شعار قسم ميدان

القاهرة – دبي – نيويورك.. كيف وصلت "سويفل" إلى العالمية في أربع سنوات فقط؟

في مساء 29 يوليو/تموز 2021، توجَّهت أنظار جميع المُقيمين في مدينة دبي إلى برج خليفة الشاهق، أشهر معالم المدينة، الذي اكتسى بلون أحمر قانٍ مميز بداخله 4 أحرف مكتوبة بمزيج من اللونين الأبيض والأصفر (SWVL). كان ذلك أبرز مراسم الاحتفال الدعائي بشركة "سويفل" (SWVL) المصرية الناشئة للنقل الجماعي الذكي التي تتخذ من دبي مقرا لها، بعد الإعلان عن إدراجها في بورصة ناسداك الأميركية بقيمة مليار ونصف المليار دولار.

 

تزامنا مع الاحتفال، كتب حاكم دبي محمد بن راشد تغريدة هنَّأ فيها شركة "سويفل" بهذا الإنجاز، مُشيرا إلى مصطفى قنديل المؤسس الشريك للشركة الذي وصفه بأنه "رائد الأعمال العربي الذي استطاع بناء شركة من دبي تتجاوز المليار ونصف المليار دولار"، ومُشيرا إلى أن دبي "ستبقى منصة لجميع الشباب العربي الطامح للعالمية من أرضها".

 

وعلى الرغم من أن الاحتفال بنجاح الشركة عُقد في دبي التي تستضيف مقرها الرئيسي، مع الاتجاه المُكثَّف لدولة الإمارات لفتح أبوابها لرواد الأعمال حول العالم واستضافتهم على أراضيها وتوفير التسهيلات كافة لهم، فإن قصة نجاح "سويفل" لم تبدأ إلا في شوارع القاهرة المزدحمة بالمواصلات، التي شهدت ميلاد فكرة مصطفى قنديل ورفاقه وسرعان ما تحوَّلت إلى شركة ناشئة حقَّقت نموا إقليميا في زمن قياسي لم يتجاوز أربع سنوات. (1)

 

في بداية عام 2017، تأسست شركة "سويفل" (SWVL) بواسطة 3 أصدقاء قدامى لم يتجاوز جميعهم الخامسة والعشرين حينئذ، هم مصطفى قنديل وأحمد صبّاح ومحمود نوح. ورغم أعمارهم الصغيرة نسبيا، فإن الثلاثي المؤسِّس يحمل خبرات كبيرة في مجالات البرمجة والعمليات والتسويق، وعلى رأسهم مصطفى قنديل الذي عمل في عدة مناصب تنفيذية لشركات كبيرة مثل شركة "Rocket internet"، وشركة "كريم" (Careem) للنقل التشاركي.

 

بعد تقديم كلٍّ منهم استقالته في عمله، اتفق ثلاثتهم على إطلاق شركتهم الناشئة في مجال النقل التشاركي، بناء على رصدهم بأن أزمة المواصلات وازدحامها هي أكبر مشكلة تعاني منها كل الدول النامية، وليست مشكلة مصرية فقط. ساعدهم في ذلك أن ثلاثتهم يملكون خبرات كبيرة في مجالات ذات صلة، وهو ما يُعزِّز من قدرتهم على حل هذه المشكلة بفعالية.

 

كانت الفكرة الأساسية هي تقديم خدمة حافلات بمعايير عالية الكفاءة والأمان والراحة، وبأسعار مقبولة بالنسبة للطبقة الوسطى، والربط بين الحافلات والركاب من خلال تطبيق على الهواتف الذكية على غرار تطبيقات "أوبر" (Uber) و"كريم" (Careem).

 

دشَّنت الشركة مقرها الأول في شقة قديمة يملكها أحد أعضاء الفريق، وكان التمويل المبدئي الذي بدأوا به شركتهم الناشئة قيمته نحو 30 ألف دولار جمعوها من جهودهم الخاصة، وبعد إطلاق نموذجهم التجريبي الأول الذي استنفد رأس المال الذي يملكونه كافة، تقدَّمت شركة "كريم" بتمويل بذري (seed fund) قيمته 500 ألف دولار، الذي يعتبر أول دفعة تمويلية حصلت عليها شركة "سويفل" بعد تأسيسها. (2)

 

في مارس/آذار 2017، ظهر فريق مؤسسي شركة "سويفل" في برنامج يُبث على إحدى القنوات الفضائية المصرية لعرض فكرتهم الريادية الناشئة أمام لجنة تحكيم من الخبراء ضمن مجموعة شركات أخرى. من ضمن فقرات عرض المشاريع كانت هناك فقرة خاصة حول مفهوم التوسُّع (Scalability) المتاح أمام كل شركة ناشئة لتحقيقه بعد انطلاقها في السوق، وهو الأمر الذي شكَّك فيه أحد أعضاء لجنة التحكيم، مُعتبرا أن "سويفل" لا تملك الميزة التنافسية الكافية -على حد تعبيره- لجعلها تنمو نموا كبيرا، باعتبار أن السوق يحتوي على العديد من المنافسين الكبار.

