شعار قسم ميدان

ناسا تفجر كويكبا على بعد 7 ملايين ميل.. هل نجا البشر من مصير الديناصورات؟

رسم توضيحي لمركبة الفضاء DART التابعة لناسا بالقرب من الكويكبات ديديموس وديمورفوس قبل الاصطدام (ناسا)

مقدمة الترجمة:

في فيلم "هرمجدون" الذي لاقى شهرة واسعة في التسعينيات من القرن الفائت، تقوم مجموعة من رواد الفضاء وعلى رأسهم هاري ستامبر (يلعب دوره بروس ويليز) بمهمة أخيرة لإنقاذ كوكب الأرض من قذيفة صخرية قادمة إليه بسرعة هائلة، تُنبئ بنهاية الحياة على سطح الكوكب مثلما حدث قبل 66 مليون سنة حينما قُضي على الديناصورات، كانت فكرة أن تعترض مسار كويكب أو مذنب خيالية في ذلك الحين، لكنها الآن حقيقة حدثت بالفعل فقط قبل عدة أيام!

 

نص الترجمة:

بدأت مهمة ناسا بإطلاق مسبارها الفضائي المُسمى "دارت" قبل عدة أشهر، لينطلق بسرعة آلاف الأميال في الساعة. كان لانطلاقه وقعٌ شديد، ولعينيه الميكانيكيتين هدف لا تحيدان عنه، وهو كويكب يُدعى ديمورفوس. منذ عدة أيام فقط، اصطدمت المركبة الفضائية بهذا الكويكب الذي بدت صورته في البداية على الكاميرات المثبّتة على المركبة الفضائية مجرد نقطة صغيرة باهتة وسط ظلام دامس يحيط بها من كل جانب، ولا يزيد حجمها على بكسل واحد على شاشة هاتفك.

 

لكن بعد بضع دقائق من اقتراب المركبة الفضائية من الكويكب، بدأت صورة الأخير تتنامى أمامنا شيئا فشيئا، وفي إحدى اللحظات التي يصعب فيها التفسير والوصف، بثّت الكاميرات المثبّتة على المسبار صورا بديعة للجرم الفلكي، ظهرت فيها صور الكويكب ديمورفوس مفعمة بتفاصيل حيّة، واكتست النقطة الصغيرة الخافتة حُلَّة رمادية مُعلنة عن نفسها بوصفها كويكبا حقيقيا.

 

هدف المهمة الحقيقي

بعد ثلاث ثوانٍ فقط من اقتراب المركبة الفضائية من الكويكب، ملأت صورة الأخير المشهد بالكامل، وتبدَّى في الكاميرا مشرقا وجميلا، مع نسيج غني وزاخر بالتفاصيل الحية التي تبعث فيك شعورا بأنك على وشك أن تلامس صخوره الخشنة. وبخطواتها التي تعرف مواطئها معرفة حميمية، أنهت المركبة الفضائية مهمتها باصطدامها بالكويكب. وما إن اصطدمت به، حتى تحطمت على الفور كاميراتها الفاخرة، وجميع أجهزتها الحساسة والدقيقة وتحولوا جميعا إلى أشلاء متردين في الهاوية.

لم تكن غاية ناسا من ذلك كله هي مراقبة هذا الكويكب، ومحاولة استطلاع مجاهله واستكشاف خباياه بالحصول على بعض العينات من على سطحه وإعادتها إلى الأرض لتحليلها، كالمهام التي كانت البعثات الأخرى منوطة بها، بل أرسلت ناسا هذه المركبة الفضائية بنية واضحة وصريحة لتحطيمها، وتغيير مسار الكويكب.

 

صحيح أن "ديمورفوس" يُعَدُّ كويكبا صغيرا نسبيا، يبلغ قطره 525 قدما (160 مترا)، ولا يُشكِّل في حقيقة الأمر خطرا كبيرا على كوكب الأرض، ومع ذلك لا بد أن نعترف بأننا جميعا أسرى ما نتقاسمه بيننا على هذا الكوكب من مواطن ضعف تُقيِّدنا معا عند مواجهة أي كوارث طبيعية، وقد يمنحنا ذلك لمحة سريعة حول مقدار ضآلة شأننا.

