انطلقت في 2008 وغيرت حياة عشرات الشبان.. "صلِّ الفجر وفطورك علينا" رحلة إحياء فجر الجمعة بالأقصى

5-أسيل جندي، مطلة جبل الزيتون في القدس، رواد مبادرة _صل الفجر وفطورك علينا_ يتحلقون حول مائدة الإفطار(الجزيرة نت)
رواد مبادرة "صلِّ الفجر وفطورك علينا" يتحلقون حول مائدة الإفطار في مطلة جبل الزيتون بالقدس (الجزيرة)

القدس المحتلة – من قريتي جلجولية وكفر برا في الداخل الفلسطيني تنطلق حافلة تقل عشرات المصلين قبل فجر يوم الجمعة نحو المسجد الأقصى في رحلة أسبوعية هدفها أداء صلاة الفجر في رحاب أولى القبلتين.

عند مدخل مقبرة اليوسفية الإسلامية الملاصقة لسور القدس التاريخي تتوقف الحافلة في محطتها الأخيرة، وهناك كانت الجزيرة نت بانتظار وصول ركابها لمرافقتهم في رحلتهم الروحية الأسبوعية.

وكأنهم يشاهدون حجارة القدس العتيقة لأول مرة يسيرون بجوارها متأملين تفاصيل عراقتها، ومن باب الأسباط يدخلون البلدة القديمة متجهين نحو باب حطة الذي يصلون منه إلى المسجد الأقصى المبارك.

وعلى وقع صوت الأذكار وتلاوة عطرة من القرآن الكريم تفرق الشبان في باحات المسجد، فمنهم من حرص على جلب قوت الطيور، ومنهم من سارع لأداء صلاة تحية المسجد في مصلى باب الرحمة، ومنهم من فضل الجلوس في زوايا المصلى القبلي لقراءة القرآن والاستمتاع بالأجواء الاستثنائية في هذا المكان.

على مدخل المصلى القبلي يستقبل المقدسيون ضيوف المسجد بالتمور والقهوة والشاي، وبدت وجوه جميع المصلين القادمين من جلجولية وكفر برا مألوفة لرواد المسجد، إذ نشأت بينهم علاقات اجتماعية وطيدة خلال سنوات طويلة من الحرص على شد الرحال نحو القدس.

2-أسيل جندي، المصلى القبلي، المسجد الأقصى، بعض الشبان المنتظمين في المبادرة ويظهر في الصورة كل من محمد خروب ومحمد أبو رية وصلاح بسيمة(الجزيرة نت)
بعض الشبان المنتظمين بالمبادرة في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى (الجزيرة)

إقبال واسع

بدوره، يقول محمد خروب أحد مؤسسي مبادرة "صلِّ الفجر وفطورك علينا"، إنه وأصدقاءه المقربين قرروا عام 2008 الانطلاق بسيارة واحدة فجر كل يوم جمعة نحو المسجد الأقصى، وبعد مدة قصيرة انضم إليهم أصدقاء جدد وارتفع عدد المركبات التي تقلهم إلى 3.

ومع ازدياد الإقبال على هذه الرحلة اضطر محمد للتنسيق مع حافلة تقلهم بشكل أسبوعي من هاتين القريتين في الداخل الفلسطيني نحو القدس في رحلة تستغرق نحو ساعة، ومنذ عام 2012 تنتظم الرحلة الأسبوعية ولا تعيقها أي ظروف.

رواد هذه الرحلة تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و80 عاما، وجميعهم من الذكور الذين ينتظرون -وفقا لخروب- حلول عطلة نهاية الأسبوع بفارغ الصبر ليكونوا في رحاب الأقصى.

8-أحد مؤسسي مبادرة _صل الفجر وفطورك علينا_ محمد خروب(الجزيرة نت)
محمد خروب أحد مؤسسي مبادرة "صلِّ الفجر وفطورك علينا" (الجزيرة)

"غيرت هذه المبادرة حياتي وحياة عشرات الشبان، لأننا وجدنا في تواصلنا الدائم مع المسجد الأقصى راحة نفسية وطمأنينة لم نشعر بها من قبل، انضم إلى رحلتنا شبان غير ملتزمين بأداء الصلوات لكنها شجعتهم على الالتزام بكافة الفروض، لما لهذا المكان من تأثير إيجابي على حياة كل من يزوره ويتعلق به" أضاف خروب.

