شعار قسم ميدان

إعادة بناء أم إعادة هدم.. لماذا يبيع برشلونة فرينكي دي يونغ؟

دارت العجلة لأول مرة في آخر يناير/كانون الثاني الماضي؛ انتشرت أخبار مباغتة عن رغبة بايرن ميونيخ في التعاقد مع دي يونغ. المصدر الأهم هنا كان تقريرا نُشر في "فوربس" (Forbes) الأميركية، ولأسباب بديهية، لم يتعامل معه الكثيرون بجدية رغم منطقيته، ثم توالت الإشارات تباعا بداية بتأكيدات الصحفي الإيطالي فابريزيو رومانو عن استفسار بايرن رسميا عن الهولندي، ثم تصريحات جوليان ناغلزمان في إبريل/نيسان عن رغبته في ضم لاعب وسط برشلونة لفريقه، ليُثبت أن دخان "فوربس" لم يكن بلا نار. (1) (2)

الآن أصبح الأمر أقرب للواقع بعد بث حي للصحفي الكتالوني جيرارد روميرو، زعم فيه أن صفقة انتقال دي يونغ إلى مانشستر يونايتد قد أُنجزت بنسبة 95%، لتزداد احتمالات اجتماع اللاعب مع مدربه السابق إريك تين هاخ الذي سيقود الشياطين الحمر من على الخط بداية من الموسم المقبل. (3)

هذا يعني أن برشلونة سيُفرِّط في اللاعب الوحيد الذي كان يُمثِّل الجيل الأوسط بين الحرس القديم (بوسكيتس) والشباب الصاعد (بيدري وجافي ونيكو) لتصبح خياراته في وسط الملعب شديدة التطرف، والأهم أنها غير كافية، حتى مع الوصول المتوقع لفرانك كيسيه من ميلان في صفقة انتقال حر. (4)

انطلاقة إلى الماضي

وصل فرينكي إلى برشلونة في 2019 وهو أفضل لاعب وسط في أوروبا، على الأقل طبقا للاتحاد الأوروبي يويفا الذي منحه الجائزة بعد عروضه الرائعة مع أياكس في دوري أبطال 2018-2019 وصولا إلى الدور نصف النهائي، وبغض النظر عن حبه الجارف لبرشلونة الذي لا يمل من تأكيده، وبغض النظر عن العلاقات التاريخية بين الناديين، كانت الصفقة مميزة لأنها كانت المرة الأولى التي ينفق فيها بارتوميو مثل هذا الرقم على لاعب ليس محسوبا على خط الهجوم. (5)

إلى جانب إمكانيات دي يونغ التي أبهرت الجميع مع أياكس، كان هذا هو الأمر المميز الوحيد في الصفقة؛ نادي برشلونة لم يكن يملك أدنى فكرة عن كيفية الاستفادة من الهولندي في الملعب، ولا عن الدور الأنسب له، ولا عن الاختلافات التكتيكية والفنية الجذرية بين خطة وأسلوب لعب تين هاخ وكرة قدم فالفيردي الاقتصادية.

في الواقع، نكاد نجزم أن لا أحد تشاور مع فالفيردي قبل ضم دي يونغ أصلا، وكعادة أغلب صفقات برشلونة في عهد بارتوميو، تعاقد الرجل مع لاعب، وتعاقدت الجماهير مع لاعب آخر، وأتى لاعب ثالث إلى برشلونة.

دي يونغ الذي تعاقد معه جمهور برشلونة هو خليفة بوسكيتس، اللاعب الذي سيُغيِّر شكل وسط البلوغرانا من قاعدة الارتكاز، وتظهر أفضل مزاياه في الثلث الدفاعي وأثناء مراحل البناء، حيث يهرب من الضغط بمراوغاته المخادعة، ناهيك بالاعتقاد أن سرعته ستُسعفه في الكثير من مواقف التحولات التي تُعجز بوسكيتس.

دي يونغ الذي تعاقد معه بارتوميو هو صفقة جماهيرية أخرى تصادف أنها تنشط في وسط الملعب بدلا من الهجوم.

دي يونغ الذي تعاقد معه بارتوميو هو صفقة جماهيرية أخرى تصادف أنها تنشط في وسط الملعب بدلا من الهجوم. عند لحظة ما، أصبح الهولندي نجما حقيقيا، وضمه كان سيمنح بارتوميو المزيد من التأييد والشعبية بين أنصار الفريق، بالإضافة إلى أنه قد يُنسيهم كارثة فيراتّي التي كانت بداية النهاية.

