السكان الأصليون في ماليزيا: نحن بخير ما دامت الغابات بخير

قاطنو الغابات الاستوائية يدركون أكثر من غيرهم حجم المخاطر المحدقة بموطنهم والبيئة التي يعيشون فيها.. وهم يشاهدون حصدا منظما لأشجار الغابات الطبيعية ليحل محلها زحف عمراني أو مشاريع زراعية ربحية

ضعف تشريعات حماية البية يؤدي إلى تغول الشركات الكبرى على الغابات
ضعف تشريعات حماية البية يؤدي إلى تغول الشركات الكبرى على الغابات (الجزيرة)

كان ذا مغزى اختيار نشطاء الحفاظ على البيئة قرية للسكان الأصليين -وسط إحدى الغابات- في ماليزيا لتنظيم احتفال متواضع بمناسبة اليوم العالمي للأرض في 22 أبريل/نيسان، كما كان رسالة تنبيه للعالم بقلق السكان الأصليين على مستقبلهم ومستقبل أحفادهم.

فقاطنو الغابات الاستوائية يدركون أكثر من غيرهم حجم المخاطر المحدقة بموطنهم والبيئة التي يعيشون فيها، وهم يشاهدون حصدا منظما لأشجار الغابات الطبيعية، ليحل محلها زحف عمراني، أو مشاريع زراعية تدر أرباحا طائلة على أرباب الأعمال وأصحاب الشركات.

يُطلق على السكان الأصليين باللغة المالايوية (أورانغ أصلي)، وتقدر نسبتهم بأقل من 1% من سكان ماليزيا الذين يقدر عددهم بنحو 32 مليون نسمة، ولأول مرة في تاريخ البلاد حصلوا على تمثيل نيابي عام 2019، وهو ما اعتبر إنجازا كبيرا للدفاع عن حقوقهم، أبرزها حماية موطنهم الأصلي من التصحر.

عمدة قرية للسكان الأصليين قلق على مستقبل موطنه في الغابات (10)
عمدة قرية للسكان الأصليين قلق على مستقبل موطنه في الغابات (الجزيرة)

جشع مدمر

يتمنى أولنغ بن هيبانغ -عمدة قرية "أورانغ أصلي- باتو 16" بالقرب من كوالالمبور- لأحفاده وأبناء أحفاده صحة جيدة كتلك التي يقول إنه تمتع بها طيلة حياته، حيث يبدو بكامل صحته وهو في منتصف العقد الثامن من عمره، لكنه يختصر قلقه من المستقبل بالقول "أنا بخير ما دامت الغابة بخير".

ويصرح بن هيبانغ للجزيرة نت بأنه لا يشعر بالسعادة وهو ينظر لأحفاده بينما تدمر الغابة حولهم، ويخشى أن يصيبهم الأذى الذي يلحق بالغابات وما فيها من أنهار وبحيرات وجبال.

أما شاق كيوك الفنان الذي تحول إلى ناشط لحماية البيئة وحقوق السكان الأصليين، فيتبنى حملة لرفض خطة حكومية لاستثمار أرض الغابة التي يعيش فيها أبناء قريته للتطوير العقاري، وهو ما يعني ترحيل سكان القرية المحاذية لبوتراجايا العاصمة الجديدة لماليزيا.

وقد رُحل أبناء قرية كيوك قبل نحو 40 عاما من الأرض التي أقيم عليها مطار كوالالمبور الدولي، وينتقد بشدة الطريقة التي تتعامل بها السلطات مع السكان الأصليين بقوله "من الظلم نقل قاطني الغابة مرة أخرى، والتعامل معهم على أنهم أشياء وليسوا بشرا"، وتضاف خسارتهم هويتهم وثقافتهم برأيه إلى الضرر الذي يلحق بجميع سكان الكوكب جراء الاستمرار في تدمير الغابات وقطع أشجارها من أجل تحقيق مصالح وأهواء أناس آخرين.

فيصل عزيز وشاق كويك أثناء جولة في الغابة أثنءا حملةللتعوعية بمخاطر قطع الأشجار وتهديد حياة السكان الأصليين
فيصل عزيز وشاق كيوك أثناء جولة في الغابة ضمن حملة للتوعية بمخاطر قطع الأشجار وتهديد حياة السكان الأصليين (الجزيرة)

انبعاث الغازات

وبينما ينشغل العالم بمكافحة جائحة كورونا يعرب فيصل عزيز -رئيس حركة الشباب الإسلامي بماليزيا- عن قلقه من احتمال وقوع كارثة أكبر تنجم عن تدمير الغابات، ويشكك في إمكانية الوصول إلى ما تعهدت به الدول ومنها ماليزيا بوقف كامل لانبعاث غاز الكربون بحلول عام 2050.

ويذهب عزيز في حديثه للجزيرة نت إلى أن القطع الجائر للأشجار يهدد بانقراض أقلية السكان الأصليين، ومعها كثير من أنواع الحيوانات والنباتات البرية، وينبه إلى المسؤولية الجماعية التي تقع على عاتق الحكومات والمنظمات الدولية والشركات والأفراد لوقف التدمير المنظم لبيئة الكوكب.

