لماذا تواصل إسرائيل جريمة عزل الأسيرات داخل السجون؟

سجن شطة الملاصق لسجن جلبوع الذي هربوا منه الأسرى الستة. جميع الصور من تصوير مصلحة السجون الإسرائيلية، كما نشرتها على صفحتها على فيسبوك للاستعمال الحر)
العزل الانفرادي وراء جدران السجون الإسرائيلية يترك آثارا نفسية صعبة على الأسيرات (صفحة مصلحة السجون الإسرائيلية)

رام الله- "اقتحمت قوة إسرائيلية كبيرة الغرفة، واعتدوا علينا بالضرب والصراخ والشتائم، ثم نقلوا كل الأسيرات تحت المطر إلى العزل دون السماح لنا بحمل أي شيء، كانت غرفة العزل مقرفة وباردة"، بهذه الكلمات التي تعجز عن نقل حقيقة جرائم الاحتلال، تصف الأسيرة شروق البدن ما تعرضت له هي و5 أسيرات الثلاثاء الماضي في سجن الدامون، القريب من مدينة حيفا.

وأفرج عن شروق في ساعات متأخرة من يوم أمس الخميس بعد 3 أيام من العزل في الزنازين الباردة، حيث أنهت فترة حكمها 14 شهرا، لتضفي البهجة على منزلها في بلدة تقوع القريبة من بيت لحم وسط الضفة الغربية.

لم يكن هذا القمع الأول الذي تعرضت له شروق وباقي الأسيرات في غرفة رقم 9 في قسم الأسيرات بسجن الدامون، حيث تعرضن للقمع على خلفية احتفائهن بعملية إطلاق النار في القدس الجمعة الماضي، ردا على قتل الاحتلال 9 فلسطينيين وجرح العشرات خلال اقتحامها مخيم جنين شمال الضفة الغربية.

في حديثها للجزيرة نت، تقول شروق للجزيرة نت "كانت الزنازين ضيقة جدا وباردة ولا يوجد فيها سوى سريرين، ولأننا كنا 3 أسيرات، فكانت إحدانا تنام على الأرض، ورغم البرودة الشديدة لم يسمح لنا بإدخال أكثر من غطاء حتى الوسائد ممنوعة".

تحمد البدن الله على الحرية، لكنها تقول بحزن شديد "أخرجوني من العزل مباشرة ولم يسمحوا لي بوداع باقي الأسيرات في القسم".

ظروف العزل التي تحدثت عنها شروق، على صعوبتها، تبدو أخف من تلك التي تواجهها الأسيرة ياسمين شعبان في قسم العزل بسجن الرملة، المخصص لعزل السجينات الإسرائيليات المتهمات بجرائم كبرى مثل القتل والمخدرات.

ولا تسمح سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمحامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين بزيارة الأسيرة ياسمين، خاصة أنها أعلنت الإضراب المفتوح عن الطعام منذ عزلها.

العزل كعقوبة

بالعادة، يتخذ قرار تحويل الأسيرات إلى العزل ضباط أمن السجن، حيث يتعرض الأسير لمحكمة أمام مجموعة من الضباط وتفرض عليه عقوبة، تتراوح بالعادة ما بين أسبوع إلى 6 أشهر.

وتستخدم سلطات الاحتلال العزل عقوبة ضد الأسرى، ويتخذ عدة أشكال، أخفها ما تعرضت له الأسيرات في البداية وهو تحويل الغرف لزنازين عزل جماعية من خلال سحب كل متعلقات الأسرى ومستلزماتهم اليومية من أدوات كهربائية، ولا يبقى في الغرف سوى الملابس والأغطية.

وفي هذه الحالة يتم إغلاق القسم بالكامل وتمنع الأسيرات من الخروج إلى الساحات أو حمامات الاستحمام خارج الغرف، وتكون ممثلة القسم حلقة الوصل بين الإدارة والأسيرات، وعادة ما ترافقها عقوبات أخرى، مثل المفروضة على الأسيرات الآن، مثل منع زيارة الأهل أو حتى مجرد التواصل الهاتفي لشهر كامل.

