العملات التذكارية المصرية.. تاريخ مسكوك بالذهب والمعادن

خلال السنوات الأخيرة عادت مصر لإصدار العملات التذكارية المتداولة للدعاية للمشروعات الحكومية
خلال السنوات الأخيرة عادت مصر لإصدار العملات التذكارية المتداولة للدعاية للمشروعات الحكومية (الجزيرة)

القاهرة – تمثل العملات التذكارية جزءا من ذاكرة الأمة ووثائق تاريخية تسجل أحداثها المهمة وتواريخها المفصلية، وتخلد ذكرى الرموز من زعماء وعلماء وأدباء، وترصد مشروعاتها وفنونها وتراثها ومعالمها الحديثة وآثارها القديمة.

منذ ثلاثينيات القرن الماضي أصدرت مصر مئات العملات التذكارية من الذهب والفضة ومعادن أخرى، وكان آخرها عملة فضية من فئة 100 جنيه بمناسبة انعقاد قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي "كوب 27" (COP 27) التي استضافتها مدينة شرم الشيخ أخيرا.

وحظيت العملة التذكارية لقمة المناخ بإقبال كبير دفع مجلس الوزراء إلى تكليف مصلحة الخزانة العامة وسك العملة بسك ألفي قطعة إضافية من العملة التذكارية غير المتداولة، ليصبح عدد القطع المسكوكة 5 آلاف عملة.

الإقبال على عملة قمة المناخ دفع مصر لإصدار كميات إضافية
الإقبال على عملة قمة المناخ دفع مصر لإصدار كميات إضافية (مواقع التواصل)

واستغلت مصلحة الخزانة العامة وسك العملة فرصة توافد الزوار من أنحاء العالم لحضور فعاليات قمة المناخ والتغطية الإعلامية الواسعة لها فنظمت معرضا للعملات التذكارية في المنطقة الخضراء في شرم الشيخ، ليكون بمثابة عرض لجزء مهم من ذاكرة مصر وتشجيعا للسياحة.

وقال رئيس مصلحة الخزانة العامة وسك العملة حسام خضر في تصريحات صحفية إن مصر تعتزم إصدار عملات تذكارية جديدة "غير متداولة" من فئة 100 جنيه من الفضة بمناسبة ذكرى مرور 200 عام على فك رموز اللغة المصرية القديمة ومرور 100 عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.

وتنقسم العملات التذكارية إلى عملات متداولة، وتشمل الفئات الصغيرة مثل الجنيه والنصف جنيه حاليا، وتسك من معادن غير نفيسة، وعملات غير متداولة وتكون بفئات كبيرة مثل الـ100 جنيه، وتسك من الذهب أو الفضة وتباع بقيمة معدنها وليس قيمتها الاسمية.

وفي تاريخها الحديث سجلت العملات التذكارية المصرية المتداولة وغير المتداولة مئات الأحداث المحلية والعالمية والشخصيات والمعالم التاريخية والحديثة، نستعرض بعضها ونتعرف على تاريخ العملات التذكارية في مصر في ما يلي:

العملات التذكارية جزء من السجل التاريخي لأحداث الأمة وترويج سياحي لمعالمها.
العملات التذكارية جزء من السجل التاريخي لأحداث الأمة وترويج سياحي لمعالمها (الجزيرة)

بداية قديمة

في عام 1938 احتفل المصريون بالزواج الملكي الأسطوري للملك فاروق والأميرة فريدة، وتخليدا للمناسبة أوصت الحكومة المصرية بسك عملات ذهبية بمقدار 20 ألف جنيه.

وفي دار السك الملكية في لندن "رويال منت" (Royal Mint) تم سك عملات تذكارية ذهبية تحمل صورة الملك فاروق على الوجه وزخارف نباتية وتاريخ الزواج عام 1938 على الظهر، وشملت فئات 5 جنيهات بوزن 42.5 غراما من الذهب، وجنيها واحدا بوزن 8.5 غرامات، و50 قرشا (نصف جنيه) بوزن 4.25 غرامات، و20 قرشا بوزن 1.7 غرام.