عودة إلى المستقبل

على الجهة الأخرى، كان دي يونغ الحقيقي مختلفا عن كل ما سبق؛ لاعب لم يسبق له اللعب في المحور بمفرده إطلاقا، وحتى عندما كان يهبط إلى الثلث الأول لمساعدة الفريق أثناء البناء، كان تين هاخ يستخدمه مدافعا ثالثا على اليسار في هذه المرحلة، كطريقة للتغلب على ضعف تاليافيكو -الظهير الأيسر- تحت الضغط، وبالتالي كان دي يونغ يشغل مساحته في محاولة لتحريك عناصر الخصم وتفريغ المساحة للأرجنتيني، وإن لم يحدث ذلك والتزم الخصم بمرجعية المساحة، كان دي يونغ يتمكَّن من الاستلام حرا وممارسة ما يحبه؛ حمل الكرة للأمام وكسر الخطوط بالمراوغة واللعبات الثنائية المركبة. (6) (7)

الأهم أن صلابة أياكس الدفاعية في التحولات كانت راجعة إلى الضغط العكسي الشرس الذي كان يطبقه الفريق في أقرب نقطة للكرة، وحرمان الخصم من خيارات التمرير والتقدم المباشر، لا الركض خلف التحولات باستخدام القوة البدنية والسرعة، أي إن دي يونغ كان يفتقد للمزية الدفاعية الوحيدة التي كان جمهور برشلونة يعتقد أنه أتى ليُضيفها؛ دي يونغ لم يكن لاعبا متمرسا في مواجهة التحولات أصلا، إلا بهذه الطريقة.

هذا نمط متكرر في الإقليم؛ لاعب يأتي متوقعا منه أداء محدد ومزايا معينة، وبعد عدة أشهر يكتشف الجميع أنهم لم يشاهدوه أصلا، ولم يدرسوا أداءه بالدرجة الكافية، وربما لم يعلموا أبسط البديهيات عن مسيرته أو مدى كفاءته في المطلوب منه.

كوتينيو، وغريزمان، ومن قبلهم أندريه غوميش وسيرجينيو دست وييري مينا، لاعبون بنى الجمهور والإدارة توقعاتهم عليهم من خلال ملخصات يوتيوب وبعض اللقطات المجمعة، والشيء ذاته تكرر مع دي يونغ، الذي لم يؤدِّ دور بوسكيتس لمرة في مسيرته، بل شارك دائما رفقة الدنماركي لاس شونه في وسط الملعب، الذي كان منوطا بالتغطية على انطلاقاته وتحولاته السريعة من الدفاع إلى الهجوم، ويعاونهم في ذلك فان دي بيك الذي يحظى بحرية أكبر من الجميع، في منظومة عمل مختلفة عن تلك القائمة في برشلونة من حيث الأفراد والمنهج والخصائص، إن جاز تسمية ما كان يُقدِّمه برشلونة بـ"منظومة عمل" ابتداء. (8)

لم يؤدِّ دي يونغ دور بوسكيتس لمرة في مسيرته، بل شارك دائما رفقة الدنماركي لاس شونه في وسط الملعب، الذي كان منوطا بالتغطية على انطلاقاته وتحولاته السريعة من الدفاع إلى الهجوم.

النتيجة أن الشاب الذي تتابع عليه 4 مدربين في 3 مواسم، قدَّم الفريق خلالهم أسوأ عروضه منذ مطلع الألفية، ولم يفز إلا بلقب واحد لكأس الملك، أصبح يُنظر إليه على أنه المشكلة لا الحل، وأصبح يتلقى صيحات الاستهجان كلما خرج في تبديل والفريق خاسر، لأن من أعراض سياسة الغالاكتيكوس التي اقتبسها بارتوميو من غريمه فلورنتينو بيريز في ريال مدريد أن يشعر الجمهور بأن لاعبا واحدا قادر على ترجيح كفتهم، وأن الخلاص في يديه، وبالتبعية، يُحبَطون عندما لا يفعل، ويبدأون فورا في البحث عن مُسكِّن آخر لمشكلات متجذرة بعمق في هيكل النادي.

هذه الفكرة هي بداية الخيط الذي سيوصلنا إلى الأسباب الحقيقية لبيع فرينكي دونا عن غيره، فمع الوقت، تحوَّل اللاعب إلى معادل غريزمان في وسط الملعب؛ صفقة كبيرة أتت بتوقعات ضخمة لم تنجح في الوفاء بها أبدا. هذا هو الانطباع الذي خلَّفته كل تلك الفوضى الفنية والتكتيكية والإدارية على مدار المواسم السابقة.