ولإكرام كل من يواظب على أداء فجر الجمعة في المسجد الأقصى قرر محمد وأصدقاؤه تنظيم إفطار جماعي تعاوني بعد انقضاء الصلاة، فحملت مبادرتهم اسم "صلِّ الفجر وفطورك علينا".

يتقاسم الشبان الأدوار ويجلب كل منهم صنفا من منزله، وبمجرد انقضاء صلاة الفجر ينطلق صلاح بسيمة (20 عاما) نحو أزقة باب حطة لشراء الكعك المقدسي والفلافل اللذين يتربعان على مائدة إفطار هؤلاء المصلين كل جمعة.

6-أسيل جندي، مطلة جبل الزيتون في القدس، رواد مبادرة _صل الفجر وفطورك علينا_ يتحلقون حول مائدة الإفطار(الجزيرة نت)
الكعك المقدسي والفلافل يتربعان على مائدة الإفطار الفلسطينية (الجزيرة)

إنعاش اقتصاد البلدة القديمة

رافقت الجزيرة نت هذا الشاب الذي قال في طريقه نحو المخبز إن الهدف من شراء بعض احتياجات الإفطار من القدس هو إنعاش الحركة الشرائية في البلدة القديمة التي يحتضر اقتصادها منذ سنوات، مضيفا أن علاقات اجتماعية وطيدة نشأت بينهم وبين سكان حي باب حطة وتجاره الذين يلتقون بهم أسبوعيا.

عندما انضم صلاح إلى هذه الحافلة لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره، وكان يرى في باحة المسجد الأقصى الواسعة فسحة للعب واللهو، وبعد سنوات كبر الطفل وبات يشعر أن أيامه تمر دون معنى أو راحة إذا تخلف مرة واحدة عن هذه الرحلة، وهكذا قرر الالتزام بها وإلغاء كافة المناسبات العائلية والاجتماعية التي تتعارض مع موعد لقائه الأسبوعي بالمسجد الأقصى المبارك.

أما محمد أبو ريا -الذي انضم إلى هذه الرحلة منذ انطلاقها- فقال إنه حرص وما زال يحرص عليها، لأن الروحانيات التي يشعر بها في الأقصى لا يمكن أن يشعر بها في أي مسجد آخر.

7-أسيل جندي، مطلة جبل الزيتون في القدس، رواد مبادرة _صل الفجر وفطورك علينا_ في صورة جماعية (الجزيرة نت)
شبان منتظمون في المبادرة على جبل الزيتون المطل على المسجد الأقصى (الجزيرة)

وأضاف أن "المشقة خلال فصل الشتاء مضاعفة بسبب درجات الحرارة المتدنية والبرد القارس في مدينة القدس، وفي بعض الأحيان يتعذر مرور الحافلة من الطرق الرئيسية بسبب الثلوج والأمطار الغزيرة فنرفض العودة إلى منازلنا ونستقل سياراتنا الخاصة من أجل الوصول للأقصى".

إلى مطلة جبل الزيتون رافقت الجزيرة نت رواد فجر الأقصى، وهناك تناولوا طعام الإفطار في أجواء عائلية، وخلال تبادلهم أطراف الحديث أجمعوا على أن أصعب ما مروا به هو بعدهم القسري عن المسجد الأقصى خلال جائحة كورونا إما بسبب إغلاقه أو تحديد مسافة التحرك عن مكان السكن.

يذكر أن هذه الحافلة تنطلق ضمن مشروع "قوافل الأقصى" التابع لجمعية الأقصى في الداخل الفلسطيني، ووفقا لمعطيات الجمعية التي شملت النصف الأول من عام 2022 فإن 2550 حافلة انطلقت من 70 قرية ومدينة منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي، ووصل نحو 120 ألف مصل من خلالها للصلاة في المسجد الأقصى والتسوق في البلدة القديمة.

المصدر : الجزيرة