مصور تونسي يقاوم بكاميرته التلوث البيئي في قابس
قابس- أكوام من نفايات القوارير البلاستيكية يغرق فيها ميناء محافظة قابس التونسية (الجنوب الشرقي) يتوسطها طفلان اثنان ينبشانها لجمع القوارير، وما قد يظفران به من مواد صالحة للاستعمال، لبيعها ومساعدة أسرتيهما ببعض الدنانير التي يجنيانها من وراء عملهما في نبش القمامة.
"التبربيش" (النبش) عنوان هذه الصورة التي التقطها المصور التونسي الشاب محمد مرابط خلال تجواله بالصدفة في الميناء، وأرادها أن تكون نداء استغاثة للفت الانتباه حول الخطر البيئي المحدق بالميناء.
وقد حازت صورته على الجائزة الأولى التي نظمها معهد البحوث المغاربية المعاصرة في مجال التصوير البيئي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتعود إلى الاستعمار الفرنسي.. الشاب زياد يعيد الحياة لطاحونة الأجداد
لأكثر من 5 عقود.. تونسية تمتهن الصيد بحثا عن الرزق
خبز “القليط” في جزيرة قرقنة التونسية.. ما سرّ صلاحيته الدائمة؟
مسؤولية المجمع
يسكن محمد في منطقة "شط سيدي عبد السلام" في قابس وتفصله عن المجمّع الكيميائي الموجود بالمنطقة مسافة كيلومتر واحد، و700 متر عن البحر، وأينما ولى وجهه تصادفه مشاهد التلوث المتنوعة بالمحافظة برا وبحرا وجوا، كما يقول للجزيرة نت.
تم إنشاء المجمع سنة 1969 بمنطقة شط سيدي عبد السلام، وهو يحتوي على 51 وحدة إنتاج صناعية كيميائية، ويحول مادة الفوسفات إلى جملة من المواد الأخرى كالحامض الكبريتي والحامض الفسفوري الذي يحتوي على مادة الفوسفوجيبس.
كباقي سكّان الشط، يستنشق مرابط (33 سنة) يوميا هواء ملوثا بالغازات السامة المنبعثة من المجمّع، ويصطدم بين الفينة والأخرى بسلاحف وأسماك التن النافقة على الشاطئ جراء تلوث مياه البحر بمادة الفوسفوجيبس.
أضرار وتلوث
كما تضررت أراضي أسرته الزراعية، وتراجع المحصول، وقضى التلوث على التنوع الزراعي بالمنطقة، وبات المزارعون محرومين من محاصيل الرمان والحناء والزياتين وحتى النخيل، وفق محمد.
ولإيصال معاناة كافة سكان الشط، قرّر محمد توثيق كل مظاهر التلوث التي تعيشها منطقته، وكانت كاميراته عينه التي تلتقط لحظات حزينة تعكس حجم الكارثة البيئية التي تهدد كل أنواع الكائنات الحية المحيطة بالمجمع.
وقد وثقت كاميراته البحر، وقد تحول إلى "شكولاتة سوداء ساخنة" والسماء مغطاة بسحب كثيفة من الغازات السامة ورمال الشاطئ، وقد تناثرت فيها كائنات بحرية نافقة وأوراق أشجار بنية اللون قد أحرقها الهواء الملوث.
شغف منذ الصغر
بدأت رحلة محمد مع الاحتراف في مجال التصوير الفوتوغرافي منذ 8 سنوات رغم تخصصه في إدارة الأعمال، غير أن شغفه بهذا المجال رافقه منذ الصغر وكلّل عشقه للكاميرا بافتتاح محلّه للتصوير الفوتوغرافي عام 2016 معتمدا عليه كمصدر رزقه الوحيد.
وجد المصور الشاب نفسه ودون تخطيط مسبق مندفعا لخوض تجربة التصوير البيئي نظرا لحجم الأزمة البيئية بمنطقته، فنقلت كاميراته إلى خليج قابس وبحّارته الذين كانوا ينعمون بخيرات الخليج قبل إحداث المجمّع الذي قلب حياتهم رأسا على عقب جراء إلقاء المجمع كميات ضخمة من الفوسفوجيبس بالبحر، كما يؤكد للجزيرة نت.
ويحاول محمد نقل معاناة السكان، وخاصة الأجيال القادمة الذين تهدد حياتهم أمراض خطيرة كالسرطان وهشاشة العظام، حتى أنه وثق عدة حالات لرضع حديثي الولادة مصابين بتشوهات خلقية أملا في التوعية بالجرم البيئي في قابس، حسب تعبيره.
كما تعكس اللقطات التي وثقها حجم معاناة السكان المستمرة منذ سنوات، حيث لم يعد لهم أي متنفس صحي بمنطقتهم جراء التلوث الصناعي والكيميائي المنتشر في المنطقة.
رسائل هادفة
وحتى يكون صدى رسالته مسموعا، يشارك الشاب في مسابقات وطنية وعالمية في مجال التصوير البيئي، وقد لاقت صوره إعجابا كبيرا واحتلت المراتب الأولى بعدة مسابقات وطنية وتستعملها البلديات في التوعية بمخاطر التلوث البيئي.
ورغم الرسائل الهادفة للتصوير البيئي، فإن محمد لم يخف أسفه من عدم إيلاء المواطنين والمسؤولين في تونس الأهمية اللازمة لهذا المجال على عكس مكانته الإيجابية في الدول الأوروبية.
وينتقد المصور الشاب عدم وجود جمعيات ومنظمات وصفها بالقوية والصادقة "تعمل بجدّ على الحد من الكوارث البيئية وتمتلك سلطة حقيقية للتغيير منذ عقود".