شعار قسم ميدان

تسبب في هروب مراهقَيْن من المدرسة.. هل كتاب "الأب الغني والأب الفقير" يقود إلى الثروة فعلا؟

كتاب "الأب الغني والأب الفقير"
"الأب الغني والأب الفقير" هو كتاب "ثقافة مالية"، يتناول في فصوله عددا من جوانب الاستثمار والوصول إلى الثروة. (الجزيرة)

"قرأنا كتابا هو بمنزلة كنز فكري وريادي، وهو كتاب "الأب الغني والأب الفقير" للكاتب الأميركي "روبرت كيوساكي". مهما شرحنا لكم عن فكرنا الجديد فلن نستطيع إيضاح الصورة الكاملة حتى تقرؤوا ذلك الكتاب الثمين الذي قرأناه ووعيناه وتدارسنا أفكاره أربعين يوما طيلة الإجازة. ذهبنا للبحث عن عمل نجني فيه رأس المال ثم نبدأ مشروعنا الخاص، ونجعل المال هو الذي يعمل من أجلنا وليس نحن مَن نعمل من أجل المال مثل عقليّة الموظف التي تصدرها المدارس".

كانت هذه الكلمات الفصيحة المُرتَّبة افتتاحية رسالة طويلة كتبها مُراهقان أردنيان لم يتجاوزا السادسة عشرة من العمر في 4 أوراق كبيرة بخط واضح متناسق، وهما أيهم العمري وراشد الصبح، الطالبان في الصف العاشر في مدرسة متخصصة للطلبة المتميزين في محافظة إربد شمال الأردن، وقد سلَّم هذه الرسالة زميلٌ لهما إلى أبويهما، بعد تغيُّبهما عن المنزل بعج نهاية اليوم الدراسي.

 

بدا الموقف مُربكا للغاية. بعد مرور يومين، قام والد أيهم (حسين العمري) بإبلاغ الشرطة بغياب ابنه وزميله في المدرسة، وبدأت حملة البحث عن الطالبين المتغيبين عن المنزل. لم يكن الطالبان مجرد مراهقَيْن متقلبي المزاج، بل كانا يدرسان في مدارس المتفوقين، ويتحليان بأخلاق رفيعة، ويواظبان على ممارسة الرياضة وأداء الشعائر الدينية. يحكي "العمري" أن ابنه "أيهم" كان مميزا في الدراسة، حتى بدأ في إظهار النفور الشديد من المذاكرة خلال الشهرين الأخيرين، وهو ما انعكس على تراجع درجاته الدراسية بشكل غير معتاد.

 

لاحقا، ومع نهاية الفصل الدراسي الأول بأداء سيئ لأيهم، بدأ يتحدث مع أبيه في رغبته عدم إكمال تعليمه، والبحث عن "الثروة بعيدا عن النظام التعليمي التقليدي"، وأن درجات المدرسة ما هي إلا مجرد أرقام على ورق، وأن سقفها "مجرد موظف محكوم عليه بالفقر" بحد التعبير الذي نُقل عنه.

 

اعتبر الأب أن هذه التصرفات مجرد حالة ملل معتادة لمَن هم في مثل عمره، وبدا أن الأمور عادية حتى مساء يوم الأحد عندما دخل المراهق غرفة أبيه وقبّله، ثم غادر صباح الاثنين إلى مدرسته كالمعتاد، ولكنه لم يعد. لوحظ بعدها غيابه مع صديقه راشد، وتركهما رسالة لزميل ثالث لهما اشترطا عليه أن يسلمها إلى ذويهما بعد غيابهما. ومع إغلاق هاتف كلٍّ من الشابين الصغيرين وصفحاتهما على وسائل التواصل الاجتماعي، تم إبلاغ الشرطة عن تغيُّبهما، وتسرب الأمر إلى الإعلام الذي ضجّ بالبحث عن المراهقَيْن اللذين تركا رسالة مثيرة للجدل تحمل ألف علامة استفهام عن دوافعهما للرحيل. (1)

 

سنعود لكم ونحن أثرياء

أيهم العمري وراشد الصبح، مراهقان تركا المنزل وقررا الامتناع عن الدراسة تأثرا بكتاب "الأب الغني والأب الفقير" للوصول إلى الثروة - وسائل التواصل
أيهم العمري وراشد الصبح، مراهقان تركا المنزل وقررا الامتناع عن الدراسة تأثرا بكتاب "الأب الغني والأب الفقير" للوصول إلى الثروة. (مواقع التواصل)

"قررنا المُضي قُدما في الحياة حاملين فِكرا جديدا سيغير الكثير من المفاهيم لدى شباب مجتمعاتنا".