 

لهذا، قررتْ وكالة ناسا القيام بهذه المهمة باعتبارها اختبارا تجريبيا سيُعلِن نجاحه عن قدرة البشرية مستقبلا على تفادي سيناريوهات كارثية قد تنجم عن ظواهر أخرى تبلغ قدرا من الجسامة والضخامة يجعلنا في حضرتها كائنات على درجة أصيلة من الهشاشة. وكما نرى، فالقليل من التدريب على هذه السيناريوهات لا يضر أبدا، بل يصب في صالحنا.

 

بصورة عامة، لا تُشكِّل كثير من الكويكبات القريبة من كوكب الأرض تهديدا حقيقيا، ولن يكون أيٌّ منها كذلك عل الأقل في السنوات المئة المقبلة (إذ تتمركز أعداد كبيرة منها في مدارات لن تتقاطع أبدا مع كوكبنا، في حين يبلغ البعض الآخر منها حجما صغيرا للغاية، لدرجة أنه قد يحترق في الغلاف الجوي للأرض دون أن ينجم عن ذلك أي كوارث أو أضرار)، وعن هذا تقول أنجيلا ستيكل، عالِمة الكواكب في مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جون هوبكنز، ورئيسة الفريق الذي خطط لهذه المهمة: "صحيح أن جميع الكويكبات المعروفة حاليا لا تُشَكِّل تهديدا حقيقيا على كوكب الأرض، لكن مهمة كهذه ستلعب في المستقبل دورا رئيسيا في إنقاذ ملايين الأرواح".

 

أُطلِق على هذه المهمة اسم "دارت" (DART)، ويُشير هذا الاختصار إلى "اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج"، وتُعَدُّ هذه المهمة هي أول تجربة دفاع كوكبي أجرتها ناسا، بمعنى أن هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يحاول فيها البشر تغيير مدار جرم سماوي آخر في نظامنا الشمسي.

 

بيد أن هذه المهمة -حتى الآن- تسير في طريقها الذي يكفل لها في نهاية المطاف التتويج بالنجاح. فمنذ عدة أيام، أدى اصطدام المركبة الفضائية "دارت" بالكويكب "ديمورفوس" إلى إبطاء الكويكب الصخري، وتغيير مساره ليتجه إلى الداخل، فيصبح مداره أصغر، وبالتالي تقل مدة دورانه حول مداره، وستكشف لنا الأيام تباعا مقدار هذا التغيير.

صحيح أن ثمة كوارث طبيعية أخرى خارجة عن نطاق سيطرتنا تُذكِّرنا بأننا لا نستطيع أن نتحداها، وأننا لسنا سوى كائنات ضعيفة في مواجهة قوى أكبر منا، ربما تُمهلنا قليلا، لكنها أبدا لا تُقهَر، وقادرة على إنهاء الحضارة البشرية في أي وقت، غير أن الجانب المشرق في الحكاية هو أننا على الأقل اقتربنا خطوة واحدة الآن من منع هذا النوع من الكوارث التي أنهت عصر الديناصورات (إذ شهد كوكب الأرض أسوأ يوم في تاريخه قبل 66 مليون سنة بالضبط، عندما اصطدم كويكب بحجم مانهاتن بشبه جزيرة يوكاتان المكسيكية، وأدى الاصطدام إلى حدوث أعظم الانقراضات مأساوية في تاريخ الكوكب).

 

بدأت مهمة "دارت" في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، واستغرقت المركبة الفضائية شهورا للإبحار في الفضاء تجاه ديمورفوس، وهو كويكب وقمر في الوقت ذاته يدور حول كويكب آخر أكبر حجما يُعرَف باسم "ديديموس". في الأيام والأسابيع القادمة، ستصبح البيانات التي سيتلقاها علماء الفلك من التلسكوبات هي موضع عنايتهم ومحط انشغالهم، لمعرفة ما إذا كان مسار الكويكب الصغير قد تغيّر فعلا، (وسترصد لهم التلسكوبات التباين في السطوع عند مرور الكويكب الصغير أمام الكويكب الكبير وخلفه).