لكن البداية الحقيقية للعملات التذكارية المصرية الحديثة ترجع إلى عام 1955 حين صدر القانون رقم 150 بإصدار عملات تذكارية، إذ بدأت مصر في سك عملات تذكارية غير متداولة من الذهب في ذكرى عيد مصر القومي في ذلك العام، وكانت من فئتين: الأولى 5 جنيهات بوزن 42.5 غراما وتباع بـ50 جنيها، والأخرى فئة جنيه واحد بوزن 8.5 غرامات وتباع بـ5 جنيهات، وأعيد سكها مرة أخرى في 1957، وفقا لموسوعة العملات المعدنية المصرية لمجدي حنفي.

توثيق تاريخي

أما أولى العملات التذكارية المتداولة فجاءت عام 1956 حين أصدرت مصر عملة تذكارية من الفضة فئة 50 قرشا بوزن 28 غراما بمناسبة عيد الجلاء (رحيل الاحتلال البريطاني عن مصر)، وتحمل تلك العملة صورة فتاة فرعونية حطمت أغلالها وترفع شعلة الحرية عاليا، وهي ترمز إلى تخلص مصر من الاحتلال.

وفي العام ذاته أصدرت مصر عملة تذكارية متداولة فئة 25 قرشا بوزن 17.5 غراما من الفضة بمناسبة تأميم قناة السويس.

ثم توالت الإصدارات التذكارية المتداولة في الأعوام التالية، ومنها 25 قرشا من الفضة بمناسبة افتتاح مجلس الأمة عام 1957، و20 مليما من النحاس تذكار سوق الإنتاج الصناعي والزراعي عام 1958، وهي العملة التذكارية الوحيدة الصادرة من معدن غير نفيس حتى عام 1968، و10 قروش من الفضة تذكار الوحدة بين مصر وسوريا عام 1959.

وأصدرت مصر عام 1964 مجموعة تحويل مجرى النيل من فئات 5 و10 و25 و50 قرشا من الفضة (متداولة)، و5 و10 جنيهات من الذهب بوزن 26 و52 غراما على التوالي (غير متداولة)، وجنيها فضيا بمناسبة انطلاق كهرباء السد العالي عام 1968، وآخر في وفاة جمال عبد الناصر عام 1970، وثالثا بمناسبة العيد الألفي للأزهر الشريف عام 1972.

ومنذ نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات توالت الإصدارات التذكارية المتداولة من الفئات الصغيرة (5 و10 مليمات) من النحاس والألمنيوم، و5 و10 و20 قرشا من الكوبر نيكل.

وحملت العملات التذكارية مناسبات عدة، مثل ذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وإعادة افتتاح قناة السويس، وذكرى ثورة التصحيح، ويوم العلمين ويوم الطبيب المصري، و60 عاما على افتتاح البرلمان، وافتتاح مترو الأنفاق.

العملات التذكارية المصرية اتسمت بالتنوع في الإصدارات والموضوعات والفئات
العملات التذكارية المصرية اتسمت بالتنوع في الإصدارات والموضوعات والفئات (الجزيرة)

عودة جديدة

واستمرت العملات التذكارية المتداولة في الصدور حتى عام 1989، قبل أن تتوقف لأكثر من ربع قرن، حتى أصدرت مصر العملة التذكارية المتداولة فئة الجنيه والنصف جنيه بمناسبة افتتاح "قناة السويس الجديدة" عام 2015.

ثم عادت الإصدارات التذكارية المتداولة بكثافة خلال الأعوام الماضية، وفي عام 2019 صدرت 9 إصدارات تذكارية متداولة حملت 8 منها صورا لمشاريع تنفذها الدولة المصرية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة وحقل ظهر للغاز.

والعام الماضي، سُكت 4 إصدارات تذكارية متداولة، للاحتفاء بالفرق الطبية ومواجهتها جائحة كورونا، ومشروع حياة كريمة وموكب المومياوات وعيد الشرطة الـ69.

