إخوان مصر 2021.. مستقبل التنظيم والعلاقة مع النظام

مقر الاخوان المسلمين
مقر جماعة الإخوان المسلمين في مصر (وكالة الأنباء الأوروبية)

في الربع الأخير من 2020، اتخذ الإخوان المسلمون بمصر عددا من القرارات، يراها مراقبون هي الأولى من نوعها منذ تأسيس الجماعة عام 1928، إثر القبض على القائم بأعمال مرشدها العام محمود عزت في 28 أغسطس/آب الماضي، بعد 7 سنوات من الملاحقة والتضييق.

قبل ذلك، كان عزت قائما بأعمال المرشد بمعاونة لجنة إدارية بالداخل، فضلا عن مجلس شورى عام (أعلى هيئة رقابية) أغلبه في الخارج، بجانب عضو مكتب إرشاد يتولى منصب الأمين العام (محمود حسين) ونائب للمرشد (إبراهيم منير) موجود بلندن.

بعدها، انقلب المشهد بتسمية منير مسؤولا للجماعة -لأول مرة من خارج مصر- وتجميد مكتب الإرشاد كذلك لأول مرة بتاريخ الجماعة، وإلغاء منصب الأمين العام، واختيار لجنة إدارية جديدة، في قرارات غير مسبوقة، اعتبرها مراقبون بمثابة عملية جراحية اضطرارية.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أصدر منير بيانين تحدثا عن مرحلة جديدة للجماعة، وإلغاء مسمى الأمانة العامة، وأعلن تشكيل لجنة إدارية تقوم بمهام مكتب الإرشاد لعام أو عامين، وتضم في عضويتها قيادات من بينهم أمين عام الجماعة السابق محمود حسين.

هذه التطورات غير المسبوقة، أثارت جدلا واسعا بين أعضاء الجماعة ولدى المهتمين بشأنها، وبرزت تقارير وتحليلات تتحدث عن اتساع الانقسام داخل الجماعة، كما أقر منير، في لقاء تلفزيوني، بوجود "صدمة تمت جراء النقلة (الداخلية) والتي أحدثت بلبلة بسبب وجود قيادة الجماعة خارج مصر لأول مرة في تاريخها".

إلى جانب ما سبق، ومع المتغيرات الدولية والإقليمية، وارتفاع حدة نقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للجماعة بتسميتها صراحة لأول مرة خلال زيارته الأخيرة لفرنسا، برزت تكهنات بأن يشهد مستقبل الجماعة تغيرا مؤثرا خلال 2021، سواء على مستوى الاستقرار التنظيمي، أو العلاقة مع النظام.

تفاؤل حذر

الرؤيا الرسمية للتنظيم تجنح إلى التفاؤل بمستقبل الجماعة، وترى أن ما اتخذته من قرارات خلال الفترة الأخيرة سيؤثر بشكل إيجابي خلال 2021، وذلك ما أفاد به محمد سودان القيادي الإخواني وأمين العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال سودان إن الجماعة تخطو خطوات لا بأس بها نحو لمّ الشمل وتضييق المساحات بين وجهات النظر المختلفة، وذلك بعد تشكيل اللجنة الإدارية التي تضم قيادات لها وزن إيجابي لدى جميع الأطراف، لما تحظى به من فهم وإدراك واعٍ لحل أزمات الجماعة، حسب رأيه.

وبشأن ما يتوقعه البعض من اتساع دائرة الانشقاقات، قال سودان إن الجماعة مقبلة على مرحلة "التئام اللحمة" إلا أن الأمر يتم ببطء قليلا، مطالبا لجنة إدارة الجماعة بتسريع خطواتها في هذا المسار.

ولا يتوقع سودان تغيرا جذريا في علاقة الإخوان مع النظام المصري، لافتا إلى أن الانقلاب العسكري حدث في عهد حكومة أوباما الذي كان الرئيس المنتخب الجديد (جو بايدن) نائبه، ووقعت حينها أغلب جرائم وانتهاكات نظام الانقلاب، لكنه في ذات الوقت لم يستبعد حدوث انفراجة محدودة، عبر إخلاء سبيل معارضين، من غير التيارات الإسلامية.

وبشأن إمكانية تجديد الجماعة فاعليتها، لفت سودان إلى وجود محاولات لتحقيق ذلك، إلا أنه يرى أن ما تتعرض له الجماعة بشكل خاص والمعارضة بشكل عام يقوض تلك المحاولات، مستدركا بأن الأمر قد يتغير حال قرر بايدن استبدال السيسي، ولن يكون ذلك إلا بانقلاب عسكري جديد.

