شعار قسم ميدان

تتجاوز قيمتها المليار دولار.. هل ستشهد المنطقة العربية المزيد من الشركات "أحادية القرن" قريبا؟

في مطلع فبراير/شباط 2023، أُعلن عن ميلاد عملاق رقمي جديد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عندما حصدت شركة "إم تي إن حالا" (MNT Halan) المصرية الناشئة المتخصصة في قطاع التقنية المالية "فنتك" (Fintech) تمويلا ضخما بقيمة 200 مليون دولار من صندوق "شيميرا كابيتال" أبو ظبي، مقابل الاستحواذ على حصة 21.7% من الشركة.

هذا التمويل الضخم يأتي ضمن حزمة تمويلات أكبر من المتوقع أن تحصدها الشركة المصرية الناشئة خلال العام الجاري، حيث يُتوقع أن تحصد 200 مليون دولار إضافية من مستثمرين دوليين وسندات توريق، بحيث تصل تمويلاتها خلال هذا العام إلى نحو 400 مليون دولار، وهو ما يُضاف إلى جولات تمويل سابقة حصلت عليها السنوات الماضية، لتصبح من أكبر الشركات العربية الناشئة تمويلا بإجمالي تمويلات يقترب من 520 مليون دولار. (1، 2)

عضو جديد في النادي

تأسست منصة "إم إن تي حالا" (MNT Halan) في القاهرة عام 2018 بواسطة رائدَيْ الأعمال المصريين منير نخلة وأحمد محسن، بوصفها تطبيقا متعدد الاستخدامات (سوبر أبليكيشن) يتخصص بالأساس في خدمات التمويل والإقراض متناهي الصغر، وخدمات تسهيل الدفع الإلكتروني وتحويل الأموال. خلال سنوات، حققت الشركة الناشئة نموا في خدماتها، حتى حصلت على أول تمويلاتها الكبيرة في خريف عام 2021 بجولة تمويلية قيمتها 120 مليون دولار، مهدت للجولات التمويلية الكبيرة التي حصدتها خلال مطلع العام الجاري.

خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2022، بلغت إيرادات الشركة -بحسب فوربس- نحو 203 مليون دولار، بنسبة نمو قاربت 40% مقارنة بالفترة نفسها في العام 2021. وحاليا، تمتلك الشركة أكثر من 1.3 مليون مستخدم نشط شهريا، وأكثر من 5 ملايين عميل يتوزعون ما بين مليونَيْ مقترض و3 ملايين مستخدم لباقي خدماتها المالية المتنوعة. ومع سوق ضخم مثل مصر، فمن المتوقع أن تزداد شريحة السوق تصاعديا بشكل كبير، مع اتجاه الحكومة والمجتمع إلى رقمنة الخدمات المالية.

هذا التمويل جعل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري يصدر منشورا رسميا على حساباته الاجتماعية يحتفل فيه بوصول الشركة المصرية الناشئة إلى نادي "اليونيكورن"، بوصفها أحدث شركة تنضم إلى هذا النادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو النادي الذي يضم عالميا حتى الآن نحو 1200 شركة فقط، من بين ملايين الشركات في مختلف التخصصات والمجالات. (1، 2)

الشركات أحادية القرن

في عالم الأعمال، يُطلق على شركة ناشئة ما بأنها "أحادية القرن" أو "يونيكورن" (Unicorn) عندما تتجاوز قيمتها السوقية حاجز المليار دولار. هذا اللقب "أحادية القرن" نسبة إلى حيوان خيالي في الأساطير الإغريقية يمتلك جسم حصان ولديه قرن واحد في رأسه، في إشارة إلى كونه فريدا ومختلفا عن بقية الحيوانات، وفي إشارة أيضا إلى ندرته. الشركة "اليونيكورن" إذن استمدت هذه التسمية من كونها شديدة التميز والندرة، كون قيمتها السوقية قد تخطت المليار دولار.