 

لا شك أن الخبير كان مُخطئا. فخلال عدة أشهر من بدء نشاط الشركة، ارتفع عدد الموظفين لديها إلى بضعة وثلاثين موظفا، واستطاعت الشركة الناشئة في عامها الأول أن تُسيِّر آلاف الرحلات في كلٍّ من القاهرة والإسكندرية، أكبر مدينتين في مصر، الأمر الذي رفع من اهتمام المستثمرين بالشركة الناشئة وانتهى بالإعلان عن جولة تمويلية (A) في إبريل/نيسان 2018 بقيمة 8.5 ملايين دولار بقيادة مجموعة من المستثمرين المحليين والإقليميين.

 

المدهش أنه بحلول نهاية العام نفسه، استطاعت "سويفل" انتزاع جولة تمويلية جديدة (B) لم يُعلَن عن قيمتها بالضبط، وإن كانت تُقدَّر بما بين 20 إلى 30 مليون دولار، لتصبح شركة "سويفل" على رأس قائمة الشركات الناشئة المصرية من حيث التمويل عام 2018 بجولتين تمويليتين كبيرتين في عام واحد، وهو أمر غير معتاد في عالم الشركات الناشئة. (2، 3)

 

"أنا عاوز أبني إمبراطورية".

(مؤسس "سويفل" أثناء تقديمه لفكرته عبر برنامج تلفزيوني مصري مطلع العام 2017)

بنهاية عام 2018، وخلال الربع الأول من عام 2019، حقَّقت "سويفل" نموا سريعا في السوق المصري وصل إلى تسيير نحو 200 خط بإجمالي ألف حافلة كبيرة وصغيرة ومتوسطة في كل أنحاء محافظتَيْ القاهرة والإسكندرية. في ذلك التوقيت، بدأت "سويفل" أولى خططها التوسعية بالعمل في مدينة نيروبي عاصمة دولة كينيا في شرق أفريقيا التي اعتُبرت أول محطة خارجية للشركة المصرية الناشئة.

 

في منتصف عام 2019، أُعلن عن أضخم جولة تمويلية حصلت عليها الشركة بقيمة 42 مليون دولار بواسطة تحالف من المستثمرين المحليين والإقلميين والعالميين، واعتُبرت واحدة من أضخم جولات التمويل التي شهدتها المنطقة في ذلك العام، وأكبر صفقة تمويل حصلت عليها شركة ناشئة مصرية حتى ذلك التاريخ. هذا التمويل تزامن مع إعلان "سويفل" نيتها التوسُّع إلى عدة أسواق خارجية في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.

 

في يوليو/تموز من العام نفسه، أعلنت "سويفل" البدء في تشغيل رحلاتها في مدينة لاهور الباكستانية المكتظة بالسكان (نحو 10 ملايين نسمة) لتصبح الوجهة الثالثة لأنشطتها بعد مصر (القاهرة والإسكندرية) وكينيا (نيروبي). في نهاية العام نفسه، أعلنت شركة "سويفل" أنها نقلت مقرها الرئيسي من القاهرة إلى مدينة دبي بوصفه مركزا إقليميا عالميا، مع بقاء القاهرة مركزا للعمليات والهندسة للشركة الناشئة.

بقدوم عام 2020، شهدت "سويفل" نشاطا في زيادة ركابها في مختلف المدن العاملة بها، حتى حصلت على تمويل إضافي في مايو/أيار بقيمة 29 مليون دولار بقيادة تحالف من المستثمرين الإقليميين والعالميين، ليرتفع إجمالي التمويلات التي حصلت عليها الشركة إلى أكثر من 100 مليون دولار وتصبح واحدة من أكبر الشركات الناشئة تمويلا في المنطقة.

