تجربة برنامج التغذية المدرسية في أديس أبابا.. كيف بدأت وماذا حققت؟

قبل سنوات بدأ "برنامج التغذية المدرسية في أديس أبابا"، مستهدفا طلاب المرحلة الابتدائية حتى الصف الثامن للمدارس الحكومية والقادمين أغلبهم من أسر منخفضة الدخل، قبل أن يطلق عمدة العاصمة الإثيوبية السابق تكيلي أوما رسميا برنامج الوجبات كجزء من جهود المدينة لمنع تسرب الطلاب في المدارس الحكومية لعدم توفر الغذاء والأدوات التعليمية.

بداية الحكاية فكرة مشروع

ولعل الفكرة في بداياتها تولدت من حوار عادي بين تلميذ ومعلمته بإحدى مدارس العاصمة، حيث كانت الأخيرة تطوف على الفصول في فترة تناول وجبة الغداء، فإذا بتلميذ جالس لوحده في الفصل بينما أقرانه خرجوا لتناول وجبة الغداء، وسألت المعلمة التلميذ لماذا لم تخرج لتناول الغداء؟ فكان رده أنه لا يملك الوجبة، ردت المعلمة باستغراب كيف لا تملك وجبة وبين يديك "صندوق الوجبة" (lunch box)؟  فكانت المفاجئة أنه يحمل الصندوق فارغا حتى لا يشعر الآخرين بأن أسرته لا تستطيع توفير الوجبة له.

موقف لم تتمالك فيه المعلمة دموعها برغم محاولة إخفائها، ثم بدأت رحلة البحث عن حلول مع المعلمين بالمدرسة، وتبنت إدارة المدرسة لاحقا فكرة توفير وجبة للطلاب الذين لا تستطيع أسرهم توفير الوجبات لهم، وبعد عامين أصبحت مشروعا متكاملا باسم "برنامج التغذية المدرسية في مدينة أديس أبابا".

هكذا روى للجزيرة نت الأستاذ مولقيتا برهان، معلم في مدرسة كينيدي الإعدادية بالعاصمة أديس أبابا، وتحدث عن كيفية بدء برنامج التغذية المدرسية مستهدفا نحو 300 ألف طالب ثم أصبح مشروع يستفيد منه أكثر من 700 ألف طالب بالمدارس الحكومية بالعاصمة.

وواصل الأستاذ برهان، حديثه حول التجربة والأسباب التي دفعت لميلاد المبادرة، قائلا إن الدخل المحدود وغير المستقر وارتفاع تكلفة المعيشة للعديد من الأسر في أديس أبابا، دفعا آلاف الأسر إلى إرسال أبنائها بدون توفير الطعام الكافي وهو ما كانت له نتائج سلبية على صحتهم وتعليمهم، مشيرا الى أن بعض الأسر أُجبرت على ترك أطفالها المدرسة لعدم تمكنها من توفير الوجبة لهم خلال اليوم الدراسي.

برنامج التغذية المدرسية في مدرسة كينيدي الإعدادية بالعاصمة أديس أبابا (الجزيرة)

الإعلان الرسمي

عام 2019، أصدرت إدارة مدينة أديس أبابا، قرار أنشأت بموجبه هيئة رسمية لإدارة برنامج التغذية المدرسية ليقدم وجبات مجانية ومواد مدرسية لـ 300 ألف طالب في المدارس الإعدادية التي تديرها الدولة في العاصمة، وخصصت إدارة أديس أبابا حوالي 169 مليون بر إثيوبي (حوالي 3.16 ملايين دولار) للبرنامج خلال العام الدراسي 2019.

وتكونت هيئة رسمية لإدارة العمل بشكل فعال ومستدام، وتكليفها بتشغيل البرنامج الذي يضمن عدم تسرب الطلاب من المدرسة بسبب عدم توفر الغذاء والموارد التعليمية، فضلا عن مسؤوليتها لتطوير نظام يمكن للإدارة والمجتمع من خلاله المساهمة في نجاح البرنامج وتمكين الطلاب من مواصلة تعليمهم بصورة لا تعتريها أي صعوبات.

ومثّل برنامج الوجبات المدرسية تحولا غير مباشر على دخل الأسر الفقيرة، وحافزا قويا لمواصلة الإنفاق على التعليم، وتشجيعا للأطفال على القدوم إلى المدرسة، والحد من التسرب، كما ساهمت الوجبات المدرسية إيجابيا على الحالة التغذوية للطلاب وصحتهم وبالتالي على إدراكهم وتحصيلهم التعليمي وأدائهم الأكاديمي ونموهم المعرفي، بشهادة الهيئة التي تشرف على المشروع.

وذكرت الهيئة في تقرير لها، أن المبادرة خلقت فرص عمل لآلاف الأمهات اللواتي تم توظيفهن لطهي وجبات الطعام، وقال نائب مدير قسم التغذية بإدارة أديس أبابا، الأستاذ نور الدين أبرار، إن فكرة المشروع بدأت قبل 3 سنوات بمبادرة من المعلمين والمهتمين وبعض منظمات المجتمع المدني بهدف دعم الطلبة المحتاجين الذين يجدون صعوبة في إكمال دراستهم لعدم توفر الوجبة الغذائية.