سياسة الفنيات وفنيات السياسة

في تحليله للأمر، يعتقد ديرموت كوريغان، محرر "ذي أثلتيك" (The Athletic) المختص بشؤون الليغا، أن هناك سببين رئيسيين لاختيار دي يونغ تحديدا صفقة بيع مرجحة الحدوث، أولها أن بيعه لن يثير غضب الجماهير بالدرجة ذاتها التي سيُثيرها بيع بيدري أو جافي أو غيرهم من شباب لاماسيا الصاعدين. (9)

هذا أمر مهم للابورتا في هذه اللحظة تحديدا، بعد فشله في تحقيق أغلب وعوده الانتخابية، ورحيل ميسي، والعجز عن التوقيع مع أي نجم كبير حتى اللحظة، وعلى رأسهم طبعا إيرلينغ هالاند الذي ألمح الرئيس أكثر من مرة إلى كونه احتمالية كبيرة نظرا لعلاقاته الوطيدة مع وكيله المتوفى حديثا مينو رايولا. من هذه الزاوية، تبدو صفقة البيع سياسية بامتياز. (10) (11)

رغم كل المصاعب التي مر بها الهولندي في كتالونيا، فإن الجميع يعلم أن جزءا كبيرا من المشكلة ليس في إمكانياته أو قدراته، بل في كتالونيا ذاتها.

السبب الثاني البديهي هو حقيقة أن دي يونغ قد يكون أكثر لاعبي الفريق الأول قابلية للبيع في هذه اللحظة، وبمبلغ كبير. المفارقة هنا أن السبب الذي يجعله قابلا للبيع هو السبب ذاته الذي سيجعله مرشحا للبقاء في أي نادٍ آخر لا يمر بالظروف المالية الصعبة ذاتها، وهو أن رغم كل المصاعب التي مر بها الهولندي في كتالونيا، فإن الجميع يعلم أن جزءا كبيرا من المشكلة ليس في إمكانياته أو قدراته، بل في كتالونيا ذاتها، وهناك ثقة كبيرة من أمثال إيريك تين هاخ وماوريسيو بوتشيتينو وبيب غوارديولا في قدرتهم على إعادة بريقه. نعم، نسينا أن نخبرك أن مان سيتي وباريس سان جيرمان من المهتمين بالحصول على خدماته كذلك. (12) (13)

في الواقع، كان هذا هو السبب الذي دفع والده إلى هذا التصريح في ديسمبر/كانون الأول الماضي لإحدى الصحف الهولندية، خاصة بعدما خرج لابورتا ليقول إن دي يونغ يحتاج إلى تقديم نفسه بشكل أفضل ليقول: "أعلم أن برشلونة بحاجة إلى المال، وأعلم أن عرضا كبيرا من أجل فرينكي سيساعدهم، ولكنني لا أتوقع أن يحدث ذلك". (9)

المهم في هذا السياق كذلك هو التصريحات المتحفِّظة التي خرجت من عدد من المسؤولين في النادي. بعد هزيمة رايو فاييكانو في الشهر الماضي، صرَّح جوردي كرويف المدير التقني للنادي بأن "فرينكي لاعب مُقدَّر جدا من النادي، ومن السوق". هذا تصريح يفتح الباب على كل الاحتمالات كما ترى، وعندما سُئل تشافي عن مستقبل الهولندي منذ أيام، عمد إلى اختيار كلماته بحكمة، مصرِّحا بأن "فرينكي لاعب مهم جدا ولطالما أكُّدت ذلك".

 

هذا هو ما ينقل الإحساس العام بأن الجميع يرغب في التنصل من مسؤولية بيع الهولندي. الجميع يؤكد أهميته، واللاعب نفسه أكَّد سعادته في كتالونيا ورغبته في الاستمرار أكثر من مرة، ولا أحد يريد أن يظهر وكأنه السبب في رحيله. في الواقع، لو لجأنا إلى المنطق المجرد، فالسبب الحقيقي الأصلي لرحيل دي يونغ -إن حدث- سيكون بارتوميو.

