شعار قسم ميدان

عملية القدس.. كيف تحولت المقاومة الفردية إلى كابوس إسرائيل الأكبر؟

A person is wheeled on a stretcher at a scene where a suspected incident of shooting attack took place, police spokesman said, just outside Jerusalem's Old City January 28, 2023. REUTERS/Ammar Awad REFILE - CORRECTING INFORMATION
عملية إطلاق النار التي نُفذت داخل مستوطنة "النبي يعقوب" في القدس (رويترز)

أعادت عملية إطلاق النار الأخيرة التي نُفذت داخل مستوطنة "النبي يعقوب" في القدس وقُتل فيها 8 مستوطنين على يد الشاب الفلسطيني "خيري علقم"، مساء الجمعة 27 يناير/كانون الثاني 2023، الضوء على الدور المتزايد للعمليات الفردية في منظومة المقاومة ضد الاحتلال. وكما تشير البيانات الصادرة عن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الشاباك، شهد عام 2022 زيادة مضطردة في عدد العمليات ضد المستوطنين وجنود الاحتلال بواقع 1933 عملية، أدت لمقتل 29 جنديا ومستوطنا إسرائيليا وجرح نحو 128 آخرين، بزيادة واضحة عن العام السابق 2021 الذي شهد 1570 عملية قتل فيها 18 مستوطنا إسرائيليا وأصيب 196 آخرون، وهي زيادة تبدو مرشحة للاستمرار في ظل استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وآخرها مجزرة جنين التي ارتقى خلالها 9 شهداء على يد الاحتلال قبل يوم واحد فقط من هذه العملية.

 

سيرورة التحولات في الضفة الغربية

يدفعنا ذلك للتأمل في التحولات الكبيرة التي تشهدها منظومة المقاومة خلال السنوات الأخيرة. ويمكن القول إن منتصف العام 2014 تحديدا، مثّل نقطة تحوّل بالنسبة لواقع الضفة الغربية، فقبل هذا العام، وفي العام 2011 تحديدا، بلغ مجموع نشاط المقاومة 320 نشاطا، بما فيها المواجهات الشعبية مع الاحتلال، من رمي الحجارة وإشعال الإطارات وقذف الزجاجات الحارقة، إلا أن هذا الرقم ارتفع في العام الذي يليه إلى 578 نشاطا، ثم في العام 2013 إلى 793 نشاطا[1]، هذا التصاعد الملحوظ قفز مرّة واحدة في منتصف العام 2014، ليبلغ 3699 نشاطا مقاوما، منها 16 عملية طعن، و8 عمليات دعس، وقد كانت ذروة التحول في يوليو/تموز بواقع 886 نشاطا مقاوما[2]، ليُطرح سؤال مهم هنا حول الأسباب التي قادت النشاط المقاوم للتصاعد.

 

يمكننا الحديث هنا عن ثلاثة أحداث في العام 2014 شكّلت مفتاحا للحالة الكفاحية الجارية في القدس والضفة الغربية حتى اللحظة، والتي اتسمت بنمط من العمليات الفردية، والتي لا تتصل بالضرورة بالفصائل الفلسطينية، وإن لم تكن هذه الفصائل غائبة عن المشهد. الحدث الأول، في يونيو/حزيران، هو خلية، تبيّن فيما بعد أنها تتبع لحركة حماس، تأسر ثلاثة مستوطنين في الخليل، ثم تقتلهم[3]. في الأثناء، وبحثا عن المستوطنين، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي غالبية مدن الضفة الغربية، وهو الأمر الذي ضاعف من النشاط الشعبي المقاوم في مواجهة هذه القوّات، تدحرجت الأحداث وصولا إلى الحدث الثاني المفصلي في مطلع يوليو/تموز، وهو حرق المستوطنين طفلا مقدسيا[4]، وقد عرفت تداعيات الحادثة بـ"هبّة الطفل محمد أبو خضير"، وقد تركّزت هذه الهبّة بالدرجة الأولى في مدينة القدس المحتلة.

