شعار قسم ميدان

تعلم فنون الإدارة من الملاعب.. 5 أفلام رياضية تقدم دروسا ملهمة لرواد الأعمال

فيلم "كرة المال" (Moneyball) من إنتاج عام 2011 وبطولة النجم الأميركي الشهير براد بيت
فيلم "كرة المال" (Moneyball) من إنتاج عام 2011 وبطولة النجم الأميركي الشهير براد بيت (مواقع التواصل)

بالنسبة للمُشجِّع في مباريات كأس العالم، فإن انطلاق صافرة الحكم لبدء المُباراة تعني دقائق من المتعة والإثارة والرغبة في الاحتفال بالفوز. أما بالنسبة للاعبين على أرض الملعب، فإن الصافرة نفسها تعني أمرا مختلفا تماما، حيث يبدؤون في تطبيق عشرات المبادئ والقوانين التي تعلموها أثناء التدريب لسنوات طويلة، وروتين مستمر للحفاظ على الأداء وتنفيذ الخطط بشكل صحيح ومثالي.

 

لذلك، لطالما كانت الرياضات الجماعية تحديدا ملعبا ممتازا لتطبيق مفاهيم التخطيط والانضباط وفنون اتخاذ القرارات، وهو ما يجعلها منجما من ذهب لنظريات وتطبيقات فنون الإدارة والعمل الجماعي وتطوير فِرَق العمل وتطوير الأداء وغيرها من المفاهيم الإدارية. هنا، نسلط الضوء على 5 أفلام ممتعة دارت أحداثها في أوساط رياضية بحتة، تقدم دروسا مفيدة لرواد الأعمال والمديرين وأصحاب الأعمال التي تعتمد على المجهودات الجماعية.

 

كرة المال.. ماذا تقول الأرقام أولا؟

في فيلم "Moneyball"، يستعين مدير الفريق الرياضي بمحلل بيانات لقياس مستويات اللاعبين ووضع خطط اللعب بأقل الإمكانيات 
في فيلم "Moneyball"، يستعين مدير الفريق الرياضي بمحلل بيانات لقياس مستويات اللاعبين ووضع خطط اللعب بأقل الإمكانيات  (مواقع التواصل)

يواجه فريق "أوكلاند أثليتيك" للمحترفين في رياضة البيسبول مشكلة عاصفة، حيث تذيَّل ترتيب الدوري وفقد أهم نجومه على الإطلاق الذين رحلوا إلى فِرَق كبرى، فضلا عن ميزانية شديدة التواضع في خزينة الفريق لا تكفي لعمل أي إنجاز حقيقي في المسابقة، لا على مستوى رفع النشاط أو الاستعانة بخبراء أو محترفين. كانت كل الإشارات أمام مدير الفريق تخبره أن هذا الفريق إما سيظل في مؤخرة الدوري، وإما سيُصيبه انهيار آخر يطيح به تماما من المسابقة.

 

هنا، لم يكن أمام "بين بيلي" المدير العام الفريق إلا خيار واحد، وهو الاستعانة بالشاب "بيتر براند" خريج جامعة ييل (Yale) المتخصص في علم البيانات وتحليلاتها. كانت هذه الوسيلة هي آخر ما يمكن فعله لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالاعتماد على تكتيك إداري جديد لاتخاذ القرارات يقوم على المنهج العلمي الحسابي الإحصائي وليس البديهة أو الحدس. بالفعل، بدأ "براند" عمله بتحليل مستويات اللاعبين وكفاءاتهم لمحاولة الوصول إلى أفضل تشكيل ممكن يُمكِّن الفريق من الفوز بأضعف الإمكانيات.

 

المفاجأة الصادمة كانت تعرُّض الفريق للخسارة في 11 مباراة متتالية، وعدم تحقيق فوز واحد. بعدها بدأ الفريق في تحقيق انتصارات طفيفة بدأت في التصاعد سريعا بشكل أثار ذهول جميع المشجعين حتى انتصر الفريق في 20 مباراة متتالية دون هزيمة، فيما عُدَّ رقما قياسيا في المسابقة، حتى استطاع الوصول إلى المباراة النهائية أمام أكبر فريق في الدوري الأميركي.

 

فيلم "كرة المال" (Moneyball) من إنتاج عام 2011 وبطولة النجم الأميركي الشهير براد بيت الذي يلعب دور "بين" مدير الفريق، إلى جانب الممثل "جونا هيل" الذي يلعب دور متخصص البيانات. الفيلم قائم على رواية بالاسم نفسه نُشِرت عام 2003، وعلى الرغم من الأحداث الرياضية التي يعج بها الفيلم الذي ترشح إلى 6 جوائز أوسكار وحقق إيرادات كبيرة بقيمة 110 مليون دولار، فإن معظم النقاد والمشاهدين تعاملوا مع الفيلم باعتباره فيلما "إداريا" بامتياز ومليئا بالنصائح والمقتطفات المفيدة للمديرين وأصحاب القرار، خصوصا في الرجوع إلى ما تؤكده الأرقام بدلا من الميل إلى المشاعر في اتخاذ القرارات الصعبة.

 

المدرّب كارتر..  كيف تحوّل كل هذا الفشل إلى نجاح؟

فيلم "المدرب كارتر" (Coach Carter)
فيلم "المدرب كارتر" (Coach Carter) (مواقع التواصل)

عندما يتولى المدرب الأسمر "كين كارتر" مهمة تدريب فريق السلة في مدرسته الثانوية القديمة، يجد أمامه موقفا شديد الصعوبة. اللاعبون جميعا سيئو الخلق، الفوضى تعم حياتهم، متأخرون في دراستهم، ومن الواضح أنه لا مستقبل لهم إلا في عوالم الجريمة أو السجون.

 

لاحظ "كارتر" مع كل هذه الحقائق المأساوية أن الطلاب يحبون بالفعل كرة السلة، وفي إمكانهم إضاعة اليوم بالكامل في ممارسة اللعبة. هنا وجد المدرب فرصة ممتازة لرفع مستواهم في الحياة الدراسية، عندما قرر حرمان بعض الطلاب من ممارسة الرياضة بشكل منتظم إلا إذا حسّنوا مستواهم الدراسي بهدف ضمان حياة كريمة لهم. رفض الكثيرون منهم، بل وحاولوا التمرد عليه، لكنه كان حازما في قراره: تريد أن تلعب وتنضم للفريق وتستمتع، حسِّن مستواك الدراسي أيضا.

 

مع انصياع الطلاب لأوامر مدرّبهم الجديد، يبدأ كارتر في خلق قواعد عامة للانضباط في اللعب، والانضباط في الدراسة، بل وحتى اصطحابهم إلى المكتبة للقراءة والاطلاع، وكسر حالة التمرد الدائمة التي يخوضها اللاعبون سيئو الأخلاق. بمرور الوقت، يفهم اللاعبون قواعد المدرب كين كارتر وما يرمي إليه من ضرورة التوفيق بين جوانب الحياة، ومن ثم يبدأ الفريق في خوض المباريات وتحقيق فوز باهر.

 

فيلم "المدرب كارتر" (Coach Carter) أُنتج عام 2005، وبطولة النجم الأميركي صامويل جاكسون، ومبني على قصة حقيقية للمدرب "كين كارتر" الذي درب فريق كرة السلة في مدرسة ريتشموند الثانوية، وأصبح حديث وسائل الإعلام في فترة التسعينيات بسبب نجاحاته وتحقيقه ما لم يستطع غيره تحقيقه من انتصارات لفريق المدرسة، ليس فقط على المستوى الرياضي وإنما أيضا على المستوى الشخصي للطلاب.

 

الفيلم يتخذ من الرياضة واجهة للكثير من الرسائل القيادية والإدارية، وأهمية الرؤية الصحيحة ووضع توقعات سليمة وإحياء روح الفريق بين أشخاص يعتبرون أنفسهم فاشلين، والارتكاز على نقطة قوة واحدة لخلق المزيد من نقاط القوة للفريق وتحسين أوضاعهم. يوصف بأنه فيلم "إداري وإلهامي" بامتياز، في إطار رياضي درامي.

 

تذكر العمالقة.. كيف تفوز بفريق من الكارهين؟

يجد المُدرّب "هيرمان بون" نفسه في موقع لا يُحسد عليه، من المستحيل أن يخرج منه بنتائج إيجابية تقريبا، عندما يوكل إليه قيادة فريق كرة القدم (Football) لإحدى المدارس الثانوية مُختلطة الأعراق بين البيض والسود، وذلك بعد عدة سنوات فقط من إنهاء حالة الفصل العنصري في أميركا في الستينيات. في ذلك التوقيت -مطلع السبعينيات- كان القانون الأميركي ينص على أن جميع الأميركيين من كل الأعراق متساوون، ولكن ما زالت آثار الكراهية العنصرية مشتعلة بين البيض والسود.

 

منذ اليوم الأول، يلاحظ المدرب الأسمر حالة كراهية شديدة بين أعضاء الفريق. هنا كل عضو في الفريق يكره الآخر علانية ويتمنى رحيله أو تدميره. كيف يمكن لمدرب أن يدرب فريقا بهذه النفسية، ناهيك بتحقيق نتائج إيجابية وبطولات للفريق؟ وفي هذه الظروف شديدة الصعوبة، يبدأ هيرمان رحلته القيادية التي تركز بشكل أكبر على السيطرة على الكراهية بين أعضاء الفريق، وتجاوز المشكلات العنصرية، والدمج بين كل الأعراق حتى يمكنهم في النهاية تحقيق البطولات، والمساهمة في جهود إنهاء الاحتقان العنصري في المدينة.

 

فيلم "تذكر العمالقة" (Remember The titans) أُنتج عام 2000، بطولة النجم الهوليودي الأسمر دينزل واشنطن في واحد من أفضل أدواره على الإطلاق، حقق الفيلم نجاحا جماهيريا كبيرا تجاوز 130 مليون دولار، وتقييما نقديا مرتفعا للغاية، وعُدَّ واحدا من أهم الأفلام الرياضية التي تُقدِّم قيمة درامية وتاريخية واجتماعية عميقة مترسخة في المجتمع الأميركي.

 

ومع القيمة الاجتماعية التصالحية التي يقدمها الفيلم، وإبرازه لمعنى إمكانية تحقيق النجاحات الجماعية بمجرد التأليف بين قلوب أعضاء الفريق وتوحيد جهودهم، عُدَّ الفيلم واحدا من أكثر الأفلام ترشيحا في الأوساط القيادية والإدارية التي تهتم بتأكيد قيمة العمل الجماعي وروح الفريق في المؤسسات الكبيرة والصغيرة على حدٍّ سواء.

 

البُعد الآخر.. كلمة واحدة قد تخلق بطلا

فيلم "البُعد الآخر"
فيلم "البُعد الآخر" (مواقع التواصل)

من الصعب التنبؤ بنوعية المستقبل الذي ينتظر المراهق الأسمر "بيج مايك" عند وصوله إلى سن المراهقة، فهو ينتمي إلى أكثر الأحياء فقرا، ولم يتعلم تعليما مناسبا، بل ورُفِض التحاقه بأحد أندية كرة القدم الأميركية. كانت كل الإشارات تقول إن الفتى ينتظره الشارع، وإن حبه لرياضة كرة القدم لن يُمكِّنه من تحقيق أي شيء إلا في أحلامه.

 

كان هذا قبل ظهور المُعلِّمة "لاي". كانت المُعلمة لاي نموذجا للمعلمة الصارمة التي لم تقرر فقط الإشراف على تطوير بيج مايك وتعليمه، بل قررت استضافته في منزلها والإشراف على تعليمه بنفسها في المدرسة، والإشراف على تمارينه وتطوره الرياضي حتى الانضمام إلى فريق كرة القدم، وتحقيق نتائج مدهشة حوَّلته إلى بطل معروف الاسم في كل الولايات المتحدة.

 

فيلم "البُعد الآخر" هو فيلم أُنتج عام 2009 بناء على قصة حقيقية نُشرت في كتاب بالعنوان نفسه عام 2006، من بطولة الممثلة الأميركية المخضرمة ساندرا بولوك في دور مُدهش حازت عليه جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، ولعب دور بيج مايك الممثل الأسمر كوينتن آرون. الفيلم حقق نجاحا ضخما في السينما العالمية بإيرادات تجاوزت 330 مليون دولار، انطلاقا من ميزانية صغيرة نسبيا قيمتها 29 مليون دولار.

 

الفيلم يعج بالمشاهد والتفاصيل الرياضية، ولكن في إطار تحفيزي شديد التأثير، خصوصا التركيز على الدور الإيجابي الكبير الذي يمكن أن يلعبه المُعلم المُلهم في تحويل شخص مُتعثِّر فاقد الأمل عامر باليأس إلى بطل يحقق الكثير من النجاحات. ولا يزال الفيلم على قائمة الأفلام الرياضية العامرة بالكثير من المعاني التي يمكن تطبيقها، ليس فقط في ملاعب كرة القدم الخضراء وسط صيحات الحماس، وإنما أيضا في ملاعب الحياة الشخصية والوظيفية والمهنية لكل شخص يمر بالمرحلة الانتقالية بين اليأس والإخفاق والشك في القدرات إلى تحقيق إنجازات كبرى.

 

جيري ماغواير.. النجاح ممكن بدون فساد

 

جيري ماغواير وكيل أعمال مخضرم لعدد من كبار الرياضيين، يتولى منصبا كبيرا في شركة علاقات عامة رياضية كبيرة تتولى إدارة حسابات وعلاقات الرياضيين في كل المجالات، ويعمل دائما خلف الكواليس والأضواء، يحصد أموالا طائلة، يعيش حياته أفضل ما يكون. كل شيء بالنسبة له هو جمع المال، بغض النظر عن مصدر هذا المال أو مصداقيته أو المواقف الأخلاقية من ورائه.

 

في مسيرته الوظيفية، يعرف أن أحد الرياضيين متهم بالتحرش والاغتصاب، فيتجاوز عن ذلك لأنه لا يهمه سوى المال الذي يتقاضاه من هذا اللاعب، بغض النظر عن مسيرته الأخلاقية. يرى لاعبا آخر متعجرفا يرفض التعامل مع الناس ويعاملهم بغلظة، ومع ذلك لا يهتم، هو بالنسبة له مجرد مال، بل إنه في إحدى المرات يزور أحد اللاعبين المُصابين في المستشفى، وكل ما يفكر فيه هو إن كان هذا اللاعب قادرا على العودة للملاعب بعد الإصابة، دون أدنى اهتمام بوضعه الصحي أو خطورة حالته.

 

ثم تحدث المفاجأة ويستفيق من نمط الحياة هذه مقررا أن يتحول إلى نمط حياة مختلف يتحرّى فيه الأمانة والمصداقية. وبالتأكيد هذه المعاني لا تجلب المال بالشكل الكافي، فيُطرد من شركته، ليبدأ حياة جديدة بعد الخامسة والثلاثين باحثا عن عملاء جدد -وفقا لمعاييره الجديدة-، فيخذله الجميع إلا عميل واحد. لاحقا، تتضح الكثير من المعاني الأسرية والمهنية والشخصية في مسيرته الجديدة التي تقود إلى واقع أفضل بكثير مهنيا واجتماعيا، مقارنة بواقع سابق مليء بالأرباح وخالٍ من المصداقية.

 

فيلم "جيري ماغواير" أُنتج عام 1996 ومن بطولة النجم الأميركي توم كروز، وهو واحد من أكثر الأفلام ترشيحا للإداريين ورواد الأعمال، حيث يدور سياقه العام في مجال الرياضة ولكنه مُحمل بعشرات الرسائل الإدارية والإنسانية المُلهمة. رُشح لعشرات الجوائز العالمية، وحقق إيرادات كبيرة قاربت 275 مليون دولار، وعُدَّ واحدا من أفضل أفلام التسعينيات.

 

في النهاية، ليس من قبيل المبالغة إطلاقا القول إن الرياضة، خصوصا الألعاب الجماعية منها، تظل هي أوضح الميادين التي تُمارس فيها كل قواعد ومعايير الإدارة والتخطيط من جانب، والحماس والتحفيز والإصرار لتحقيق الأهداف من جانب آخر. القوانين التي تُدار بها قواعد الفوز والهزيمة في الملاعب هي نفسها التي تُطبَّق على الشركات والدول والمجتمعات والأشخاص والأُسَر، ولا يختلف في النهاية سوى طرق التنفيذ.

———————————————————————————

المصادر:

الأفلام المذكورة في القائمة ضمن مشاهدات الكاتب الشخصية، وكل المعلومات الواردة في التقرير مُستمَدَّة من وصف الأفلام ذاتها.

المصدر : الجزيرة