شعار قسم ميدان

غرفة أو صالة أو مطبخ.. هل يمكنك أن تبدأ عملك الخاص من منزلك في 2023؟

Home Based Business
70% من الشركات التي بدأت من المنزل نجحت خلال السنوات الثلاث الأولى، مقابل 30% فقط من الشركات النظامية التقليدية. (شترستوك)

علم الاقتصاد لا يجامل ولا يميل لإعطاء صور كاذبة تجمّل الواقع أو حتى تقبّحه، لذلك فليس مُستغرَبا الأسلوب المباشر والصريح للمحللين الاقتصاديين في موقع بلومبرج الاقتصادي العالمي(1)، الذين تحدثوا عن كون العالم على أعتاب ركود اقتصادي مؤكد في العام 2023. هذه النتيجة المُقبضة هي ما أجمعت عليه معظم المؤسسات الاقتصادية، حتى تلك التي تستخدم صياغات أكثر لطفا، مثل غولدمان ساكس، التي وصف خبراؤها العام الجديد بأنه عام "تراجع اقتصادي طويل (Prolonged Downturn)".

 

وبالتأكيد يأتي رواد الأعمال الطامحون لبناء وتوسيع شركاتهم على رأس قائمة المتضررين من هذا الركود، حيث يجدون أنفسهم وجها لوجه في مواجهة الارتفاع الجنوني للأسعار، بالتحديد فيما يخص تملّك أو تأجير مقر أو مخزن أو متجر لتشغيل الشركة؛ ما يجعل الكثير من الشركات -خصوصا التي تقدم منتجات واقعية ملموسة وليس خدمات رقمية- تقترب من إصدار شهادة الوفاة.

 

حسنا، مع التسليم بحقيقة أن الظروف الحالية صعبة وقاسية على كل صاحب أعمال بلا شك، ولكن من قال إنك تحتاج إلى مقر أو مخزن كبيرين لبدء شركتك؟ في الواقع لدينا قائمة من شركات يعرفها كل شخص حول العالم الآن قيمتها مليارات الدولارات بدأت من غرفة وصالة منزل أو مطبخ!

 

غرفة.. بدأت منها DELL

"مايكل دِل"، مؤسس شركة "Dell" التقنية العملاقة، بدأ شركته من غرفة صغيرة للسكن الجامعي - وسائل التواصل
"مايكل دِل"، مؤسس شركة "Dell" التقنية العملاقة، بدأ شركته من غرفة صغيرة للسكن الجامعي. (مواقع التواصل)

في بداية الثمانينيات، كان السوق الأميركي والعالمي يمران بركود كبير عُرِف تاريخيا بركود الثمانينيات، حيث كانت الشركات تسرّح آلاف الموظفين مع ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار السلع والخدمات الأساسية، لكن يبدو أن هذا الجو الضبابي للاقتصاد لم يستطع أن يثبِّط حماس الشاب الجامعي "مايكل دِل" الذي كان يحمل طموحا أكبر بكثير من مجرد الدراسة في جامعة تكساس بمدينة هيوستن، وذلك بسبب رحلته الحافلة العامرة بالتجارة والأعمال في حياته المبكرة قبل الالتحاق بالجامعة.

 

أثناء مراهقته، كان مايكل مهووسا بشدة بأجهزة الحاسب الآلي التي بدأت في الانتشار عالميا أواخر السبعينيات، وكرّس وقته كله لهدف واحد فقط: تفكيك هذه الأجهزة الغريبة وإعادة تركيبها من جديد. ومع التحاقه بالجامعة، لاحظ أن الطلاب يقبلون على الحاسب الآلي باعتباره اتجاها ناشئا في ذلك العصر، فقرر أن يؤسس شركة صغيرة لتجميع أجزاء الحاسوب باسم "B Sales". وبالتأكيد، بالنسبة إلى طالب جامعي مغترب لا يملك أي أموال، كان مقر الشركة هو غرفة السكن الجامعي الصغيرة التي تبلغ مساحتها عدة أمتار، بعضها للفراش الذي يستلقي عليه، وبقية المساحة كانت للأجهزة التي يقوم بتجميعها.

