قضى 34 عاما في سجون الاحتلال و5 سنوات مطاردا.. من الشهيد الأسير ناصر أبو حميد؟

1من فعاليات المساندة للأسير أبو حميد أمام الصليب الأحمر بالبيرة-3.jfif
من فعاليات المساندة للأسير أبو حميد أمام مقر الصليب الأحمر بالبيرة (الجزيرة)

رام الله- في آخر رسائله قبل دخوله في غيبوبة، قال الشهيد الأسير ناصر أبو حميد 50 عاما "أنا ذاهب إلى نهاية الطريق، ولكن مُطمئن وواثق بأنني أولا فلسطيني وأنا أفتخر، تاركًا خلفي شعبا عظيما لن ينسى قضيتي وقضية الأسرى…".

وفي الصباح الباكر، اليوم الثلاثاء 20 ديسمبر/كانون الأول، وصل أبو حميد إلى نهاية طريقه بعد إعلان نادي الأسير الفلسطيني استشهاده في مستشفى "أساف هروفيه" الإسرائيلي بعد أشهر من المعاناة من الإهمال الطبي في سجون الاحتلال بعد تشخيص إصابته بسرطان الرئة، ليرتفع بذلك عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 233 شهيدًا منذ عام 1967، منهم 74 شهيدًا ارتقوا نتيجة سياسة الإهمال الطبيّ.

وحمّل نادي الأسير الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن قتل الأسير ناصر أبو حميد، وعن مصير الأسرى كافة، ومنهم الأسرى المرضى الذين يواجهون جملة من السّياسات والجرائم الممنهجة، ومنها جريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء)، التي شكّلت في السّنوات القليلة الماضية السبب الأساسي في استشهاد العديد من الأسرى.

وكانت عائلته أعلنت في 8 أيلول/سبتمبر الفائت عن تقارير طبية أجريت له تفيد بدخوله مرحلة ميؤوس من علاجها، بعد تفشي المرض بأماكن متعددة من جسده الذي بات يرفض العلاج الكيماوي، مطالبين بالإفراج الفوري عنه ليقضي أيامه الأخيرة بين عائلته، إلا أن سلطات الاحتلال رفضت هذه المناشدات وطلبات قانونية لاحقة تقدمت بها العائلة.

وخلال ذلك، رفض أبو حميد وعائلته تقديم "طلب عفو" من رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل الإفراج عنه، والاكتفاء بطلب الإفراج المبكر الذي رفضه الاحتلال بالرغم من صعوبة حالته الصحية.

وحمّلت عائلة أبو حميد الاحتلال المسؤولية عن استشهاد ابنها، نتيجة ما وصفته بـ"سياسة الإهمال الطبي المتعمد" التي مورست بحقه منذ بداية ظهور أعراض المرض عليه أغسطس/آب 2021، حيث تأخرت سلطات الاحتلال في إجراء الفحوصات الطبية بحقه، وفي إجراء العملية الجراحية التي حددها الأطباء.

ناجي أبو حميد شقيق الشهيد الأسير ناصر أبو حميد يتحدث للجزيرة نت (الجزيرة)

النضال مبكرا

وقضى أبو حميد معظم سنوات حياته أسيرا في سجون الاحتلال، بعد تخطيط وتنفيذ عمليات مقاومة ضد الاحتلال وأهدافه منذ أن كان طفلا في الـ11 من عمره.

يقول شقيقه الأكبر ناجي أبو حميد للجزيرة نت "قضى ناصر (معظم) حياته معتقلا في سجون الاحتلال، وما تبقى كان مقاوما أو مطاردا".

وعن تفاصيل حياته، يقول ولد أبو حميد عام 1972 في مخيم النصيرات في غزة، ثم انتقل مع عائلته للعيش في مخيم الأمعري بالقرب من رام الله بالضفة الغربية، وفيه بدأ نشاطه النضالي.

كان الاعتقال الأول لأبو حميد عام 1981، ولم يكن عمره يتجاوز حينها 11 عاما، وأمضى حينذاك 4 أشهر في سجون الاحتلال، بعد إلقائه زجاجة مولوتوف (زجاجة حارقة) على دورية لجيش الاحتلال.

وخلال الانتفاضة الأولى 1987، وجد أبو حميد مساحته للمشاركة في العمل المقاوم من جديد، رغم أنه كان لا يزال طفلا.

وبعد خروجه من السجن، كان قد حسم أمره بالمضي قدما بالعمل المقاوم، ولم يمض الكثير حتى كان المطلوب رقم واحد لجيش الاحتلال، وخلال ذلك هدم الاحتلال منزل عائلته في سابقة هي الأولى في ذلك الوقت.

وفي ما بعد، اعتقل وحكم عليه بالسجن لعامين ونصف العام. ثم أعيد اعتقاله للمرة الثالثة عام 1990، وحكم عليه الاحتلال بالسّجن المؤبد 9 مؤبدات على خلفية قتل متعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي.

قضى من حكمه الطويل 4 أعوام، ومع تطبيق اتفاقية أوسلو عام 1995 أفرج عنه ضمن الإفراجات التي تضمنتها الاتفاقية، وبعد أقل من عام أعيد اعتقاله وحكم عليه بالسجن 3 سنوات.

