الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن استمر 5 أشهر فقط.. لماذا أنشئ؟ ولماذا انفرط عقده؟

عمر الاتحاد القصير لم يسمح بتحقيق ميثاقه وأهدافه

الملك الحسين (يسار) والملك فيصل الثاني في بغداد يعلنان عن الاتحاد الهاشمي (غيتي)

يعد الاتحاد العربي، المعروف أيضا بـ"الاتحاد العربي الهاشمي"، اتحادا كونفدراليا (غير اندماجي) أعلن عنه رسميا يوم 14 فبراير/شباط 1958 بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية، وجاءت فكرة الاتحاد عام 1957 لتشهد الأشهر اللاحقة إعلان الاتحاد.

النشأة والأسباب
تتعدد الأسباب التي أعلن على أساسها الاتحاد العربي الهاشمي، إذ يقول أستاذ التاريخ السياسي المعاصر الدكتور إبراهيم العلّاف إن إعلان الاتحاد جاء كرد فعل على قيام الجمهورية العربية المتحدة التي كانت مصر وسوريا تعتزمان الإعلان عنها يوم 22 فبراير/شباط 1958.

أما الرغبة في تحقيق الاتحاد بين العراق والأردن فلم تكن جديدة، بحسب العلاف، إذ إن النظاميْن الحاكمين في كلا البلدين تحكمهما أسرة واحدة متمثلة في الأسرة الهاشمية، التي ترجع لقائد الثورة العربية الكبرى الشريف الحسين بن علي (شريف مكة) الذي ثار على الدولة العثمانية عام 1916.

أستاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل والمؤرخ إبراهيم خليل العلاف - الجزيرة نت
العلاف اعتبر أن إعلان الاتحاد الهاشمي جاء كرد على قيام الجمهورية العربية المتحدة (الجزيرة)

ويتابع العلاف في حديثه للجزيرة نت أن أولى الخطوات بدأت بإيفاد ملك الأردن الحسين بن طلال وزير البلاط الملكي سليمان طوقان إلى بغداد، حاملا رسالة إلى ملك العراق حينها فيصل الثاني داعيا إياه لزيارة العاصمة الأردنية عمَّان. وفي 11 فبراير/شباط 1958، زار الملك فيصل الأردن على رأس وفد كبير، حيث لم يلبث المجتمعون أن توصلوا إلى إعلان الاتحاد العربي بين البلدين.

نوري السعيد عُين رئيسا لوزراء الاتحاد العربي الهاشمي (مواقع التواصل الاجتماعي)

ويشير العلاف إلى أنه بعد الزيارة بثلاثة أيام، صدر في عمّان إعلان مشترك عن تأسيس الاتحاد يوم 14 فبراير/شباط من السنة نفسها، في مشهد أعاد إلى الأذهان حينها أيام الثورة العربية الكبرى وأهدافها في تحرير الوطن العربي الكبير وتوحيده، بحسبه.

أما أستاذ تاريخ العراق السياسي الحديث الدكتور مؤيد الونداوي فيشير في كاتبه "الاتحاد العربي الهاشمي في الوثائق البريطانية" إلى أن زيارة الوزير الأردني سليمان طوقان إلى بغداد أدت في 30 يناير/كانون الثاني من العام ذاته لتفهم ملك العراق أهمية مشروع الوحدة العربية المصرية السورية ومخاطر ذلك على العراق ليؤسس ذلك لإعلان الاتحاد فيما بعد.

ويتابع الونداوي أنه في الأول من فبراير/شباط 1958 أُعلن رسميا عن قيام الوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا قبيل الإعلان عن الجمهورية العربية المتحدة يوم 22 فبراير/شباط من العام ذاته، وبذلك ترسخت قناعة لدى العراق والأردن بضرورة المضي في تأسيس كونفدرالية الاتحاد المناوئ في هيكليته وأيديولوجيته للجمهورية العربية المتحدة.

