شعار قسم ميدان

مونديال قطر.. نصف الكوب الممتلئ والهجمة الأوروبية

لا نعلم كيف نستهل حديثنا هنا؛ فالأمر شائك، وتتداخل به العديد من العوامل والمتغيرات. هناك الكثير من الجدل الذي صاحب مونديال قطر، لكننا لم نأتِ اليوم لمناقشة ذلك، بل لنسافر عبر الزمن إلى الماضي؛ إلى أول مرة جلسنا فيها أمام شاشة تلفاز ورأينا أحدهم يداعب الكرة، ولم نفكر في كل تلك التعقيدات الاقتصادية والإدارية والسياسية التي نفكر بها حاليا. كنا فقط مفتونين بمدى سهولة الأمر، ومدى صعوبته في الوقت ذاته.

نحن هنا بصفتنا أبناء السادسة من العمر الذين شاهدوا اللعبة لأول مرة، وفُتِنوا بها، ولم تفارقهم اللعبة يوما في نقاشاتهم وتفكيرهم، خاصة في أحلك اللحظات. نحن هنا بصفتنا مشجعين للعبة، ونريد فقط أن نسلط الضوء على ما قد يجعل تلك النسخة من المونديال، على خلاف ما يروج في الغرب، مميزة عن سابقاتها. نريد أن نُرِيَ العالم ما قد يغفل عنه، ولا يعطي نفسه الفرصة لكي يراه ويتمتع به، نريد للعالم أن يرى نصف الكوب الممتلئ ليس إلا.

65 كيلومترا

تلك هي المسافة التقريبية بين ملعبَيْ الجنوب والبيت، التي تُعَدُّ أكبر مسافة بين ملعبين من الملاعب التي ستستضيف العرس المونديالي في دولة قطر(1). والشاهد من الأمر هو أن مساحة الدولة الصغيرة ساعدت على قُرب الملاعب من بعضها؛ فالمسافة بين أبعد ملعبين من ملاعب المونديال الثمانية تحتاج تقريبا إلى 43 دقيقة فقط بالسيارة في الظروف العادية.

ولكي تفهم ما الذي يعنيه ذلك حقا، يكفي القول إن كولومبيا، التي كانت أقل منتخبات النسخة السابقة -في روسيا- قطعا للمسافات بين المدن، قد قطعت مسافة بلغت 1158 ميلا من تاتارستان إلى كازان إلى سارانسك إلى سامارا، فيما يُقدر بـ26 ساعة بالسيارة، و3 ساعات بالطائرة. هناك بعض المنتخبات التي اضطرت لقطع مسافة أكبر من 5000 ميل في دور المجموعات فقط حينها، وللعلم هذا أكبر بكثير من مساحة قطر كاملة. (2)(3)

هذه الانتقالات الطويلة تؤثر على قدرات اللاعبين الجسدية والذهنية بسبب الإجهاد المصاحب لها من ناحية، وبسبب فوارق التوقيت بين المدن حتى داخل الدولة الواحدة -كما في حالة مونديال روسيا مثلا- لأن تلك الفوارق تُصيبهم باضطرابات الساعة البيولوجية. لتتضح الصورة أكثر، ثمة تجربة أُجريت على مجموعة من السباحين في إطار معملي مُحكَم. اختبر المسؤولون عن التجربة الإيقاعات الخاصة بالساعة البيولوجية من خلال ضبط دورة صحو ونوم للسباحين كل ثلاث ساعات؛ ساعة للنوم وساعتان للصحو. اكتشف المسؤولون أن أداءات السباحين لم تكن مماثلة في مختلف المواقيت عبر اليوم؛ فقد كانت سيئة في الساعات بين الثانية والثامنة صباحا، وتبدأ في التحسن منذ الحادية عشرة صباحا، وصولا إلى الحادية عشر مساء. (4)