المصطلح يُعَدُّ جديدا نسبيا، تم صكّه للمرة الأولى عام 2013 بواسطة المستثمرة الأميركية المغامرة "آيلين لي" عبر مقال نشرته في مجلة "تِك كرنش" (Tech crunch) المتخصصة في التقنية وريادة الأعمال، للإشارة إلى الشركات الناشئة التي تجاوزت قيمتها المليار دولار، وكان عددها آنذاك -وقت نشر المقال- 39 شركة ناشئة فقط حول العالم. (3)

مع تبني هذا المصطلح في توصيف قيمة الشركات الناشئة، استمر صك مصطلحات أخرى تصف الشركات مع توالي ارتفاع قيمتها، حيث يُطلق مصطلح "ديكا كورن" (Deca corn) على الشركات الناشئة التي تجاوزت قيمتها 10 مليارات دولار، بينما تسمى الشركة الخاصة التي تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار باسم "سينتي كورن" (Centicorn) أو "هيكتو كورن" (Hectocorn). أما الشركة التي تتجاوز قيمتها التريليون دولار، فيطلق عليها اسم "سوبر يونيكورن".

اليوم، وبحسب منصة "CB Insights" لدراسات الأسواق وتحليل الأعمال، تجاوز عدد الشركات الناشئة المليارية سقف 1200 شركة عالمية، بمعدل انضمام متسارع للنادي يصل إلى شركتين يوميا. بالتأكيد تحتل الولايات المتحدة المركز الأول في عدد الشركات أحادية القرن، حيث تستحوذ على نصفها تقريبا بنحو 650 شركة، ثم تأتي الشركات الناشئة الصينية في المركز الثاني بنحو 302 شركة، ثم الهند بأكثر من 100 شركة، ثم الشركات الناشئة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا. (4)

أحاديات القرن العربية

مع انضمام شركة "حالا" المصرية الناشئة إلى نادي اليونيكورن، فإنها تنضم إلى قائمة من الشركات العربية لا يتجاوز عددها أصابع اليدين. وبالتأكيد، وباعتبار أنها أكثر دولة عربية نموا في قطاع الشركات الناشئة ورواد الأعمال، تتصدر الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول العربية التي تضم أحاديات القرن على أراضيها، تليها مصر، ثم المملكة العربية السعودية في المرتبة الثالثة.

شركة "كريم" (Careem) للنقل التشاركي تجاوزت قيمتها المليار دولار عام 2016، قبل الاستحواذ عليها من قبل أوبر في 2020 (مواقع التواصل)

كانت شركة "كريم" (Careem) للنقل التشاركي، التي تأسست عام 2012 وتتخذ من الإمارات مقرا أساسيا لعملياتها في المنطقة، هي أولى الشركات العربية التي وصلت إلى نادي اليونيكورن، عندما وصلت قيمتها إلى مليار دولار عام 2016. لاحقا، تم الاستحواذ على شركة "كريم" بواسطة عملاق النقل التشاركي العالمي "أوبر" بصفقة من أضخم صفقات المنطقة، قُدرت بنحو 3 مليارات دولار.

أما شركة "سويفل" (SWVL) مصرية المنشأ إماراتية المقر، المتخصصة في النقل التشاركي عبر الحافلات، فقد انضمت إلى نادي اليونيكورن عام 2021، بعد 4 سنوات فقط من تأسيسها، إثر طرحها للاكتتاب العام في بورصة ناسداك بتقييم 1.5 مليار دولار. ومع ذلك، ورغم الاحتفاء العربي الكبير بوصولها إلى البورصة العالمية بتقييم كبير كهذا، فإنها عانت لاحقا هبوطا حادا في قيمة أسهمها جعلها تفقد أكثر من 95% من قيمتها. (5)

في الإمارات أيضا، وفي صيف عام 2021، أُعلن عن انضمام عضو عربي جديد إلى نادي اليونيكورن، وهي شركة "كيتوبي" الإماراتية الناشئة للمطاعم السحابية (Cloud Kitchens) إثر تلقيها تمويلا اعتُبر الأضخم في المنطقة العربية بقيمة 415 مليون دولار في جولة استثمار من الفئة "ج"، وهو ما رفع قيمة تمويلات الشركة إلى أكثر من 800 مليون دولار، وأدى إلى رفع قيمتها السوقية إلى أكثر من مليار دولار، وحوَّلها إلى لاعب إقليمي وعالمي في مجال المطابخ السحابية.

