أورام تنخر الأجساد.. أسرى فلسطينيون اجتمع عليهم القيد والمرض

دير سامت-الخليل-فلسطين-26 مارس 2023-عوض الرجوب ( عائلة الأسير علي الحروب-أسير فلسطيني مصاب بالسرطان)
عائلة الأسير علي الحروب المصاب بالسرطان في سجون الاحتلال تدعو لإطلاق سراحه حتى يتمكن من العلاج (الجزيرة نت)

الخليل- عاد الأسير الفلسطيني أحمد أبو علي (48 عاما) جثمانا مجمدا مسجى على نعش، بعد قضاء نحو 10 سنوات في السجن بعيدا عن زوجته وأبنائه التسعة بمدينة يطا بمحافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية، وذلك قبيل عامين من موعد الإفراج عنه.

صبر الشهيد سنوات طويلة على الأوجاع، ولما استفحلت الأمراض واهتز قلبه نُقل مقيد اليدين والرجلين إلى مستشفى سوروكا الإسرائيلي، وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة في العاشر من فبراير/شباط الماضي، تاركا وراءه مئات الأسرى من أمثاله.

الأسير أبو علي عانى سياسة "القتل البطيء" المتمثل في "الإهمال الطبي" الذي تمارسه إدارات السجون الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين، وتحديدا المرضى منهم المقدر عددهم بنحو 600 معتقل، وفق نادي الأسير الفلسطيني.

مصير أبو علي وقبله ناصر أبو حميد، هو أكثر ما باتت تخشاه زوجة الأسير علي الحروب (50 عاما) وأبناؤه السبعة، من بلدة دير سامت، غربي الخليل، الذي اعتقل معافى وسليما ثم غزت الأورام السرطانية أنحاء جسده.

أورام تنخر الجسد

وقالت جيهان الحروب (زوجة الأسير علي الحروب) في تصريح للجزيرة نت إن معاناة الأسير بدأت عام 2015، حين بدأت تظهر أورام في صدره وفي الغدد اللمفاوية من دون أن يجد من العلاج سوى المسكنات في عيادة السجن لأكثر من عامين.

واعتقل الحروب، وهو أب لـ4 أبناء و3 بنات، يونيو/حزيران 2010، وحكم عليه بالسجن لمدة 25 عاما بتهمة الاشتراك مع آخرين في تنفيذ عملية فدائية، وتنقل بين عدة سجون.

بعد استفحال المرض وتدخل محاميه، نقلت إدارة سجن "ريمون" الأسير الحروب إلى مستشفى برزلاي، وأجرت له فحوصات أثبتت إصابته بمرض السرطان، ولاحقا جرت له عملية استئصال لعدد من الغدد في أنحاء جسده، خاصة البطن والظهر والعمود الفقري، ثم عاد إلى السجن.

تضيف زوجة الحروب أن المرض لم يتوقف بعد إزالة الأجزاء المصابة من الجسد، بل انتشر بشكل أوسع وفي أغلب أنحاء جسده، وتحت ضغط إعلامي وسياسي استمر أكثر من عام، نقل الحروب -قبل 3 أشهر- من سجن النقب، حيث يقبع حاليا، إلى المستشفى لإجراء فحوصات، وتبينت عودة السرطان إليه وحاجته إلى جلسات إشعاعية، فكان ينقل للمستشفى ويعاد إلى السجن من دون حصوله على الرعاية الطبية اللازمة.

نقل محامي الحروب إلى عائلته أن الأسير شرع في برنامج للعلاج الكيميائي في السجن، وكذلك أُعطي أدوية وعلاجات لا يعرف اسمها أو فعالياتها، وتلقى تهديدا من إدارة السجن بعد تقديم شكوى لمؤسسات حقوقية حول ما يتعرض له.

قبل شهر كانت آخر زيارة للحروب من زوجته، وتقول إنه كان متغيرا كليا وجسده منتفخا وشعره متساقطا، ووجه شاحبا ومرهقا، وبالكاد يستطيع المشي والوقوف.

انتظار الخبر المفجع

اليوم أكثر ما تخشاه جيهان وأبناء وبنات الأسير أن يأتيهم الخبر المفجع، وأن يفارق الزوج والأب الحياة في أي لحظة، وتضيف الزوجة "كنا نطالب المؤسسات والدول العربية وننتظر صفقة للإفراج عنه، واليوم نطالب بتوفير العلاج له وإطلاق سراحه، ونخشى أن يصلنا نبأ استشهاده، ونبدأ مشوار المطالبة بتسليم جثمانه".

