شعار قسم ميدان

حرب الإغراق.. هكذا تستخدم إسرائيل المياة سلاحا ضد الفلسطينيين

Heavy rain hits Gaza- - GAZA CITY, GAZA - DECEMBER 26: A man drains water on the flooded street after heavy rain in Gaza City, Gaza on December 26, 2022. The puddles caused by a lack of infrastructure made life difficult for the residents.
تصريف إسرائيل مياه الأمطار نحو غزة. (الأناضول)

بقدر ما حملت ليلة 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي بشائر خير بأمطارها الغزيرة، دبَّ خلالها الرُّعب في قلب الشاب الفلسطيني "عبد الله قطيفان" قلقا على مصير عائلة عَمِّه التي تقطن منطقة "البركة" في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، إذ إن تلك الأمطار بالنسبة له ولأهل المنطقة تعني أن "اليهود راح يفتحوا العبارات ونغرق"، حسب قوله. ويعرف الفلسطينيون في غزة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي التي قامت ببناء عدد من السدود في المناطق الحدودية للتحكم في تدفُّق المياه وإعادة توجيهها بعيدا عن قطاع غزة، لن تتردَّد بفتح بواباتها -دون سابق إنذار- عندما تكون غزة مُعرَّضة لخطر الفيضان أثناء هطول الأمطار الغزيرة. ومن ثمَّ تتدفَّق مياه السدود والأودية بشكل مفاجئ إلى الأراضي المنخفضة في قطاع غزة، فيُنكب سكان المناطق الذين لا حيلة لهم إلا الهرب بأرواحهم.

 

كعادته مع كل موجة ماطرة، هبَّ عبد الله في ذلك اليوم لنجدة بيت عَمِّه مع شباب العائلة، فأخرجوا الأغنام ومخزون القمح وأثاث المنزل بعد أن أمَّنوا النساء والصغار، وما إن هدأ الجميع بعد "معركة" صعبة للنجاة حتى فكَّر عبد الله في الضرر الذي سيلحق بالبيت الغارق في المياه إذا ما عاد التيار الكهربائي حسب موعده المُجَدوَل، بحُكم أزمة قَطع الكهرباء التي تعاني منها غزة وتتراوح مدتها بين 12-18 ساعة يوميا. وبالفعل عاد الشاب وحده إلى المنزل لفصل أمان الكهرباء، ولكن يشاء القدر أن يكون التيار قد عاد إلى المنطقة قبل ربع ساعة من موعده المُحدَّد، ولأن المياه كانت قد طالت كل شيء حتى شبكة الكهرباء، فقد صُعِق عبد الله ووافته المنيَّة في الحال.

 

أحدثت وفاة عبد الله صدمة وحزنا بين الفلسطينيين الذين تناولوا سيرته على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو الشاب حديث الزواج والمدرس الطموح الذي راح ضحية لأزمة سنوية لا حلَّ لها، مثلها مثل معظم الأزمات التي يعاني منها الفلسطينيون جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. فمع كل فصل شتاء يترقَّب سكان المناطق القريبة من الحدود الشرقية للقطاع، مثل مناطق المغراقة وجحر الديك ومخيم البريج والنصيرات ومدينة الزهراء ومناطق شرق خان يونس، ارتفاع منسوب المياه خلف الكثبان الرملية والسدود المقامة بمحاذاة السياج الأمني شرق قطاع غزة، متوجسين من انبعاج الكثبان أو فتح السدود الذي بات حدثا سنويا يُغرِق منازلهم وأراضيهم الزراعية، ويُكبِّدهم خسائر مادية كبيرة.

 

إغراق بهدف التهجير

"كان عبد الله مِقداما في مساعدة الجميع، لا يهاب الموت ويتصدَّر كل المواقف الصعبة لمساعدة الآخرين"، بهذه الكلمات وصفت "وعد مسمح" (25 عاما) رفيق دربها في حوار مع "ميدان" بعد أن أخبرتنا بحزن شديد أنها عرفت بنبأ وفاته عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قالت وهي تُهَدهِد رضيعها ذا الأشهر الثلاثة: "نحن نسكن في منطقة المشاعلة بدير البلح، وعندما يقع منخفض يدرك عبد الله أن عليه الذهاب لمنطقة البركة حيث يقطن عَمُّه ويقع في دائرة خطر الغرق بفعل فتح اليهود للعبارات على وادي السلقا".