استمرار الارتباك

في المقابل، لا يتوقع القيادي السابق بالجماعة أشرف عبد الغفار ذهاب الإخوان إلى حالة استقرار تنظيمي، فرغم مضي أكثر من 3 شهور على تشكيل اللجنة، يرى عدم تحقيق أي تغيير كان مرجوا منها، مرجعا ذلك إلى اختلاف القيادة على مواقعها، والأسلوب التربوي المتبع مع أعضاء التنظيم الذي جعلهم لا يتطلعون للتغيير.

ومع توقعه حدوث انشقاقات جديدة في التنظيم، يرى عبد الغفار (المعارض للقيادة الحالية) أنها ستكون دون أثر إلا في حال خروج كيان بشكل مدروس يسعى لتغيير واقع الجماعة، ويعمل على استنهاضها من جديد، كما يرى أن أي انشقاقات متوقعة لن تؤدي إلى غياب التنظيم أو إنهائه.

وعن مستقبل علاقة التنظيم مع النظام، يتوقع عبد الغفار -في حديثه للجزيرة نت- أن يكون هناك تغيير لكن بشكل طفيف لا يؤثر على طبيعة العلاقة ولا على الأوضاع القائمة، مضيفا "فربما يتم تقليل عدد الإعدامات والإفراج عن معتقلين، دون أن يغير ذلك من خطة النظام المستهدفة القضاء على الإخوان".

أما من ناحية تنظيم الجماعة، فيرى القيادي المعارض أن تفاعلها بطيء مع الأمور في ظل القيادة الحالية التي لا تملك تصورا للمستقبل، وتنتظر حصول أمور خارجية تحدث تغييرا في الأوضاع، وليس من خلالهم.

غياب البديل

إبراهيم الزعفراني القيادي السابق بالجماعة، يبني توقعاته لوضع التنظيم عام 2021 على احتمالين، أولهما استمرار الوضع على ما هو عليه، حيث تظل الجماعة على حالها من الضعف والتشرذم وعدم الفاعلية ولو حتى بأدنى درجاتها.

وفي حديثه للجزيرة نت، يربط الزعفراني ذلك باستمرار القيادة الحالية للتنظيم والمتمثلة في منير وحسين، اللذين يراهما المسيطرين على الجماعة وقراراتها، بغض النظر عن التغيرات الحاصلة، ويرى عدم امتلاكهما الحد المناسب من القدرة على الإدارة والعمل السياسي، والشجاعة على تقديم مبادرات حقيقية تغير من واقع الجماعة "المتردي".

أما الاحتمال الآخر لدى الزعفراني، فيبنى على غياب القيادتين المذكورتين، والذي لا يتصوره إلا بالوفاة، وحينها لا يرى كذلك في الأفق قيادات واعدة يمكن أن تتخذ قرارات صعبة، ويكون لها دور مؤثر في جمع صف الإخوان مرة أخرى، بشكل تحظى فيه بالاحترام والرضا والتفاعل المؤثر.

ويرى الزعفراني أن استمرار السيسي على رأس السلطة يساعد على بقاء الوضع على ما هو عليه. لكن في حال غيابه، أو استشعار القوى الإقليمية خطرا على مصالحها من استمرار الوضع على ما هو عليه، فمن الوارد حدوث ما يخفف الوطأة على الإخوان، لكن دون السماح بعودة نشاطهم.

معركة صفرية

الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية مصطفى زهران يرى أن الجماعة تعقد آمالا على فوز بايدن برئاسة أميركا، وتغير الأوضاع خلال 2021، لكن تأييد دار الإفتاء المصرية اعتبار هيئة علماء السعودية "الإخوان جماعة إرهابية" يعكس إرادة المؤسستين في بعث رسالة مفادها أن ملف الإخوان في بلديهما أُغلِق ولا مجال لفتحه.

لذلك، لا يرى زهران -في حديثه للجزيرة نت- وجود احتمالات لحدوث انفراجة في مشهد العلاقة بين الإخوان والنظام السياسي بمصر، فالمعركة في تقديره صفرية، ومرجع ذلك وجود تحالف عربي إسلامي ضد الجماعة، لم يعد يتقبل وجودها في المشهد السياسي والمجتمعي مرة أخرى.

كذلك يرى الخبير بالحركات الإسلامية أن إخوان مصر لا يزال خطابهم بعيدا عن أي تطور لافت يمكن من خلاله التدليل على إدراكهم حجم التحولات الحاصل في المنطقة، فلا الجماعة تراجعت خطوة للوراء حتى يتسنى لها فك أزمات معتقليها، ولا قدمت مشروعا لحل مشكلاتها كافة.

المصدر : الجزيرة