شعار قسم ميدان

عيون مفتوحة على العالم.. دليلك لتقديم العلوم للأطفال

ميدان - الأطفال والعلوم

بعينين مفتوحتين على اتساعهما، وأسئلة لا تنتهي، ودهشة متجددة في كل لحظة، كان طريقنا يمتد من البيت إلى روضة الصغار، ثم إلى المدرسة فيما بعد، في مشوار يومي صباحي مع ابنتي، وأسئلة عن كل شيء، لماذا تسقط أوراق الشجر إلى أسفل ولا تطير إلى السماء؟ لماذا ينحرف ظلنا على الأرض إلى اليسار هكذا؟ ومما يتكوّن الظل؟ هل يمكننا أن نسبقه يا ماما؟ أحب صوت العصافير، هل يمكن للعصافير سماع غنائنا؟ هل تعرفين يا ماما أنني يمكنني أن أشرح لك كيف يتكوّن السحاب؟

  

كانت صغيرتي تشرح بلغتها الطفولية وحروفها نصف المفككة عملية تبخر المياه وتكوّن السحب، والتجربة التي شاهدتها على يوتيوب، وأنا أتذكر أني في عمرها كنت أعتقد أن السحاب يتكوّن من أنفاس أبي الراحل. لم أعرف شيئا عن المطر والتبخر والتكثيف إلا بعد أن درستها في حصة العلوم في مرحلة متقدمة من الدراسة الابتدائية، والتجربة التي شاهدتها صغيرتي على يوتيوب، وأجرتها بنفسها فيما بعد، كانت مجرد رسوم مطبوعة بجودة رديئة وألوان باهتة على صفحات كتابي المدرسي.

    

"ذلك الذي كانت فاجعته في كثرة اندهاشه، وكان كل شيء يحدث أمام عينيه، جديدا يلقاه بحب الطفل، لدرجة أنه لم يتعلم أبدا من التجارب!"

(صبري موسى)

     

undefined

   

يبدأ الفضول العلمي لدى الأطفال في سن مبكرة جدا، ويمكن تمييزه في الأشهر الأولى من حياة الطفل، مع بداية انتباهه لتفاصيل العالم من حوله، إذ يظهر جليا في تحديقه في الألعاب المعلّقة فوق المهد، في نظرة الدهشة والرغبة في الفهم، ومحاولاته مد يديه الصغيرتين إلى ما لا تطوله. يكبر قليلا، ويكبر معه فضوله، تمتد يداه للعب بمكعبات البناء البسيطة، تمسك بها أصابعه الصغيرة، وتبدأ في الفك والتركيب ليتسع فهمه للعالم من حوله شيئا فشيئا، ويختبر العديد من المفاهيم الجديدة. وبالتوازي مع ازدياد الفضول تزداد حصيلته اللغوية، لتسمح له بالتعبير عن الأسئلة المشتعلة بداخله، ويتراقص الفضول على لسانه: من أين تأتي النجوم؟ من أين يأتي القمر؟ ربما نعرف الإجابات وربما لا، في كل الأحوال علينا أن نساعد أطفالنا، سواء بالبحث عن إجابات أو بطرح المزيد من الأسئلة، وبتقديم المفردات العلمية البسيطة.

  