لا تزال كلمات عبد الله الأخيرة التي هاتف بها زوجته وهو في طريقه إلى بيت عَمِّه ترِن في أذنيها، حيث أخبرها أن المطر غزير وأن عليها الانتباه على نفسها وصغيرها، لا سيما وقد رأى سابقا بأم عينه آثار الإغراق، وما يتبعه من مشاهد مثل ركض الصغار وهُم حفاة في الليل هربا من المياه، ومحاولة الكبار التقاط بعض الأشياء لإنقاذها من الانجراف، ومن حولهم طواقم الدفاع المدني والبلدية تؤدي عملها على ضوء "الكشَّافات" في ظل انقطاع التيار الكهربائي. وتضيف "وَعد" زوجة عبد الله: "كلما تخيَّلت مشهد زوجي ملقًى على الأرض بفعل الصعقة قبل أن تحمله سيارة الإسعاف، التي ما لبثت أن غرزت في التربة الطينية ولم تخرج إلا عندما سحبتها جرَّافة، أسترجع حجم المعاناة التي نكابدها سنويا". تأمَل "وَعد" الآن أن تُنفَّذ أمنية زوجها وأن تنفرج أزمة تلك المنطقة وغيرها، قائلة: "ما زلت تحت تأثير صدمة (وفاة عبد الله)، وأمنيتي الوحيدة أن تُحلَّ معاناة الناس وأن يتحقق حلم عبد الله بإنقاذ الناس من الموت غرقا".

A Palestinian woman tries to remove water at her flooded house following heavy rains in the northern Gaza Strip November 26, 2020. REUTERS/Mohammed Salem
امرأة فلسطينية تحاول إزالة المياه من منزلها الذي غمرته المياه بعد هطول أمطار غزيرة في شمال قطاع غزة (رويترز)

توجَّه "ميدان" إلى "طارق شاهين"، مدير بلدية دير البلح، لسؤاله حول الأمر نفسه، حيث أكَّد أن الاحتلال يقوم بحَجز المياه القادمة من المناطق الجبلية في النقب وبئر السبع في خزانات داخل الأراضي المحتلة، وعندما لا يستطيع التحكُّم بكمية المياه يفتح السدود. ويقول شاهين إن مدينة دير البلح، وهي من أشد مناطق غزة تضررا من الإطلاق المفاجئ المتكرر للمياه، تأتيها المياه من أربعة مواقع: "في المرة الأخيرة فتح الاحتلال الإسرائيلي المياه من منطقتين هما وادي السلقا ومنطقة وادي المصدر، ولأول مرة فُتِح وادي المصدر مما أدى إلى إغراق شارع صلاح الدين، فأغرقت المياه شارع وبوابات مستشفى الأقصى، وهو المستشفى الرئيس والوحيد في المحافظة الوسطى، وتسبَّب الاندفاع الشديد للمياه في إحداث أزمات للسكان، لأن الاحتلال فتح السدود في بداية المنخفض، وليس بعد مرور ساعات عليه كما اعتدنا قبلا".

 

أوضح مدير البلدية أن وادي السلقا بالتحديد ليس له مخرج على البحر، ومن ثمَّ تتراكم المياه في منطقة صحن البركة السكنية، ما يجعل طواقم البلدية والدفاع المدني تواجه صعوبة كبيرة في إخراج الناس من بيوتهم التي تقع في مصب الوادي، إذ تعرَّضت عشرات المنازل هناك للغرق، علاوة على غرق عشرات الأفدنة الزراعية. ويُرجِع شاهين العجز عن حل الأزمة بإقامة مشاريع تحتجز المياه إلى عدة أسباب، منها التكلفة العالية، حيث تُقدَّر تكلفة مشروع بنية تحتية من هذا النوع بملايين الدولارات، ومنها أن الاحتلال يعوق أي جهود في هذا الصدد بغية الضغط على المواطنين في هذه المنطقة الحدودية لتهجيرهم عمدا.