الطفل محمد أبو خضير
الطفل محمد أبو خضير (مواقع التواصل)

بيد أن الحدث المفصلي الأهم كان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ابتداء من يوليو/تموز، وهي الحرب التي سمّتها حركة حماس بـ"معركة العصف المأكول" وسمّتها قوات الاحتلال بـ"الجرف الصامد"[5]، وكانت المعركة الأطول في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وكشفت فيها المقاومة الفلسطينية عن أداء قتالي غير مسبوق بالنظر إلى إمكاناتها المحدودة، وكونها تعمل في شريط ساحليّ ضيق مكشوف ومحاصر، ومفتقر إلى الظهير الإستراتيجي، وكان من أهم معالم أداء المقاومة الفلسطينية في هذه المعركة قدرتها على أسر عدد من الجنود الإسرائيليين.

 

حرب غزة.. وظهور العمليات الفردية

جاءت هذه الحرب بعد سبع سنوات -بالضبط- على الانقسام الفلسطيني، وخلال هذه السنوات السبع جرت مياه كثيرة أسفل جسر الضفة الغربية، كان عنوانها "صناعة الفلسطيني الجديد"، بحسب تعبير الجنرال الأميركي "كيث دايتون"[6]، الذي أشرف على إعادة بناء المنظومة الأمنية الفلسطينية بعد الانقسام الفلسطيني، ولم تقتصر هذه الرؤية على تجديد الجهاز الأمني الفلسطيني، وإنما استندت إلى نسق أوسع يتضمن السياسات الأمنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتهدف في مآلاتها إلى تحييد الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية عن مهمّتها التاريخية بإغراقها في نمط استهلاكي يتضادّ مع متطلبات مواجهة الاحتلال، وقد احتاج ذلك إلى عملية هندسة اجتماعية واسعة، لم تكن جهود إقصاء حماس عن المجال العام، وتحطيم منابرها، وتجريف محاضنها، إلا معلما من معالمها.

 

فبالإضافة إلى سياسات الإغراق في الديون على حساب التنمية الزراعية والصناعية[7]، تمددت الهندسة المجتمعية الجديدة إلى تجريف الحركة الوطنية عموما، وتكريس حركة فتح حزبا للسلطة، وإنهاء مهمتها التحررية[8]، وربطها عضويّا بالسلطة، بما يشلّ قدرتها على قيادة أي فعالية نضالية مؤثّرة، وتأميم المجال العام كله، وإضعاف الحركة الطلابية، ورافق ذلك الدفع نحو إبراز رموز جديدة، كالمغني بدلا من الشهيد والأسير[9]، وتكثيف الاستعراض الاستهلاكي، وتعزيز الفردانية الصرفة، وهكذا، ظلّت هذه العملية، وعلى مدار سبع سنوات تقصي الجماهير الفلسطينية عن مهمتها في مواجهة الاحتلال.

 

غير أن حرب عام 2014 على قطاع غزة امتلكت القدرة في ذاتها لتكون كسرا فعليّا لعمليات الهندسة المجتمعية سابقة الذكر، ولولا الظروف الإقليمية والدولية المختلفة لكانت هذه المعركة بالنسبة لحماس أكبر مما كانته معركة الكرامة بالنسبة لفتح في العام 1968[10]، وفي أقل الأحوال أعادت هذه المعركة تعريف الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية بحركة حماس، التي ما عادوا يرون نشاطها في محاضنها التقليدية، كما طرحت سؤال الواجب على الأجيال الجديدة التي لم تعايش تجربة انتفاضة الأقصى وما انتهجه الاحتلال فيها من سياسة "كيّ الوعي"[11]، كما لم تتأثر بدعاية الانقسام الفلسطيني، ومن ثم لم تُشكّل حرب عام 2014 حالة إلهام عالية لهم فحسب، وإنما طرحت عليهم أيضا سؤال الواجب بخصوص تحديات القدس والمسجد الأقصى والاستيطان.