ما نستطيع أن نستنبطه هنا هو أن فوارق التوقيت المذكورة التي تصيب اللاعبين باضطرابات الساعة البيولوجية تؤثر على أداء اللاعبين جسديا، فتستطيع أن تؤثر على القدمين والساقين والذراعين وأداء الجسد بوجه عام، وبالتبعية هي تؤثر على أداء اللاعبين الذهني. الشاهد من الأمر هنا هو أن النسخ التي أُقيمت في العقد الأخير في جنوب أفريقيا والبرازيل وروسيا على الترتيب عانت من هذه المشكلة، في حين أننا لن نجدها في قطر الأصغر من الدول الثلاث بفارق كبير. (4)(5)

في الواقع، قطر ليست فقط أصغر دولة تاريخيا تستضيف كأس العالم من حيث المساحة الكلية، بل إن سويسرا، التي استضافت كأس العالم في 1954، وكانت تُعَدُّ أصغر دولة تستضيف كأس العالم في التاريخ، تبلغ مساحتها 3 أضعاف ونصف مساحة دولة قطر. إذن نستطيع القول بكل ثقة إن اللاعبين لن يختبروا اضطرابات اختلاف التوقيت التي اختبروها غالبا في مونديال روسيا مثلا، ويستطيعون أن يكونوا جاهزين على المستوى الذهني والبدني بشكل أكبر على مدار البطولة، وهذا لا يميز تلك النسخة فقط، بل يميز قطر ويجعلها خيارا محتملا لبطولات قادمة أيضا في ظل توفر البنية التحتية المناسبة بعد المونديال، ألا تعتقدون ذلك؟ (6)

"عصافير في ليالٍ ماطرة" (7)

ربما الطابع الحزين الذي يغلب على كلمات أغنية حنان ماضي هنا لا يلائم ما نريد التحدث عنه، لكن لم نجد تشبيها أبلغ من ذلك عندما تخيلنا لوهلة إقامة تلك النسخة من المونديال في الصيف، في درجة حرارة تصل إلى 47 درجة مئوية، وفي ظل الرطوبة الشديدة بقطر، كما كان مخططا لها. (8)

ربما تكون أجواء قطر الحارة هي ما دفعت لتغيير موعد المونديال، لكن الفكرة لا تبدو سيئة على الإطلاق، بل إنها تجعل هذا المونديال مميزا كونه النسخة الأولى التي تقام في فصل الشتاء. في الحقيقة، كانت مشكلات الجفاف مصدر قلق للاعبين قبيل مونديال 2014 بالبرازيل، وهو ما يعني أن إقامة كأس العالم في ليالي الشتاء الحزينة ليس أسوأ فكرة ممكنة. (8) (9)

العقل السليم في الجسم السليم في التوقيت السليم

(غيتي إيميجز)

يعلم جميع مَن له علاقة بكرة القدم قيمة المونديال، والمنصة العالية التي يضع اللاعبين عليها حال الفوز به، وبالتالي هذا يجعل اللاعبين على أهبة الاستعداد؛ بدنيا ونفسيا وذهنيا. هذا يجعل الجميع يقاتل لاستجماع قواه على جميع المستويات لكي يصل إلى أبعد حدٍّ يمكن الوصول إليه في البطولة.

لكن هنا تكمن المشكلة أحيانا. على مدار السنوات، رأينا العديد من اللاعبين يمرون بمواسم هائلة، ويُتوقع لهم أن يخوضوا بطولات مجمعة ممتازة مع منتخباتهم، لكنهم ببساطة يخيبون الآمال والتوقعات. رأينا ذلك مع ميسي في 2010 مثلا، فالرجل خاض موسما استثنائيا مع برشلونة سجَّل فيه 47 هدفا وصنع 12 في 53 مباراة مع الفريق في جميع البطولات، ولم يظفر إلا بتمريرة حاسمة يتيمة في مونديال البافانا بافانا. (10)