يساعد تقديم المفردات العلمية للطفل في سن مبكرة على رفع مقدرته على فهم العلوم في المرحلة الابتدائية، ويساعدهم على فهم الأفكار المجردة بشكل أفضل، فاللغة والعلوم والتفكير النقدي كلها تسير جنبا إلى جنب.(1) وبينما تركز أغلب المناهج الدراسية الخاصة بمرحلة رياض الأطفال على تعليم مبادئ القراءة والرياضيات، نجدها تتجاهل العلوم وما يرتبط بها. في حين تؤكد الجمعية الوطنية لمعلمي العلوم (NSTA) على ضرورة تقديم العلوم للأطفال في مرحلة عمرية مبكرة من 3-5 سنوات، وتشير إلى أن ممارستهم للأنشطة المرتبطة بالعلوم والهندسة في مثل هذه السن المبكرة تُثير في الطفل مشاعر الفضول والرغبة في استكشاف العالم من حوله، بل تؤكد أيضا ضرورة تقديم العلوم للأطفال في مرحلة أبكر منذ الميلاد وحتى سن الثالثة لمساعدتهم على استكشاف الأساسيات، وذلك عن طريق ممارسات بسيطة مثل تعريفهم بمواد مثل المياه والرمال وإتاحة الفرصة لهم لاستكشافها والتساؤل حولها، وممارسة أنشطة علمية بسيطة مثل القياس وخلط المواد المختلفة.(2)

   

أهمية تقديم العلوم للأطفال في سن مبكرة

undefined

   

لا يكف الأطفال عن الدهشة واستكشاف العالم بعيون نهمة ومتسعة للمزيد من التساؤلات والمعارف، وبينما كانت القراءة أو سماع المعلومات المجردة تجيب عن أسئلتنا في الماضي، يعيش أبناؤنا اليوم في عالم مختلف، بأدوات مختلفة، ومصادر مفتوحة للتعلم، وهو ما يمنحهم فرصا أوسع لفهم واستيعاب هذه الإجابات والمعلومات عن طريق تطبيقها واستخدام حواسهم المختلفة. ولا تقتصر فوائد تقديم العلوم في سن مبكرة للطفل على ما تُقدِّمه له من معارف، بل تساعد في تعزيز العديد من المهارات الحياتية على النحو التالي:

  

* يعزز تعليم العلوم في سن مبكرة القدرات اللغوية والقدرة على التواصل، فعندما يستكشف الطفل الظواهر العلمية، سيطرح تساؤلات، ويتعلم مصطلحات ومفردات جديدة، وهو ما يعمل على تنمية وبناء مهارات التواصل لديه.

  

* تنمية الحس المنطقي ومهارات التفكير النقدي والاستقصائي عند الطفل عبر إدراك وفهم الصلات بين الظواهر المختلفة من حوله، وربطها بالعالم وفهم تأثيرها على حياته.

  

* تطوير مهارات حل المشكلات البسيطة.

  

* يُعزِّز استقلال الطفل، والقدرة على اتخاذ القرار وتكوين آراء مستقلة، وعدم القبول بالمعلومات كمسلَّمات دون البحث خلفها، فيتعلّم كيف يبحث عن المعلومة من مصادر متعددة، وكيف يبحث عن أدلة للتأكد من صحة النظريات.

  

* يُعزِّز تقديم العلوم للطفل في مرحلة مبكرة مهارات حياتية أساسية مثل القدرة على التنظيم والتركيز والبحث، وتكوين انطباعات قائمة على المراقبة. كما يُعزِّز صفات مثل الصبر والمثابرة، ويُحسِّن قدرة الطفل على الاستدلال وتوليد الأفكار، كما يُعزِّز مهارات حل المشكلات.

  

* يجهز التعرض للعلوم في سن مبكرة الطفل لدراسة العلوم فيما بعد، فما يتعلمه في الطفولة يؤثر على اهتماماته فيما بعد. وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يطورون اهتماما بدراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أو ما يُعرف بـ "STEM" في طفولتهم، يُظهِرون اهتماما بهذه المناطق في المستقبل مما قد يعني فرصا وظيفية أفضل.(3)(4)(5)

    

