المخرج صلاح أبو سيف.. رائد الواقعية وصوت المظلومين

المخرج صلاح أبو سيف
صلاح أبو سيف ينتمي لجيل من المبدعين ظل قادرا على العطاء والمنافسة حتى بعد تخطي الـ70 من العمر (مواقع التواصل)

الانحياز للفقراء ورفض الظلم والقهر والبطش وعبث السلطة والفساد هو ما ميّز التجربة السينمائية لرائد الواقعية المخرج صلاح أبو سيف، والذي تمر ذكرى ميلاده في 10 مايو/أيار.

قبل وفاته بفترة، كان أبو سيف قد سجل مذكراته مع الكاتب الصحفي عادل حمودة، الذي نشرها بعد وفاته في كتاب "صلاح أبو سيف مذكرات مجهولة"، كاشفا عن أسرار وكواليس لم تنشر من قبل لمخرج الواقعية المصرية، الذي استطاع من خلال أعماله أن يحوّل شاشة العرض إلى محاكمة للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يعيشه.

الفقر والظلم في طفولته

الواقع الذي أراد صلاح أبو سيف (ولد عام 1915) أن ينقله على الشاشة لم يكن بعيدا عن حياته، فرغم أن والده عمدة قرية الحومة في صعيد مصر، كان شديد الثراء فقد قرر أن يحرمه ووالدته التي رفضت الانتقال معه إلى القرية لرغبتها في أن يحصل ابنها على قسط وافر من التعليم فلم يكن هناك مدارس في القرية، فحرمها الأب من المال عقابا على ذلك، ولأنه صاحب السلطة والقوة فلم ينفذ قرار المحكمة وقتها بالنفقة له ولوالدته.

إلى جانب حياته في حارة "قسوات" بحي بولاق في القاهرة والتي كانت مركزا للتعذيب في عصر المماليك وحملة نابليون بونابرت، وسميت بذلك للقسوة التي واجهها المعارضون السياسيون والوطنيون الرافضون للاحتلال، لم يكن صلاح أبو سيف بعيدا عن الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي بل كان شاهدا عليه منذ نعومة أظافره، خاصة أن ثورة 1919 اشتعلت وهو طفل صغير، كل ذلك مع تفاصيل الحارة والفقر الذي عاشه لسنوات طويلة ظل في مخيلته حتى بدأ مشواره السينمائي.

منع أول أفلامه

يحكي صلاح أبو سيف في مذكراته كيف اعترضت وزارة الداخلية على أول فيلم قام بإخراجه بعنوان "نمرة 6 –العمر واحد"، وهو إنتاج 1942، ورغم أن صلاح أبو سيف كان قد قدم قبلها أفلاما كمساعد مخرج مثل "سلامة في خير" و"العزيمة"، فقد قرر أن يقدم أول تجاربه بفيلم غير تقليدي، فهو أول فيلم روائي متوسط الطول حيث يزيد بضع دقائق على الـ30 دقيقة، إلا أن الداخلية شعرت بأن المقصود بنمرة 6 هو استمارة الموت واعتبرته يسخر من الموت في الفيلم وهو ما لا يجوز رقابيا.

الفيلم كان أول بطولة لإسماعيل ياسين وقتها لكن لم يعرض، وظل صلاح أبو سيف محتفظا بالنسخة الخاصة بفيلمه في منزله، حيث كان لديه يقين بأنه سيأتي يوم ويتم عرضه، وبالفعل تم عرضه لأول مرة في مهرجان السينما المصرية عام 1992.

لك يوم يا ظالم

بعدها بسنوات قليلة، تحمس لتقديم تجربة أخرى من خلال فيلم "لك يوم يا ظالم"، الذي باع سيارته ورهن مجوهرات زوجته وتبرع طباخه بأجرة الشهر من أجل تنفيذه عام 1952، كما أجلت الفنانة فاتن حمامة تقاضي أجرها، وكانت وقتها النجمة الأعلى أجرا بقيمة 5 آلاف جنيه، ولكنها اختارت تأجيل أجرها لحين عرض الفيلم لتحصل عليه بعد شباك التذاكر.

شهد الفيلم تحول صلاح أبو سيف للواقعية، بعكس الصورة السينمائية السائدة وقتها لزملائه من المخرجين، فكانت الأفلام تقدم وقتها حياة القصور والرفاهية والملاهي الليلية، لكن قرر صلاح أبو سيف أن يقدم صورة سينمائية مغايرة في "لك يوم يا ظالم".

دور هامشي لشادية

في فيلم "شباب امرأة"، رفضت شركة الإنتاج اسم تحية كاريوكا فلم يكن لها اسم يعتد به في تسويق الأفلام في ذلك الوقت، وأيضا كانت هناك رغبة في أن يحصل على دور البطولة عمر الشريف بدلا من شكري سرحان، إلا أن صلاح أبو سيف كان متمسكا بأبطاله لأبعد حد، فكان يرى أن عمر الشريف لا يستطيع إقناع الجمهور بأنه ريفي ساذج لا يحمل معه من الريف سوى "زلعة المش" وبراءة الإنسان البكر، بعكس شكري سرحان.

كما أن شخصية شفاعات لا يمكن أن تقدمها فنانة أخرى سوى تحية كاريوكا، وعلى الرغم من أن أجر تحية وقتها كان 500 جنيه وشكري سرحان 300 جنيه، فقد أسند دورا بسيطا لشادية التي كانت تحصل على ألفي جنيه وقتها كأجر، لأنها كانت الفنانة الأكثر تسويقا في مصر وخارجها، رغم تقديمها لخط درامي هامشي يمكن الاستغناء عنه لصالح شفاعات، ووافقت شادية على ذلك لدعم أبو سيف وقتها.

عطاء مستمر

ينتمي صلاح أبو سيف لجيل من المبدعين ظل قادرا على العطاء والمنافسة حتى بعد تخطي الـ70 من العمر، ولم يشعر جمهوره بأن هناك فجوة بينه وبين الجيل الأصغر منه، فظل محافظا على وجوده ووهجه السينمائي، كما ظل أيضا مؤمنا بقضيته.

 

وفي عام 1991 قدّم فيلم "المواطن مصري" وهنا أسند أبو سيف لعمر الشريف شخصية العمدة الظالم المتجبر الذي أجبر الفلاح البسيط والذي يجسده عزت العلايلي بأن يسافر ابنه بدلا من ابن العمدة للتجنيد، مقابل وعده بـ5 أفدنة.

والفيلم هو إسقاط لحالة الفساد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أيضا، وبعدها قدم آخر أفلامه "السيد كاف" في عام 1994 قبل أن يرحل عن عالمنا في 22 يونيو/حزيران 1996 تاركا ميراثا سينمائيا هائلا وعشرات من الأفلام التي صنفت ضمن أفضل 100 فيلم.

المصدر : الجزيرة