ويؤيده يوسامي يوسف رئيس مؤسسة (غراس) للحفاظ على البيئة، بقوله إن قطع الأشجار يؤدي إلى انبعاث الغازات التي تحتفظ بها تربة الغابات العضوية، والتي تضر بطبقة الأوزون، ويتسبب كذلك بظاهرة الحرائق تحت سطح الأرض التي يصعب السيطرة عليها، ويحرم الأرض من الإسفنجة التي تحتفظ بالمياه.

ويضيف يوسامي للجزيرة نت أن قطع الأشجار يؤدي إلى اختفاء الطبقة السطحية لأرض الغابات التي يسميها الإسفنجة التي تخزن المياه، وغياب الإسفنجة يؤدي إلى الفيضانات الناجمة عن المياه الجارية مثل الأمطار، ويعقبها جفاف البحيرات والأنهار.

القنصل العام السويدي مع مجموعة من اطفال السكان الأصليين أثناء برنامج للاحتفال بيوم الارض العالمي
القنصل العام السويدي مع مجموعة من أطفال السكان الأصليين أثناء برنامج للاحتفال بيوم الأرض العالمي (الجزيرة)

المسؤولية القانونية

يؤكد القنصل السويدي العام في ماليزيا أولا بيهلباد أن قضايا البيئة عابرة للحدود، ولذلك فإنها تتطلب جهدا مشتركا لمواجهتها، ويرى أن الإضرار بالبيئة خاصة قطع الأشجار يهدد استمرار المصالح الاقتصادية للشركات والدول، وبذلك يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على البيئة عند التخطيط لتدشين أي مشروع.

ويقول للجزيرة نت إن بلاده تشعر بمسؤولية ريادية وهي تبحث عن حلول شاملة للتغير المناخي، والعمل على إنقاذ الكوكب من خطر الانبعاث الغازي، وتدعو السويد المجتمعات والأنظمة السياسية إلى التفكير بالقيم البيئية والطبيعية وسن التشريعات المناسبة لحمايتها.

وبينما يرى أحمد فرحان -الناشط الشبابي في مجال البيئة ورئيس الاتحاد الوطني للطلاب المسلمين في ماليزيا- حاجة ماسة لتعزيز قوانين وتشريعات حماية البيئة، يؤكد القنصل السويدي الذي تتصدر بلاده حملة توعية لحماية البيئة أن توفر إرادة حقيقية لتنفيذ التشريعات وتطبيقها أهم بكثير من سنها، ويشدد على حاجة ماسة إلى بناء ثقافة الحفاظ على البيئة عند الجميع.

وينتقد أحمد فرحان ما وصفها بقوانين قديمة لا تناسب العصر في التعامل مع قضايا البيئة، وقال للجزيرة نت إن قوانين البيئة المطبقة في ماليزيا أقرت قبل 4 عقود تقريبا، ولم يجر عليها أي تعديل.

ويضرب الناشط الشبابي مثالا على ضعف التشريعات الحالية بعدم قدرة السلطات على التعامل مع حوادث التلوث المتكررة، ويقول إن التلوث السام الذي تسببت به المصانع خلال الأشهر القليلة الماضية تعدى الأنهر إلى مياه الشرب.

ويقترح فرحان فرض عقوبات رادعة وحلول مستدامة مثل فرض ضريبة الكربون والانبعاث الغازي على المصانع الكبرى التي تسبب تلوث البيئة.

سكان قرية للسكان الأصليين بالقرب من بوترا جيايا يتخذون اجراءات احترازية بعد أنباء عن نية السلطات ترحيلهم إلى أماكن أخرى من أجل استثمار أرض الغاب
قرية للسكان الأصليين بالقرب من بوتراجايا يتخذ سكانها إجراءات احترازية بعد أنباء عن عزم السلطات ترحيلهم لاستثمار أرض الغابة (الجزيرة)

طول العمر

يقول الخبير في شؤون البيئة يوسامي يوسف إن دراسات أوروبية وألمانية أشارت إلى أن العيش في أماكن خضراء يسهم في إطالة العمر ما بين 5 إلى 10 سنوات، وأن معايشة الطيور وسماع أصواتها يحسن من جودة الحياة والصحة.

ويضيف أن خبراء البيئة يجمعون على أن التوعية تمثل خطوة أولى في مسيرة شاقة للحفاظ على الغابات، ومن هنا كان الاحتفال بيوم الأرض من خلال رسومات أطفال السكان الأصليين، والتي يأمل المنظمون أن يشاهدها الكبار، ولا سيما أصحاب رؤوس الأموال الضخمة التي تستثمر في قطع أشجار الغابات بدل حمايتها.

وإلى أن يتحقق الوعي بقيمة استنشاق هواء نظيف وشرب مياه صالحة وسماع تغاريد الطيور وحفيف الأشجار فإن بن هيبانغ يبقى قلقا على مستقبل أحفاده، لأنه لم يعش في طفولته الواقع الذي يعيشونه.

المصدر : الجزيرة