الونداوي: العراق أرسل بطريقة سرية طائرات هجومية وقاصفة إلى مصر- مواقع التواصل
الونداوي: العراق كان يصر على انضمام الكويت للاتحاد الهاشمي إلا أن بريطانيا حالت دون ذلك (مواقع التواصل الاجتماعي)

شخصية الاتحاد
وبالعودة إلى المؤرخ العراقي إبراهيم العلاف فإنه يؤكد أن ما جرى بين العراق والأردن ليس وحدة بل اتحادا فقط، إذ احتفظت كل دولة بشخصيتها الدولية المستقلة وسيادتها على أراضيها وبنظام الحكم فيها، واتفق الطرفان على تنفيذ إجراءات الاتحاد فور الإعلان الرسمي لقيامه، وتوحيد الجيش والسياسة الخارجية ومناهج التعليم ووضع عَلَم وعملة موحدة.

ويعلق العلاف "تولت شؤون الاتحاد وزارة اتحادية مؤلفة من مجلس تشريعي وسلطة تنفيذية، على أن يكون الملك فيصل الثاني ملك العراق رئيسا للاتحاد، وأن تكون بغداد مقرا للاتحاد لستة أشهر من السنة وعمان للمدة ذاتها من السنة، وأن تضع حكومة الاتحاد دستورا موحدا".

وفي 12 مارس/آذار 1958 وضعت الصيغة النهائية لمشروع الدستور، وبعدها بخمسة أيام تم تشريعه، حيث -بحسب العلاف- نصّ الدستور على أن يتألف مجلس الاتحاد من 40 عضوا مناصفة بين العراق والأردن، وأن السلطة التنفيذية تناط برئيس الاتحاد ويمارسها بواسطة مجلس وزراء الاتحاد.

أما الونداوي فيؤكد في كاتبه أنه وفقا للوثائق البريطانية السرية التي كُشِفَ عنها، فإن إعلان الاتحاد كان يمكن أن يكون قبل موعد إعلانه بأشهر، إلا أن معوقات عديدة كانت لا تزال قيد المفاوضات، إذ كان العراق عضوا في حلف بغداد الذي كان يشكل جبهة ضد المعسكر الاشتراكي، في حين أن الأردن لم يكن عضوا فيه، إضافة إلى أن العراق كان يصر على انضمام الكويت للاتحاد على اعتبار أنها امتداد للعراق وجزء منه إبان الدولة العثمانية، فضلا عن رغبة العراق في تحمل الكويت جزءا من التبعات المالية الناتجة عن الاتحاد وتمويل الأردن الذي يفتقر للنفط.

وفي خضم هذه المعوقات، وبعد أن توصل العراق والأردن لصيغة اتفاق تقضي بإمكانية بقاء العراق في حلف بغداد دون أن يكون الأردن جزءا منه، وبعد أن أدرك العراقيون أن الكويت وبريطانيا (المهينة على العراق والأردن والكويت) رفضت إدماج الكويت في الاتحاد، قرر العراق والأردن المضي في الاتحاد.

وبعد مداولات ومفاوضات شاقة استمرت أشهرا، وُلدت حكومة الاتحاد الهاشمي التي تشكّلت من رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد ونائبه الأردني إبراهيم هاشم، في حين حظي العراقي توفيق السويدي بمنصب وزير الخارجية، والأردني سليمان طوقان بوزارة الدفاع، والعراقي عبد الكريم الأزري بوزارة المالية.

الجنابي اعتبر أن تشكيل الاتحاد الهاشمي جاء بضغط بريطاني لمواجهة الجمهورية العربية المتحدة (الجزيرة)

الدور البريطاني
من خلال الوثائق السرية البريطانية التي كشف عنها مؤيد الونداوي في كتابه، يتبيّن مدى الدور البريطاني في تأسيس الاتحاد، وهو ما يذهب إليه أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان مهند الجنابي، الذي يرى أن جميع الوثائق والآراء التاريخية تميل إلى اعتبار أن تشكيل الاتحاد جاء بضغط بريطاني لمواجهة الجمهورية العربية المتحدة المقربة من الاتحاد السوفياتي.

ويضيف الجنابي للجزيرة نت أن المنطقة آنذاك كانت تشهد تفاعلات لا تقل أهمية عن التفاعلات الحاصلة حاليا، فمنذ قيام إسرائيل عام 1948 وإعلان حلف بغداد 1955 وصولا إلى الجمهورية المتحدة والاتحاد الهاشمي في فبراير/شباط 1958، شكلت هذه التفاعلات نقطة مفصلية في حياة المنطقة.