 

يمكن أن نلاحظ أثر هذه الحرب على استعادة الجماهير وعيها بحركة حماس، من خلال فوز إطارها الطلابي في جامعة بيرزيت بنسبة حاسمة من بعد غياب طويل عقب الانقسام الفلسطيني. أشار هذا الفوز إلى انزياح صور أحداث الانقسام من ذاكرة الفلسطينيين، والانحياز الواضح إلى مشروع المقاومة الذي تمثّل حينها سياسيا في حركة حماس.

 

الأهم في الأمر كله أن العام 2014 لم يكن طفرة عابرة، ومع تصاعد التحديات الاستعمارية، كالاستهداف المتكرر للمسجد الأقصى ومحاولات تطبيع التقسيم الزماني، وفتح ثغرة للتقسيم المكاني[12]، وتصاعد هجمات المستوطنين التي كان من أبشعها حرق عائلة فلسطينية في يوليو/تموز 2015[13]، أخذت الحالة الكفاحية التي افتتحت في عام 2014 بالتجذر في القدس والضفة الغربية، فقد بلغت الأنشطة المقاومة في العام 2015 أكثر من 5,383 نشاطا مقاوما، منها 186 عملية طعن، و42 عملية دعس، و123 عملية إطلاق النار، وقد كانت ذروة هذا العام في شهر أكتوبر/تشرين الأول، إذ بلغ مجموع الأنشطة المقاومة 1,328 نشاطا[14].

 

هبّة القدس

خلية تابعة لحركة حماس في مدينة نابلس تشنّ، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، هجوما على سيارة للمستوطنين[15]، بعد يومين على هذه العملية، قام الشاب "مهند الحلبي"، القادم من مدينة رام الله، بتنفيذ عملية طعن في القدس المحتلة أدّت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين ثم استشهاده، لتكون هذه العملية فاتحة ما عُرف لاحقا بـ"هبّة القدس"[16]، ولتكون "هبّة القدس" المحطة الأهم حتى حينها في الحالة الكفاحية المفتوحة منذ منتصف العام 2014.

 

هذه الهبّة، وبالإضافة إلى اتسامها بالمواجهات الشعبية، اتسمت كذلك بكثافة العمليات الفردية، التي لم تتوقف في الأعوام التالية، ففي عام 2016، نُفذت 10 عمليات دعس و50 عملية طعن ناجحة من أصل 4,785 نشاطا مقاوما[17]، وهكذا استمرت هذه الحالة الكفاحية بأنماط متعددة، وفي محطات متنوعة ظلّت العمليات الفردية فيها معلما بارزا.

 

خلال السنوات التالية، استمرت ظاهرة المقاومة الفردية في التصاعد، وصولا إلى عام 2021 الذي اعتُبر بدوره نقطة تحوُّل مهمة، بعد أن دفعت اعتداءات المستوطنين وهجماتهم على المسجد الأقصى وتوالي حملات الاعتقال والتصفية في صفوف الشباب الفلسطيني إلى تعزيز النشاط المقاوم. وبحسب الإحصاءات الواردة في التقرير السنوي للمكتب الإعلامي التابع لحركة حماس في الضفة، شهدت الضفة الغربية والقدس عام 2021 10,850 عملا مسلحا، من بينها 441 عملية مؤثرة، وهو أربعة أضعاف عدد العمليات المؤثرة التي شهدها عام 2020.

 

استمر النهج ذاته خلال العام الماضي 2022 الذي شهد سلسلة عمليات فردية اعتمدت على تقنيات الدعس وإطلاق النار، وكان من أبرز هذه العمليات عملية مدينة "بني براك" التي وقعت قرب تل أبيب في مارس/آذار الماضي مُخلِّفة 5 قتلى، وكانت الأولى من نوعها منذ الانتفاضة الثانية. لاحقا خلال العام نفسه، بدا أن المقاومة الفردية دخلت طورا من التنظيم بالإعلان عن كتائب نابلس وجنين ثم مجموعة عرين الأسود في شهر سبتمبر/أيلول بوصفها التطور الأبرز لظاهرة المقاومة الفردية. وقد شكلت المجموعة تحديا واضحا لسلطات الاحتلال، ليس فقط بسبب نظام عملها اللامركزي وعدم وجود تسلسل قيادي واضح لها ما صعَّب من مهمة تتبعها واختراقها استخباراتيا، لكن الأهم أنها قدمت نموذجا جديدا بارزا للمقاومين الفرادى الذين يتحركون بحرية ودون قيود تنظيمية كبيرة مع قدرة على توجيه ضربات موجعة.

