إجابة السؤال الأكثر شيوعا.. كيف يمكنني زيارة القدس؟

Palestinian scouts take part in celebrations marking the birth of Islam's Prophet Mohammed, known in Arabic as the "Mawlid al-Nabawi" holiday, at the Damascus Gate of the old city of Jerusalem, on October 8, 2022. (Photo by AHMAD GHARABLI / AFP)
يقسّم الاحتلال الفلسطينيين إلى فئات وفق الوثائق التي يحملونها، ويمنع غالبيتهم من دخول القدس (الفرنسية)

القدس المحتلة- "كيف يمكنني زيارة القدس؟"، سؤال يؤرّق الملايين حول العالم بعد أن احتُلت المدينة المقدّسة وضُرب بينها وبين محبيها بسور يمنع عنها أهلها، وفرض الاحتلال الإسرائيلي قوانين وشروطا متبدلة لإحكام قبضته عليها وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي. فما عوائق الطريق إلى القدس ومن يمكنه الوصول إليها؟

ما حال القدس الجيوسياسي والقانوني اليوم؟

احتلت العصابات الصهيونية غربي القدس عام 1948، ثم شرقيها عام 1967، ومنحت أهلها الفلسطينيين بطاقة إقامة دائمة، بينما فرضت على فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 الجنسية الإسرائيلية، أما فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة فيحملون بطاقة الهوية الفلسطينية (تابعة للسلطة الفلسطينية)، وهذا الاختلاف في بطاقات الهوية والوثائق الثبوتية بات أحد أبرز معايير دخول القدس.

تعمّق حصار القدس بعد بدء حكومة الاحتلال في بناء جدار الفصل العنصري عام 2003، الذي أحاط بها ورسم حدودها وفق رؤية إسرائيلية بطول 142 كيلومترا، وأخرج قرى تتبع لمحافظة القدس تاريخيا، وفصلها عن محيطها الفلسطيني بنحو 13 حاجزا عسكريا يتحكم بالدخول والخروج.

وينظر القانون الدولي إلى إسرائيل باعتبارها قوة محتلة، ولسكان شرقي القدس والضفة الغربية باعتبارهم تحت الاحتلال محميين يحق لهم التحرك داخل الأراضي المحتلة، إلا أن الاحتلال فرض قيودا أمنية استغلها ليحاصر القدس ويبقي الفلسطيني في دوامة الحصول على تصريح يتحكم بدخوله وخروجه منها، ويسمح به لعدد محدود من الفلسطينيين فقط.

تعزز عزل القدس عن باقي المناطق الفلسطينية منذ بدء بناء جدار الفصل العنصري (غيتي)

من يستطيع دخول القدس من الفلسطينيين داخل فلسطين؟

يقول الباحث السياسي ومحلل الشؤون الإسرائيلية عادل شديد للجزيرة نت، إنه لا توجد قاعدة أو معايير ثابتة لدخول الفلسطينيين إلى القدس، فالاحتلال يسعى لتغييرها دوريا وفق حكومته والوضع الأمني العام، ليثبت ويُذكّر أنه مالك القدس والمسيطر عليها.

أما المحامي المتخصص في القانون الدولي معين عودة، فقال إن إسرائيل بدأت بتطبيق نظام التصاريح بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وأعلنت في البداية أن الجميع سيحصل على تصاريح، ثم شرعت تدريجيا بتقييد دخول البعض تحت ذرائع أمنية، وانتهى المطاف بتعميم قاعدة "أن الجميع ممنوع إلا إذا قررت عكس ذلك".

ويتابع عودة للجزيرة نت، أن الشروط متغيرة، فمثلا كانت هناك تسهيلات لكبار السن تُمنح بشكل تلقائي، لكن الحكومة الجديدة المتطرفة ألغتها.

وتتجلى مزاجية الاحتلال وشروطه في منع فلسطينيين من حاملي الإقامة الدائمة أو الجنسية الإسرائيلية من دخول القدس أو المسجد الأقصى، حيث تصدر تعسفيا مئات قرارات الإبعاد شهريا، التي تصل إلى 6 أشهر وتجدد تلقائيا. وأُبعد خلال العام الماضي 674 فلسطينيا عن المسجد الأقصى و23 عن مدينة القدس.