النوع الثاني، هو العزل داخل السجن ولكن خارج القسم، كما جرى مع شروق البدن وباقي الأسيرات بغرفة 9، حيث نقلن إلى زنازين عزل بسجن الدامون. وبالعادة لا تحتوي الزنازين إلا على غطاء واحد فقط للسرير، ومن الملابس غيار واحد يتم حفظه في مخزن السجن وتسليمه للأسيرة وقت الاستحمام.

النوع الثالث، هو العزل الانفرادي خارج السجن، ويستخدم لتغليظ العقوبة، مثلما حدث مع الأسيرة ياسمين شعبان.

الخطير في هذا النوع من العزل، هو نقل الأسيرة لعزل جنائي وتعامل الإدارة معها مثل الجنائيات المعتقلات على جرائم القتل والمخدرات، وذلك بحسب الأسيرة المحررة منى قعدان التي تعرضت لهذا النوع من العزل في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

في حديثها للجزيرة نت، تقول منى قعدان "تم نقلي لعزل الجنائيات في سجن جلبوع لـ7 أيام، كانت الزنزانة ضيقة للغاية وشديدة البرودة، والقسم منفصل عن باقي الأقسام".

الأسيرة ياسمين شعبان - المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
سلطات الاحتلال لا تسمح للمحامين بزيارة الأسيرة ياسمين شعبان بعد أن أعلنت إضرابها عن الطعام (المركز الفلسطيني للإعلام)

تقديرات أمنية

في كل الحالات السابقة يكون العزل هو العقوبة، لكن في حالات أخرى يتم تحويل الأسيرة أو الأسير للعزل دون أي مخالفات ضد إدارة السجن، لكن فقط بناء على تقديرات أمنية، كما هو الحال في عزل الأسيرة فدوى حمودة من مدينة القدس المحتلة، التي تم عزلها لأشهر انفراديا.

في هذا السياق، يقول مدير نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، إن هذا النوع من العزل يسمح للأسير وقت نقله لغرف الزنازين باصطحاب جميع أغراضه ومستلزمات الحياتية، كما هو الحال في غرف الأقسام العادية، لكن الفرق أنه يكون وحيدا.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول فارس إن هذا النوع من العزل يستخدمه الاحتلال ضد الأسرى الذين لهم تأثير على باقي الأسرى، أو في القضايا التي تحمل بعدا أمنيا، مثل الهروب من السجون، حيث يتعرض الأسرى للعزل لسنوات.

ويتخذ قرار العزل في هذه الحالة قائد المنطقة بجيش الاحتلال، ويتم تجديده كل 6 أشهر، بعد عرض الأسير على لجنة أمنية من إدارة مصلحة السجون.

فلسطين- رام الله- عزيزة نوفل- المحررة عطاف عليان تتحدث عن رمضان في السجون - الجزيرة
المحررة عطاف عليان: قضيت 4 سنوات متواصلة في العزل خلال فترة اعتقالي التي بلغت 10 سنوات (الجزيرة)

تأثيرات نفسية

الأسيرة المحررة عطاف عليان من الأسيرات اللواتي خضن هذه التجربة، حيث اعتقلتها قوات الاحتلال للمرة الأولى عام 1987 لتقضي في السجن 10 سنوات منها 4 سنوات متواصلة في العزل، وفقا لما قالته في مقابلة سابقة مع الجزيرة نت.

في ذلك الوقت، تم نقل الأسيرة عليان للعزل بناء على تقديرات أمنية بخطورة استمرار احتجازها بين الأسيرات، وهي التي خاضت أولى الإضرابات الفردية في السجون احتجاجا على ظروف اعتقالها.

ويترك العزل آثارا نفسية صعبة للغاية على الأسيرات، كما تقول منى قعدان، فهو "أصعب مراحل الاعتقال" وخاصة الانفرادي حيث تبقى الأسيرة لأيام وحيدة في زنزانة فارغة بالكامل، ويزيد صعوبة ذلك عدم تحديد فترة العزل التي يمكن أن تمتد لشهر كما حدث معها في عام 2012، وذلك في محاولة للتنكيل بالأسيرات وكسر إرادتهن.

المصدر : الجزيرة