شعار قسم ميدان

قوة بوتين المفضلة.. هل أصبحت مجموعة فاغنر منافسا للجيش الروسي؟

مقدمة الترجمة

يوما بعد يوم، تتصدر جماعة "فاغنر" المُرتزقة الصفوف الأمامية للحرب الروسية في أوكرانيا غير عابئة بالخسائر في صفوفها، نظرا لأن معظم مجنديها الحاليين من المجرمين المدانين. بيد أن المجموعة تتحول في الوقت نفسه من تنظيم مرتكز على مفهوم العمليات الخاصة إلى قوة نظامية تتحدى نفوذ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف. يرصد باتريك تاكر، محرر التقنية العسكرية في "ديفنس وان"، أبعاد هذا التحول، وتأثيره على مجريات الصراع.

نص الترجمة

صرَّح مسؤول أميركي رفيع المستوى بالبيت الأبيض في حديث مع الصحافيين نهاية العام الماضي بأن جماعة "فاغنر" المُرتزقة، المُدارة من قِبَل "يفغيني بريغوجين" حليف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، تُحقق "مكاسب متزايدة" في منطقة "باخموت" الأوكرانية. غير أن الجزء الأكبر من هذه المكاسب يعود إلى موقف بريغوجين الأهْوَج فيما يتعلق بحياة جنوده. وأضاف المسؤول قائلا: "من الواضح أن الجيش الروسي تراجع وبات في المقعد الخلفي، وأن قوات فاغنر أصبحت في المقدمة، ومن ثم بدأت في مهاجمة باخموت في أواخر مايو/أيار 2022". ومنذ ذلك الوقت، حققت قوات المرتزقة مكاسب ضئيلة، لكنها أتت بتكلفة باهظة للغاية من حيث الخسائر، على حد قول المسؤول الأميركي.

وقد أشار المسؤول إلى أن بنية الجماعة المرتزقة على الأرجح هي سبب عدم انزعاج القادة من الخسائر، حيث قال: "نعتقد بأن (بريغوجين) كرَّس عشرات الآلاف من المُجرمين المحكوم عليهم للقيام بهذا المجهود العسكري، كما نظن أيضا بأن 90% من الخسائر في صفوف فاغنر مُجرمون مُدانون في واقع الأمر. يبذل الروس إذن جهدا كبيرا في باخموت، ولا يزال الأوكرانيون يقاتلون ببسالة لحمايتها. وقد أبدى (بريغوجين) استعدادا كبيرا لأن يكون أشد عدوانية مع المُدانين الروس بصورة فاقت استعداد الجيش الروسي لفعل الشيء نفسه مع جنوده".

لقد حازت قوة المرتزقة المشبوهة الكثير من الاهتمام الجديد منذ بدء الحرب. في البداية، لم يعترف بريغوجين أو الرئيس الروسي بوتين بوجود أي صلة مع الجماعة، التي كانت نشطة في سوريا وليبيا وأماكن أخرى في أفريقيا أيضا. ولكن في سبتمبر/أيلول الماضي، ظهر فيديو لبريغوجين شخصيا يُجنِّد فيه أشخاصا لصالح فاغنر داخل أحد السجون الروسية (وتعهَّد فيه بأن الأحكام الجنائية الصادرة ضد المسجونين سيتم إسقاطها عنهم إذا ما تطوَّعوا في الحرب). وقد قال بريغوجين للمسجونين، وفقا لشهود عيان: "سأُخرِجكم من هنا أحياء، لكنني لن أُعيدكم دوما أحياء". (ويُعتقَد بأن هذه اللقطات غير المؤرَّخة المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي هي أول نظرة من كثب لعملية تجنيد سجناء لصالح جماعة فاغنر المرتزقة، وهي عملية جارية كما أفادت تقارير عدة على نطاق واسع منذ الصيف الماضي، حيث جُنِّد ما يتراوح بين 7000-10000 سجين روسي من ضمنهم آكل لحوم بشر مُدان).

 

تمكَّن بريغوجين من تأمين دبابات "تي-90" وغيرها من المعدات لقواته في أوكرانيا من وزارة الدفاع الروسية، وهو أمر جدير بالملاحظة بالنظر إلى أن بريغوجين ووزير الدفاع الروسي "سيرجي شويغو" خصمان لَدودان. وقد قال "مايكل كوفمان"، مدير برنامج الدراسات الروسية في وكالة الأنباء المركزية، في حديث مع موقع "ديفنس وان"، إنه يعتقد بأن بريغوجين "يستغل هذه الفرصة ليُعلي من شأنه ويُظهِر مدى عدم كفاءة شويغو، ورئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف".

رئيس الأركان العامة الروسية فاليري جيراسيموف (يمين) و وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو (الأناضول)

تُنافس الجيش حين تتقدَّم

قال مسؤول عسكري يعمل مع حكومة الولايات المتحدة (طلب عدم ذكر اسمه) إن عمليات جماعة فاغنر في أوكرانيا تُظهِر تحوُّلها المتزايد إلى قوة تُشبه الجيش الروسي، مؤكدا: "إن اقتناء فاغنر لمعدات أكثر تطوُّرا مثل الدبابات والطائرات ذات الأجنحة الثابتة يشي بأن فاغنر تتطوَّر من تنظيم مرتكز على مفهوم قوات العمليات الخاصة، كما ظهر في سوريا وأفريقيا، إلى منافستها من أجل أن تصبح قوة تقليدية تدمج أسلحة متنوِّعة. ومن ثمَّ فإن هذا من شأنه أن يُمكِّن بريغوجين من تطوير قاعدة أمنية موازية خاصة به ومستقلة عن الكرملين، وهو ما يدعم بريغوجين في منافسته مع وزارة الدفاع الروسية وشويغو".