كيف تصدر التصاريح؟

شكّل الاحتلال جسما عسكريا يُدعى "الإدارة المدنية"، مقره الضفة الغربية داخل مستوطنة "بيت إيل" على أراضي مدينة البيرة، وفي قطاع غزة عند معبر بيت حانون (إيريز)، يرأسهما ضابط عسكري يدعى "المنسّق".

وتعنى الإدارة المدنية بتنسيق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة وغزة، وتُعد الحاكم الفعلي للضفة الغربية، وتتحكم بالحواجز والمعابر داخل فلسطين، وهي المسؤولة عن إصدار التصاريح، وتعمل بالتعاون مع الهيئة العامة للشؤون الفلسطينية عبر مديريات التنسيق والارتباط في 15 محافظة فلسطينية.

ما أنواع التصاريح وتفاصيلها؟

يفصّل الباحث شديد أنواع التصاريح قائلا إنها تزيد على 100 نوع، كانت ورقية، وأمست اليوم رقمية، وتقنن غالبا وفق العمر أو الحالة الاجتماعية أو السجّل الأمني، مثل تصاريح العمل، ولمّ الشمل، والعلاج، والصلاة في الأقصى، والدراسة، والرحلات، وحضور المؤتمرات، والعمل في الكنائس، وزيارة الأقارب.

وتتراوح مدة صلاحيتها بين ساعات و6 أشهر، ومعظمها لا يُجدد تلقائيا، ويحتاج صدور بعضها إلى عدة أشهر في حال سمح الاحتلال به.

ويدخل حامل التصريح القدس عبر المواصلات العامة، باستثناء بعض الفئات المحدودة التي حددتها الإدارة المدنية الإسرائيلية لتعميق الفجوة بين حملة التصاريح، حيث يمر أصحابها عبر الحواجز بمركباتهم الخاصة ذات اللوحة الفلسطينية، وأبرز الشخصيات المهمة "في آي بي" (VIP) وتضم شخصيات من السلطة الفلسطينية وقادة في أجهزتها الأمنية، إلى جانب فئة "بي إم سي" (BMC) والتي تضم رجال الأعمال من القطاع العام والخاص، والأطباء العاملين في مستشفيات القدس أو الداخل المحتل، أما حملة تصاريح "لم الشمل" فيمكنهم أحيانا الدخول بمركبة ذات لوحة إسرائيلية.

أكثر من 13 حاجزا عسكريا يفرضها الاحتلال على مداخل القدس ويمنع دخول من لا يمنحه تصريحا خاصا (غيتي)

هل يصل إلى القدس من لا يملك تصريحا؟

يدفع الشوق الفلسطينيين لمحاولة دخول القدس بعد رفض إعطائهم تصاريح، وذلك عبر طرق عديدة، منها القفز فوق جدار الفصل الذي يصل طوله في بعض المقاطع إلى 7 أمتار مستعينين بسلالم وحبال، أو بالولوج عبر "العبّارات"، وهي قنوات إسمنتية أسطوانية شقّها الاحتلال أسفل الجدار و"الشوارع الأمنية" لتصريف مياه الأمطار أو الصرف الصحي، أو التسلل عبر "الفتحات" التي أحدثها الفلسطينيون على طول الأسيجة الأمنية وجدار الفصل خصوصا خلال جائحة كورونا، لكن الاحتلال أغلق معظمها مؤخرا. ولا تخلو تلك الطرق من المخاطر كالسقوط والإصابة والاختناق والغرق والاعتقال.

لماذا يصدر الاحتلال التصاريح؟

يوضح الباحث شديد أن نسبة التصاريح قليلة جدا مقارنة بأعداد الفلسطينيين وقد لا تصل إلى ربع الطلبات المقدمة، إلا أن منح التصاريح في حالات محددة للفلسطينيين يأتي ضمن سياسة "الحل الاقتصادي"، وربط الحد الأعلى منهم بمنظومة تصاريح العمل خاصة، كي تغدو وسيلة ضغط وابتزاز، ويصبح للفلسطيني ما يخسره لمنعه من المشاركة في أعمال المقاومة، أو التردد قبل كتابة منشور على مواقع التواصل أو المشاركة في مظاهرة مثلا.

ويعمد الاحتلال لمنح ما يسميها بالتسهيلات خلال شهر رمضان المبارك، حيث يعلن السماح بدخول النساء من جميع الأعمار إلى القدس لتجميل صورته أمام العالم، لكنه على الصعيد ذاته يمنع دخول الأطفال فوق 12 عاما.

