مع ازدياد الأسعار.. هكذا يساعدكِ علم النفس على بناء خزانة ملابس شتوية اقتصادية
في ظل ارتفاع الأسعار المستمر والأزمات الاقتصادية المتعاقبة، صارت متابعة الموضة وشراء الملابس الجديدة عبئا إضافيا على كاهل الكثيرين. وإذا كنتِ ممن يولون اهتماما كبيرا بأناقتهم فقد يُشكِّل الأمر تحديا كبيرا لكِ في هذه الظروف، خاصة في موسم الشتاء، إذ تُعرف الملابس الشتوية بصفة خاصة بارتفاع أسعارها. ربما يكون هذا هو الوقت المناسب إذن لإعادة التفكير في مشترياتكِ من الملابس، وبناء خزانة ملابسكِ الشتوية الأنيقة بوعي، دون الاضطرار لإنفاق ثروة طائلة.
يُعَدُّ اختيار الملابس المناسبة مسألة أكثر تعقيدا مما تبدو عليه للوهلة الأولى، إذ إن ملابسنا ليست مجرد قطع من الأقمشة والخيوط التي تلتف حول أجسادنا بنعومة، بل هي في جوهرها تعبير عن شخصياتنا وهويتنا، وبينما تحاصرنا صيحات الموضة المتغيرة من كل جانب، فإن خياراتنا في النهاية تتأثر بالعديد من الضغوط والعوامل الخارجية أيضا.
سيكولوجية الموضة.. نحو فهم أعمق لعلاقتنا بالملابس
تسمح لنا الملابس بالتعبير عن ذواتنا، عن شخصياتنا أو وضعنا الاجتماعي أو حالتنا المزاجية، وأحيانا أيضا عن منظومة قيمنا الفكرية والدينية. ومن جهة أخرى، فهي تُعَدُّ إحدى أهم الطرق التي نقدم أنفسنا إلى العالم عبرها، ولا يمكننا أبدا تجاهل تأثيرها على نظرة الآخرين لنا، فهي وسيلة مهمة من وسائل تفاعل الأشخاص مع بعضهم بعضا.
من قلب هذه التفاعلات ظهر ما يُعرف بـ"علم نفس الموضة"، الذي يُعَدُّ واحدا من الفروع الحديثة نسبيا من علم النفس التطبيقي، ويهدف إلى فهم وتحليل سلوكيات الأفراد والمتخصصين في قطاعات صناعة الموضة وممارساتهم المتعلقة بقطاع الموضة والأزياء بصورة أعمق، بالإضافة إلى إيجاد أدوات تساعد على تطوير قطاع الموضة والأزياء سواء على مستوى الأفراد أو مستوى نماذج الأعمال. (1)
تُعَدُّ كارولين مير واحدة من أهم رائدات هذا النطاق بعدما أسست قسم علم نفس الموضة في جامعة الفنون بكلية لندن. في كتابها "سيكولوجية الموضة" (The Psychology of Fashion)، تناقش مير الموضة من عدة زوايا، من بينها تأثير الملابس على رؤيتنا للعالم والطريقة التي يرانا الآخرون بها، وكيف يمكن أن يعزز امتلاكنا لقطع ملابس ذات جودة عالية من شعورنا بالثقة بأنفسنا، وهو ما يؤثر بالتالي على الطريقة التي نتعامل بها مع الآخرين. (2)
على الجانب المقابل، يتناول الكتاب التأثيرات السلبية التي تنتج عن الصورة المثالية الزائفة التي تقدمها صناعة الموضة حول مفاهيم الجمال، ودورها في تقليل رضا الناس عن أنفسهم، ودفعهم لإنفاق المزيد من المال والجهد والوقت للوصول إلى صورة مثالية بعيدة عن الواقع. وفي مقابل ذلك، تدعو مير لتقديم حلول عملية للموضة تُمثِّل جميع الهويات والفئات العِرقية ومختلف أشكال الجسد وألوان البشرة. (3)
كيف تبنين خزانة ملابس شتوية واعية؟