في حديثها لـ "ميدان" تقول د. طيبة جمال الدين، وهي مهتمة بتعليم العلوم للأطفال وشريك مؤسس في مدارس قطوف، ومدارس قطوف الافتراضية (عبر الإنترنت): "من خلال خبرتي في تدريس العلوم ﻷعمار مختلفة تمتد بين سن 4 سنوات وحتى طلاب المرحلة الجامعية، أدركت أهمية الجانب العملي، وأهمية تقديم العلوم من خلال تطبيقات وتجارب عملية، وإشراك الطلاب مشاركة إيجابية. إذ يساعد هذا على إشباع شغف المهتمين بالعلوم، وكذلك يجذب اهتمام غير المهتمين -وعددهم غير قليل-. وفي رأيي لا يوجد ما هو أكثر بهجة من نظرة الدهشة في عيني طفل يكتشف شيئا جديدا أو يشاهد تجربة جديدة. من المهم أن تزرع الشغف في الطفل منذ البداية، وتأكد أنه سيتابع البحث بمفرده فقط إذا زرعت بداخله ما يكفي من الشغف. يمكننا دائما استثمار البيئة من حولنا، وتحويلها إلى بيئة تعليمية، عن طريق تشجيع الطفل على التفكير في الظواهر من حوله، كظواهر الفلك على سبيل المثال. كما أن الإنترنت أيضا صار مصدرا غنيا للمعلومات والتجارب، وهناك الكثير من المحتوى المجاني المتاح لتقديم العلوم بشكل مبسط للأطفال".

    undefined

  

وبسؤالها هل من الأفضل اتباع شغف الطفل وتقديم موضوعات مناسبة لاهتمامه أم تقديم الموضوعات بترتيب محدد؟ قالت لـ "ميدان": "الأمر مزيج بين الاثنين، فحين نتبع شغف الطفل واهتماماته ونساعده في اكتشاف ما يُثير فضوله وفهم المزيد عنه، سيُثير ذلك حماسه، ويبدأ في تقبُّل المزيد مما لم يكن يُثير اهتمامه من قبل. كما يختلف تقديم الموضوع بحسب العمر، فعلى سبيل المثال حينما شرحت جسم الإنسان لأعمار مختلفة استخدمت المجسم نفسه واللوحات التعليمية نفسها، لكن المعلومات المقدمة ومدى عمقها وتجريدها وطريقة عرضها تختلف، فما يُقدَّم للشريحة العمرية من 4 إلى 8 مختلف عما يُقدَّم للشريحة العمرية من 8 إلى 12. المعلومات نفسها لكن طريقة العرض ومدى العمق يختلف".

   

ملاحظات لتجربة ناجحة

هناك الكثير من الأشياء التي سيساعدك الوعي بها في تقديم العلوم لطفلك بطريقة أفضل، منها أن تكون على وعي بأن لكل طفل نمط/أسلوب تعلُّم خاصا به، فالبعض يتعلم عن طريق اللمس، والبعض الآخر يتعلم عن طريق النظر، ومعرفتك لنمط التعلُّم المناسب لطفلك يساعدك في اختيار أفضل طريقة لطرح المعلومات. كما أن المزاح والضحك يساعد على أن يتلقى الطفل المعلومة بشكل أفضل، فالمعلومات الصماء مملة.

   

استغل كذلك كل فرصة للبحث والتعلم، فإعداد الطعام وما يشمله من عمليات الخلط، وعملية الطهو وما يحدث خلالها من تغيرات كيميائية وفيزيائية، وعملية تخمر العجين، كلها فرص هائلة لطرح المفاهيم العلمية، وكذلك الخروج في الحدائق وما يشمله من مراقبة الحيوانات والطيور، وتأمل النباتات، ودراسة الفروق بينها وتكوينها، وتأمل السماء وما فيها من ظواهر فلكية، كلها فرص متعددة للتعلم.

