حارس أهوار العراق.. قصة رجل يكافح لمواجهة الجفاف

جفاف الاهوار غي ميسان (مواقع تواصل)
الجفاف يهدد أهوار ميسان (مواقع التواصل)

ميسان– قاده الهوس البيئي منذ نعومة أظفاره إلى اكتشاف المكونات البيئية المحيطة بمنزله، ونما بتوجيه والده الذي كان يعرف الرحالة البريطاني كافن يونك، مؤلف كتاب "العودة إلى الأهوار" ليسخر حياته للدفاع عن أكبر المسطحات المائية جنوب العراق.

الخبير البيئي والمدون أحمد صالح نعمة، قضى حياته متنقلا بين أهوار محافظة ميسان (380 كلم جنوب شرق بغداد) حاملا قلمه وكاميرته للدفاع عن تنوعها الحيوي، ومدونا تشهد له المواقع الإعلامية العربية والدولية.

"ترعرعت وسط المزارع الكثيفة ورأيت التنوع الأحيائي بصورة كبيرة، فكانت المنطلق الحقيقي لحب البيئة ومكوناتها، ومكتبة والدي كنزي المعرفي قرأت فيها كتب الرحالة البريطاني ولفريد ثيسيجر (قصبة في مهب الريح) و (عرب الأهوار) وكانت مجلة (ناشيونال جيوغرافيك) تصلنا عبر البريد لأن والدي مشترك بها".

الصورة من ارشيف بطل القصة
نعمة حريص على حماية التنوع الأحيائي في الأهوار (الجزيرة)

حملات لحماية الأهوار

نظم نعمة العديد من حملات الدفاع عن الأحياء التي تعيش في الأهوار، منها حملته للدفاع عن ثعلب الماء العراقية الأصيلة النادرة "الأوتر" والمسماة "ماكسويل" نسبه لمكتشفها العالم الأسكتلندي غافن ماكسويل خمسينيات القرن الماضي في أهوار ميسان، بعد تعرضها للإبادة بسبب الجفاف أو عمليات الصيد الجائر وبيعها لغلاء ثمن فروتها.

يقول للجزيرة نت إن حملة الدفاع عن ثعلب الماء (ماكسويل) ساهمت بشكل كبير في انضمام الأهوار إلى لائحة التراث العالمي، من خلال الدفاع عن مكوناتها "واعتمدت تلك الحملة من ضمن المفردات التي ضمتها اللائحة عام 2016".

ونظم العديد من الحملات للدفاع عن الأحياء المائية، منها حملته ضد نفوق الأسماك وأخرى ضد الصيد الجائر، وقاد غيرها لتطهير وتنظيف مياه الأهوار، وأطلق أخرى لإعادة زراعة النباتات المائية في تلك المسطحات.

ورافق نعمة العديد من الشخصيات الدولية للأهوار، ليطلعهم على عالمه الساحر "رافقت العديد من الشخصيات الدولية لزيارة الأهوار، منهم البارونة البريطانية إيما نيكلسون والصحفية البريطانية إيميلي وزوجها ليون والكاتب الياباني تاكانو يامادا، وشخصيات رسمية أخرى منهم القنصل الألماني والعديد من المستشرقين والمنظمات الدولية".

شارك العديد من المنظمات البيئية المحلية والدولية، والتقى بالكثير من الناشطين البيئيين من مختلف دول العالم، وكان شغله الشاغل الدفاع عن الأهوار، وعمل مع العديد منها وبدون مقابل، وكان هدفه إيصال وإظهار معاناة الأهوار، حتى اضطر لترك عمله 4 سنوات للتفرغ للأهوار.