ويوضح شديد أن الاحتلال رغم منحه "فتات التسهيلات"، فإنه يمنع الشريحة الأكبر حتى ممن تجاوز بعضهم 55 عاما، كما يتعمد التفريق بين الفلسطينيين في أنواع التصاريح، والحواجز التي يسمح أن يمروا منها.

كيف يستطيع العرب أو المسلمون دخول القدس؟

يصنّف العرب والمسلمون والفلسطينيون اللاجئون خارج بلادهم من حيث إمكانية دخولهم للقدس إلى الذين تقيم دولهم علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال ويدخلون عبر تأشيرة أو جواز سفر أجنبي، أو الذين لا تقيم دولهم علاقات مع إسرائيل، وهؤلاء يُمنعون بالكامل ويُعاملون كأعداء.

ويؤكد المحامي معين عودة أنه وفقا لاتفاقية "فيينا" لقانون المعاهدات والعلاقات الدبلوماسية بين الدول التي تربطها علاقات تطبيعية، يجب أن يُعامل مواطنو الدولتين بشكل متساوٍ، الأمر الذي ينتفي بين إسرائيل والدول الأخرى، ففي حين يسافر الإسرائيلي إلى أي دولة بسهولة بدون قيود، ومن ضمنها دول عربية، ينتظر العربي التأشيرة من السفارة الإسرائيلية في بلاده أشهرا طويلة، ضمن ظروف مذلة وتعجيزية.

ويضيف عودة أن حامل الجواز الأجنبي صاحب الأصول العربية أو الفلسطينية يتعرض لتحقيق مطول في المطار، وأحيانا يُمنع من الدخول تماما، أو يُشترط دخوله عبر جسر الأردن بدل مطار اللد (بن غوريون) الإسرائيلي.

أما حامل الهوية الفلسطينية إلى جانب الجنسية الأجنبية، فتساومه سلطات الهجرة الإسرائيلية على التخلي عن هويته مقابل دخول القدس والداخل المحتل.

وفي أحيان أخرى، يمنع الاحتلال دخول أجانب ليسوا من أصول عربية، كما حدث في فبراير/شباط الماضي حيث منعت عضو البرلمان الأوروبي آنا ميراندا، وأعيدت إلى مسقط رأسها إسبانيا بعد وصولها مطار اللد، بحجّة دعمها حركة المقاطعة "بي دي إس" (BDS) والمشاركة في أسطول كسر الحصار عن غزة.

فلسطين_القدس_آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة داخل المسجد الأقصى خلال شهر رمضان_الجزيرة نت_صورة أرشيفية
قلة من الفلسطينيين يستطيعون الوصول إلى القدس والصلاة في المسجد الأقصى بينما يُمنع ملايين المسلمين من ذلك (الجزيرة)

متى تُعد زيارة القدس تطبيعا؟

سألت الجزيرة نت فاطمة بدر منسقة إعلام اللجنة الوطنية في حركة المقاطعة "بي دي إس" عن الحالات التي تعد فيها زيارة القدس تطبيعا، فقالت إن معايير مناهضة التطبيع تنص على ضرورة امتناع الزوّار عن زيارة المنشآت السياحية الخاضعة لسيطرة الاحتلال، خصوصا في القدس وبلدتها القديمة، والتي يتربّح منها الاحتلال، أو تلك التي تعرّف زورا على أنها مناطق إسرائيلية، وبالأخص المستعمرات، وتجنُّب كافة المنتجات والخدمات التي توفرها شركات إسرائيلية أو دولية متواطئة في الانتهاكات الإسرائيلية، مثل شركات الطيران والسياحة والنقل والمطاعم والفنادق، بالإضافة إلى تجنّب كافة الأنشطة ذات الصلة بالحكومة أو الشركات الإسرائيلية.

وأضافت بدر "أن الزيارات الدينية للقدس بتأشيرة إسرائيلية تفرّغ نضالنا في القدس من مضمونه السياسي التحرّري وتختزله في حق قلة قليلة من الزوار العرب والدوليين في الوصول إلى الأماكن المقدسة وحسب، ما يتيح المجال أمام إسرائيل لتصوير نفسها كحامية للحريّات الدينيّة، بينما تستمر في منع الغالبية العظمى من أصحاب الأرض الفلسطينيّين من الوصول إليها".

المصدر : الجزيرة