نود الظن أن ذلك يتعلق بموعد كأس العالم في الظروف العادية؛ كونه يأتي بعد نهاية موسم شاق على مدار 9 أشهر تقريبا ولا يأخذ اللاعبون سوى قرابة الشهر قسطا من الراحة، ولكن الظن وحده لا يكفي. في إحدى الدراسات التي نُشِرَت على موقع المركز الوطني لأبحاث الأحياء التكنولوجية (NCBI)، أُجري تحليل مفصَّل على الأداءات البدنية والتقنية للاعبي البوندسليغا على مدار 3 مواسم؛ 14/15، و15/16، و16/17، بعدما قُسِّمَ الموسم الواحد إلى 6 مراحل متتابعة؛ المرحلة الأولى كانت من الجولة الأولى وحتى السادسة، والثانية من الجولة السابعة وحتى الـ11، والثالثة من الجولة الـ12 وحتى الـ17، والرابعة من الـ18 وحتى الـ23، والخامسة من الـ24 حتى الـ28، والسادسة والأخيرة من الـ29 حتى الـ34. (11)

(وكالة الأناضول)

أُجري التحليل على 70 لاعبا من أصل 566 ممن كانوا ملائمين لشروط التحليل، فقد كان يُشترط أن يُشارك اللاعبون في 80% على الأقل من المباريات في كل مرحلة من المراحل الستة. كان هدف التحليل هو معرفة مردود اللاعبين في كل مرحلة فنيا وبدنيا، وبالتالي ذهنيا. أظهرت النتائج أن المرحلة الرابعة هي المرحلة التي يصل فيها اللاعبون إلى ذروة أداءاتهم البدنية التي تؤثر على أداءاتهم الفنية ومستوياتهم الذهنية، فقد أظهرت إحدى الرسوم البيانية أن اللاعبين يبدؤون الموسم بشكل تصاعدي ولكنه منخفض من حيث المسافات التي يقطعونها بالكيلومترات، ومن ثم يتحلون بالتوازن نوعا ما حتى نهاية المرحلة الثالثة بازدياد طفيف في المسافات المقطوعة، ومن ثم يصلون إلى الذروة في المرحلة الرابعة، قبل أن ينخفض أداؤهم مرة أخرى بعد المرحلة الرابعة.

لم ينتهِ الأمر هنا، فالمرحلتان الثالثة والرابعة هما اللتان يصل اللاعبون عندهما إلى أقصى مسافات مقطوعة بالانطلاقات السريعة، التي قد تتخطى معدلاتها 24 كم/ساعة في بعض الأحيان، أي إن اللاعبين يقطعون مسافات كبيرة نسبيا بسرعات أكبر وأكثر حِدَّة من المعتاد في هاتين المرحلتين من الموسم، وتدل على مدى الصلابة البدنية والفنية والذهنية التي يصل إليها اللاعبون حينها.

قد ذكرنا آنفا أن المرحلة الثالثة تلك تبدأ من الجولة الـ12 وحتى الجولة الـ17، والرابعة تبدأ من الجولة الـ18 وحتى الـ23، وفي جميع تلك المواسم، الجولة الـ12 كانت تبدأ في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، أي في الفترة ذاتها التي نمر بها حاليا تقريبا. نستطيع القول إن تلك الفترة من الموسم هي الفترة التي يبرز فيها اللاعبون بشكل جيد للغاية، وها هم يخوضون كأس العالم في فترة الذروة تلك للمرة الأولى في تاريخ المسابقة. (11)

أنتم السابقون ونحن لسنا اللاحقين!

هل سمعت من قبل عن ظاهرة الفيلة البيضاء؟ هؤلاء الذين يحتاجون إلى رعاية وتغذية مستمرة وخاصة جدا، بيد أنهم في المُقابل لا يجلبون مليما واحدا لأصحابهم. يُقال في إحدى القصص القديمة إن بعض ملوك سيام -تايلاند حاليا- كانوا يُهدون تلك الفيلة بشكل متعمد لبعض الأشخاص الذين يرغبون في تدميرهم، ببساطة لأنهم على علم أن تكلفة الحفاظ على تلك الفيلة البيضاء ستدفع مُلاكها الجُدد إلى الإفلاس! (12)

دعنا نوضح لك ما الذي نقصده بذلك. قبل سنوات، وبالتحديد قبل كأس العالم 2014، أنفقت البرازيل نحو 3 مليارات دولار في إعادة ترميم بعض الملاعب القديمة وكذلك بناء أخرى جديدة تمهيدا لاستضافتها للحدث المونديالي. لا مشكلة في ذلك، فهذا هو الأمر الطبيعي والمتوقع حدوثه في أي دولة تقرر استضافة هذا الحدث، لكن المشكلة الحقيقية لم تكن هنا، بل كانت بعد انتهاء المونديال.