    

لأن الطفل يتعلم من أبويه، اطرح الأسئلة بصوت عالٍ حول الظواهر الطبيعية من حولك، وابحثا معا عن الإجابة
لأن الطفل يتعلم من أبويه، اطرح الأسئلة بصوت عالٍ حول الظواهر الطبيعية من حولك، وابحثا معا عن الإجابة
   

لا تنسَ أن تصطحب طفلك إلى المتاحف العلمية أو مراكز العلوم في مدينتك. وإذا طرح عليك طفلك سؤالا لا تعرف إجابته، شجّعه على استخدام خياله أولا، ثم ابحثا معا عن الإجابة. واتبع شغف الطفل، فمثلا إذا أبدى الطفل اهتماما بالسيارات فبإمكانك اصطحابه إلى ورشة إصلاح السيارات لمشاهدة القطع الداخلية للسيارة والتعرف على وظائفها. وامنح طفلك الفرصة للعب، فالأطفال يتعلمون من خلال اللعب، والطبيعة توفر لهم الكثير من الفرص للتعلم والمعرفة وتطوير مهاراتهم الذهنية. جدير بالذكر أن أكثر الموضوعات العلمية التي تُثير انتباه الطفل هي أمور متعلقة بالأرض، مثل البراكين، وبشكل خاص جدا الديناصورات وأنواعها وبيئاتها، وعلم الفلك، والنجوم والكواكب والقمر والرصد بالتلسكوبات لملامح القمر مثير جدا لانتباههم.

  

ولا يحتاج تقديم العلوم للطفل إلى أدوات معقدة، يمكنك صناعة العديد من التجارب العلمية بأدوات بسيطة متوافرة في كل منزل. من المهم أيضا أن تحرص على أن تُقدِّم للطفل نموذجا فضوليا ومهتما بالعالم من حوله، ولأن الطفل يتعلم من أبويه، اطرح الأسئلة بصوت عالٍ حول الظواهر الطبيعية من حولك، وابحثا معا عن الإجابة، أسئلة مثل: لماذا تحدث هذه الظاهرة؟ وما الذي يتوقع أن يحدث بعد ذلك؟ وكيف وما اسمه؟ إن طرح الفرضيات واختبارها، والتفكير في إجاباتهم واختبار مدى صحتها يساعدهم على ترتيب أفكارهم وفهم آلية عمل الأشياء من حولهم.(6)

  

أهم قنوات يوتيوب التي تُقدِّم محتوى علميا مناسبا للأطفال:

قناة "ناشيونال جيوغرافيك كيدز"

تُقدِّم مجموعة كبيرة من الفيديوهات حول الحيوانات، والفضاء والاختراعات المختلفة، والحقائق العلمية الطريفة. رابط القناة هنا

    

  

قناة "Crush course kids"

تُقدِّم فيديوهات عن الفيزياء والبيولوجيا والجغرافيا والهندسة وعلوم الفلك بطريقة فكاهية. رابط القناة هنا.

  

قناة "Hooplakidslab"

قناة تُقدِّم للأطفال مجموعة كبيرة من التجارب العلمية المبسطة التي يمكنكم إجراؤها في المنزل. رابط القناة هنا.

    

  

قناة "minuteearth"

لا يتعدى طول فيديوهاتها خمس دقائق، ويجيب كل فيديو عن سؤال من أسئلة الطفل برسوم كرتونية مرحة. رابط القناة هنا.

  

قناة "DR Mad science"

كيف يعمل الترامبولين، كيف تصنع بطارية باستخدام ثمار الفاكهة، وكيف تصنع بركانا في المنزل، كلها فيديوهات يعرضها الطفل جوردن على قناته، والتي يستعرض فيها تجارب علمية آمنة يمكن عملها من مكونات متوافرة في المنزل. رابط القناة هنا.

    

   

قناة "The Dad Lab"

أب يمرح مع طفليه الصغيرين، ويُقدِّم الكثير من الفيديوهات مع طفليه والتي لا تقتصر على التجارب العلمية فقط، بل تستعرض طرق عمل أشكال بسيطة بالورق، وتشكيلات مختلفة لمكعبات الليجو، وصناعة ألعاب من بكر المناديل، بالإضافة إلى الكثير من التجارب العلمية المناسبة للصغار في سن ما قبل المدرسة. رابط القناة هنا.

المصدر : الجزيرة