وأوضح أبرار، الذي تحدث للجزيرة نت حول تجربة المشروع، أن الحكومة استشعرت تأثير الأوضاع على دراسة الطلاب ومستواهم الأكاديمي، لذلك تبنت برنامج التغذية المدرسية عام 2019، وقال إن برنامج شهد توسع ويعمل عبر 13 فرعا بالعاصمة أديس أبابا، بجانب تطوير وبناء قدرات الأفراد في الإرشادات الصحية وغيرها من القضايا ذات الصلة بالتغذية.

ولفت المسؤول المحلي، إلى أن عمل الهيئة لم يقتصر على توفير الوجبة للطلاب المحتاجين وإنما وفرت أيضا الزي والكتب المدرسية، وقال إن عدد التلاميذ المستفيدين من المشروع ارتفع إلى 700 ألف طالب بعد أن كان المستفيدون في حدود الـ 600 ألف طالب.

وأضاف أن التجربة انتقلت من أديس أبابا لبعض مدن إقليم أوروميا المجاورة للعاصمة، موضحا أن عدد المدارس المستفيدة من البرنامج بلغ 556 مدرسة بأديس أبابا وأكثر من 300 مدرسة بإقليم أوروميا، ونحو 13 ألف امرأة يعملن على توفير الوجبات اليومية.

مولقيتا برهان: الدخل المحدود وارتفاع تكلفة المعيشة للعديد من الأسر في أديس أبابا، دفعا الآلاف لإرسال أبنائهم بدون طعام كاف (الجزيرة)

تمويل المشروع

وتطرق المسؤول المحلي إلى تمويل المشروع الذي أصبح يتوسع بصورة كبيرة، وقال إن إدارة أديس أبابا ساهمت في تقديم الدعم الكامل للمشروع بقيمة إجمالية بلغت 4.2 مليارات بر إثيوبي (حوالي 78 مليون دولار)، فضلا عن دعم وإشادة من منظمات ومؤسسات محلية ودولية.

وفي مارس/آذار 2020، تعهد البنك الدولي بتقديم مساعدة بلغت قيمتها 25 مليون دولار لبرنامج التغذية المدرسية الذي أطلقته إدارة العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، خلال العام الدراسي 2020، كجزء من برنامج شبكة الأمان الإنتاجية الحضرية للبنك الدولي.

أديس أبابا تحرز جائزة ميلانو

ونال "برنامج التغذية المدرسية في أديس أبابا" -إلى جانب 5 مدن عالمية أخرى- جائزة ميثاق ميلانو لعام 2022 لبرنامج التغذية المدرسية العالمية، في فئة الأنظمة الغذائية المستدامة والتغذية، عبر 3 معايير هي "الابتكار، والتأثير، والشمول".

وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022، كُرمت مدينة أديس أبابا بجائزة في "المنتدى العالمي الثامن لميثاق ميلان للسياسات الغذائية الحضرية" في ريو دي جانيرو، من بين 133 مدينة في العالم، كأول مدينة أفريقية تفوز بهذه الجائزة.

وتسلمت الجائزة عمدة أديس أبابا، أدانيش أبيبي، التي شاركت في المنتدى العالمي المنعقد بالبرازيل تحت شعار "الغذاء لإطعام العدالة المناخية: حلول غذائية حضرية من أجل عالم أكثر إنصافا".

والجائزة هي مبادرة مشتركة روجت لها مدينة ميلانو ومؤسسة كاريبلو، لابتكار السياسات الغذائية للمناطق الحضرية في 250 مدينة موقعة على ميثاق سياسة الغذاء الحضري في ميلانو، كأول بروتوكول دولي يدعو المدن لتطوير نظم غذائية مستدامة توفر أغذية صحية وسهلة المنال للجميع، وتحمي التنوع البيولوجي، وتحد من الهدر من الأغذية.

وأرجع أبرار، فوز إدارة مدينة أديس أبابا بجائزة ميثاق ميلانو لعام 2022، إلى جهود إدارة العاصمة وإشراكهم مختلف فئات المجتمع، وقال إن المشروع يعد تجربة جديدة وفريدة من نوعها في البلاد وتطمح الجهات القائمة على أمره إلى تطويره والاستفادة من التجارب العالمية.

الأثر الإيجابي للتغذية

واعتبرت قدس أيالو، أم لطفلين في سن الدراسة، أن برنامج التغذية المدرسية جاء كطوق نجاة لمواصلة أطفالها دراستهم بعد أن عجزت عن توفير الوجبة لهم خلال فترة الدراسة، وقالت للجزيرة نت إنها تعمل خادمة في منزل بمقابل لا يكفي لتوفير أكثر من وجبة في اليوم لذا لم تتمكن من توفير الطعام الكافي لطفليها في الدراسة وتحمل الرسوم المدرسية.

وقالت أيالو (25 عاما) "أُجبرت على أن يترك أطفالي المدرسة لعدم توفر الوجبة والأدوات المدرسية، لكن بحمد الله قبل أن يمضي شهرين جاء برنامج التغذية المدرسية الذي وفر لهم الغذاء والأدوات المدرسية". وتابعت "الآن أنا سعيدة لعودة أطفالي إلى الدراسة. ويحصلون على وجبة مجانية في المدرسة وعلى الزي المدرسي والمواد التعليمية".

المصدر : الجزيرة