أحد تلك الملاعب الجديدة كان ملعب أرينا دي أمازونيا، الذي استغرق بناؤه قرابة 4 سنوات عمل، بحصيلة إنفاق قُدرت بين 220-300 مليون دولار. لنخبرك بما حدث الآن؛ هذا الملعب استضاف 4 مباريات فقط في كأس العالم، كما استضاف عددا قليلا من مباريات أولمبياد ريو 2016، ثم بعد ذلك هُجر كأنه لم يكن! الملعب الذي يقع في مدينة ماناوس البرازيلية ويتسع لـ40 ألف مناصر أصبح لا يُكمل حتى 1000 مناصر في المباريات المحلية، وفي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2016 بلغت مصروفات الملعب التشغيلية 560 ألف دولار في حين بلغت إيراداته 180 ألف دولار فقط. نظن أنك توصلت الآن إلى ماهية الفيلة البيضاء في قصتنا. (13)

استغرق بناء ملعب أرينا دي أمازونيا قرابة 4 سنوات عمل، بحصيلة إنفاق قُدرت بين 220-300 مليون دولار. (غيتي إيميجز)

ما حدث في أرينا دي أمازونيا لم يكن الأول من نوعه، فالعديد من مشروعات البنية التحتية الرياضية التي تُبنى خصيصا من أجل استضافة الأحداث الرياضية الكبرى سرعان ما تُهجر بعد تلك الأحداث. يُمكنك أن تسأل غوغل بهذا الصدد، مجرد بحث بسيط بكلمات مفتاحية محددة سيُظهر لك ما آلت إليه بعض المنشآت الرياضية الخاصة بأولمبياد أثينا 2004، أو بكين 2008، أو بالطبع ريو دي جانيرو 2016.

ولِمَ نذهب بعيدا؟ في الحقيقة أن البعض الآخر من ملاعب كأس العالم في النسخة التي سبقت البرازيل 2014 -أي مونديال جنوب أفريقيا 2010- وكذلك في النسخة التي تلتها -مونديال روسيا 2018- عانت مما عانى منه أرينا دي أمازونيا، ملاعب خاوية على عروشها وشبه خالية من أصوات الجماهير، ومصاريف تشغيلية تفوق إيرادات الملاعب بأميال! (14)(15)(16)

بالتأكيد تتساءل الآن؛ لماذا لن تلحق قطر بهؤلاء السابقين؟ والإجابة تكمن ببساطة في الرؤية بعيدة المدى. قطر لم تنظر فقط تحت أقدامها، بل قامت بتحضير خطة كاملة لما ستؤول إليه ملاعب كأس العالم بعد انتهاء الحدث المونديالي، حتى لا تقع في فخ الفيلة البيضاء! (17)

"استخدمنا مواد من مصادر مستدامة، ونفذنا خططا تراثية مبتكرة لضمان ألا تترك بطولتنا أي صورة من صور الفيلة البيضاء".

(حسن عبد الله الذوادي رئيس اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر) (17)

قامت قطر ببناء 7 ملاعب مونديالية من الصفر بأعلى المعايير العالمية الممكنة، كما أعادت تشييد الملعب الثامن وهو ملعب خليفة الدولي. ما يهم هنا أن كل ملعب من الثمانية لديه خطته طويلة الأمد لما بعد المونديال.