 

بدأ نشاط "دِل" بتسويق الأجهزة المُجمّعة للطلاب في الحرَم الجامعي وبيعها بأسعار مناسبة للطلاب، وهو ما جعله يجمع أرباحا جيدة قام بإعادة تدويرها باستئجار شقة صغيرة وإعادة إطلاق شركته مرة أخرى تحت اسم "Dell" برأس مال لا يتجاوز 1000$، وذلك في منتصف عام 1984، مستعينا بثلاثة موظفين لتلقّي الطلبات. لاحقا، استطاع "دِل" إنتاج أول حاسب آلي بسيط من تصميم الشركة، ورفع جودة الأجهزة المُجمّعة، حتى وصل إلى تحقيق إيرادات قدرها مليون دولار في نهاية العام.

أحد مقرات شركة Dell Technologies العالمية - وسائل التواصل
أحد مقرات شركة Dell Technologies العالمية. (مواقع التواصل)

بحلول العام 1987، ومع هطول أموال المستثمرين على الشركة الواعدة، بدأت "دِل" التوسع العالمي إلى أوروبا، ثم أعلن عن إدراج الشركة للاكتتاب العام سنة 1988 لتصبح شركة عامة حصدت من ورائها جولة تمويلية ضخمة بقيمة 30 مليون دولار ساعدتها على الانتشار حول العالم. بحلول العام 1992، أُدرجت "Dell" بوصفها واحدة من أفضل 500 شركة في العالم بحسب تصنيف فورتشن، وأدرج "مايكل دِل" بوصفه أصغر مدير تنفيذي عالمي لشركة تحتل مكانتها في القائمة.

 

اليوم تقدر ثروة "مايكل دِل" بحوالي 45 مليار دولار، وتزيد الإيرادات التي تحققها شركة "Dell" (بحسب بيانات سنة 2021) عن 100 مليار دولار سنويا. وفي الوقت التي تحمل فيه علامة "Dell" التجارية الإشارة إلى جودة منتجاتها من الأجهزة المختلفة، فإنها أيضا تمثل دائما حالة دراسية تُدرّس دوريا في كليات الإدارة والأعمال باعتبارها واحدة من أشهر النماذج العصامية للإمبراطوريات التقنية الضخمة التي بدأت من غرفة صغيرة في السكن الجامعي(2).

 

صالة.. بدأت منها سبانكس

"سارا بلاكلي" في بدايات تأسيسها لشركة "Span" التي أطلقتها من منزلها الصغير، وتحولت إلى شركة عالمية قيمتها مليارات الدولارات - وسائل التواصل
"سارا بلاكلي" في بدايات تأسيسها لشركة "Span" التي أطلقتها من منزلها الصغير، وتحولت إلى شركة عالمية قيمتها مليارات الدولارات. (مواقع التواصل)

بعد تخرجها مباشرة من الجامعة، حصلت "سارا بلاكلي" على تدريب سريع في شركة "والت ديزني"، ومنها انتقلت لتشغل أول وظيفة نظامية لها كمندوبة مبيعات لشركة متخصصة في بيع وتوزيع أجهزة الفاكس التي كانت من أكثر الأجهزة استخداما في الثمانينيات وبداية التسعينات. طبيعة عملها مندوبة للبيع كانت تحتم عليها قضاء معظم وقتها خارج المنزل للتجول بين الشركات والمؤسسات في ولاية فلوريدا، واحدة من أكثر الولايات الأميركية ارتفاعا في معدلات الرطوبة والحرارة.

 

لذلك كانت "سارا بلاكلي" تختار ملابسها بعناية لتتناسب مع طبيعة عملها، بحيث تكون مريحة للغاية، وفي الوقت نفسه لا تظهر آثار التعرق أو الرطوبة. استطاعت بالفعل الوصول لهذه الملابس، إلا أنها لم تجد في الأسواق جوارب بهذه المواصفات، فقامت هي بنفسها بتصميم نوع من الجوارب المريحة التي تتفوق على مثيلاتها في الأسواق. جعلها ذلك -وفق حدسها التسويقي باعتبارها مندوبة مبيعات- تشعر بأنها توصلت إلى منتج ممتاز قد يجد فرصة حقيقية في السوق.

 

مع حماسها للفكرة، عرضت على عدد من المصانع إنتاج جواربها على أن تتكفل هي بالتصميم والتسويق. رفضت العديد من المصانع، حتى جاءها أخيرا القبول من مصنع صغير وافق على عرضها، وقام بتصنيع 3 آلاف زوج من الجوارب على أن تسدد ثمنها بعد بيعها. كانت هذه هي نقطة انطلاق "بلاكلي" التي قامت بتأسيس شركة أطلقت عليها اسم "سبانكس (Spanx)" صممت شعارها بنفسها، برأس مال قدره 5 آلاف دولار فقط، ويقع مقرها في "صالة منزلها"!

دخلت "سارا بلاكلي" قوائم الفوربس بوصفها أصغر مليارديرة عصامية في العالم سنة 2012 - تواصل
دخلت "سارا بلاكلي" قوائم الفوربس بوصفها أصغر مليارديرة عصامية في العالم سنة 2012. (مواقع التواصل)

في العام 2000، ومن صالة منزل بلاكلي التي تحولت إلى "مخزن" لاستقبال التوريدات وإرسالها للزبائن، بدأت منتجات سبانكس في الظهور بشكل تدريجي في السوق الأميركي، حتى استطاعت "سارا" توقيع اتفاق مع متجر كبير في أميركا لعرض جواربها في 7 متاجر. لاحقا، أرسلت "بلاكلي" منتجها إلى عدد من برامج الـ"توك شو" الأميركية، وعلى رأسها برنامج "أوبرا وينفري" التي عرضت مزايا المنتج للجمهور؛ ما جعل الإقبال هائلا على الشراء.

 

بحلول عام 2012، أي بعد 12 عاما من إطلاق شركتها في منزلها، احتلت مندوبة مبيعات أجهزة الفاكس مكانتها في قائمة فوربس بوصفها أصغر مليارديرة عصامية في العالم، وأيضا مكانة في قائمة أكثر 100 شخصية تأثيرا حول العالم(3).

 

مطبخ.. بدأت منه مسز فيلدز

أتقنت "ديبي فيلدز" صناعة الكعك والحلويات منذ صغرها، وحوّلت هوايتها إلى مشروع ناجح أدرّ ملايين الدولارات - مواقع التواصل
أتقنت "ديبي فيلدز" صناعة الكعك والحلويات منذ صغرها، وحوّلت هوايتها إلى مشروع ناجح أدرّ ملايين الدولارات. (مواقع التواصل)

أما "ديبي فيلدز" فكانت حياتها تقليدية تماما بولادتها في أسرة أميركية عادية لأب يعمل لحّاما للمعادن وأم ربة منزل و4 من الإخوة، هذه الظروف جعلتها ملاصقة لوالدتها في المطبخ طوال اليوم؛ فتعلمت أساسيات الطبخ، خصوصا صناعة الحلويات اللذيذة التي أتقنتها ببراعة، لدرجة جعلتها تتحمّس لإطلاق مشروعها الصغير وهي ابنة 12 عاما فقط، حيث قامت بصناعة الحلويات والكعك ثم بيعه بأسعار مناسبة للأصدقاء والجيران.

 

وعلى الرغم من بساطة ما تفعله، فإنها نجحت بالفعل في توفير بعض الأموال لشراء سيارة مستعملة قديمة حوّلتها إلى متجر متنقل لبيع حلوياتها. لاحقا، تزوجت "ديبي" وانشغلت في الحياة الزوجية قليلا، إلا أنها عادت مرة أخرى -بعد إنجابها 5 أولاد- إلى طموحها الأول لبدء علامة تجارية تحمل اسمها، بعد أن أبهرت كل أصدقائها وأقاربها بروعة الحلويات والمخبوزات التي تطهوها في المناسبات الاجتماعية.

 

في العام 1977، قررت السيدة "ديبي" أن تحول مشروعها الذي بدأته من المطبخ إلى متجر صغير، واستطاعت، بعد محاولات طويلة بالبحث عن تمويل لمشروعها الصغير فشلت فيها جميعا، تأمين تمويل صغير من إحدى مؤسسات التمويل لتفتتح متجرها الأول لصناعة الحلويات باسم "مسز فيلدز". كانت السيدة ديبي تصنع الحلويات وتوزعها بنفسها أو من خلال مندوبين في كل مكان تتوقع أن تجد فيه الزبائن، بداية من المطاعم، مرورا بالموظفين، وليس انتهاء بالزبائن العابرين.

 

حقق متجر "مسز فيلدز" نجاحا هائلا في السنوات اللاحقة، مع تزايد إقبال شركات الفرنشايز وحقوق الامتياز -أي شراء العلامة التجارية- حتى وصل عدد فروعه في أميركا إلى 160 فرعا بعد 7 سنوات من افتتاحه، فضلا عن فروع عالمية تدرّ أرباحا بملايين الدولارات.

 

بقدوم التسعينيات، باعت "ديبي فيلدز" نصيبها بالكامل في شركاتها إلى مستثمرين عالميين بملايين الدولارات، وعادت ربة المنزل الأميركية إلى أداء مهمتها العادية في تربية أبنائها والتفرغ لحياتها العائلية، فضلا عن تأليف الكتب الريادية والحديث عن تجربتها بصفتها سيدة أعمال حصدت ملايين الدولارات من وراء الشيء الوحيد الذي أحبّته منذ الطفولة: صناعة الحلويات في المطبخ!(4)

 

شركات منزلية

Home Based Business
يبدو أن العام 2023 سيكون امتدادا لنشاط الشركات المنزلية الذي بدأ العالم ككل يتآلف معها منذ بداية الجائحة في العام 2020. (شترستوك)

في الواقع، فإن "دِل" و"سبانكس" و"مسز فيلدز" تعتبر أمثلة محدودة من بين ملايين الشركات والمشاريع الصغيرة التي تبدأ في المنازل "Home Based Business" والتي تحول الكثير منها لاحقا إلى شركات عملاقة. بحسب الإحصاءات الأكثر توافرا حول هذا القطاع، وهي الأرقام الواردة من السوق الأميركي بطبيعة الحال، فإن الولايات المتحدة بها أكثر من 33 مليون شركة صغيرة (Small Business)، نصفها تقريبا أسست وتُدار في المنزل. بوضوح أكثر، هناك حوالي 15 مليون شركة صغيرة في أميركا تعمل من المنزل.

 

هذا الرقم الضخم للشركات التي تعمل من المنزل يضخ حوالي 430 مليار دولار سنويا في السوق الأميركي. وبحسب جهاز إدارة المشروعات الصغيرة، فإن 20% فقط من المشروعات التي تبدأ من المنزل هي التي تتعرّض للفشل، وهي نسبة ضئيلة تعني أن مشروعا واحدا فقط من بين كل 5 مشروعات منزلية صغيرة يفشل تماما. بينما استمرّ حوالي 60% من المشروعات الصغيرة التي تأسست في المنازل في العمل من المنزل، حتى بعد مرور 3 سنوات على تأسيس المشروع.

 

كما تقول الأرقام أيضا إن الحد الأدنى من رأس المال المستخدم في تأسيس الشركات المنزلية يتراوح ما بين 3-5 آلاف دولار في أميركا، وإن 70% من الشركات التي بدأت من المنزل نجحت خلال السنوات الثلاث الأولى، مقابل 30% فقط من الشركات النظامية التقليدية، وهو ما يشير إلى ارتفاع نسب نجاح الشركات الصغيرة العاملة من المنازل(5، 6).

 

في النهاية، يبدو أن العام 2023 سيكون امتدادا لنشاط الشركات المنزلية الذي بدأ العالم ككل يتآلف معها منذ بداية الجائحة في العام 2020، إلا أن الإغلاقات الكلية والجزئية لمواجهة الوباء لن تكون هي السبب هذه المرة في بدء شركات من المنزل، بل الركود العالمي الذي يتسبب في ارتفاع أسعار المكاتب والتوظيف وتأجير المحال والمخازن. إذن، ربما حان الوقت لإعادة التفكير مرة أخرى في الاستفادة من صالة منزلك أو مطبخك أو غرفة نومك لتأسيس مشروعك الصغير.

———————————————————————————-

المصادر:

1 – Forecast for US Recession Within Year Hits 100% in Blow to Biden

2 – How Michael Dell turned $1,000 into billions, starting from his college dorm room

3 – Sara Blakely Bio: How the Self-Made Billionaire Invented Spanx

4 – How To Build A Multimillion-Dollar Company: The Story Of Mrs. Fields Cookies

5 – 13+ Home Based Business Statistics and Facts in 2022

6 – US Home-based statistics 

المصدر : الجزيرة