وأضاف المسؤول العسكري بأن فاعلية جماعة فاغنر "تعتمد على سياق قواتها وعقليتها. إن عناصر فاغنر فعَّالة فيما يُفترض أن تقوم به (بوصفها قوات خاصة)، إذ إن سجناء فاغنر المدفوعين بالرغبة في الحصول على الحرية من السجن يمتلكون معنويات أعلى وأكثر فاعلية من حشود الرجال ذوي الروح المعنوية المنخفضة (الذين تمت تعبئتهم بواسطة الجيش الروسي). أما الجنود المتعاقدون فهُم أكثر فاعلية من سجناء فاغنر". ولا يعزو كوفمان أيضا نجاحَ فاغنر بالمقارنة مع الجيش الروسي إلى عدوانية بريغوجين وحسب، بل يقول إن "في بعض الحالات، كانت فاغنر أكثر فاعلية لأن مقاتليها يمتلكون خبرة سابقة ومعدات أفضل من القوات النظامية".

يفغيني بريغوجين (غيتي)

في حين أتى أداء فاغنر أفضل من أداء المُجنَّدين الروس المُتردِّدين الذين حُشِدوا في عُجالة، فإن ذلك لا يعني بأن مقاتلي فاغنر يقومون بمهماتهم بصورة أفضل من الجيش. وقد اعترف بريغوجين بنفسه بذلك مؤخرا في مقابلة مُسرَّبة قال فيها إن المقاومة الأوكرانية في باخموت قوية للغاية، ومن ثمَّ فإن قواته عاجزة عن اختراقها. (وقد نشرت وكالة الأنباء الحكومية الروسية "آر آي إيه نوڤوستي" مقابلة مع بريغوجين صرَّح خلالها بأن قوات فاغنر في باخموت عاجزة عن اختراق الدفاعات الأوكرانية. وذكر بريغوجين بأن العمليات في باخموت تستنزفه جدا، لأن كل منزل في باخموت بمنزلة "حِصن"، ولأن الأوكرانيين وضعوا خطوط دفاع كل عشرة أمتار، ما يُوجِب على القوات الروسية أن تُطهِّر مبنى تلو الآخر. ويُمثِّل هذا انعطافا بالغ الأهمية لبريغوجين، وأول مرة يُقِر فيها الرجل بأن قوات فاغنر في باخموت لم تحرز أي مكاسب فعلية).

وتلومه حين تتعثَّر

وقد ألقى بريغوجين باللوم في الفيديو المذكور آنفا على نقص المركبات المُدرَّعة في معرض ذكره لأسباب التقدم البطيء والمُكلِّف لجماعته. وأشار معهد دراسات الحرب (ISW) في تقييم نُشِر في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي إلى أن بريغوجين بدا أنه يمهد الطريق لإلقاء اللوم على وزارة الدفاع فيما يتعلق بالهجوم المتعثر. ووفقا للتقييم، فقد "أخبر جنود جماعة فاغنر بريغوجين بأنهم عاجزون عن اختراق الخطوط الأوكرانية في باخموت نظرا لعدم كفاية المَركبات المدرعة والذخيرة وإمدادات القذائف من عيار 100 ملم. وقد سعى هذا التصريح من طرفهم إلى إعفاء جماعة فاغنر وبريغوجين من المسؤولية الشخصية بعزو فشلهم في إحكام قبضتهم على باخموت إلى مشكلات توزيع الموارد الروسية الأكبر التي تناقشها المصادر الروسية والأوكرانية على حدٍّ سواء منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول"، وفقا لما ورد في تقييم المعهد.

وقد ذكر معهد دراسات الحرب أيضا في مطلع الشتاء الجاري بأن تقدُّم فاغنر لعله وصل إلى "ذروته" في منطقة باخموت، ما يعني بأنها تتحرك نحو تعزيز مواقعها الحالية، وأنها توقفت عن محاولة كسب أي مناطق جديدة. في كلتا الحالتين، من المرجح أن يبقى القتال محتدما في باخموت. "لقد ظن البعض بأن القتال سيخمد ويتوقف في الشتاء، غير أننا قلنا، مرارا وتكرارا، إننا لا نعتقد أن هذا سيحدث، وهو ما ثبت بالفعل، فالقتال لا يزال مُحتدما"، هكذا ورد في تقييم معهد دراسات الحرب. (وطبقا لآخر تقارير المعهد، الصادر في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، فإن جماعة فاغنر لم تُحرِز مكاسب جديدة منذ استحوذت على بلدة "سوليدار" في 12 من الشهر نفسه. كما أن هناك تسجيلات مُصوَّرة قبل أسبوع تُظهِر وجود القوات الروسية المحمولة جوًّا وهي تشن جهودا عسكرية في منطقة باخموت جنبا إلى جنب مع قوات فاغنر، فيما يبدو أنه محاولة لتسريع وتيرة العمليات ودعم قوات فاغنر المتعثِّرة هناك).*

______________________________________

*ملاحظة المترجم

ترجمة: كريم محمد

هذا التقرير مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة