شعار قسم ميدان

مُعضلة الرقاقات الإلكترونية.. لماذا ستدافع واشنطن عن تايوان كأنها ولاية أميركية؟

National flag of Taiwan on the operating chipset. Taiwanese information technology or hardware development related conceptual 3D rendering

مقدمة الترجمة:

هل يمكن أن تتورط الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مع الصين حال قررت الأخيرة ضم تايوان بالقوة؟ وما الذي يدفع واشنطن إلى خوض حرب من أجل حماية جزيرة صغيرة على بُعد آلاف الأميال من حدودها؟ في هذا المقال المنشور في مجلة "ذي أتلانتيك"، يُسلِّط جَيسون ماتِني، رئيس مؤسسة راند البحثية المرموقة، الضوء على السبب الحقيقي الذي سيدفع واشنطن إلى الدفاع عن تايوان كأنها ولاية أميركية، والطرق التي يمكن أن تستعد بها الولايات المتحدة لهذه المواجهة المحتملة.

نص الترجمة:

كانت سيطرة تايوان على صناعة الرقاقات الإلكترونية بمنزلة هبة ونعمة للاقتصاد العالمي، بيد أنها تُشكِّل الآن تحديا حقيقيا، إذ تُصنِّع تايوان اليوم معظم الرقاقات الإلكترونية في العالم، وهي رقاقات تُستعمل في كل شيء تقريبا: من السيارات إلى ماكينات القهوة إلى الحصادات التي تحصد المحصولات الزراعية. ويعج العالم بأكمله بمكوِّنات بها رقاقات إلكترونية تُصنَّع أغلبها في عدد قليل من المصانع تقع على جزيرة مساحتها تقريبا ضِعف مساحة الكويت. وهناك، على بُعد ما يربو على مئة ميل بقليل عبر المضيق، يقعُ البر الصيني الرئيسي؛ حيث تنظر الصين إلى تايوان باعتبارها منطقة انفصالية، وتضع على عاتقها مهمة إرجاعها إلى سيطرتها.

في حال أحكمت الصين سيطرتها واستولت على تايوان، فهناك أمران من الممكن حدوثهما لإمداد الرقاقات الإلكترونية هذه: الأول، أن تقع هذه المصانع تحت سيطرة الصين، والثاني، أن تُدمَّر هذه المصانع في خضم صراع بين البلدين. وفي كلتا الحالتين، هناك كارثة عالمية ستحصل لا محالة. ففي السيناريو الأول، بإمكان الصين أن تقرر تقييد وصول الولايات المتحدة وحلفائها إلى الرقاقات الإلكترونية المتقدمة، ومن ثمَّ تقليص مزايا التفوُّق التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية الأميركية. ولكن في حال حدث السيناريو الثاني، فسيشهد العالم أزمة اقتصادية لم نشهد مثلها منذ الكساد الكبير (1929).

جزيرة الرقائق

"شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة" (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company Limited)
"شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة" (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company Limited) (شترستوك)

من محاسن الأقدار أن تايوان تشاهد وتتعلم الآن من المقاومة الأوكرانية بوجه الاجتياح الروسي. وتدلُّنا الدروس التي تستخلصها تايوان من هذه الحرب على الكيفية التي يُمكِن بها للولايات المتحدة أن تساعد تايبيه في تفادي كلتا النتيجتَيْن المدمرتيْن. إن إحدى الشركات الكبرى المصنعة في الجزيرة هي "شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة" (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company Limited)، التي تأسست عام 1987 بمباردة حكومية، وهي تُصنِّع الآن الكثير من الرقاقات الإلكترونية الصغيرة الأهم في العالم لصالح شركات عديدة مثل "أبل" و"إنفيديا" و"كوالكم"، وغيرها من آلاف الشركات. قبل ثلاثين عاما، حين كانت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة (TSMC) قد شرعت لتوِّها في صناعة الرقاقات الإلكترونية، كانت شركة "إنتل" (Intel) الأميركية تُصنِّع نحو 65% من الرقاقات الإلكترونية في العالم، أما اليوم، فتُصنِّع "إنتل" أقل من 10%، في حين تقارب حصة الشركة التايوانية 53%.

 

لكي نعرف مدى أهمية هذه المسألة، لا يحتاج الأمر إلا أن ننظر إلى صناعة المركبات الأميركية، حيث توقَّعت هذه الصناعة خسارة مقدارها نحو 210 مليار دولار العام الماضي، بعد أن أدى تباطؤ المصانع الناجم عن الجائحة إلى تعثرات في سلاسل إمداد الرقاقات الإلكترونية المستخدمة في السيارات. وفي حال نشوب صراع مع الصين، فإن تدمير التصنيع التايواني للقطع الإلكترونية الصغيرة لن يعني تباطؤا أو تعثُّرا فحسب، بل سيعني توقُّفا مُباغِتا وكاملا لما يقرب من ثلثي إمدادات العالم للصناعات التي تعتمد على الرقاقات الإلكترونية.

 

هنالك رؤية حيال المخاطر المتعلقة بشبه الاحتكار التايواني لتصنيع الرقاقات الإلكترونية في مواجهة الصين، وهي أن المشكلة في جوهرها متعلقة بسلاسل الإمداد، ومن ثم فالسبيل الأمثل للخروج من شرنقة هذه الكارثة المحتملة هي أن نزيد الإنتاج في أماكن أخرى، بما فيها الولايات المتحدة. والحال أن قانون "تشيبس" (CHIPS) الذي مرَّره مؤخرا الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وسيجري بموجبه تمويل برامج بقيمة 53 مليار دولار، هو قانون صريح في أهدافه المتمثلة في "تطوير التصنيع المحلي لأشباه الموصلات ذات الأهمية لتنافسية الولايات المتحدة وأمنها القومي".

 

وهنالك موقف آخر حيال تايوان مفاده أن هذه الإشكالية إشكالية عسكرية إستراتيجية، وأن السبيل الأمثل للرد على أي اجتياح تشنه الصين هو أن تهبَّ الولايات المتحدة مدافعة عن تايوان. وقد أفصح الرئيس "جو بايدن" عن هذا التوجُّه حينما سُئل في مقابلة أُجريت معه مؤخرا في برنامج "ستون دقيقة" عما إذا كانت الولايات المتحدة ستهبُّ لتدافع عن الجزيرة، فأجاب: "نعم، إذا شُنَّ هجوم غير مسبوق".

 

واشنطن تُسابِق الوقت

USA and Taiwan advanced computer processor CPU on circuit board. 3D illustration of the cooperation of semiconductor industry

تكمن مشكلة هاتين الرؤيتين في أنهما تُسيئان فهم أهمية الوقت. ففكرة الاستعاضة عن واردات الرقاقات الإلكترونية بمنتجات صُنِّعت بيدٍ أميركية تبخس من مزايا التفوُّق التايواني المُمتَد على مدار أربعين عاما في هذه الصناعة، ولا ننسى أن تايوان أخذت عقدا من الزمان على الأقل حتى تصير قادرة على المنافسة بصورة عالمية. وستعاني الولايات المتحدة تأخُّرا مماثلا، حيث ستحتاج على الأقل إلى عقود عدة وإلى مزيد من الاستثمارات قبل أن تتمكن من تصنيع معظم الرقاقات الإلكترونية التي تلزمها محليا.