شركة "كيتوبي" (Kitopi) للمطابخ السحابية دخلت إلى نادي اليونيكورن عقب تمويل ضخم بقيمة 415 مليون دولار (Kitopi)

أما في السعودية، فقد انضمت شركة "STC Pay" السعودية الناشئة للتقنية المالية إلى نادي اليونيكورن عام 2020 بعد أن قامت شركة "ويسترن يونيون" العالمية بالاستحواذ على نسبة 15% من الشركة مقابل 200 مليون دولار، مما رفع تقييم الشركة إلى أكثر من مليار دولار، لتصبح أول شركة تقنية مالية "فنتك" (Fintech) سعودية تقطع طريقها إلى عالم اليونيكورن.

وفي مصر، وبخلاف شركة "حالا" التي انضمت مؤخرا إلى نادي اليونيكورن، هناك شركة أخرى تعمل في القطاع نفسه كانت قد دخلت في وقت سابق إلى نادي الكبار، وهي شركة "فوري" (Fawry) المتخصصة في التقنية الرقمية والدفع الإلكتروني التي وصلت إلى تقييم سوقي تجاوز المليار دولار في صيف عام 2020، ثم تصاعد لسقف المليار ونصف المليار في منتصف عام 2021. وتُعَدُّ شركة "فوري" من أكبر الشركات المصرية نموا في المدفوعات الرقمية، وتتعاون مع شبكة كبيرة من البنوك والمؤسسات، وتشهد أكثر من 3 ملايين عملية تحويل من خلالها يوميا. (6، 7)

قادمون في الطريق

رغم أن عدد الشركات العربية الناشئة المُنضمة إلى نادي الشركات المليارية حتى الآن يُعَدُّ متواضعا للغاية مقارنة بمناطق أخرى حول العالم، فإن الصورة ليست بهذه القتامة. في أغسطس/آب 2022، أصدر صندوق المستثمرين السعوديين المغامرين (Saudi Technology Ventures)، وهو أكبر صندوق استثمار جريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقريرا يتوقع أن المنطقة ستشهد ظهور نحو 45 شركة ناشئة مليارية (يونيكورن) خلال السنوات المقبلة حتى عام 2030.

التقرير الذي حمل عنوان "من التأسيس وحتى الإدراج بالبورصة: فرصة الـ 100 مليار دولار"، قال إن المنطقة ستشهد ظهور عشرات الشركات المليارية بإجمالي قيمة متوقعة تصل إلى 100 مليار دولار، بناء على تحليل منظومة ريادة الأعمال في المنطقة. وبحسب التقرير، فإن المملكة العربية السعودية ستلعب دورا محوريا في تأسيس ودعم واستضافة عدد كبير من هذه الشركات على أراضيها، بسبب الطفرة الكبرى في التحول الرقمي التي تشهدها في السنوات الأخيرة.

كما توقع التقرير أيضا أن تشهد المنطقة خلال العقد الحالي ظهور شركات "ديكا كورن"، تتجاوز قيمتها السوقية 10 مليارات دولار، خصوصا في دول الخليج التي تشهد تسارعا كبيرا في تأسيس الشركات التقنية الضخمة التي تمتد أنشطتها لتشمل عدة أسواق في المنطقة والعالم. (8، 9)

في النهاية، لا شك أن بيئة ريادة الأعمال العربية تحقق نموا ملحوظا خلال السنوات الماضية، مع ارتفاع إجمالي التمويلات للشركات الناشئة إلى سقف 3 مليارات دولار خلال عام 2022، وبزوغ عدد من الشركات المليارية بشكل أسرع مما قبل. لذلك، فالأمر ما هو إلا مسألة وقت حتى تشهد الساحة ظهور عشرات الشركات أحادية القرن، ربما قبل نهاية العقد الحالي. هذا ما تشير إليه التوقعات، ولكن يبقى الفيصل هو ما سيحدث فعليا على أرض الواقع.

_____________________________________

المصادر

المصدر : الجزيرة