 

في الظروف الطبيعية، يستغرق ديمورفوس نحو 12 ساعة للقيام بدورة كاملة حول ديديموس، لكن فريق العلماء الذي ترأسه عالِمة الفلك أنجيلا ستيكل يتوقع من هذه المهمّة أن تُقلِّص هذه المدة بمقدار 10 دقائق عن طريق تصغير مدار ديمورفوس بتقريبه من ديديموس. قد يبدو مقدار الدقائق بسيطا، ولا يحتاج إلى أن نبذل في سبيله كل هذه المجهودات، ولكن في سيناريو أشد خطورة، سيكون هذا المقدار الضئيل مهما لإنقاذنا من خطأ وشيك.

 

معضلة الكويكبات الصغيرة

الكويكبات الصغيرة

تنتشر الكويكبات حولنا في كل مكان، وتدور معنا حول الشمس، ومن اليسير على العلماء اكتشاف الكويكبات التي تبلغ قدرا من الضخامة وقادرة على إحداث أضرار جسيمة، ومن ثم اتخاذ الاحتياطات الكافية لتفادي المخاطر المُحتملة. ولحُسن الحظ، اكتشف علماء الفلك معظمها بناء على تحليلات الأجسام التي رصدوها بالفعل في نظامنا الشمسي، غير أن المشكلة الحقيقية لم تكن يوما بالكويكبات كبيرة الحجم بقدر ما كان القلق كله يتمحور حول اكتشاف الكويكبات الأصغر، على غرار ديمورفوس وديديموس.

 

يواجه علماء الفلك صعوبة في اكتشاف مثل هذه الكويكبات الصغيرة نسبيا، وأقرب دليل على ذلك أن مقدار ما رصدوه منها حتى الآن أقل من نصف إجمالي العدد الذي قدَّروا وجوده، ما يبعث في قلوبهم شيئا من الربكة والقلق، لأنه حتى كويكب صغير بحجم ديمورفوس يمكنه أن يسبب عواقب كبيرة، أبسطها انسحاق مدينة كبيرة بأكملها تحت وطأته، ويُعَدُّ هذا الاحتمال أحد المُنغِّصات التي تنقض على العلماء وتؤرقهم، لكن مع البحث والتقصي والحذر الكافي، يمكننا استبدال رؤيتنا المُرتبكة بنظرة صافية وفهم أوسع يساعدنا -نظريا- على تجنُّب اصطدام أحد الكويكبات الخارجية بالأرض.

 

في السياق ذاته، تقول كاري نوجنت، عالِمة الكواكب بكلية أولين في الولايات المتحدة: "لطالما ظهرت الكويكبات في الأفلام والتلفاز والأدب على أنها قوى دمار لا يمكن أن نتحداها، وظلَّت دائما استعارة للكوارث التي حلَّت بهذا العالم، وتأملا مطولا حول بطلان وخيبة كدح البشرية في السيطرة عليها. غير أن الأمر في الحقيقة أبسط من ذلك بكثير، فالكويكبات تحكمها في الأساس قوانين الفيزياء، لذا فهي في النهاية بسيطة نسبيا، وسيكون من الأفضل لو نظرنا إليها باعتبارها كارثة طبيعية يسهل التنبؤ بها، ومن ثم سنكون قادرين على تفاديها بدرجة كبيرة".

