القنبلة.. الرؤساء والجنرالات والتاريخ السري للحرب النووية

تجربة نووية للبحرية الأميركية بمنطقة حلقية بيكيني في جزر مارشال (غيتي)

عاد مصطلح الحرب النووية لنشرات الأخبار في العام الجاري 2022 في أعقاب تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، ويدرس كتاب الكاتب الصحفي فريد كابلان "القنبلة: الرؤساء والجنرالات والتاريخ السري للحرب النووية" كيف تُشكّل الأسلحة النووية للجيش الأميركي والسياسة الخارجية للبلاد ويحلل تصرفات الرؤساء في الأزمات النووية، من ترومان إلى دونالد ترامب.

ويَعرف القراء المؤرخ الإستراتيجي الأميركي كابلان من خلال كتابه الشهير "عرافو هرمجدون" الذي يعد من كلاسيكيات الكتب التي تدرس سياسات القوة الأميركية، وفي كتابه الجديد يركز على الجهود الطموحة وغير الناجحة في كثير من الأحيان من قبل الرؤساء الأميركيين ومستشاريهم المدنيين لفرض بعض ضبط النفس على حجم الترسانة النووية، وتحويل خطط الاستهداف بعيدا عن الضربة الشاملة إلى خيارات "يمكن التحكم فيها" أكثر.

يعرفنا كابلان على الأشخاص والشخصيات الذين شكلوا الترسانة النووية الأميركية ويخططون لاستخدامها، بينما يأخذنا في مناقشات عميقة داخل البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) وفي البيت الأبيض، وفي مقر "القيادة الجوية الإستراتيجية" (SAC)، ليروي قصصا مثيرة عن رؤساء غالبا ما يقفون في وجه مستشاريهم العسكريين المتشددين لتجنب الدخول في حرب نووية أو حتى مجرد محاولة الحد من التسلح.

The Bomb Presidents, Generals, and the Secret History of Nuclear War المصدر: الصحف الأمريكية
كتاب الصحفي والمؤرخ فريد كابلان "القنبلة: الرؤساء والجنرالات والتاريخ السري للحرب النووية" (الصحافة الأميركية)

تراكم السلاح النووي

أدت المنافسات بين الجيش البري والقوات البحرية والقوات الجوية، وإقرار السياسة النووية في السنوات الأولى بعد عام 1945 (قصف أميركا لليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية) إلى وضع سابقة لتراكم الأسلحة النووية المستمر وخطة الحرب النووية الأميركية التي هددت بضربات نووية شاملة على الاتحاد السوفياتي والصين، وفق عرض لمجلة "جمعية الحد من التسلح اليوم".

ونظرا لعدم استخدام الأسلحة النووية منذ عام 1945، يعد التخطيط للحرب النووية تدريبا مجردا يتم إجراؤه في غياب أي دليل حول إمكانية تطبيقه، مما دفع أحد الباحثين إلى الإشارة إلى الإستراتيجية النووية على أنها "العلم الخيالي"، وتتعمق فصول الكتاب في جهود الرؤساء ومستشاريهم، بدءا من كينيدي، للبحث عن بدائل لخطة الضربة الأولى الضخمة وصولا لـ"الخطة العملياتية المتكاملة" (SIOP) وحتى الحرب النووية، والتي كانت يمكن أن تقتل ملايين المواطنين السوفيات والصينيين.

وواجه القادة المدنيون أيضا مقاومة مستمرة من الجنرالات في القيادة الجوية الإستراتيجية وهيئة الأركان المشتركة التي ستسيطر فعليا على إستراتيجية الضربات النووية، واشتهر روبرت ماكنمارا وزير دفاع كينيدي، بفكرة عقيدة "القوة المضادة" التي تستهدف الصواريخ السوفياتية بدلا من المدن، لكنه تخلى عنها عندما أدرك أنه سيقود القادة العسكريين إلى طلب المزيد من الأسلحة.