سلمان خير الله حماة دجلة الصورة من ارشيفه الخاص
خير الله: نعمة يعتبر أحد القلائل وينطلق بدافعية فطرية لحماية البيئة (الجزيرة)

دافعية تلقائية لحماية البيئة

يقول الناشط والخبير البيئي سلمان خير الله، عضو الهيئة الإدارية لجمعية حماة دجلة المختصة بحماية البيئة في العاصمة بغداد، إن نعمة يعد أحد القلائل على مستوى الشرق الأوسط يدفعه الهاجس الفطري لحماية البيئة بأشكالها وتنوعاتها، ويقدم بدائل مميزة كونه ناشطا وباحثا، وتكفيه الخبرة والنشاط في أن يكون رائدا في مجال الدفاع عن البيئة.

واعتبر خير الله -في حديثه للجزيرة نت- أن نعمة يشكل واجهة للعراق كونه أفاد العشرات من الدراسات والبحوث العالمية عن الأنهار والأهوار العراقية.

ويضيف بأن الخبراء والمهتمين الدوليين يقرون أن نعمة واجهة نوعية للنشاط البيئي العراقي، على الرغم من تعرضه للتهديد والضغوطات، ولكنه يبقى محل إثراء للمعلومات.

ونظم نعمة زيارات للفنانين لاستيحاء أفكار من الأهوار وتجسيدها في أعمال فنية، كالرسم والموسيقى والنحت، وكان من بين الفنانين الذين زاروا الأهوار عازف العود الشهير نصير شمة الذي ألف عند زيارته للأهوار مقطوعة موسيقية عنها.

لم يتوان عن طرح معاناة الأهوار في المحافل التي حضرها، وعبر القنوات الفضائية، فكان نعمة صوتا أهواريا متميزا يحمل إصرارا كبيرا على تفعيل وتدويل الموضوع بشكل كبير.

أسهم وبشكل فاعل في إعداد وتدريب سكان الأهوار مرشدين سياحيين، مما وفر بذلك فرص عمل جديدة لهم، كما أشرف على تشجيع وإعداد العشرات من ناشطي البيئة في المحافظة.

بث نعمة مئات الفيديوهات من عمق مدينته عبر مواقع التواصل، وكان وسم "ميسان مدينة الحب والجمال" أشهر فيديوهاته، يقول للجزيرة نت "أعددت مئات مقاطع الفيديوهات تجاوزت 300 مقطع، وصلت بدورها إلى أغلب المواقع والمنظمات الدولية والبحثية والسياحية، عن طريق نشرها عبر مواقع التواصل".

كما اعتنى نعمة بالموروث الشعبي (المثيولوجيا) خصوصا الفولكلور والموروث الشفاهي، بالإضافة الى اللهجات الأهوارية القديمة، ودون مفرداتها خوفا عليها من النسبان، واهتم بمتابعة الصناعات الخاصة بالأهوار.

نعمة في احد المحافل يداول موضوع الاهوار للجزيرة نت
نعمة في أحد المحافل يتحدث عن جمال الأهوار وطبيعتها (الجزيرة)

عراب الأهوار

تقول الكاتبة نوال جويد المختصة بالموروث الشعبي بمدينة البصرة -للجزيرة نت- إن نعمة يعتبر طاقة إيجابية وعراب الأهوار ودليلها، فقد جمع بين الأصالة والحضارة والتطور، فهو رجل يحمل هم محافظته وهموم أهوارها وقصبها وبرديها، يصارع من أجل الحفاظ على هذا الإرث السياحي، ويفكر بتطويرها ويبحث عن الحلول لتفادي أزمة شح المياه وأثرها على مناطق الأهوار.

يواجه الجفاف الذي تشهده أهوار مدينته مؤخرا، ويقود الحملات والمظاهرات من أجل ذلك المكون، فيقول للجزيرة نت "تمخضت حملة المطالبة بإطلاق الماء لإنعاش الاهوار عن مظاهرات حاشدة لزيادة الإطلاقات المائية، والمطالبة بحصة الأهوار فالجفاف كبير جدا فيها".

يعتبر نعمة الألقاب التي تطلق عليه مثل حارس الأهوار وأميرها ورجل البيئة محل اعتزاز وفخر له ولعائلته.

المصدر : الجزيرة