وتتوجه زوجة الأسير بشكل خاص إلى حركة حماس التي تأسر جنودا إسرائيليين وتطالبها بعمل ما تستطيع للإفراج عن زوجها وباقي الأسرى المرضى.

أما محمد (نجل الأسير)، فغاية أمنيته أن يفرَج عن والده ويعيش مع العائلة أجواء شهر رمضان الذي لم يتمكن من صيامه منذ 3 سنوات بسبب المرض، في حين يطالب ابنه جهاد (17 عاما) بأن يفرَج عنه كي تتمكن العائلة من معالجته.

دير سامت-الخليل-فلسطين-26 مارس 2023-عوض الرجوب (محمد ابن الأسير المريض بالسرطان علي الحروب، وأمه زوجة الأسير جيهان الحروب).
نجل الأسير الحروب يتمنى إطلاق سراح والده كي تتمكن العائلة من علاجه (الجزيرة نت)

24 مريضا بالسرطان

وفق معطيات نادي الأسير، فإن عدد الأسرى الذين استشهدوا في السجون بلغ 235 شهيدا منذ عام 1967، بينهم 75 نتيجة جريمة الإهمال الطبي، وآخرون قتلوا خلال الاعتقال أو بعده، فضلا عن عشرات الأسرى المفرج عنهم الذين ارتقوا نتيجة أمراض ورثوها من السّجون.

وفي المجمل، فإن 600 أسير فلسطيني، من بين قرابة 4700، يعانون أمراضا مختلفة، بينهم 200 يعانون أمراضا مزمنة تستدعي حالتهم المتابعة الدائمة، منهم 24 يعانون من السرطان، والأورام بدرجات مختلفة.

ووفق المصدر نفسه، فإن 4 أسرى حاليا يخضعون لعلاج كيميائي أو بيولوجي أو إشعاعي، وهم -إضافة إلى الحروب- عاصف الرفاعي من رام الله وهو أصعب الحالات، ووليد دقة من عرب 48 مصاب بسرطان النخاع الشوكي، وموسى صوفان من طولكرم ومصاب بسرطان في الرئة.

وتشير المعطيات إلى أن مجموعة من الأسرى مصابون بالسرطان والأورام بدرجات أقل وبحاجة لمتابعة دائمة، ومنهم عبد الباسط معطان من رام الله، وجمال عمر من الخليل، ويعقوب قادري من جنين، وإبراهيم أبو مخ من عرب 48.

ويقول النادي إن أسرى آخرين أصيبوا بالسرطان وجرى استئصال أجزاء من مكان الإصابة، وهم رهن المتابعة، وأسماؤهم موفق عروق، وياسر ربايعة، وفواز بعارة، وعماد أبو رموز، وإياد نظير عمر.

قوانين تشرّع القتل

وفق الناطق الإعلامي باسم نادي الأسير الفلسطيني أمجد النجار، فإن سلطات الاحتلال تعاقب الأسرى وتحرمهم من العلاج وفق قانون صدر عن الكنيست مؤخرا، ضمن أكثر من 20 قانونا تستهدف فيها الأسرى الفلسطينيين في السنوات الأخيرة.

وقال النجار للجزيرة نت إن الكنيست أقر بالقراءة التمهيدية يوم 23 فبراير/شباط الماضي تشريعا ينص على حرمان الأسرى من العلاج والعمليات الجراحية وما يعدونه علاجات طبية غير أساسية تحسن ظروف الحياة "وهذا منفذ وأكثر منه فعليا قبل إقرار القانون".

وأشار الناطق الإعلامي باسم نادي الأسير الفلسطيني إلى مصادقة الكنيست بالقراءة التمهيدية في الأول من مارس/آذار الجاري على مشروع قانون يسمح بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق أسرى فلسطينيين مدانين بقتل إسرائيليين، والمصادقة يوم 15 فبراير/شباط بالقراءتين الثانية والثالثة على مشروع قانون يتيح إلغاء الجنسية الإسرائيلية أو إلغاء إقامة أي أسير فلسطيني يتلقى مخصصات مالية من السلطة الفلسطينية، ويقصد به عرب 48 والقدس.

وذكر النجار أن حزب "القوة اليهودية" -الذي يقوده وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير- هو الذي تقدم بتلك القوانين، "لكن الأسرى لن يسمحوا له بتمريرها".

والخميس الماضي، علق الأسرى الفلسطينيون إضرابا عن الطعام كانوا لوحوا به ردا على إجراءات فرضها بن غفير تهدف إلى التضييق عليهم، وذلك بعد اتفاق على تعليق تلك الإجراءات.

المصدر : الجزيرة