بعد عدة أيام، عثر فريق من الشرطة الجنائية التابعة لمديرية الأمن الأردنية على الشابين في منطقة البيادر في العاصمة عمّان قادمين من مدينة إربد شمال الأردن. وذكرت المصادر الأمنية أن الشرطة استطاعت تتبُّع كلٍّ من الشابين بعد ورود بلاغ بالاشتباه في وجودهما في هذه المنطقة، بعد دخولهما إلى أحد المساجد لأداء صلاة الفجر، وهو ما جعل إمام المسجد يتواصل مع الأمن العام ويخبره بوجود الشابين في المنطقة.

 

في خطابهما، شرح الصديقان أنهما بعد قراءة كتاب "الأب الغني والأب الفقير" أدركا أن التعليم الذي يتلقيانه غير مفيد، وسوف يؤهلهما ليصبحا مجرد موظفين فقيرين يقاتلان من أجل المال، بدلا من جعل المال يعمل لديهما. وقالا إن النظام التعليمي الحالي يهدر طاقات الشباب، ولا يعلمهم مبادئ المال والأعمال والاستثمار التي يجب عليهم أن يتعلموها خارج المدرسة، لذلك فقد قررا أخذ هذه الخطوة لمدة 6 سنوات، يبحثان فيها عن الثروة والاستثمار والعمل الحر بعيدا عن المنزل والمدرسة، والعودة إلى أهلهما وهما ثريان.

 

وحدَّد الشابان أهدافهما الأساسية من هذه الخطوة بترك المنزل والدراسة بأنهما يبحثان عن "جمع رأس المال الذي يكفي لبدء مشروعهما"، وأيضا حفظ كتاب الله وإجادة اللغة الإنجليزية، وأنهى كلاهما الخطاب قائلين: "والله لو وضعوا الشمس في يميننا والقمر على يسارنا على أن نترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو نهلك دونه ما تركناه وإنا عليه عازمون مقبلون. ونعدكم بأننا عائدون لكم ولو بعد حين، فكفوا عن البحث عنا، سنعود ونحن نزف لكم قصة نجاح جديدة تكون مصدر إلهام لمجتمعنا، لعل الله يمن علينا وينفع بنا ويعيننا على إيصال رسالتنا".

 

بالتأكيد كان هذا الحدث واحدا من أكثر الأحداث التي أثارت الرأي العام في الأردن سواء بتعليقات جدية أو ساخرة، وأصبحت مثار حديث للكثير من المتخصصين في علم النفس حول نفسية المراهقين التي تتأثر بأضواء الشهرة ووسائل التواصل الاجتماعي، وعقلية الجيل الجديد التي تتمرد على التعليم النظامي بحثا عن طرق سريعة لجذب المال والشهرة. (1)

 

الأب الغني والأب الفقير

نُشر كتاب "الأب الغني والأب الفقير" (Rich Dad, Poor Dad) للمرة الأولى في نهاية التسعينيات، وعُدَّ من أكثر كتب الثقافة المالية انتشارا لعدة سنوات. (مواقع التواصل)
نُشر كتاب "الأب الغني والأب الفقير" (Rich Dad, Poor Dad) للمرة الأولى في نهاية التسعينيات، وعُدَّ من أكثر كتب الثقافة المالية انتشارا لعدة سنوات. (مواقع التواصل)

وبعيدا عن الحديث عن الظاهرة الاجتماعية التي يُمثِّلها جيل كلٍّ من أيهم وراشد، سنلقي الضوء أكثر على الكتاب نفسه الذي استشهدا به دافعا أساسيا لفرارهما من المنزل بحثا عن الثروة. كتاب "الأب الغني والأب الفقير" (Rich Dad poor Dad) هو كتاب صدر عام 1997 بواسطة المؤلف الأميركي من أصول يابانية "روبرت كايوساكي"، وعُدَّ من أهم وأكثر الكتب انتشارا في نهاية التسعينيات، ومطلع الألفية. بالأساس هو كتاب "ثقافة مالية"، يتناول في فصوله عددا من جوانب الاستثمار والوصول إلى الثروة.

 

على مدار 6 سنوات، احتل الكتاب مركزا في قائمة "النيويورك تايمز" لأفضل الكتب مبيعا، ووصل عدد النسخ التي بيعت منه عالميا 32 مليون نسخة، وفي تقدير آخر لروبرت كايوساكي نفسه فقد تجاوزت المبيعات 40 مليون نسخة عام 2017 بعد مرور 20 عاما على طبعته الأولى. تُرجم الكتاب إلى أكثر من 50 لغة عالمية، ووُزِّعت نسخه الأصلية في أكثر من 109 دولة حول العالم، ويُتوقع أن تتجاوز مبيعات الكتب المزيفة التي نسخت الكتاب عدة ملايين أخرى.

 

الكتاب مكوَّن من تسعة فصول، جميعها تتناول موضوعات مختلفة تتعلق بالوصول إلى الحرية المالية من خلال الاستثمار في الأصول والتقليل من الإنفاق على "الخصوم". الأصول هي العناصر التي تزداد قيمتها بمرور الوقت، مثل الاستثمار في العقارات أو الأسهم، بينما الخصوم هي العناصر التي تقل قيمتها بمرور الوقت مثل الأجهزة والسيارات والأدوات الاستهلاكية. والواجب على كل شخص يسعى للثروة -بحسب الكاتب- هو أن يجمع ما يكفي من مال لبدء رحلة الاستثمار في الأصول، وما تجلبه من أموال وثروة.

 

هذه المبادئ التي يستفيض المؤلف في شرحها تدور حول قصة أساسية ادعى فيها المؤلف خلال الصفحات الأولى في الكتاب أن كل النصائح والخبرات التي جمعها كانت بعد ملاحظته الفرق بين أبيه الأستاذ الجامعي المُتعلم "الفقير"، وبين والد زميله مايك غير المتعلّم الذي ترك الدراسة في الصف الثامن واستطاع حصد ثروة كبيرة في زمن قصير. يلعب المؤلف هنا على معنى واضح: التعليم النظامي والحصول على درجات أكاديمية ليس طريقا لتحقيق الثروة، وأن الثروة تأتي من خلال الممارسة العملية وليس من خلال الطرق التقليدية. (2)

 

هل هو كتاب مهم حقا؟

رغم شهرته الواسعة على مدار العقدين الماضيين، وحقيقة أنه ما زال يحتل مكانا في أرفف المكتبات بكل اللغات، فإن هذه الشهرة لم تكن فقط في نجاحه بوصفه كتاب مساعدة ذاتية "Self -help"، وإنما أيضا لشهرته في التعرُّض لنيران النقد العنيف أحيانا. وصف الصحافي والكاتب الأميركي "روب ووكر" الكتاب في مقالة شهيرة نُشرت على موقع "Slate" بأنه "مليء بالهُراء"، وأنه ليس أكثر من محاولة تلميع العلامة التجارية للمؤلف وإظهار نفسه بأنه مستشار مالي خبير وموثوق، ومن ثم تنهال عروض طلبات المحاضرات والدورات التدريبية.

 

من جانبه، انتقد المستثمر العقاري ورجل الأعمال ومؤلف الكتب المالية "جون تي رييد" عبر سلسلة من المقالات المفصّلة كتاب "الأب الغني والأب الفقير" قائلا إنه يحتوي على العديد من النصائح الخاطئة والسيئة والنظرية. كما قال بوضوح إن الكتاب يُعَدُّ "أغبى كتاب نصائح مالية قرأه على الإطلاق"، وإنه يحتوي على أخطاء قاتلة وتنظير غير مطابق للواقع في العديد من نواحي الأمور المالية. (3، 4)

 

هذه الانتقادات، القادمة من خبراء في موضوعات الأمور المالية، كشفت المزيد من الأفكار التي يمكن وصفها بالمثيرة للجدل بالنسبة لمؤلف الكتاب وشكَّكت في مصداقية الدعاوى التي يطرحها في كتابه ذائع الصيت. زاد الطين بلّة أنه بعد عدة سنوات من إصدار الكتاب، تعرّضت شركة المؤلف نفسه للإفلاس عام 2012، وهو ما عدَّه الكثيرون علامة تحذير أخرى من رجل يتغنّى طوال الوقت بخبرته في الأمور المالية وسُبل الوصول إلى الثراء وحماية الثروات من التبديد، ثم يتعرض لهذه العثرة التي قد يكون أفضل توصيف لها هي المقولة الشعبية: "باب النجار مخلّع". (5)

 

مليونير يكتب.. أم كتاب جعل صاحبه مليونيرا؟

روبرت كايوساكي، مؤلف كتاب "الأب الغني والأب الفقير"، أصبح واحدا من أشهر المدربين الماليين في أميركا والعالم بعد إصدار كتابه في نهاية التسعينيات - وسائل التواصل
روبرت كايوساكي، مؤلف كتاب "الأب الغني والأب الفقير"، أصبح واحدا من أشهر المدربين الماليين في أميركا والعالم بعد إصدار كتابه في نهاية التسعينيات. (مواقع التواصل)

المفترض أن الكتاب حقق هذه الشهرة بناء على قاعدة تقديمية أساسية لمؤلفه، قال فيها إنه يشارك نصائح عملية عميقة اختبرها بنفسه خلال حياته المهنية، وأنه نثر كل هذه الدروس في صفحات الكتاب، ووضَّح كيف ساعدته هذه الخبرة على التحوُّل إلى مليونير ومستثمر عقاري ومالي كبير. كل هذا جميل ويبدو مُلهما ومُقنعا، ولكنْ هناك مشكلتان كبيرتان اتضحتا لاحقا: الأولى أنه حتى تاريخ نشر كتابه عام 1997، لا يوجد أي توثيق رسمي لثروة "روبرت كايوساكي" يخبرنا بمقدار ثروته وإن كان مليونيرا أو لا، ناهيك بمصادرها، وذلك بحسب مقال نُشر على موقع "فوربس" العالمي المتخصص في الموضوعات المالية. (6)

 

أما المشكلة الأخرى فهي أن الأساس الذي قدَّمه المؤلف باعتباره قصة واقعية لتجربة مرَّ بها، رصد فيها أبا فقيرا وقارنه بأب غني، اتضح أنه قصة مختلقة بالكامل، على الأقل فيما يخص وجود أب غني، وهو المحور الأصلي الذي قام الكتاب عليه، حيث الشخص الغني غير المتعلِّم الذي استطاع أن يجمع المال بذكاء. لا وجود للأب الغني رغم أن تنظير الكتاب كله يدور حول هذه الشخصية. حسنا، لاحقا برر كايوساكي عدم وجود هذه الشخصية بأنه مثل "هاري بوتر"، إذ ليس شرطا أن يكون حقيقيا حتى يكون مؤثرا! (7)

 

الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد، فعلى مدار سنوات طويلة بعد إصدار الكتاب، طرح كايوساكي العديد من الكتب المُكمِّلة له، جميعها تدعو القارئ إلى الاشتراك في أنظمته التدريبية للحصول على خبراته المهنية، ما عدَّه الكثيرون "علامة حمراء" على أسلوب الرجل في جمع الثروة من شهرة كتبه، وليس من خلال مشاركة خبرات حقيقية للجمهور. الكثير من العملاء الذين سجلوا في هذه الدورات وجدوا أن أسعارها مُبالغ فيها للغاية، حيث يحصل الأغلبية على نصائح مجانية غير مؤثرة، ثم نصائح مدفوعة بأسعار تدور حول 500 دولار، ثم أخيرا ما يسميه "دورات الصفوة" التي تزيد أسعارها على 30 ألف دولار. (8)

 

بالطبع لا يمكن القول إن كتاب "الأب الغني والأب الفقير" غير مفيد كُليا أو إنه شكل من أشكال الاحتيال (Scam)، بل إنه بالفعل يحتوي على العديد من القصص والخلفيات والقواعد المالية التي من المفيد للغاية أخذها في الاعتبار أثناء رحلة الحياة. ولكنه -بالتأكيد- ليس هو الكتاب الذي يغامر من أجله شخص ما بالتخلي عن تعليمه ودراسته أو وظيفته، والسعي لتطبيق قواعد في معظمها "أميركية للغاية" مصوغة بأسلوب حماسي وبعنوان مؤثر.

 

في النهاية، من الجيد بالتأكيد أن يستثمر كل مَن يملك المال جزءا كبيرا منه في العقارات والأسهم -وهي قاعدة مالية معروفة-، ومن الجيد أن يسعى كل شخص لتطوير حياته المالية، ولكن من الصعب تعميم هذا الأمر بالنسبة لشرائح كبيرة من الشباب العربي الذين يجدون صعوبة في شراء أو تأجير منزل للزواج، ناهيك بترك التعليم والانطلاق إلى جمع المال في أسواق عامرة بالبطالة وتضاؤل فرص العمل المتاحة بالفعل!

—————————————————————————

المصادر:

1 – كتاب الأب الغني والأب الفقير: قصة مراهقَيْن من الأردن دفعهما الكتاب إلى ترك المدرسة والمنزل بحثا عن الثروة

2 – كتاب الأب الغني والأب الفقير – روبرت كيوساكي

3 – If I Were a Rich Dad Why millions buy Rich Dad, Poor Dad’s nonsense

4 – John T. Reed’s analysis of Robert T. Kiyosaki’s book Rich Dad, Poor Dad

5 – The Author Of The ‘Rich Dad, Poor Dad’ Books Has Filed For Chapter 7 Bankruptcy

6 – Rich dad , poor dad , bankrupt dad

7 – Shocking Revelation: Kiyosaki’s "Rich Dad" Is Not Real, but a Myth Like Harry Potter

8 – The Ultimate Hypocrite: Robert Kiyosaki and His Company’s Bankruptcy

المصدر : الجزيرة