شاهد على العصر.. "القصر الأحمر" في سيدي بوزيد معلم أثري تونسي ينشد الاهتمام

منيرة حجلاوي_يتعرض القصر الأحمر إلى عمليات نهب وتخريب نتيجة اهمال السلطات له_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت (صورة المراسلة)
القصر الأحمر يتعرض إلى عمليات نهب وتخريب نتيجة إهمال السلطات (الجزيرة)

تونس- سيدي بوزيد – شامخة عالية تتربع القلعة الأثرية "القصر الأحمر" فوق هضبة صغيرة مرتفعة في قرية الاعتزاز بمعتمدية (منطقة) منزل بوزيان بمحافظة سيدي بوزيد (وسط غربي)، ويتناغم لون حجارتها الأحمر المميز مع سهول أشجار الزيتون الخضراء الممتدة والمحيطة بالقصر من كل جانب.

يعم الهدوء المكان، وتترك للزائر الفرصة لتأمل تفاصيل هذا المعلم الأثري الذي اتخذ لنفسه مكانا بعيدا عن الضوضاء وحركة السكان، وللبحث في ثناياه عن تاريخه وعمن عمروه قديما وطاب لهم العيش فيه.

يعود تأسيس القصر الأحمر إلى العهد الروماني، وأوكلت إليه مهمة مراقبة التحركات العسكرية آنذاك، ويمتاز بموقعه الجغرافي المرتفع نسبيا عن باقي المناطق المحيطة به.

منيرة حجلاوي_يمتاز القصر الأحمر بلون حجارته الأحمر المميز إلى اليوم_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت
القصر الأحمر يتميز بلون حجارته الحمراء التي تحتفظ بلونها وجمالها إلى يومنا هذا (الجزيرة)

حصن روماني قديم

تحول هذا الحصن الروماني القديم إلى مدينة عامرة تعج بالحركة في القرن الثالث ميلادي، وكان يضم قلعة وحماما وفسقية ومقبرة، إضافة إلى معلم "الجمال الثلاثة" -لتشابه أقواسه بظهر الإبل- المجاور للقصر الأحمر، وكان يتركب بدوره من حمام وفسقية وعدة ممرات ولوحات فسيفسائية قضى عليها التجاهل والنسيان وأعمال النهب والتخريب.

أثّر عاملا الزمان والطبيعة في هذا الصرح الذي يقاوم من أجل الصمود والبقاء شاهدا على العصر، غير أنه لم يسلم من عبث الإنسان، فتعرضت جدرانه إلى التكسير والتحطيم وردمت غرفه المبنية تحت الأرض بالحجارة الكبيرة ونهبت خزائنه جراء عمليات التنقيب العشوائية وغير القانونية على الكنوز، كما يؤكد وحيد سعدان أحد شباب قرية الاعتزاز للجزيرة نت.

وفاقم معاناة هذا المعلم الأثري مصب النفايات العشوائي الذي أقامته السلطة في وادي محاذٍ له، وفق تصريح أيمن عماري أحد شباب القرية للجزيرة نت.

منيرة حجلاوي_إحدى الغرف السبعة المبنية تحت الأرض واللاتي تعرضن للتخريب_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت (صورة المراسلة)
إحدى الغرف السبع المبنية تحت الأرض والتي تعرضت للتخريب (الجزيرة)

بناء واعتزاز

يد تهدم و10 أخريات تبني، هذا هو شعار شباب منطقة الاعتزاز المعتزين بتاريخهم وبثراء قريتهم الصغيرة المنسية، فاندفعوا لإنقاذ ما تبقى من ثروة القصر الأحمر وحمايته.

على مساحة 2500 متر مربع بمحاذاة القصر قرر هؤلاء الشباب تنفيذ مشروعهم بإحداث متنزه عائلي يضم أنشطة رياضية وترفيهية للصغار والكبار، وليكون متنفسا للأسر بهدف التعريف بهذه المنطقة الأثرية وتنشيطها وتسليط الضوء على معاناتها، يوضح عماري، وهو أيضا أحد المشاركين في هذه المبادرة التطوعية.

وقرر المشاركون الانطلاق بتخصيص جزء من هذه المساحة للأنشطة الرياضية لجلب الشباب وتشجيعهم على الانخراط فيها، معتمدين على براعتهم اليدوية في صناعة كل الأدوات المطلوبة.

منيرة حجلاوي_يعود تأسيس القصر الأحمر إلى العهد الروماني_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت (صورة المراسلة)
تأسيس القصر الأحمر يعود إلى العهد الروماني (الجزيرة)

غياب الدولة

ووجه شباب الاعتزاز دعوة عامة إلى سكان المنطقة للمساعدة في تجسيد حلمهم على أرض الواقع في ظل تجاهل الدولة التام وممثليها بالمحافظة الذين فسحوا بغيابهم المجال لعمليات التخريب التي طالت القصر الأحمر وأضرت به فأصبح مهددا بالانهيار.

وينتقد عماري بشدة الغياب الكلي للدولة، والذي يتجلى في الدراسات والمعلومات الشحيحة حول هذه المنطقة الأثرية، وحتى في عمليات التنقيب والترميم الغائبة عن الآثار المغمورة والمخفية في المنطقة.

منيرة حجلاوي_أحد الأبواب التي كانت تؤدي إلى الغرف المبنية تحت الأرض_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت (صورة المراسلة)
أحد الأبواب التي كانت تؤدي إلى الغرف المبنية تحت الأرض (الجزيرة)

وادي الذهب

ويشبه عماري المنطقة الأثرية "القصر الأحمر" بالكنز المدفون وبوادي الذهب الذي سيدر الذهب على الدولة في حال أعطت المنطقة القيمة التي تستحق، والتي ستعود عليها وعلى سكان القرية بالنفع، وستوفر فرص عمل لشبابها العاطلين عن العمل.

يشار إلى أن منطقة منزل بوزيان محطة رئيسية تحتضن معالم أثرية أخرى متنوعة، غير أن قطار العناية والاهتمام لم يصلها بعد على غرار قطار التنمية الذي تأخر في الوصول إليها وإلى باقي مناطق محافظة سيدي بوزيد.

المصدر : الجزيرة