في النهاية، تنازل ماكنمارا عن طريق الموافقة على امتلاك ألف صاروخ باليستي عابر للقارات، وهو أكثر مما كان يعتقد أنه ضروري لردع الاتحاد السوفياتي، كما وافق أيضا على مبدأ معلن عام يؤكد على "التدمير المؤكد"، وهي سياسة كان يعرف أنها غير متوافقة مع خطط الضربة الأولى ضمن خطة العمليات المتكاملة.

وأصبح التناقض سائدا في الإستراتيجية النووية الأميركية، ففي سبعينيات القرن الماضي، أصيب الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية هنري كيسنجر بالإحباط بسبب الافتقار إلى الخيارات، وكافحوا لحل لغز كيفية خوض حرب نووية "محدودة" لحماية الحلفاء في أوروبا وآسيا.

وبالنظر إلى أنه لا يمكن لأحد معرفة كيفية إبقاء حرب محدودة متحكم بها، لم يتمكنوا من التوصل إلى سيناريو تكون فيه الولايات المتحدة أفضل حالا في استخدام الأسلحة النووية أولا.

ويتتبع كابلان كيف وافق كارتر -الذي كان يمقت الأسلحة النووية- على مضض على الصواريخ متوسطة المدى في أوروبا، لأنها كانت مفيدة سياسيا على الرغم من قيمتها العسكرية الهامشية، ومن المفارقات، كما يوضح المؤلف، أنه في ظل إدارة ريغان المتشددة، التي دافعت عن "السيادة" في حرب نووية، بدأ أول جهد فعال للحد من خطة العمليات الخاصة.

وتوضح رواية كابلان أن القادة المدنيين من كينيدي إلى أوباما، وكذلك بعض الضباط العسكريين، أصيبوا بالفزع بسبب المبالغة الهائلة في خطط الحرب، حيث واجه كل رئيس أميركي مقاومة شديدة في محاولته انتزاع السيطرة على الترسانة النووية من القيادة الجوية الاستراتيجية وهيئة الأركان المشتركة. وبغض النظر عن العقيدة النووية المعلنة، فقد دفع الجنرالات من أجل تحقيق القدرة على تنفيذ الضربة الأولى وظلوا متشككين في فكرة الخيارات المتدرجة.

والرسالة التي يخلص إليها كتاب كابلان هي رسالة واقعية مفادها أنه على الرغم من السيطرة المدنية -التي يتم التغني بها كثيرا- على الجيش والتي يفترض وجودها في الولايات المتحدة، فإن القصة التي يتم سردها في الكتاب تشير إلى عكس ذلك، إذ لم تعكس "الخطة العملياتية المتكاملة" بالضرورة رغبات القيادة السياسية أو سياساتها، علاوة على ذلك، عندما بدت خطط الحرب كأنها تحتوي على خيارات، فإن نظرة فاحصة ستكشف أنه حتى أصغر ضربة كانت لا تزال ضخمة.

عالم الرعب النووي

ورغم أنه لم يتم استخدام الأسلحة النووية في الحرب منذ قصف أميركا على هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين عام 1945، ولكن كان هناك العديد من الأحداث المخيفة التي وقعت، ففي عام 1956، اختفت قاذفة من طراز "بي-47" (B-47) فوق البحر الأبيض المتوسط ​​وعلى متنها سلاحان نوويان، لم يتم العثور عليها قط.

وفي عام 1960 بالولايات المتحدة تم إطلاق أنظمة الإنذار المبكر النووية عن طريق الخطأ، وحدث الشيء نفسه بسبب سرب من طيور الأوز المهاجرة. وفي عام 1966، تحطمت طائرة "بي-52" (B-52) في الجو وأسقطت 3 قنابل نووية حرارية على قرية إسبانية (لم تنفجر أنوية القنابل).