 

نظرة في السمات الملحمية

على مدار تاريخ الكفاح الفلسطيني كانت المبادرات الفردية حاضرة دوما، وحتى الأنماط التي غلبت على العمليات الفردية في السنوات الأخيرة هي مألوفة فلسطينيّا، في طول محطاته الكفاحية، فقبل الانتفاضة الأولى نفّذ "خالد الجعيدي"[19]، من حركة الجهاد الإسلامي، عمليات طعن ناجحة أسهمت في بلورة الأحداث نحو تلك الانتفاضة، وفي الانتفاضة الأولى عُرف عامر أبو سرحان، من حركة حماس، بـ"مفجر ثورة السكاكين"[20]، وفي مطلع الانتفاضة الثانية قام "خليل أبو علبة"، وهو لا ينتمي لأي تنظيم فلسطيني حينها، بتنفيذ عملية دعس أدّت إلى مقتل 8 إسرائيليين[21]، إلا أن الفارق الأهم في العمليات الفردية الأخيرة تمثّل في كونها لا تأتي من سياق تغلب عليه الفاعلية التنظيمية في الضفة الغربية، فالدوافع الفردية خارج السياقات التنظيمية هي الغالبة في هذه المرحلة.

 

لا يعني ذلك الغياب التنظيمي التام، فقد سبقت الإشارة إلى العمليات المنظمة التي وقفت خلفها حركة حماس وافتتحت بها أحداث عامَي 2014 و2015، كما ظهر عدد من مقاتلي الحركة الذين طاردتهم قوات الاحتلال لوقت وجيز، مثل الشهيد "محمد الفقيه" الذي استشهد في عام 2016، والشهيد "أحمد نصر جرار" الذي استشهد في مطلع عام 2018، والشهيد "أشرف نعالوة" الذي نفّذ عمليته في أكتوبر/تشرين الأول 2018، واستشهد في ديسمبر/كانون الأول 2018، والأخوين الشهيد "صالح البرغوثي" و"عاصم البرغوثي" منفذي عمليتين في شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، كما أنّ عددا من منفذي عمليات الطعن والدعس سبق لهم الانتماء لفصائل فلسطينية، مثل الشهيد "مهند الحلبي" الذي انتمى لحركة الجهاد الإسلامي، والشهيد "إبراهيم العكاري" منفذ عملية دعس في القدس في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، والذي يبدو قريبا من حركة حماس، وعملية الأسير "عمر العبد" الذي اقتحم في يوليو/تموز 2017 مستوطنة في محيط مدينة رام الله وقتل طعنا 3 مستوطنين، وتبين أنه متأثر بـ"دعاية حركة حماس الأيديولوجية".

وهنا يمكن الحديث في السمات عن غلبة الدوافع الفردية مع تداخل العمل التنظيمي، ويضاف إلى ذلك كثافة العمليات عددا وكيفا، ومشاركة فلسطينيين من فلسطين المحتلة عام 48، وفي هذا السياق تحضر عملية إطلاق النار التي نفذها "نشأت ملحم"، من سكان وادي عارة في فلسطين المحتلة عام 48، في يناير/كانون الثاني 2016، ليستشهد فيما بعد عقب مطاردة وجيزة، وصولا إلى عملية بئر السبع الذي نفذها "محمد أبو القيعان" في مارس/آذار 2022 وقُتل خلالها 4 إسرائيليين طعنا ودعسا وإصابة اثنين آخرين، بمدينة بئر السبع بالنقب (جنوبا)، في عملية لم تشهد إسرائيل في مثل حجمها منذ سنوات.

