويقوّض جهود الوحدة الوطنية، وليس طريقة شرعية لحل الخلافات السياسية"، مطالبة قادة ليبيا بحلّ خلافاتهم بالحوار والتسوية، وإجراء انتخابات ذات مصداقية وشفافية شاملة.

أما السفارة البريطانية فاستنكرت ما حدث في طرابلس، وطالبت بالسماح للمؤسسات المدنية بالاضطلاع بمسؤولياتها، وقالت إن "أية محاولة لعرقلة نشاط هذه المؤسسات بإشراك الجماعات المسلحة أمر غير مقبول".

وحذت حذوها السفارة الفرنسية في تغريدة على تويتر، دعت خلالها إلى الحوار الذي وصفته بالحل الوحيد للأزمة الراهنة. في حين لم تنشر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أي بيان حول الحادثة.

المصدر : الجزيرة