شعار قسم ميدان

البنتاغون تحت رحمة سبيس إكس.. هل أصبح إيلون ماسك أقوى من الحكومة الأميركية؟

GRUENHEIDE, GERMANY - MARCH 22: (Alternate crop of #1239417601) Tesla CEO Elon Musk contemplates during the official opening of the new Tesla electric car manufacturing plant on March 22, 2022 near Gruenheide, Germany. The new plant, officially called the Gigafactory Berlin-Brandenburg, is producing the Model Y as well as electric car batteries. (Photo by Christian Marquardt - Pool/Getty Images)

مقدمة الترجمة:

في مقاله المنشور على موقع "ديفينس وان" يتساءل "باتريك تاكِر" عن طبيعة الدور الذي تلعبه الأقمار الصناعية التابعة شركة "سبيس إكس" في حرب أوكرانيا، وكيف يمنح ذلك مالك الشركة رجل الأعمال "إيلون ماسك" نفوذا غير مسبوق على البنتاغون، ما يجعله يستخدم هذا النفوذ للتأثير في قضايا يُفترض أنها من اختصاص السياسيين والمسؤولين المنتخبين. ليمضي إلى التساؤل حول إذا ما كان ماسك، بنفوذه المتزايد وشخصيته الاستبدادية، أصبح تهديدا حقيقيا للديمقراطية الأميركية.

 

نص الترجمة:

يوضِّح الخلاف الحاصل بين "إيلون ماسك" مؤسس شركة "سبيس إكس" ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بشأن مَن سيتكفَّل بدفع تكلفة خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في أوكرانيا كيف سيكون مستقبل الديمقراطية عُرضة لأهواء أقطاب التكنولوجيا ذوي العقليات الاستبدادية. ولكن في حالة ماسك، فإن بعض اللوم يقع على مسؤولي البنتاغون.

 

يُعَدُّ ماسك شريرا في نظر البعض، وبطلا في نظر البعض الآخر. وفي حين عبَّر ماسك على تويتر عن إعجابه بـ"دونالد ترامب" وبالمغني الأميركي "كاني ويست" صاحب الآراء المثيرة للجدل، فإن شركته "سبيس إكس" تمتلك مجموعة الأقمار الصناعية "ستارلينك" التي توفر قدرا كبيرا من الاتصال بالإنترنت في أوكرانيا. وقد مَثَّل ماسك حتى وقت قريب، في نظر كبار القادة العسكريين، نموذجا لكيفية بناء المشاريع في عصر تكنولوجيا المعلومات، إذ كان ماسك يتصدَّر المؤتمرات العسكرية ويُلقي المحاضرات في وزارة الدفاع حول ما ينبغي القيام به لتُنجز مشاريعها أسرع وأرخص، كما استضاف أبرز القادة العسكريين في حفل عشاء خاص، الذين تحدثوا عنه بتملُّق صريح أمام الرأي العام.

على سبيل المثال، صرَّح الجنرال المتقاعد "جون هايتن" عام 2020، حين كان نائب رئيس هيئة الأركان، مُشيدا بمدى سرعة شركة "سبيس إكس" في قدرتها على الاستفادة من إخفاقاتها في محاولات إطلاق الصواريخ: "انظروا إلى سبيس إكس في هذا البلد. هل توقفوا؟ لا، لقد انطلقوا بسرعة من جديد، وغيَّروا الأنظمة.. لقد ذهبوا في اتجاه مختلف تماما". رسمت تلك الحكاية تباينا بين أساليب ماسك البارعة وعملية تطوير تكنولوجيا وزارة الدفاع الرتيبة. وبالنسبة إلى الجيش الأميركي المهووس بإعادة تشكيل نفسه على نموذج شركة ناشئة في وادي السيلكون، بزغ ماسك وكأنه يُجسِّد براعةَ المُختَرِع ودأبه وتبشيرية الأنبياء.

 

يدين ماسك و"سبيس إكس" بالكثير للبنتاغون وللحكومة الفيدرالية الأميركية، إذ إن القوات الجوية ووكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية "داربا" كانتا من بين الداعمين الأوائل والأهم للشركة. لقد أتت عقود برنامج "داربا فالكون" عام 2005، وبرنامج خدمات النقل المداري التجاري التابع لناسا عام 2006، لتساعد الشركة في إنتاج مركبة "دراغون" الفضائية وصاروخ "فالكون 9" اللذين سيكونان المحرك الرئيسي لنموها، كما أوضح ماسك أن عقود ناسا كانت مهمة أيضا لبقاء الشركة. ونتيجة لذلك، صعدت "سبيس إكس" بسرعة أكبر من بقية مثيلاتها في سوق إطلاق الأقمار الصناعية الخاصة، وبرزت بوصفها فاعلا رئيسيا في كل مجال يستخدم فيه الجيش الأميركي الفضاءَ.

 

نفوذ ماسك على البنتاغون

لكن ما مدى اعتماد البنتاغون على ماسك؟ لقد أولى الجيش الأميركي في السنوات الأخيرة اهتماما استثنائيا بالكيفية التي ازداد بها اعتماده على الفضاء كي يؤدي عمله، لا سيما مع إنشاء قيادة سلاح الفضاء داخل الجيش. وتستعد وزارة الدفاع خلال السنوات المقبلة لإطلاق مئات الأقمار الصناعية الجديدة لتحديد وتتبُّع التهديدات، مثل الصواريخ فوق الصوتية. وستصبح صور الأقمار الصناعية ذات أهمية أكبر فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية، وأيضا في مناورات ساحة المعركة. وتُعَدُّ أقمار الاتصالات المتقدمة التي تنقل كميات هائلة من معلومات ساحة المعركة من نقطة إلى أخرى حجر الزاوية في خطط البنتاغون لما يُسمى "الحرب المشتركة الشاملة". وبدءا من إطلاق الأقمار الصناعية المعنية بالصور وصولا إلى بناء أقمار تتبع الصواريخ، وبالطبع الاتصالات عبر الأقمار الصناعية التي تتم عن طريق "ستارلينك"، باتت "سبيس إكس" فاعلا أساسيا في أهم المساعي العسكرية المتعلقة بالفضاء في الجيش الأميركي.

SpaceX founder and Tesla CEO Elon Musk speaks on a screen during the Mobile World Congress (MWC) in Barcelona, Spain, June 29, 2021. REUTERS/Nacho Doce
إن المزايا التي وفَّرتها "ستارلينك" في أرض المعركة للأوكرانيين منحت ماسك قدرا من النفوذ على الشعب الأوكراني.  (رويترز)

في الأسبوع الماضي، ووسط تهديدات ماسك العلنية بفرض رسوم على البنتاغون مقابل خدمات "ستارلينك" في أوكرانيا التي وفَّرتها "سبيس إكس" مجانا في البداية (وتراجع عن تصريحاته بعد أيام)، قالت "سابرينا سينغ" نائب السكريتر الصحافي للبنتاغون إن "سبيس إكس ليست الوحيدة، بل إن هناك كيانات أخرى يمكننا بالتأكيد عقد شراكات معها حين يتعلق الأمر بتزويد أوكرانيا بما تحتاج إليه في أرض المعركة". غير أن "سابرينا" لم تذكر بدائل أخرى لـ"سبيس إكس"، وهو أمر يقول الكثير عن الوضع الحالي لمجال الوصول إلى الفضاء.

 

لا يعتمد البنتاغون اعتمادا كبيرا على "ستارلينك" في الوقت الحالي، لكن أوكرانيا تعتمد عليه كليا، حيث إن قدرات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية التي توفرها شركة ماسك تضطلع بدور رئيسي في مواجهة القوات الروسية الغازية لأوكرانيا. فمن دونيتسك وصولا إلى فرانكفورت، توفر "ستارلينك" لأوكرانيا استخداما سريعا للمعلومات الاستخباراتية لمناورة القوات الروسية، كما تربط الأوكرانيين بمسؤولي صيانة الأسلحة ومورديها بُغية إعادة الأسلحة التالفة واستبدالها سريعا.

 

إن المزايا التي وفَّرتها "ستارلينك" في أرض المعركة للأوكرانيين منحت ماسك قدرا من النفوذ على الشعب الأوكراني. ونظرا لأن روسيا زادت من جعجعة تهديدها بالحرب النووية، فقد قرَّر ماسك أن يستخدم نفوذه هذا، وقد فعل ذلك في الوقت ذاته الذي طلب فيه المال من البنتاغون لمواصلة تقديم خدمات "ستارلينك". فمنذ بضعة أسابيع خلت، طرح ماسك عبر تويتر رأيا مفاده أنه يجب على أوكرانيا ببساطة أن تتنازل عن شبه جزيرة القرم لروسيا.

 

لقد سعى الأوكرانيون وغيرهم إلى تنبيه ماسك إلى أن القرم جرى الاستحواذ عليها بصورة غير قانونية، وأنها بحكم التعريف أوكرانية في نظرهم. وبدوره يواصل الكرملين حملته لاضطهاد تتار القرم، ويستعمل شبه الجزيرة مركزا لدفع الحشود القتالية إلى أوكرانيا وتوسيع نطاق سلطانها إلى البحر الأسود. وقد استاء الأوكرانيون من أن ماسك يتحدث نيابة عنهم وعن مصالحهم. والحال أن الخبراء الأميركيين في الشؤون الروسية من أمثال "فيونا هيل"، المسؤولة السابقة بالاستخبارات الأميركية وكبيرة الباحثين في مؤسسة بروكينغز حاليا، اتهموا ماسك بإعادة تدوير وجهات النظر الروسية على تويتر. وقد ردَّ ماسك بإعادة تغريده لمقال رأي كتبه صانع البودكاست "ديفيد ساكس"، الذي حذَّر فيه من أن "المحافظين الجدد واليسار الذي انبعث من جديد" إنما يأخذون بأيدي الولايات المتحدة نحو حرب نووية.

 

هل بات ماسك خطرا سياسيا؟

Tesla founder Elon Musk attends Offshore Northern Seas 2022 in Stavanger, Norway August 29, 2022. NTB/Carina Johansen via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. NORWAY OUT. NO COMMERCIAL OR EDITORIAL SALES IN NORWAY.
صار ماسك مرتاحا أكثر فأكثر للدور الذي يلعبه بوصفه رجلا سلطويا فائق السلطة (رويترز)

إنّه ضربٌ من العجرفة الشديدة لرائد تكنولوجيا أميركي أن يجعل رأيه يحل محل الرؤساء والمسؤولين المنتخبين ديمقراطيا في العالم الغربي برُمَّته، ومحل مؤسسات دولية مثل الناتو، ومحل مئات الدبلوماسيين وجهابذة الشؤون الخارجية والصحافيين ومناصري الحرية، بل والأهم محل الأوكرانيين أنفسهم (بغض النظر عن اتفاقنا مع آرائه المنحازة إلى روسيا من عدمه). ولهذا فإن الشيء الذي يجعل إيلون ماسك رائد أعمال تقنيا ناجحا هو نفسه الشيء الذي يجعله خطرا سياسيا.

 

تتحرَّك بيروقراطية وزارة الدفاع بوتيرة متسارعة الآن، وهنالك سبب يفسر ذلك، ويفسر أيضا الدأب الراسخ داخل مؤسساتها على الابتعاد عن المخاطر. والسبب هو أن قيادة البنتاغون مسؤولة أمام الجماهير والكونغرس، وفي حين أن صناع القرار في البنتاغون يمكنهم، بل ولا بد لهم، أن يخلقوا علاقة جديدة مع تحدي المخاطر، وأن يزيحوا الحواجز البيروقراطية التي تُسبِّب تعثُّر جهودهم، فإنهم في نهاية الأمر لا يزالون مُعلَّقين من أعناقهم بواسطة آليات المساءلة الحكومية والشعبية التي تُعزِّز وتُمكِّن الديمقراطية.

 

أما "سبيس إكس"، ونظرا إلى أنها شركة مملوكة للقطاع الخاص، فإنها تتصرف وتمارس دورها وكأنها شركة ناشئة، ومن ثمَّ تعمل وكأنها "دولة مَلَكِيَّة مُهيَكَلة" (Structured Monarchy)، مثلما وُصِفت في كتاب "من الصفر إلى واحد"، وهو كتاب ينظر في الشركات الناشئة نظرة مكيافيللية، وكتبه "بيتر ثيل" الرأسمالي الاستثماري وعدو الديمقراطية. ووفقا لهذا النموذج، صار ماسك مرتاحا أكثر فأكثر للدور الذي يلعبه بوصفه رجلا سلطويا فائق السلطة، فقد عرَّض النشطاء الذين سلَّطوا الضوء على مخالفات شركته "تسلا" إلى مضايقات بسبب تسريباتهم إلى وسائل الإعلام، هذا ويُعرف الرجل بانعدام ثقته في الصحافة.

كتاب "من الصفر إلى واحد"
كتاب "من الصفر إلى واحد" (مواقع التواصل)

بيد أن عجرفة ماسك تتجاوز كونها مزعجة وتصل إلى كونها خطيرة حينما ترتبط بالنتائج الفعلية على أرض معارك عسكرية حقيقية. فقد قال رئيس مجموعة أوراسيا "إيان بريمر" الأسبوع الماضي إن ماسك أبلغه بأنه حظر بنفسه الأوكرانيين عن استعمال "ستارلينك" في القرم، وإنه اضطلع بمهمة الحديث مع الرئيس الروسي حول الحرب قبل طرح "خطته للسلام"، لكن ماسك نفى ذلك.

 

لربما تكون العقلية السلطوية لماسك مُقوِّما لا مناصَ عنه للشروع في شركات سيارات كهربائية أو لتصميم محرك صاروخي جديد. بيد أن السلطوية المُطبَّقة على البشر وعلى حسِّهم بالهوية والوطن والعدالة والوجود هي نقيض الديمقراطية لا شك. إننا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى نقطة ستغدو عندها قضية الديمقراطية في أوكرانيا -وربما غيرها من البلدان في وقت لاحق- مُقيَّدة بقلة من الرجال المستبدين وآرائهم التي تفتقر إلى العلم والبصيرة ونزعاتهم وضغائنهم الشخصية. وقبل أن يمضي هؤلاء خطوة واحدة أبعد من ذلك مع ماسك وشركاته، حريٌّ بالمسؤولين العسكريين والاستخباراتيين إعادة النظر في معضلة مهمة: إلى أي مدى يريدون الاعتماد على ماسك وأمثاله لحماية الديمقراطية في الولايات المتحدة؟

——————————————————————–

هذا المقال مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: كريم محمد.

المصدر : مواقع إلكترونية