 

أضف إلى ذلك أن هناك تعقيدا إضافيا هو أن عمليات شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات لها مزايا من العسير أن نتخيل تكرارها في مكان آخر. فمثلا، يضم قسم الأبحاث المتقدمة في الشركة مهندسين يعملون على مراحل ثلاث حتى تتمكن الشركة من العمل على مدار أربع وعشرين ساعة وطيلة أيام الأسبوع السبعة، وهذا "الجيش العندليبي" كما يُعرف أحيانا (نسبة إلى طيور العندليب التي تغني في المساء)* يضحي بنفسه فداء لهذا الهدف القومي، فهو "درع السيليكون" التايواني. أما إشكالية الوقت في فكرة القفز للدفاع عن تايوان فهي أن الصين إذا شنَّت هجوما، فلربما يكون قد فات الأوان. فإذا غزت الصين تايوان، يمكنها أن تكون قد دمَّرت المصانع التي تصنع الرقاقات الإلكترونية على الساحل، في الوقت الذي ستكون فيه الولايات المتحدة في مُستهَل الرد العسكري على الهجوم الصيني، ومن ثم سيكون العالم فعليا في طريقه إلى حافة هاوية اقتصادية.

 

هنالك خيار ثالث أمام الولايات المتحدة يتمثل في جعل اجتياح الصين لتايوان أمرا مُكلِّفا للغاية؛ وذلك بتمكين تايوان من أن تدافع عن نفسها. فقد طلبت إدارة الرئيس بايدن في وقت مبكر من سبتمبر/أيلول الماضي أن تبيع أسلحة إلى تايوان بقيمة 1.1 مليار دولار، وهو أمر من المتوقع أن يوافق الكونغرس عليه. وستشمل هذه الصفقة العسكرية صواريخ جوية ومضادة للسفن، أضف إليها ما يُقدَّر بـ665 مليون دولار دعما للبرنامج التايواني لرادار المراقبة. لكن تايوان لربما تحتاج إلى مزيد من الدفاع لردع أي غزو مُبيَّت النية. والحال أن تايوان لديها تاريخ غير موفَّق من هدر الإنفاق من الميزانية الدفاعية الخاصة بها على برامج غالية مثل الطائرات المقاتلة وسفن السطح، ومن المرجح ألا يصمد أيٌّ منهما مع الأيام الأولى في حرب مع الصين، إذ إن بعض أنواع الأسلحة بعينها التي وافقت الولايات المتحدة على بيعها لتايوان يستعملها الأوكرانيون في حربهم الدفاعية ضد روسيا حاليا.

 

الأنجع من ذلك هو أن هناك أصنافا من الأنظمة، مثل نظام الصواريخ عالية الحركة "هيمارس" (HIMARS) والطائرات المُسيَّرة والذخائر المتساقطة والصواريخ المضادة للدبابات والألغام البحرية، يُمكِن لها تأدية المهمة بتكلفة منخفضة نسبيا، حيث إن عُشْر قيمة الاستثمار في قانون "تشيبس" يكفي كي تبني تايوان ما يُطلق عليه "دفاع النيص" (Porcupine Defense) (والنيص حيوان أشبه بالقنفذ تغطي جسده أشواك حادة، ويشير التشبيه هنا إلى ضرورة الاعتماد على نظام دفاعي غير اعتيادي لحماية كائن صغير من كائنات أكبر حجما، تماما مثلما تفعل أوكرانيا في مواجهة روسيا، بحيث يقل اعتماد البلد الصغير على الأسلحة التقليدية مثل الدبابات والطائرات المقاتلة، ويزيد اعتمادها على عدد كبير من أنظمة أصغر وأخف وأنجع في مواجهة الجيوش الكبرى)*.

 

وهكذا، فإن إستراتيجية كهذه -أثبتت فعاليتها بالفعل في أوكرانيا- يمكنها أن تؤتي أُكلها في غضون عامين، بدلا من استغراق عقود من الزمن. إن إحدى العقبات في عملية تسليح تايوان على نحو سريع يرغبه الأميركيون تتمثَّل في المأزق الذي تعاني منه صناعة الأسلحة الأميركية حاليا، وتسبَّبت فيه للمفارقة الرقاقات الإلكترونية نفسها. إن الإشكالية مؤقتة، لكن التركيز فيها ينبغي أن يكون على ضمان امتلاك تايوان أنظمة دفاع مناسبة لتعزيز أمنها بأسرع وأيسر الطرق.

————————————————————————

هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: كريم محمد.

المصدر : مواقع إلكترونية