ويتابع أنه باعتبار أن بريطانيا كانت الفاعل الدولي شبه المتحكم في سياسات الشرق الأوسط، فإنه كان لها الدور الفاعل في الاتحاد وتأسيسه ووضع دستوره، موضحا "يتجلى ذلك في أن الاتحاد جاء منسجما مع الرغبة البريطانية التي كانت ترفض انضمام الكويت إلى الاتحاد، وهو ما كان يطالب به العراق".

أما المؤرخ العراقي سيار الجميل فيرى في كتاباته أن الاتحاد الهاشمي ولد ولادة غير شرعية ومات ميتة غير شرعية، بحسب تعبيره، معتقدا أن البريطانيين الذين باركوا صناعته أو كانوا وراء تلك الصناعة اعتُبِروا أول من حفر قبرا لمثل هذا الاتحاد.

ويتابع الجميل أن ما جرى في العراق من انقلاب على الملكية لا تزال كثير من تفاصيله غائبة رغم ما كتب تاريخيا عن أن الملك الحسين كان قد أخطر رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الركن محمد رفيق عارف بأن انقلابا وشيكا سيقع في العراق، متسائلا عما إذا كان بوسع ملك الأردن حينها السفر للعراق لتنبيه ابن عمه الملك العراقي من الانقلاب الذي أطاح بالملكية العراقية ومن ثم بالاتحاد العربي الهاشمي.

قصر الرحاب الملكي الذي قتل فيه الملك فيصل الثاني وعائلته - أ ف ب
قصر الرحاب مقر الحكم في بغداد في العهد الملكي (الفرنسية)

زوال الاتحاد
لم تمر أكثر من 5 أشهر على تأسيس الاتحاد حتى حدثت ثورة 14 يوليو/تموز 1958 في العراق التي انقلب فيها تشكيل الضباط الأحرار على الملك فيصل، ليقُتَل الأخير والأسرة الحاكمة ومن ثم السياسي العراقي المخضرم رئيس وزراء الاتحاد نوري السعيد.

ويضيف إبراهيم العلاف أنه بعد الانقلاب بيومين وفي 16 يوليو/تموز 1958 أصدر رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية عبد الكريم قاسم بيانا أعلن فيه انسحاب جمهورية العراق من الاتحاد العربي الهاشمي، وجاء في بيانه أن "الاتحاد بين العراق والأردن، على الصورة التي تم بها، لم يكن اتحادا حقيقيا يستهدف مصلحة الشعب في القُطرين، وإنما كان هدفه تدعيم النظام الملكي الفاسد وتمزيق وحدة الصف العربي المتحرر وتحقيق مصالح زمرة من الحاكمين الذين لم يأتوا للحكم عن طريق الشعب ولم يعملوا على تحقيق أمانيه".

أما الونداوي فيشير في كتابه إلى أن حدس الملك فيصل ورئيس وزرائه نوري السعيد بأن رسوخ السلالة الهاشمية في العراق والاتحاد العربي الهاشمي سيصبح أمرا مشكوكا فيه ما لم تقدم بريطانيا دعما كافيا من خلال التوصل إلى حل مرضٍ للعراق بشأن الكويت وإبعاد سوريا عن مصر، وهو ما لم يتحقق.

ويضيف ما نصه "هكذا انتهى الاتحاد العربي الذي جاء في الأساس ردا على الجمهورية العربية المتحدة أكثر مما هو رغبة حقيقية من جانب العراقيين والأردنيين، ولم تمض سنوات طويلة على وحدة سوريا ومصر حتى انهارت الجمهورية العربية المتحدة يوم 28 سبتمبر/أيلول 1961".

بدوره، يؤكد الجنابي أن عمر الاتحاد القصير لم يسمح بتحقيق ميثاقه وأهدافه بسبب التفاعلات الداخلية والخارجية التي أسهمت في إضعاف قدرته على ذلك، مشيرا إلى أن العراق ومنذ سقوط الملكية مر بحالة من عدم استقرار باستثناء مراحل مؤقتة شكلت انعكاسا كبيرا على أمن المنطقة، وهو ما يؤكد محورية العراق وأثره الإيجابي في تعزيز الأمن القومي العربي والأمن الإقليمي، حيث إن هذه الخصوصية لا تزال قائمة حتى الآن، فلا استقرار في المنطقة دون تحقيق ذلك في العراق، بحسبه.

المصدر : الجزيرة