مراهنة.. مقامرة

ريك شارما، صحفي موقع "غول" (Goal)، المتخصص في الكرة الإسبانية أيضا، يعتقد أن هناك سببا إضافيا لاختيار دي يونغ بعينه، وهو حقيقة أن تشافي هيرنانديز، والإدارة من خلفه، يعتقدون أن خط الوسط مؤمَّن إلى حدٍّ ما في المستقبل القريب، وقد يتحمل غياب دي يونغ بلا متاعب كبيرة، معتمدين في ذلك على الثلاثي الصاعد بيدري وجافي ونيكو غونزاليس، بالإضافة إلى الوافد الجديد في انتقال حر من ميلان، فرانك كيسيه. (5)

هذا الأخير اشتهر بمجهوده الدفاعي الضخم، خاصة في ملاحقة التحولات، بالإضافة إلى قدرته على مباغتة الخصوم بتحركاته العمودية المباشرة في الصندوق وعلى الأطراف، وهو يشبه ما كان يُطلب من دي يونغ بانتظام كلما شارك، ولكن الحقيقة أن خصائص الهولندي لم تكن مناسبة لهذا الدور، إذ يُفضِّل دي يونغ أن يكون اللاعب الذي يقود الكرة للأمام، لا من ينتظر وصولها.

بأي حال، أدى الهولندي الدور على ما يُرام، وكانت له عدة إسهامات مهمة في مباريات صعبة، ولكن المشكلة أن الاعتماد على 5 لاعبين في الوسط لموسم كامل (بوسكيتس وبيدري وجافي ونيكو وكيسييه) قد يكون صعبا، خاصة إذا ما استمر برشلونة في الـ 4-3-3 المقدسة. بيدري يُصاب بانتظام، ونيكو لم يُثبِّت أقدامه بعد، وجافي يتعرَّض للإيقاف شهريا، وبوسكيتس، حاله حال أغلب لاعبي مركزه الذين جاوزوا الثلاثين، أشبه بقنبلة زمنية موقوتة قد تنفجر في أي وقت لتُعلن عجزها عن المواصلة بالنسق ذاته.

من هذه الزاوية، يبدو بيع دي يونغ أقرب إلى المقامرة منه إلى المراهنة، خاصة أن للأمر جانبا نفسيا ربما تتجاهله الإدارة في برشلونة، وهو حقيقة أن الهولندي كان يجتذب الكثير من النقد أثناء وجوده، بشكل لم يُعانِ منه أيٌّ من لاعبي الوسط الآخرين، وكأن التوقعات الضخمة التي صاحبت صفقته مثَّلت درعا لحماية الشباب الناشئ الذي يلعب في هذا المستوى لأول مرة في مسيرته.

في حال رحل دي يونغ، الإسفنجة التي امتصت الضغوط الجماهيرية على خط الوسط في الشهور الأخيرة، فقد يتسبَّب ذلك في زيادة الضغوط على الثلاثي الصغير، في فترة يحتاجون فيها إلى المزيد من الدقائق الهادئة الآمنة في منظومة فنية وتكتيكية وإعلامية تحميهم وترعى نموهم وتطورهم، ومن هذه الزاوية، قد يكون رحيل الهولندي بمنزلة الحجر الصغير الذي تدحرج من مكانه فانهار الجبل على رؤوس الجميع.

________________________________________________________

المصادر:

  1. بايرن ميونيخ سيُقدِّم عرضا لشراء فرينكي دي يونغ من برشلونة – Forbes
  2. مدرب بايرن ميونيخ يُصرِّح بأنه كان سيرغب في التوقيع مع دي يونغ – Barca Universal
  3. جيرارد روميرو: "صفقة انتقال دي يونغ إلى مانشستر يونايتد تمت بنسبة 95%" – Barca Universal
  4. فرانك كيسيه سينضم إلى برشلونة من ميلان خلال هذا الصيف في صفقة انتقال حر – The Guardian
  5. معضلة تشافي – دي يونغ؛ لماذا قد يبيع برشلونة الهولندي هذا الصيف مقابل 75 مليون يورو؟ – Goal
  6. تحليل تكتيكي؛ فرينكي دي يونغ – Breaking The Lines
  7. الهولندي العظيم القادم؛ فرينكي دي يونغ – Total Football Analysis
  8. غالاكتيكوس برشلونة الجديد.. ما لا تخبرك به الصحف! – الجزيرة
  9. معضلة برشلونة ودي يونغ في سوق الانتقالات؛ الانتظار أم البيع؟ – The Athletic
  10. انتخابات برشلونة.. إذا كان الكلام من فضة! – الجزيرة
  11. لابورتا رئيسا لبرشلونة.. إما معجزة أو لا شيء! – الجزيرة
  12. ثلاثة أسباب تدفع برشلونة لبيع فرينكي دي يونغ – Barca Universal
  13. مانشستر سيتي يدخل السباق للتوقيع مع دي يونغ وبرشلونة يطلب 100 مليون يورو للتخلي عنه – Barca Universal
المصدر : الجزيرة