 

مزارعو غزة.. يفقدون قوت عام كامل

Israel floods Gaza farmlands​​​​​​​- - GAZA CITY, GAZA - FEBRUARY 18: A view of flooded farmlands after Israel opened dam’s gates that led to flooding of agricultural lands in eastern Gaza Strip, near the Israeli border on February 18, 2021.
مشهد للمزارع التي غمرتها المياه بعد فتح إسرائيل سدود مياه الأمطار مما أدى إلى إغراق الأراضي الزراعية شرقي قطاع غزة. (الأناضول)

تمر هذه الأيام بصعوبة على المزارع الفلسطيني شادي الراعي (32 عاما)، الذي يقطن منطقة وادي السلقا في دير البلح وسط قطاع غزة، وهو ينظر بحسرة إلى شبكة المياه البلاستيكية المُدمَّرة في أرضه، وإلى الدفيئات (الصوبات) التي رعاها ليل نهار ثم غمرتها المياه في لحظة ووصلت إلى ارتفاع متر ونيف. ففي 24 ديسمبر/كانون الأول، دمَّر ضخ مياه الخزانات الإسرائيلية تجاه الأراضي المحاذية للحدود الشرقية للقطاع مصدر رزقه وعائلته الكبيرة. وقد أخبرنا الراعي أن عائلته المُمتدة تملك أرضا زراعية مساحتها نحو 20 فدانا (50 دونما) بالإضافة إلى 40 فدانا (100 دونم) مستأجرة، وأنها تقع ضمن منطقة تُمثِّل سلَّة الغذاء الرئيسية لقطاع غزة، وقد جُهِّزَت جيدا لموسم الشتاء الحالي، حيث أقام شباب العائلة سواتر رملية ضخمة بطول ثلاثة أمتار على أمل ألا يتجاوز منسوب مياه الأمطار 40 سنتيمترا كما هو معتاد.

 

بالفعل زُرِعَت الأرض بالبندورة والقرنبيط والملفوف والكوسا وغيرها من الخضراوات الموسمية، وبينما كانت العائلة ومزارعو المنطقة يستعدون لحصاد خضراواتهم، وقع ما لم يكن في الحسبان وغرقت أراضيهم الزراعية. يقول الراعي: "أنا المزارع لا أستطيع أن أوفر تكلفة زراعة الدونم الواحد المُقدَّرة بنحو 1500 دولار، لذلك نعتمد على الدَّيْن المؤجَّل عند التعامل مع المشاتل ومحال الأسمدة والأدوات الزراعية، وحتى الحرفيين يعملون معنا بنظام الدفع عند الحصاد". صمت الراعي قليلا بينما بدت عليه آثار الصدمة ثم قال: "الآن أصبحنا مُدينين بآلاف الدولارات". هذا ولا يستطيع مزارعو المنطقة المنكوبة البدء بزراعة أرضهم وتعمير ما دمَّرته المياه إلا بعد مُضي شهرين على الأقل بسبب التجريف الهائل للتربة، كما أن المياه أتت بتربة تحتوي على كيماويات من شأنها أن تتسبب في أمراض خطيرة، لأن الاحتلال يرش المناطق الحدودية بمبيدات ضارة.

مشاهد حصل عليها "ميدان" من المزراع شادي الراعي – منطقة وادي السلقا – مدينة دير البلح (وسط قطاع غزة) – منخفض يوم 24 ديسمبر الماضي

للوقوف على حجم خسائر المزارعين، يُمكننا الاستشهاد بتقدير وزارة الزراعة في غزة الذي يقدر الخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي نتيجة فتح إسرائيل سدود مياه الأمطار مرة واحدة عام 2020 بنحو 500 ألف دولار، إذ تضرَّرت مساحات واسعة من الحقول المزروعة في مناطق شرقي غزة وشرقي جباليا وبيت حانون، وغرق نحو 220 فدانا (920 دونما) مزروعة بالمحاصيل المختلفة، ناهيك بالخسائر في قطاعَيْ الدواجن والنحل. وقد دفع ذلك بمركز الميزان لحقوق الإنسان إلى إدانة سياسة إسرائيل المُمنهَجة لحرمان الفلسطينيين من الوصول إلى الموارد الطبيعية، بما في ذلك التلاعب بالتدفق الطبيعي للمياه إلى غزة. وجاء في بيان المركز أن "إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، مسؤولة عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالفلسطينيين نتيجة لأعمالها الضارة"، كما أكد المركز أن "احتجاز إسرائيل المستمر لمياه الأمطار في السدود الاصطناعية، والإطلاق المفاجئ المتكرر للمياه في قطاع غزة، يُجسِّد تجاهل الاحتلال لسلامة الفلسطينيين وسُبُل عيشهم".