وخلال العام الحالي حملت الإصدارات التذكارية مناسبات 90 عاما على إنشاء شركة مصر للطيران، واليوبيل الماسي لمجلس الدولة، وذكرى إنشاء دار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية طريق الكباش.

أحداث وشخصيات

في المقابل، لم تتوقف الإصدارات التذكارية غير المتداولة المسكوكة من الذهب والفضة، وسكت مصر مئات العملات من فئة 1 و5 و10 جنيهات، إلى جانب فئتي 50 و100 جنيه.

وتنوعت موضوعات العملات التذكارية بين مناسبات قومية مثل ثورة يوليو/تموز، وذكرى نصر أكتوبر/تشرين الأول، وتحرير سيناء وتوقيع اتفاقية السلام، وثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ومناسبات رياضية مثل كأس الأمم الأفريقية في مصر عام 1986، وكأس العالم لكرة القدم بالمكسيك 1986، وإيطاليا 1990، وأميركا 1994، ومجموعة الألعاب الأولمبية الـ25 في برشلونة عام 1992.

وحملت العملات صور شخصيات تاريخية ومعاصرة، مثل القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، ورؤساء مصر الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، والملك السعودي فيصل بن عبد العزيز.

ومن الشخصيات العامة والرموز المصرية الشيخ محمد متولي الشعراوي، والكاتب نجيب محفوظ، والشاعران أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ومن الفنانين أم كلثوم وعبد الحليم حافظ.

كما سجلت مصر على عملاتها التذكارية صورا لأهم معالمها التاريخية، مثل مجموعة "كنوز مصر الفرعونية" التي تضم صورا لمجموعة من أهم الآثار الفرعونية المصرية، إلى جانب عملات تحمل صورا للكعبة المشرفة والجامع الأزهر، فضلا عن معالم مصر المعاصرة مثل المتحف المصري وماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام) وحديقة الحيوان.

تذكار سوق الإنتاج الزراعي والصناعي عام 1958 أول عملة تذكارية مصرية من النحاس
أول إصدار تذكاري مصري فئة 100 جنيه ذهبية من مجموعة كنوز مصر الفرعونية (مواقع التواصل)

لغز الـ100 جنيه

أثارت القيمة الاسمية لعملة قمة المناخ من فئة 100 جنيه دهشة بعض المصريين، لأنها فئة كبيرة وغير معتادة في إصدار العملات المعدنية، لكن تاريخ العملات التذكارية المصرية يشير إلى أن هذه الفئة صدرت قبل نحو 40 عاما، وتحديدا في عام 1983 عندما سكت عملة من الذهب ضمن مجموعة كنوز مصر الفرعونية تحمل صورة الملكة نفرتيتي بوزن 17 غراما تقريبا.

وتوالى إصدار هذه الفئة من الذهب ضمن مجموعة كنوز مصر الفرعونية في الأعوام التالية بتمويل من دار سك فرانكلين الأميركية، إلى جانب نحو 10 إصدارات أخرى كلها تحمل مناسبات رياضية وكان آخرها عام 1992.

وفي عام 2009 أصدرت مصر عملة تذكارية فئة 100 جنيه بمناسبة اليوبيل الفضي لعودة مجلس القضاء الأعلى، وسكت قطعة واحدة من الذهب بوزن 45 غراما تباع بمبلغ 15 ألفا و750 جنيها، و130 قطعة من الفضة بوزن 25 غراما وتباع الواحدة بـ170 جنيها.

وفي عام 2014 صدرت عملة تذكارية من فئة 100 جنيه من الفضة بمناسبة مئوية الكشافة المصرية، وبعد 3 سنوات صدرت عملة أخرى ضمن مجموعة الاحتفال بمرور 150 عاما على إنشاء القاهرة الخديوية.

وخلال الأعوام الماضية صدرت عملات تذكارية عدة من فئة 100 جنيه، بينها الذكرى المئوية لكل من عبد الناصر والسادات ومرور 150 عاما على إنشاء كلية الحقوق عام 2019، وموكب المومياوات الملكية وإنشاء شركة مصر للطيران عام 2021.

المصدر : الجزيرة