 

في بداية عام 2021، أعلنت "سويفل" أنها توسعت إلى الأردن، من خلال تقديم خدماتها لتوصيل الموظفين جماعيا إلى مقرات أعمالهم، مما ساهم في توفير نسبة كبيرة من تكلفة نقل الموظفين على الشركات. وبقدوم يونيو/حزيران من العام نفسه، بدأت "سويفل" العمل في المملكة العربية السعودية لتكون سادس سوق لها تعمل فيه، حيث بدأت في التعاقد مع الشركات لنقل الموظفين، وبدأت في مدينتَيْ الرياض والمنطقة الشرقية، مع خطط للتوسُّع لتشمل العديد من المدن السعودية الأساسية. (3، 4)

 

في نهاية يوليو/تموز 2021، أعلنت "سويفل" اندماجها مع شركة "كوينز غامبيت" (Queen’s Gambit) -نعم، سُميت هذه الشركة على اسم المسلسل الشهير المُذاع على "نتفليكس"- وهي شركة استحواذات ذات أغراض خاصة (SPAC) قيادتها بالكامل من كوادر نسائية، وظيفتها الاندماج مع الشركات الناشئة المميزة حول العالم وتسهيل إدراجها في البورصة، ما أسفر عن تحوُّل "سويفل" إلى شركة عامة مساهمة أُدرجت في بورصة ناسداك الشهيرة بتقييم 1.5 مليار دولار.

 

وبحسب تصريحات مصطفى قنديل، المؤسس والمدير التنفيذي لـ "سويفل"، فإن لجوء الشركة إلى خيار الإدراج في بورصة ناسداك عبر الاندماج مع شركة استحواذات خاصة يُتيح للشركة وسيلة أكبر لجمع الأموال تُسرِّع من نموها العالمي، ويُتيح لها إمكانية التمدد بخطوات أكبر في الأسواق العالمية، وهو ما تستهدفه الشركة الفترة المقبلة.

 

بإدراجها في بورصة ناسداك عبر الاندماج مع شركة استحواذات خاصة، تصبح "سويفل" هي ثاني شركة ناشئة في الشرق الأوسط تحصل على اكتتاب عام في بورصة التكنولوجيا الأشهر عالميا، بعد منصة الموسيقى "أنغامي" (Anghami) التي يقع مقرها في أبو ظبي، التي أعلنت في بداية عام 2021 اكتتابها العام بعد اندماجها مع شركة استحواذات خاصة. ومع ذلك، تظل شركة "سويفل" أول شركة مصرية ناشئة تُدرَج في ناسداك، وثاني شركة مصرية تُدرَج في البورصة بعد شركة "فوري". (3، 4، 5)

 

A man uses Swvl application on a mobile phone in Cairo, Egypt November 6, 2019. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany

حتى الآن، تعمل "سويفل" في 10 مدن رئيسية تغطي 6 دول، وهي مصر والسعودية وكينيا وباكستان والإمارات والأردن، حيث وفَّرت ملايين الرحلات لملايين الركاب عبر آلاف السائقين من خلال منصتها الرقمية، ويبلغ عدد موظفيها نحو 700 موظف.

 

منذ إطلاقها في 2017، حقَّقت الشركة نموا يُقدَّر بنحو 450%، وخاضت ما بين خمس إلى ست جولات تمويلية معلنة وغير معلنة، جمعت من خلالها أكثر من 100 مليون دولار بواسطة مستثمرين وصناديق استثمار جريء إقليمية وعالمية، فيما قفزت إيرادات الشركة في عام 2020، بحسب تصريحات مصطفى قنديل لمحطة "CNBC عربية"، إلى نحو 26 مليون دولار. (6)

 

وبحسب تقرير "كوينز غامبيت"، فإن "سويفل" تسعى للوصول إلى إيرادات بقيمة مليار دولار عام 2025، بعد تطبيق خطط توسُّع كبيرة في الأسواق العالمية تشمل أكثر من 20 دولة في خمس قارات، بهدف زيادة كعكتها من السوق العالمي للنقل الجماعي التشاركي الذي يُقدَّر حجمه بنحو تريليون دولار. تأتي أميركا اللاتينية وأوروبا في مطلع الأسواق التي تستهدف "سويفل" التوسُّع فيها خلال الفترة المقبلة، حيث قال مسؤول في الشركة إنها تُخطِّط للانطلاق في البرازيل والمكسيك وإيطاليا وإسبانيا العام المقبل.

 

مع إعلان صفقة الاكتتاب العام لـ "سويفل" بقيمة مليار ونصف دولار، التي ستُنفَّذ في الربع الأخير من العام الجاري 2021، يظهر على الساحة مجموعة من أبرز المستفيدين من عقد هذه الصفقة الضخمة، بداية من مؤسسي الشركة مرورا بالمستثمرين وليس انتهاء بموظفي "سويفل" وحملة الأسهم وبيئة ريادة الأعمال في مصر والمنطقة العربية.

 

  • المؤسسون

 

مصطفى قنديل ومحمود نوح وأحمد صبّاح، المؤسسون الأوائل لشركة "سويفل". لا شك أن مصطفى قنديل المؤسس والمدير التنفيذي هو أكثر فرد في الشركة يحوز نصيبا من الأسهم -وإن لم يُحدَّد مقدار الأسهم التي يملكها بالضبط- وسيتمكَّن من حصد عشرات الملايين من الدولارات إذا باع حصة من أسهمه في الشركة، بحسب موقع "مينا بايتس" المتخصص في رصد حركة ريادة الأعمال في المنطقة. (7)

 

أما أحمد الصبّاح، فقد غادر الشركة مطلع العام الجاري، وبدأ في تأسيس شركة ناشئة جديدة تحت اسم "Telda" في قطاع التقنية المالية حصدت بالفعل تمويلا بقيمة 5 ملايين دولار، بينما غادر محمود نوح الشركة نهاية عام 2019، لذلك يُحتمل أن يكون لديه أقل قدر من الأسهم بين المؤسسين. (8)

 

  • المستثمرون

على مدار 4 سنوات من تأسيسها، قادت شركة "سويفل" نحو 6 جولات تمويلية معلنة، ساهم فيها نحو 15 جهة استثمار جريء إقليمية وعالمية وعدد من المستثمرين الأفراد. كان التمويل البذري الأول الذي حصلت عليه "سويفل" من شركة "كريم" بقيمة 500 ألف دولار مقابل 20 إلى 25% من أسهم الشركة، لكن نسبة "كريم" بيعت في العام التالي عندما أُعلن عن جولة استثمار للشركة بقيمة 8.5 ملايين دولار بواسطة عدد من المستثمرين الإقليميين.

 

  • الموظفون

A woman walks past a vehicle with a logo of the Egyptian transport technology start-up Swvl, parked along a road in Islamabad, Pakistan, November 11, 2019. REUTERS/Akhtar Soomro

"اليوم، لم تُحقِّق "سويفل" تأثيرا كبيرا وممتدا في المنطقة فحسب، بل حقَّقت أيضا تأثيرا كبيرا في حياة أعضاء فريقها. قريبا سيكون لدينا 18 مليونيرا بالدولار الأميركي، و95 مليونيرا بالدرهم الإماراتي، و203 مليونير بالجنيه المصري في فريقنا، ومتأكد تماما أن العالم سيشهد "مافيا سويفل" عما قريب"، هذا ما قاله مصطفى قنديل في منشور له عبر فيسبوك بعد طرح "سويفل" بالاكتتاب العام بقيمة مليار ونصف. (9)

 

أما المقصود بـ "مافيا سويفل"، فهو تعبير شائع في عالم الشركات الناشئة على غرار "مافيا باي بال"، حيث يُشير إلى الموظفين الذين تعاونوا معا في تأسيس شركة ناجحة، ثم ذهب كلٌّ منهم لتأسيس شركة ناشئة خاصة به بالمعايير التي تعلَّمها في الشركة الأم التي جمعتهم.

 

وأخيرا، لا شك أن مجتمع ريادة الأعمال في المنطقة العربية عموما يُعَدُّ أبرز المستفيدين من صفقة إدراج "سويفل" في بورصة ناسداك، لأنه يعني المزيد من ثقة المستثمرين العالميين في بيئة ريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمزيد من تسليط الضوء على المشاريع الناشئة فيها، ما يعني آفاقا جديدة لهذه المشروعات في أسواق العالم.

————————————————————————————————

المصادر

  1.  أول شركة عربية ناشئة تقترب من الطرح بـ 1.5 مليار دولار في بورصة "ناسداك"
  2. سويفل – إبداع النقل الجماعي 
  3.  باستثمارات أكثر من 100 مليون دولار: سويفل تطرح أسهمها في ناسداك بتقييم 1.5 مليار دولار
  4. Egyptian ride-sharing company Swvl plans to go public in a $1.5B SPAC merger
  5. Swvl is going public via SPAC at a valuation of $1.5 billion
  6. رئيس ومؤسس شركة "SWVL" لـ "CNBC عربية": لجأنا للإدراج من خلال "SPACs" للوصول إلى السوق بسرعة
  7. The winners of Swvl’s $1.5 billion SPAC merger
  8. أسسها شريك سابق لسويفل: تطبيق "Telda" للمدفوعات الرقمية يحصد تمويل بقيمة 5 ملايين دولار
  9. Mostafa kandil facebook announcement post 
المصدر : الجزيرة