ملعب 974 (رويترز)

ملعب 974 الشهير مثلا دخل التاريخ بوصفه أول ملعب مؤقت عبر تاريخ المونديال الطويل، حيث شُيِّد بالكامل من حاويات الشحن المُعاد تدويرها. تلك الحاويات سيكون من السهل تفكيكها تماما عقب انتهاء المونديال، كما سيتم التبرع بالسقف والمقاعد بالكامل لبعض المشاريع الرياضية خارج قطر. (17)

نمر من ملعب 974 إلى مُستضيف الحدث الأكبر؛ ملعب لوسيل الذي يُلعب عليه نهائي المونديال بسعة تصل إلى 80 ألف متفرج، لكنه لن يستقبل أي مباراة دولية أخرى بعدها، فبمجرد انتهاء المونديال ستُزال معظم مقاعد الملعب ويُعاد تخصيصها للمقاهي والمحلات التجارية وكذلك للعيادات الصحية والمدارس، أما الجزء العلوي فسيُخصَّص للإسكان. هناك أيضا ملعب البيت الذي يُعَدُّ ثاني أكبر ملعب مونديالي، واستضاف المباراة الافتتاحية للمونديال وسيستضيف ربع ونصف نهائي البطولة، وهو الآخر سيتم إزالة سقفه وتبديله بفندق خمسة نجوم، بالإضافة إلى مركز تسوق متكامل، ومستشفى طبي للرياضيين. (17)

ملاعب الثمامة وأحمد بن علي، والجنوب وكذلك ملعب المدينة التعليمية؛ جميعها سيتم تقليص سعتها إلى النصف، أي إلى 20 ألف متفرج، وحتى هذا يُعَدُّ رقما متفائلا مقارنة بأعداد الحضور في الدوري المحلي. كما ترى، هناك فقط ملعب مونديالي واحد سيظل كما هو عليه عقب المونديال، وهو ملعب خليفة الدولي، وهو بالمناسبة الملعب الوحيد من الثمانية الذي كان موجودا بالفعل قبل أن تفوز قطر بحقوق استضافة المونديال. (17)

"العناد لا يجعلك قويا بقدر ما يجعلك أحمقَ" (18)

نشرت الكاتبة جيسيكا ستيلمان بحثا تابعا لجامعة هارفارد على موقع "inc" في سبتمبر/أيلول 2019 ناقش أهمية المرونة التي يجب أن يتحلى بها مَن يشق طريقه بالأعمال المستقلة؛ كمتعهد أو مقاول أو ما شابه. عنوان فقرتنا السابق هو جزء من العنوان الرئيسي لهذا البحث، وهو يعني أن تغيير الآراء لا يُعَدُّ ضعفا، بل ذكاء، عكس التمسك بالعناد الذي يجعل من صاحبه أحمقَ وضعيفا.

قام المسؤولون عن هذا البحث بتجربة صغيرة، حيث طلبوا من بعض الأشخاص عرض أفكارهم عن بعض الأعمال المستقلة على مجموعة من المستثمرين، على أن يدحض هؤلاء المستثمرون بعض الحجج التي يعرضونها بالدلائل. اكتشف الباحثون أن الأشخاص الذين كانت لديهم المرونة الكافية لتغيير رأيهم أكثر من مرة كانوا أقرب لإكمال التجربة لنهايتها، مقارنة بمَن فعلوا العكس، وكانوا يبدون أكثر ذكاء.

الشاهد من الأمر أن التمسك بالرأي أو بالفكرة ليس سيئا، ويعبر عن صلابة ذهنية، ولكن هناك شعرة بين الصلابة والعناد؛ فالأولى مُحبذة، لكن الثاني يُعميك عن الصورة الكاملة، لأن تغيير رأيك في ضوء أدلة جديدة لم تكن على دراية بها ليس علامة على الجهل، بل العكس تماما.

إن أردنا إسقاط جميع ما تحدثنا عنه على موقف المجتمع الأوروبي من استضافة قطر لكأس العالم، فسنرى أننا أمام الحالة نفسها تماما؛ عنادهم في رؤية الصورة الأكبر، وعجزهم عن رؤية التفاصيل التي تجعل هذه النسخة من المونديال مميزة عموما، أو على الأقل ليست بالسوء الذي يعتقدونه. نحن فقط نقول إنه ربما ما ينبغي على البعض في الغرب فعله هو فقط العودة بالزمن، ورؤية أنفسهم في سن السادسة، وقتما لم يكن الأمر يتعلق إلا باللعبة فقط، وربما حينها سيتعلَّمون كيف ينظرون إلى نصف الكوب الممتلئ، ولو لمرة.

__________________________________________

المصادر:

المصدر : الجزيرة