ووصف برنارد برودي -وهو أكاديمي في جامعة ييل ثم مؤسسة راند- تداعيات الأسلحة النووية في عام 1946 بقوله "لا يمكن أن يكون هناك رابحون بالمعنى التقليدي، والميزة تكمن في التهديد بدلا من التنفيذ. لردع الهجوم، كل ما عليك فعله هو إظهار أنك إذا تعرضت للضرب فسوف ترد، وعندما تعلن دولة ما أن لديها القدرة على تنفيذ ضربة انتقامية ثانية، فمن غير المعقول تقريبا أنها ستتعرض لهجوم نووي في المقام الأول"، وفق العرض الذي كتبه توم ستيفنسون لمنصة لندن لعرض الكتب.

وكان السؤال بالنسبة للولايات المتحدة هو كالتالي: في عالم تنتشر به أسلحة نووية، كيف تستمر في ممارسة قوتها العالمية؟، وهكذا كان من الضروري الاحتفاظ بالمحميات الإمبراطورية، والتي تشمل أوروبا الغربية. وخلال إدارة أيزنهاور، كانت السياسة الأميركية هي تهديد الاتحاد السوفياتي بـ"الانتقام الهائل"، ولخص الأدميرال آرثر رادفورد التفكير في الدوائر العسكرية الأميركية عندما وصف الأسلحة النووية بأنها "الذخيرة الأساسية للحرب". وكانت هيئة الأركان المشتركة قد بدأت بالفعل في قوائم المدن السوفياتية التي يمكن استهدافها ومحطات الطاقة والمنشآت النفطية.

حرب محدودة

ويفحص الكتاب الفكرة القائلة إن التهديد بالرد على عدوان طفيف بحرب نووية شاملة كان خدعة غير فعالة أو بمثابة "صيد عصفور بمدفع"، ويشرح كيف تطلبت الصيانة العملية للمواقع الإمبريالية وشبه الإمبريالية الأميركية، قوات عسكرية تقليدية وتحالفات في ألمانيا وتايوان وكوريا الجنوبية.

وكانت هناك طرق أخرى لشن "حرب محدودة"، ففي عام 1957، دافع هنري كيسنجر عن أسلحة نووية تكتيكية أصغر سهلة الاستخدام، ونشرت أميركا بالفعل أسلحة نووية تكتيكية في أوروبا، ولا يزال هناك حوالي 100 قنبلة نووية أميركية في قواعد بألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا.

وكان إلبريدج كولبي نائب مساعد وزير دفاع ترامب، مهندس إستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، من المدافعين عن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في "نزاعات مسلحة محتملة مع كل من الدول المارقة الصغيرة المعادية ومع أقرب الأقران".

بلغ الخوف من حرب نووية حرارية ذروته في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، وكانت هذه الحقبة أيضا فترة الهيمنة النووية الكاملة للولايات المتحدة، في ذلك الوقت، وبالغت تقديرات الاستخبارات الأميركية في تقدير عدد الصواريخ السوفياتية الباليستية العابرة للقارات بـ10 أضعاف (فجوة الصواريخ الأسطورية)، وبالغت إلى حد كبير في عدد الرؤوس الحربية السوفياتية والقاذفات التي لم يكن من الممكن أن تصل إلى الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال، من دون التزود بالوقود في قواعد القطب الشمالي المعرضة للاستهداف.

وفي الواقع، حتى منتصف الستينيات، لم يكن الاتحاد السوفياتي قادرا على النجاة من هجوم نووي أميركي، ولم يكن واثقا من قدرته على شن ضربة انتقامية كبيرة، وفق المؤلف.

وهكذا كانت الأوقات التي بدت فيها الحرب النووية المتعمدة وشيكة معروفة بشكل أفضل، وغالبا ما تدعي الدول التي تمتلك أسلحة نووية أن رئيس دولتها أو حكومتها فقط هو من يمكنه إصدار الأمر باستخدامها.

ولكن من الناحية العملية، تدرك الدول أن هذا سيجعلها عرضة للخطر، فماذا لو مات الرئيس؟، ولهذا سمح معظم البلدان ببعض التفويض، بحيث يمكن للمرؤوسين أو القادة العسكريين في الحالات القصوى أن يأمروا بضربات نووية، وهكذا تحتوي كل الإستراتيجيات النووية على عنصر الجنون تحت اسم الردع النووي.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية