شعار قسم ميدان

محنة سويفل.. كيف فقدت شركة النقل الجماعي الأشهر عربيا 95% من قيمتها؟

في صيف عام 2021، اكتسى برج خليفة في قلب مدينة دبي الإماراتية بألوان حمراء قانية في منتصفها أربعة أحرف باللغة الإنجليزية (SWVL) في إشارة إلى شركة "سويفل" للنقل التشاركي الجماعي عبر الحافلات، المصرية المنشأ الإماراتية المقر، التي أُعلن آنذاك عن إدراجها في بورصة ناسداك، بوصفها أول شركة عربية ناشئة تصل إلى هذا المستوى من التداول في أكبر أسواق الأسهم العالمية.

 

ولكن مع بدء التداول في نهاية مارس/آذار 2022، بدأت صيحات الاحتفال تتضاءل ليحل محلها صمت حذر، ثم تعالت صيحات التحذير بعد الانهيار الهائل في قيمة الشركة وفقدانها 95% من قيمتها خلال 6 أشهر فقط من بدء التداول، والتلويح بإمكانية شطبها من التداول في البورصة بعد انخفاض سعر السهم إلى ما دون الدولار الواحد، وهبوط القيمة السوقية للشركة من 1.5 مليار دولار إلى 75 مليون دولار فقط. (1) فما الذي يحدث لأكبر وأشهر شركة عربية ناشئة، التي كانت محل إشادة الجميع منذ عدة أشهر فقط؟

 

أيام مجيدة

تويتة سويفل

في عام 2017 ظهرت "سويفل" (SWVL) للمرة الأولى في شوارع القاهرة بصفتها تطبيق نقل تشاركي لطلب الحافلات المكيفة، يتيح توصيل الركاب إلى أهم المحطات في المدن الكبرى بسعر جيد وبمعايير عالية من حيث الجودة والأمان والراحة مقارنة بوسائل المواصلات العامة. كانت الفكرة جيدة للغاية، ما جعل شركة "كريم" (Careem) للنقل التشاركي تضخ تمويلا بذريا قيمته 500 ألف دولار في التطبيق الناشئ.

 

بقدوم عام 2018، كانت سويفل تحقق نموا سريعا، حيث حصدت جولتين تمويلتين كبيرتين بقيمة نحو 40 مليون دولار، وتعاقدت مع عشرات الحافلات لتنظيم مئات الرحلات اليومية في المدن الكبرى في مصر، تحديدا القاهرة والإسكندرية. لاحقا، ومع حصولها على جولة تمويلية كبيرة في عام 2019 بقيمة 42 مليون دولار، انتقلت سويفل إلى مقرها الجديد في مدينة دبي الإماراتية، وبدأت حملة للتوسع العالمي في خدماتها تشمل منطقة الشرق الأوسط وكينيا وباكستان.

 

استمر النمو القياسي للشركة المصرية الناشئة خلال عام 2020. وعلى الرغم من جائحة كورونا وتطبيق العزل المنزلي عالميا، فإنها نجحت في الحصول على تمويل إضافي رفع إجمالي تمويلاتها إلى أكثر من 100 مليون دولار، لتصبح واحدة من أكثر الشركات الناشئة تمويلا في المنطقة العربية، تزامنا مع توسع أعمال الشركة حتى منتصف عام 2021 لتشمل الأردن والسعودية، وارتفاع عدد المدن التي تقدم فيها سويفل خدماتها إلى 10 مدن في 6 دول.

هذا النمو الهائل للشركة أهَّلها للإعلان في صيف عام 2021 عن اندماجها مع شركة "كوينز جامبيت" ذات الأغراض الخاصة "SPAC"، ما منح الشركة فرصة لطرح أسهمها للاكتتاب العام (IPO) في بورصة ناسداك العالمية، وهو ما حوَّل الشركة الناشئة الواعدة إلى شركة عامة مُدرجة في البورصة العالمية بتقييم 1.5 مليار دولار، لتصبح الشركة العربية الأولى على الإطلاق التي تصل إلى هذه المرحلة المتقدمة في الأسواق العالمية.

 

انتهى عام 2021 بنتائج إيجابية للغاية للشركة العربية الواعدة التي تحولت إلى شركة عالمية للنقل التشاركي، في انتظار أن يبدأ التداول في سوق الأسهم العالمية في يوم 31 مارس/آذار 2022. وبالفعل، بدأ التداول في ذلك اليوم، ولكن في ظل ظروف عالمية مختلفة تماما عما كان متوقعا. (1)

 

فلنتوسع في كل مكان

توسع سويفل

بعد شهر واحد من الإعلان عن إدراج سويفل في بورصة ناسداك في صيف 2021، بدأت الشركة حتى قبل بدء تداولها الفعلي في مارس/آذار 2022، بدأت حملة توسعات عالمية لوضع أقدامها في السوق العالمية سريعا، حيث أعلنت سويفل استحواذها على شركة "شوتل" الإسبانية المتخصصة في النقل الذكي والعاملة في كلٍّ من إسبانيا والبرازيل، التي تتخذ مدينة برشلونة مقرا لعملياتها وتعمل في 22 مدينة موزعة في 10 دول أوروبية.

 

تزامنا مع استحواذها على "شوتل"، أعلنت "سويفل" أنها استحوذت أيضا على شركة "Door2door" الألمانية بصفقة غير معلنة. ثم بعد شهرين اثنين فقط، أعلنت الشركة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أنها استحوذت على حصة حاكمة من شركة "فيابول" (Viapool) الأرجنتينية للنقل التشاركي التي تعمل في الأرجنتين وشيلي مقابل عشرة ملايين دولار.

 

لاحقا، وفي إبريل/نيسان 2022 أعلنت "سويفل" عن رابع صفقاتها الاستحواذية، عندما استحوذت على شركة "فولت لاين" التركية الناشئة للنقل التشاركي بصفقة قدرها 40 مليون دولار، فضلا عن ضخ تمويل إضافي بقيمة 25 مليون دولار مخصص لزيادة النمو في السوق المحلي التركي. في التوقيت نفسه، أعلنت الشركة أنها أبرمت اتفاقا مبدئيا مع شركة "زيلو" (Zeelo) البريطانية تمهيدا للاستحواذ عليها بصفقة ضخمة مقدارها 100 مليون دولار، وأن الشركتين في مرحلة التفاوض النهائي لإغلاق الصفقة. (2، 3)

 

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ

توسع سويفل

انطلقت "سويفل" للتداول في بورصة ناسداك في نهاية مارس/آذار بسعر 10 دولارات للسهم الواحد، وبقيمة سوقية إجمالية تُقدَّر بنحو 1.5 مليار دولار، وهو ما اعتبره الكثير من المحللين تقييما مبالغا فيه، لكن ارتفاع تقييمات الشركات في تلك الفترة كان أمرا سائدا، مما ساهم بالموافقة على عملية الطرح وفقا لهذه القيمة.

 

تزامن الطرح في البورصة مع اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية، حيث كانت الأسواق تشهد تصاعدا متزايدا في الأسعار بسبب موجات التضخم بسبب اضطرابات سلاسل التوريد، ثم اندلاع الأزمة الروسية – الأوكرانية التي أدت بدورها إلى زيادة أسعار الطاقة، ما أثَّر بشكل مباشر على قطاعات النقل والمواصلات حول العالم، خاصة مع اندفاع الفيدرالي الأميركي في رفع معدلات الفائدة على الدولار بأسرع وتيرة له منذ عقود.

 

بحلول مايو/أيار، أي بعد شهرين اثنين فقط من بدء تداول سهم الشركة في البورصة، وبعد جولة توسعات كبرى قامت بها سويفل، انهار سعر السهم إلى 5 دولارات متأثرا بتقلبات السوق الضخمة، وارتفاع أسعار الفائدة والطاقة. بنهاية الشهر نفسه، فوجئ الجميع بإعلان الشركة تسريح ثلث موظفيها دفعة واحدة، أي نحو 400 موظف في مقراتها خصوصا في باكستان ودبي، وإعلانها أنها قامت بإحلالهم لصالح أنظمة مؤتمتة بالكامل (أنظمة تقنية تحل محل الكوادر البشرية)، وذلك لتخفيض الإنفاق والتركيز على تحقيق أرباح بدءا من عام 2023.

 

لكن التراجع الحاد في قيمة سهم سويفل في البورصة لم يُوقف الشركة عن الاستمرار في توسعاتها بالاستحواذ على شركات عالمية، حيث أعلنت سويفل استحواذها على شركة "Urbvan" المكسيكية للنقل الجماعي، وإعلان نيتها دخول السوق الأميركي بنهاية العام. في الوقت نفسه، أعلنت سويفل عن تراجعها في إتمام صفقة استحواذها على شركة "Zeelo" البريطانية، بحجة تقليل الإنفاق والتركيز على توليد الأرباح. (4، 5)

 

السقوط الحر

سويفل

"تراجُع السهم لا يُسبِّب قلقا لدى الإدارة، لكن لدينا مسؤولية تجاه كل مساهم يتعرض لخسارة، ونحاول الفصل بين خطة العمل التي نسير عليها وبين حركة السهم".

(تصريح لشركة سويفل)

ما بين بدء التداول في نهاية مارس/آذار 2022 حتى يوم الجمعة 8 يوليو/تموز، كان سعر سهم سويفل يتراوح ما بين الصعود والهبوط من سقف 10 دولارات المقررة لكل سهم هبوطا إلى نحو 5 دولارات ثم الارتفاع مرة أخرى. ولكن بعد الثامن من يوليو/تموز، تغير كل شيء ليبدأ سهم سويفل في رحلة هبوط حرة لا تتوقف، ليستقر لمدة 3 أشهر عند سعر دولار ونصف للسهم تقريبا، في تراجع حاد بلغ نحو 85% من قيمة السهم.