كيف يمكن أن تساعدكِ إذن سيكولوجية الموضة على بناء خزانة ملابس جيدة لفصل الشتاء؟ المبدأ الرئيسي هنا هو اختيار قطع ملابس مستدامة، أي إنها قابلة للاستخدام لفترة طويلة وبأشكال مختلفة. ووفق كيفين دولي، أستاذ إدارة سلاسل التوريد في جامعة ولاية أريزونا، هناك عاملان يحكمان استمرارية واستدامة الملابس، العامل الأول هو استمرار وجودها المادي، وهو ما يتوقف على كونها مصنوعة من عناصر متينة كي تدوم، على العكس من قطع الموضة السريعة المصنوعة كي تبلى. أما العامل الثاني فهو الاستمرارية العاطفية لقطعة الملابس، ويتعلق ذلك بعلاقتكِ بقطعة الملابس وشعوركِ تجاهها، ومدى مناسبتها لمختلف اتجاهات الموضة المتغيرة، بما يعني اختيار قطعة تكونين راغبة حقا في استخدامها. (4)
الآن لنبدأ مع اختيار المعطف أو الجاكيت، في مواسم الشتاء الباردة يصبح المعطف درعكِ الأول في مواجهة البرد والأمطار، هناك أنواع عديدة من المعاطف، سواء تلك المصنوعة من الصوف أو قماش الجوخ الثقيل، والمعاطف الجلدية وتلك المصنوعة من الفراء، والمعاطف المنفوخة المصنوعة من مواد مقاومة للمياه، الطويلة منها والقصيرة.
قد تُصيبكِ هذه الاختلافات بالحيرة، لكن إذا كنتِ لا تستطيعين أن تشتري سوى معطف واحد فأنت تحتاجين إلى التفكير بعمق في طبيعة حياتك، وطبيعة الأنشطة التي تمارسينها في يومك. تأكدي من خامة النسيج، يحتاج جسدكِ إلى نسيج يساعد على الاحتفاظ بالحرارة وفي الوقت نفسه يحافظ على جفاف الجسد (حال هطول الأمطار)، ويأتي الصوف الطبيعي على رأس الخامات المناسبة لهذا الغرض، خاصة صوف المارينو. أما إذا كنتِ تقومين بالعديد من الأنشطة الخارجية فيمكن أن يكون المعطف المنفوخ خيارا جيدا أيضا، حيث يُصنع النسيج الخارجي عادة من مواد صناعية مثل البوليستر أو النايلون، وعادة ما تكون مقاومة للمياه، بينما تُصنع الطبقة الداخلية أو الحشوة من مواد خفيفة الوزن عازلة للحرارة، وهو ما يوفر قدرا من التدفئة يتوقف على نوع هذه الطبقة ووزن المعطف.
تتميز هذه المعاطف أيضا بكونها أرخص سعرا من نظيرتها المصنوعة من الصوف، وتتوافر بالعديد من الألوان والموديلات المناسبة لمختلف المناسبات، لكن تذكَّري عند تجربة المعطف قبل الشراء ألا تفعلي ذلك وأنتِ ترتدين ملابس خفيفة، لكن ارتدي ملابس سميكة كي تتأكدي من مناسبة المقاس لكِ.
نصيحة أخرى هي أن ترتدي دائما جوارب سميكة، دفء الجسد يبدأ من القدمين، ويمكن بشكل خاص ارتداء الجوارب الطويلة "Tights"، خاصة تلك المبطنة أو المصنوعة من الصوف أو الأنسجة الحرارية، ستساعد على الاحتفاظ بالدفء، وتوفر إمكانية ارتداء مختلف الفساتين والتنانير، حيث توجد الجوارب الطويلة بمختلف الألوان والأشكال.
ابحثي عن الخامات المناسبة
ما رأيكِ في امتلاك قطع من الملابس المصنوعة يدويا من التريكو أو الكروشيه، تتمكنين أنت من اختيار ألوانها وخامات الخيوط وشكل الغرزة أيضا؟ إذا كنتِ تجيدين إحدى الهوايتين فهنيئا لك، أو بإمكانكِ البحث عن شخص يصنع هذا النوع من الملابس. سيُمكِّنكِ ذلك من اختيار قطعة ملابس مستدامة مصنوعة خصوصا لكِ، ومن ناحية أخرى سوف يدعم ذلك الأعمال الصغيرة التي ينشئها عادة أفراد بدلا من دعم الشركات الكبرى.