 

خاتمة.. في الدلالات

نسبيّا، تعني العمليات الفردية واستمرارها فشل عمليات الهندسة الاجتماعية، وجهود تحييد الجماهير في الضفة الغربية، وكذلك استعادة ثقافة المقاومة في الضفة الغربية بالتأثر بمشهدية الحرب المتلفزة في غزة عام 2014، وبوعي الجماهير الغريزي بفشل مشروع التسوية وانسداد آفاقه، وتعاظم التهديدات الاستعمارية الإسرائيلية، ولا سيما فيما يخصّ المسجد الأقصى، العنوان الأبرز لأكثر محطات الحالة الكفاحية المفتوحة، وكذلك تحدي المستوطنين وتزايد اعتداءاتهم بما يرفع من الشعور بالخطر لدى كل فرد فلسطيني، خاصة أن تلك الاعتداءات قد بلغت حدّ حرق البيوت والأفراد والمساجد، فلم يعد المشهد الاستيطاني مشهدا يهدد الأرض، ومن ثم تكريس الموقف الاستعماري فحسب، ولكنه، وبالإضافة إلى ذلك، بات يتمدد لتهديد الأفراد في حياتهم وممتلكاتهم مباشرة.

 

بيد أن غلبة الطابع الفردي للعمليات يعكس ظرف الحركة الوطنية في الضفة الغربية، بعدما استنزفت فصائل المقاومة كادرها وصفّها في الانتفاضة الثانية دون قدرة على استيعاب الخسائر، ثم بعد الانقسام، حينما استهدفت السلطة الفلسطينية، لا بنى حركات المقاومة أو خصمها التقليدي حماس فحسب، بل مجمل الحركة الوطنية على النحو الذي سبق وصفه، وبمن ثم بدأت الجماهير في أخذ زمام المبادرة، بعدما كان العمل المنظم هو الطاغي على التاريخ الكفاحي للفلسطينيين.

عملية القدس مكان العملية (REUTERS)
مكان عملية القدس. (رويترز)

يعني استمرار العمليات الفردية أن النموذج المقاوم ما زال مهيمنا على عمق الوعي الفلسطيني، وأن هذه العمليات لا تأتي في سياق عابر. وإذا كانت الشروط الموضوعية لا تسمح حتى اللحظة بالتوسع في هبّة أو انتفاضة أشمل، خاصة بالنظر إلى موقف السلطة الفلسطينية التي تسيطر على المجال الفلسطيني في الضفة الغربية، وهو الموقف الذي يحول دون اتساع أشكال المقاومة وأنماطها فإنّها، أي تلك العمليات، بتراكمها واستمرارها تفتح الطريق لخلق تحولات أوسع في الحالة الفلسطينية، وهو ما يذكّر بسلسلة الأعمال المتقطعة قبل الانتفاضة الأولى، أو بسلسلة العمليات بين الانتفاضتين، فالحاصل عملية تحوّل عميقة لا يبدو أنها ستنقطع، لا سيما أن الحالة الفلسطينية وما يحيط بها تمر بمرحلة سيولة عالية.

 

يظلّ السؤال، وحين الحديث في الدلالات، عن قصر عمر المطارد الفلسطيني في هذه المرحلة، سواء كان ينتمي لتنظيم فلسطيني أم لا، والإجابة تتصل أولا بالقدرات الأمنية التي راكمها الاحتلال منذ الانتفاضة الثانية، والتي من عناصرها الهندسة الجغرافية، بالطرق الالتفافية والحواجز، ونصب كاميرات المراقبة على طول الطرق الالتفافية ومدالها ومخارجها، بالإضافة إلى تراجع الخبرة النضالية كما سبق بيانه، ومن فإنّ المقاتل الذي يُقدم على تنفيذ عملية يدرك غالبا أنها العملية الأولى والأخيرة، وهنا تنبثق دلالة مهمّة على روحية هذا المقاتل، وبالتالي تعزّز نموذج المقاوم داخل المجتمع الفلسطيني، واحتمالات استمرار هذه العمليات.

المصدر : الجزيرة