 

وبداية من 20 سبتمبر/أيلول الماضي، انهار سعر سهم سويفل لأول مرة ليقل عن الدولار الواحد ليبدأ احتسابه بالسنتات، لتصل قيمته إلى أدنى مستوياتها إلى نحو 55 سنتا للسهم الواحد، ما يعني فقدان الشركة أكثر من 95% من قيمتها، وتهاوي قيمتها من 1.5 مليار دولار إلى نحو 75 مليون دولار فقط، بعد مرور ستة أشهر من بدء تداولها في بورصة ناسداك العالمية.

 

هذا الانهيار الهائل في سعر سهم سويفل لما دون الدولار الواحد يُعرِّض الشركة -وفقا لآليات العمل في بورصة ناسداك- للشطب من التداول وحظر تداول السهم، إذا استمر مستوى تداولها عند سعر أقل من 1 دولار للسهم لمدة 30 يوم عمل متصلة. وإذا حدث ذلك، تقوم البورصة بإخطار الشركة بتعديل وضعها خلال مهلة تصل إلى 180 يوما، قبل شطبها نهائيا من التداول. (5، 6)

 

محاولات الحل

بحسب سويفل، فإن هناك طريقين لمواجهة الأزمة، الأول هو تحسُّن حركة الأسواق العالمية وبالتالي ارتفاع قيمة السهم خلال الفترة المقبلة تدريجيا لمعدلاته الطبيعية. وفي حالة لم يشهد السوق تحسُّنا ينعكس على سعر السهم، ولتفادي شبح الشطب من التداول في البورصة الأميركية قريبا، ستعمل سويفل على اتخاذ إجراءات فنية مثل "تجميع الأسهم" أو "إعدام الأسهم"، وذلك في إجراء فوري سريع يُتخذ خلال مهلة التمديد بهدف رفع السعر السوقي للسهم.

 

وقد صرَّحت سويفل أنها تترقب تحسُّن سعر السهم خلال الأسابيع المقبلة، وأنها ستلجأ إلى أحد الخيارين، خصوصا خيار تجميع الأسهم الذي يعني تحويل عدد معين من الأسهم إلى ورقة مالية معينة بسعر محدد، وهو أمر إجرائي فني لا علاقة له بمسار الشركة أو مساهميها. كما أشارت الشركة إلى إمكانية إعدام بعض الأسهم أيضا، وإن كانت تميل إلى الخيار الأول.

 

أما الطريق طويل الأمد لمواجهة الأزمة فيتمثَّل في التركيز على تنفيذ إستراتيجية التحول لتوليد الأرباح أكثر من الاهتمام بالتوسع، وذلك عبر تخفيض النفقات باستبعاد بعض الوظائف التي يمكن أتمتتها، وأيضا أوقفت الشركة عددا من الخطوط المباشرة في بعض المدن الكبرى التي لا تحقق ربحية مثل مدن كينيا والأردن، وأيضا مدينة الإسكندرية في مصر، مع إبقائها لرحلات المدارس والجامعات التي تولِّد ربحا منتظما.

 

ورغم أن سويفل تتوقع تحقيق خسائر قدرها 90 مليون دولار خلال العام الجاري 2022، وهو رقم يقترب من ضِعْف الخسائر التي حققتها عام 2021، فإن الشركة قالت إنها -بعد تغيير إستراتيجيتها التشغيلية لاستهداف تحقيق الأرباح كأولوية- تتوقع أن تحقق إيرادات ربحية بدءا من العام المقبل 2023 بمبلغ لم تُحدِّده، ثم توقعت بدء صافي أرباح بداية من 2024 بقيمة نحو 13 مليون دولار. (5، 6)

انفوجراف سويفل

في النهاية، ورغم الانهيار الكبير الذي طال سهم سويفل خلال 6 أشهر فقط من بدء تداولها في البورصة العالمية، فإن التوقعات تشير إلى إمكانية حدوث تعافي لقيمة السهم خلال الشهور المقبلة، وعودته إلى متوسط الخمسة دولارات، بعد الإجراءات التي اتخذتها الشركة باستهداف النموذج الربحي بداية من العام المُقبل، إلا إذا ظهرت المزيد من المفاجآت والاضطرابات في الأسواق العالمية وحملت أنباء غير سارّة للشركة العربية المنشأ التي تتلمس خُطاها باضطراب في الأسواق العالمية. (5)

———————————————————————————–

المصادر:

1 – القاهرة – دبي – نيويورك.. كيف وصلت "سويفل" إلى العالمية في أربع سنوات فقط؟

2 – سويفل SWVL المصرية تستحوذ على فولت لاين التركية للنقل في صفقة قيمتها 40 مليون دولار

3 – شركة عربية ناشئة لخدمات النقل البري تتوسع في إسبانيا

4 – Swvl’s $100M acquisition of Smart Bus startup Zeelo is off, amid tech stocks slump

5 – سويفل معرضة للشطب من بورصة ناسداك.. وقيمة الشركة تنهار لـ 75 مليون دولار

6 – السهم هبط إلى أقل من دولار.. سويفل مهددة بالشطب من بورصة ناسداك

المصدر : الجزيرة