 

أكثر من طريقة لتغيير مسار كويكب

المهمة دارت
على الرغم من أننا أثبتنا الآن أن بإمكاننا إبعاد أي كويكب عن مساره التصادمي بالأرض، لا يزال هناك الكثير من المخاوف التي تساور العلماء حول مجال الدفاع الكوكبي (شترستوك)

ترى نوجنت أن هناك أكثر من طريقة لتغيير مسار كويكب وتشتيته عنا، ويتضمن أحد الخيارات إرسال مركبة فضائية غير مأهولة (أي لا تحمل على متنها أي فرد) لإلقاء مادة متفجرة بالقرب من كويكب يقع اختيارهم عليه، في حين تتضمن الطريقة الأخرى إطلاق مسبار فضائي لتكون وجهته نحو كويكب معين، ثم استقراره فيما بعد على المدار نفسه الذي يدور حوله هذا الكويكب، والسماح بقوى الشد والجذب بين الجسمين بتغيير مسار الأخير.

 

أما الاقتراح الثالث فيفوز بلقب أشد الاقتراحات طرافة وغرابة، وهو صبغ نصف الكويكب بطلاء أبيض، والنصف الآخر باللون الأسود، باعتبار أن هذا الفن قد يتسبب في اختلال التوازن في مقدار ضوء الشمس الذي يمتصه الكويكب ويطلقه، فيؤدي ذلك إلى تغيير مداره، (وفقا لوجهة نظر نوجنت، فإن المشكلة الرئيسية في الخيار الأخير أنه ببساطة رهان غير مؤكد على الإطلاق، فضلا عن أن عملية كهذه ستستغرق ملايين السنين إلى أن يُكتَب لها النجاح).

 

على الرغم من أننا أثبتنا الآن أن بإمكاننا إبعاد أي كويكب عن مساره التصادمي بالأرض، لا يزال هناك الكثير من المخاوف التي تساور العلماء حول مجال الدفاع الكوكبي، إذ يتسلل إلى قلوب علماء الفلك بعض القلق بسبب الأقمار الصناعية المبثوثة في كل مكان على مدار الأرض، التي تُشوِّش على النتائج، وتزيد من صعوبة اكتشاف الكويكبات الأشد خطورة في المستقبل. ومن جانبها، تقول نوجنت إن ثمة تداعيات قانونية يجب أخذها في الاعتبار، إذ يحظر القانون الدولي استخدام وسائل نووية في الفضاء.

 

على الجانب الآخر، قد تواجهنا مشكلة أخرى غير متوقعة على غرار محاولة إحدى الدول إجراء اختبار تغيير مسار لكويكب ما، لكنها بدلا من صرفه بعيدا عنا تجاه الامتداد اللا نهائي للفضاء، دفعته بالخطأ باتجاه الأرض. وعن هذا تقول نوجنت إن الطرف المتضرر في هذه الحالة قد يرغب حينها في رفع دعوى للحصول على تعويضات جرّاء الأضرار التي طالته، ولا يوجد إطار قانوني شامل لهذه الحالة حتى الآن.

 

على مر السنين، أجرى علماء الفلك عمليات محاكاة تتضمن تهديدات وهمية من كويكبات خارجية، لمعرفة كيف سيتصرفون عند ظهور تهديد مفاجئ من الفضاء مندفعا نحو الأرض، ونُفِّذتْ هذه السيناريوهات في قاعات المؤتمرات. صحيح أن عمليات المحاكاة هي الصورة الأقرب إلى الواقع، لكن يظل تنفيذ جزء من هذه العملية على أرض الواقع على بُعد سبعة ملايين ميل من الأرض أمرا مُدهشا ومُثيرا حقا.

 

رغم كل شيء، لا يُعَدُّ علم الكواكب علما تطبيقيا، وتُنهي ستيكل حديثها قائلة: "صحيح أنني أحب ما أفعله، لكنه ليس علما تطبيقيا يرتبط مباشرة بتغيير حياة شخص ما إلى الأفضل كالعلوم الأخرى". في نهاية المطاف، إن عملية اصطدام مركبة فضائية بكويكب كهذا تعتمد على ما يخبئه لنا الكون في جعبته من مفاجآت، ومعرفة كيفية القيام بهذه العملية والتصدي لأي تهديد خارجي سيكون حتما ذا فائدة كبيرة لنا في المستقبل.

—————————————————————————————-

هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: سمية زاهر.

المصدر : مواقع إلكترونية