 

بحكم عمله مديرا لدائرة الإرشاد وخدمات المزارعين في محافظة الوسطى، يحاول المهندس الزراعي "أشرف أبو سويرح" مساندة مزارعي المنطقة قدر استطاعته، ولأنه ابن المنطقة الوسطى المتضررة من الغرق، زار أبو سويرح المزارعين لحصر الأضرار المتمثلة بالأساس في نفوق الحيوانات وغمر الدفيئات (الصوب) الزراعية وانجرافات التربة وإتلاف المحاصيل. ويقول أبو سويرح: "كان المنظر مخيفا جدا، فمع انهمار كميات كبيرة من الأمطار فَتَح الاحتلالُ السدودَ دون سابق إنذار، ما يعني في النهاية أن المزارعين فقدوا قوت عامهم بأكمله". وقد عبَّر أبو سويرح عن أسفه لأن وادي السلقا يُفترَض أن يُغذِّي الخزان الجوفي في منطقة الوسطى وخان يونس، قائلا: "الاحتلال يضع خزانات ضخمة لحجز المياه لديه وتجفيف المياه لدينا، لكن عند وجود فائض يفتح عبارات مياه الأمطار نحو مناطق عدة، أخطرها وادي السلقا الذي لا منفذ له على البحر، ما يؤدي إلى غرق المنازل والأراضي الزراعية بسبب صعوبة سيطرتنا على كميات المياه الضخمة".

 

إسرائيل تُكذِّب ما يُرَى بالعين

A Palestinian man carries children as he evacuates them in the village of Al-Moghraga after it was flooded by rain water, near central Gaza Strip February 22, 2015. REUTERS/Ibraheem Abu Mustafa (GAZA - Tags: ENVIRONMENT)
إجلاء الأطفال من منازلهم في بلدة المغراقة في قطاع غزة بعد أن غمرتها مياه الأمطار. (رويترز)

لا ينسى سكان وادي غزة وبلدة المغراقة في قطاع غزة ما حدث ليلة 22 فبراير/شباط 2015، حين أفاقوا من نومهم العميق على وقع مياه تحاصرهم من كل جانب، وهرعوا إلى طلب النجدة من طواقم الدفاع المدني والبلديات التي تمكنت بصعوبة من إنقاذ السكان ونقلهم إلى أماكن آمنة بعد ارتفاع منسوب المياه ثلاثة أمتار وأكثر. بطبيعة الحال أشارت أصابع الاتهام إلى دولة الاحتلال، التي فتحت أحد السدود الأسمنتية المُقامة بطول السياج الأمني الفاصل بين شرق القطاع وداخل الخط الأخضر، فتدفَّقت المياه نحو السكان الذين لم يملكوا إلا الهرب بأرواحهم. وقد تناولت وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية الأوضاع الإنسانية القاسية التي تسبب فيها الحادث، مع الإشارة إلى مسؤولية الاحتلال عنه بناء على الشهادات التي نقلها الفلسطينيون من الأرض.

 

بيد أن وسائل الإعلام الإسرائيلية سرعان ما شنَّت هجوما مضادا على تلك التغطية، وزعمت أنها حَوَت معلومات كاذبة، وتهكَّمت على التناول الإعلامي لقناة الجزيرة ووكالة الأنباء الفلسطينية "معا" وصحيفة "ديلي ميل" البريطانية ووكالة الأنباء الفرنسية وغيرها، بل وادَّعى الإعلام الإسرائيلي أيضا أن حكومته لا تملك أيَّ سدود يمكن أن تفتحها لإغراق غزة، وهو نفي ليس الأول من نوعه، ففي أعقاب العاصفة الشهيرة "ألِكسا" التي وقعت بين يومي 11-13 من ديسمبر/كانون الأول 2013، أصرَّت إسرائيل أنها ليست المسؤولة عن فتح السدود شرقي قطاع غزة، الذي أدى إلى فيضان في منطقة المغراقة، وتشريد السكان القاطنين على ضفتي وادي غزة (وسط قطاع غزة)، وموت مئات المواشي غرقا.