الأسد المقنع

وبعد عام من الإفراج عنه، اندلعت الانتفاضة الثانية 2000، وانخرط فيها أبو حميد وقام بتأسيس كتائب شهداء الأقصى بالتنسيق مع كل قيادات الحركة في الضفة والقطاع في اليوم الرابع لاندلاع الانتفاضة.

ومن جديد عاد أبو حميد ليكون على قائمة المطاردين، بعد تنفيذه وتخطيطه سلسلة من العمليات الاستشهادية داخل إسرائيل، تعرض خلالها لمحاولات اغتيال، وكان أول مطلوب يتعرض لمحاولة اغتيال بتفجير مركبة كان من المقرر أن يستقلها.

اشتهر أبو حميد في تلك الفترة بلقب "الأسد المقنع"، يقول شقيقه ناجي عن هذا اللقب "قد يكون بسبب القناع الذي كان يرتديه بشكل دائم، أو بالمفهوم العام للحركة التي أسسها"، ويقصد بذلك كتائب شهداء الأقصى.

عام 2002، اعتُقل أبو حميد بعد محاصرة منزله في كفر عقب شمال مدينة القدس المحتلة، وتعرض لفترة تحقيق قاسية قبل الحكم عليه بالسجن المؤبد 7 مرات و50 عاما.

رحلة السجن والمرض

لم تكن سنوات السجن الـ20 الأخيرة سهلة على أبو حميد الذي صُنف منذ بداية اعتقاله على أنه من أخطر المعتقلين، وبرز بوصفه أحد قادة تنظيم حركة التحرير الوطني "فتح" والهيئات التنظيمية للأسرى في السجون، وهو ما جعله قائد احتجاجات الأسرى ومعاركهم وإضراباتهم، مما عرضه لسنوات من العزل والإجراءات العقابية.

ولعل أبرز الإجراءات العقابية التي فرضت عليه حرمانه من زيارة عائلته والالتقاء بأشقائه، الذين اجتمع 6 منهم خلف أسوار السجون، خلال بعض السنوات.

كما تعرض خلال سنوات السجن لمراحل من الإهمال الطبي، فقد اعتُقل مصابا واحتاج إلى علاج كانت مصلحة السجون الإسرائيلية تماطل في تقديمه له.

الإهمال الطبي الأبرز، كما يقول شقيقه ناجي أبو حميد، بدأ بعد ظهور أعراض مرض السرطان في صدره، ورغم تشخيص حالته منذ البداية على أنها ورم برئتيه، فإن مصلحة السجون الإسرائيلية ماطلت في إجراء الفحوص اللازمة له لمعرفة نوع الورم وخطورته.

ليس هذا فحسب، بل كان الإعلان الأول من مصلحة السجون إصابته بورم حميد، قبل أن تسوء حالته أكثر ويتم إجراء فحوصات إضافية تبين حقيقة مرضه بالسرطان في مراحل متقدمة.

وبالرغم من تردي وضعه الصحي بعد رفض جسده العلاج الكيميائي وتقارير الأطباء باحتمالية استشهاده في أي وقت، فإن إدارة مصلحة السجون رفضت الإفراج عنه، متجاهلة كل المطالبات الشعبية والرسمية و الدولية.

فلسطين رام الله صورة من العائلة من عام 2014 صورة تجمع أربعة أشقاء أسرى من عائلة أبو حميد بوالديهم سمح بها في آخر زيارة لوالدهم قبل وفاته.jpg
صورة تجمع 4 أشقاء أسرى من عائلة أبو حميد بوالديهم سمح بها في آخر زيارة لوالدهم قبل وفاته (الجزيرة)

عائلة مناضلة

وينحدر أبو حميد من عائلة هجرت من بلدتها الأصلية "السافرية" قضاء مدينة يافا، ولجأت إلى مدينة غزة، ومنها انتقلت إلى مخيم الأمعري بالضفة الغربية، وهو الابن الثالث في العائلة المكونة من 10 أشقاء وشقيقتين.

وبعد اعتقاله الأول عام 1981، تعرض أشقاؤه بشكل فردي وجماعي للاعتقال، واستشهد شقيقه عبد المنعم عام 1994.

وخلال الانتفاضة الثانية كان 7 منهم في السجون في الفترة نفسها، والآن يقبع 4 من أشقائه (نصر، ومحمد، وشريف، وإسلام) في سجون الاحتلال، وجميعهم يواجهون أحكاما بالمؤبد مدى الحياة.

وانتقاما من أبو حميد وأشقائه، هدم الاحتلال منزل العائلة 5 مرات، آخرها كانت عام 2019 بعد اعتقال شقيقه الأصغر إسلام والحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة قتله جنديًّا صهيونيًا من وحدة "دفدوفان" بجيش الاحتلال.

لم يمارس أبو حميد حياته الطبيعية، فقد قضى 34 عاما من حياته في السجون، و5 أعوام مطاردا، ولكنه كان في الفترات القليلة التي عاشها خارج السجن يعتني بحصان اشتراه وتعلق به كثيرا، وكان يوصي دائما أشقاءه بالاعتناء به، فكما يقول شقيقه ناجي "لو عاش ناصر حياة طبيعية، لكان مدربا للخيول، فقد أحبها وعشقها منذ صغره".

المصدر : الجزيرة