 

زار "ميدان" المهندس "زهدي الغريز" في مكتبه بوزارة الحكم المحلي بغزة لسؤاله حول الأمر، حيث أكد لنا الرجل الذي يشغل منصب مدير عام المشاريع ورئيس لجنة الطوارئ في الوزارة أنه لا مجال لإنكار حقيقة وجود عبارات وسدود إسرائيلية، مؤكدا: "الطرف الإسرائيلي يحاول الاستفادة من كل قطرة مياه من روافد الأودية في النقب، وتلك القادمة من الخليل، لذا أقام سدودا على كل مصبات الأودية، وأنشأ مشاريع كبرى هدفها استغلال فائض المطر الجاري، قبل الوصول إلى غزة عبر إقامة عدد من خزانات المياه الكبيرة التي تُظهِرها الصور الجوية ولا يمكن إنكار وجودها".

مشاهد حصل عليها "ميدان" من وزارة الحكم المحلي بغزة – أودية الحدود الشرقية لقطاع غزة مع إسرائيل – منخفض يوم 24 ديسمبر الماضي

أما ما يحدث في المنخفضات الجوية التي تأتي بكميات كبيرة من الأمطار، فيقول الغريز إنه "حين تمتلئ الخزانات التي أقامها الاحتلال بمياه الأمطار، أو تكون ممتلئة من الأساس ثم تتساقط الأمطار بكميات كبيرة عليها، فلا مخرج للمياه حينئذ سوى غزة بحُكم الجغرافيا، وهو ما حدث إبَّان عاصفة ألِكسا عام 2013، التي جاءت بكميات ضخمة من الأمطار على النقب والخليل وغيرها، ففُتِحَت السدود وغرقت منطقة المغراقة، ثم جاءت الشرطة لترحيل الناس خوفا على حياتهم". وقد أوضح الغريز أنه في كل شتاء تعيش مناطق معينة في غزة كوارث غرق مشابهة، وخاصة في منطقة وادي السلقا الذي يوجد مصبه النهائي في غزة بينما منابعه كلها في الداخل المحتل، ويضيف: "هذا الوادي الذي يوجد على مساحة خمسة فدادين (12 دونما) في منطقة غرب دير البلح يتسبب امتلاء حوضه في فيضان المياه على السكان المجاورين وعلى منطقة غرب المدينة كلها".

 

أمام الإمكانيات الضعيفة التي تقتصر على وضع السواتر والآليات المهترئة، تغرق البنية التحتية في غزة، وهي بنية دُمِّرت في الغالب نتيجة القصف الإسرائيلي المتكرر على القطاع دون إعادة إعمارها في معظم الأحيان. ولذا، يأتي فتح السدود الإسرائيلية ليضاعف المأساة لا سيما في المناطق الجنوبية شرق دير البلح وخان يونس. ويُشدِّد المهندس الغريز على أن غزة بحاجة ماسة إلى المياه التي تضخها إسرائيل متعمدة، ولكن ليس لدى الفلسطينيين في غزة إمكانيات للانتفاع بها: "لا توجد مشاريع كبرى في غزة لحجز المياه والاستفادة منها، والدول المانحة بحاجة إلى موافقة وزارة الدفاع الإسرائيلية، ما يصعب الأمور خاصة في ظل ارتفاع تكلفة مثل تلك المشاريع".

 

مع وقوع حوادث غرق متعمدة ومماثلة على مر السنين، يمكن القول إن إسرائيل التي انسحبت من أراضي قطاع غزة عام 2005 لا تفوِّت أي فرصة حتى اليوم للنيل من سكان القطاع بكل سبيل ممكن، بما يشمل تكرار الإطلاق المفاجئ للمياه نحو غزة وتهديد سلامة السكان وإلحاق أضرار جسيمة بمنازلهم وأراضيهم في المناطق الحدودية. وبينما تدرك السلطات في غزة صعوبة حل الأزمة والاستفادة من المياه المتدفقة وإقامة مشاريع بنية تحتية تحمي السكان، يبدو أن الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين هو الاستغاثة بالمجتمع الدولي من أجل تحمُّل مسؤوليته الأخلاقية والتدخُّل لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية، وهي استغاثات قلما تجد آذانا مُصغية.

المصدر : الجزيرة