عليكِ البحث كذلك عن الألياف الطبيعية والقيّمة، وتجنُّب شراء الأنسجة الصناعية مثل الفسكوز والإكريليك قدر الإمكان، والتركيز على الملابس المصنوعة من أنسجة طبيعية مثل الصوف والكشمير. من ناحية، فإن متوسط أعمار هذه القطع أطول، ومن ناحية أخرى فإن ضررها على البيئة أقل، إذ إن جميعها قابل للتحلل.
ربما نعتقد أن الأنسجة الطبيعية أكثر كلفة، وهذا صحيح بشكل ما، لكن لا يزال بإمكاننا توفير الكثير من المال عند شراء الملابس المستعملة. ربما هذه الثقافة ليست منتشرة بالقدر الكافي، ولكن وفقا لشيللي إيه. كوهان، خبير صناعة البيع بالتجزئة والأستاذ المساعد في كلية وايتمان للإدارة بجامعة سيراكيوز في نيويورك، فقد شهدت مبيعات الملابس المستعملة ارتفاعا متسارعا خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما لاحظته العديد من علامات الموضة التجارية الكبرى التي قررت التوسع في هذا النطاق.
على سبيل المثال، تشجع علامات تجارية كبرى مثل "ليفايس" و"إتش آند إم" عملاءها على إعادة ملابسهم المستعملة للمتاجر، حيث يعاد إصلاحها وتنظيفها وبيعها مرة أخرى مما يمنحها عمرا جديدا. واليوم تنتشر في العديد من الدول متاجر متخصصة في الملابس المستعملة "thrift stores" يمكنكِ البحث عن أقربها إليك. في بعض الدول تتوافر أسواق كاملة متخصصة في بيع الملابس المستعملة، مثل منطقة وكالة البلح في مصر، وحتى في دول الخليج يشهد هذا الاتجاه تناميا خاصة بين الأجيال الجديدة، وقد بدأت دول مثل الإمارات والسعودية والكويت تشهد أسواقا لبيع الملابس المستعملة سواء على أرض الواقع أو عبر الإنترنت. (5)
الملابس الداخلية الحرارية
تُعَدُّ الملابس الداخلية الحرارية أيضا خيارا جيدا في الشتاء، وعادة ما تتوافر في صورة طقم من قطعتين؛ قميص بكم ثقيل، وبنطال، وكلاهما ضيق وملتصق بالجسد، بحيث لا يسمح للبرودة والهواء بالتسرب إليكِ، كما يسمح لكِ بارتداء ملابسكِ فوقه دون مضايقة. وتُصنع الملابس الحرارية عادة من مزيج من الصوف والنسيج الصناعي. الجيد في الأمر أنها ستسمح لكِ بارتداء قطع ملابس خارجية خفيفة، وهو ما يعني أن تدمجي جزءا من دولاب ملابسكِ الصيفية أو الخريفية في دولاب الشتاء، وهو ما يزيد من خياراتكِ.
ركِّزي على الكيف بدلا من الكم. قد تعتقدين أن شراء الكثير من القطع رخيصة الثمن منخفضة الجودة يوفر لكِ المال، لكن على العكس، فقطع الملابس الرخيصة مُصمَّمة تحديدا كي تبلى سريعا، بحيث لا تدوم سوى موسم واحد او اثنين على الأكثر، قبل أن يبدأ شكلها في التغير ويظهر عليها البلى.
إذا فكرتِ بعناية فستجدين أن إجمالي المبلغ الذي تُنفقينه على عدة كنزات من البوليستر قد يساوي أو ربما يزيد على سعر كنزة واحدة مصنوعة من الصوف الطبيعي، وربما تتمكَّنين من الحصول عليها بسعر أقل أيضا إذا اشتريتِها من متاجر الملابس المستعملة، وسوف يمكنكِ ارتداؤها لسنوات دون أن تتأثر جودتها إذا اعتنيتِ بها جيدا. وهذا الأمر ينطبق على الحقائب والأحذية، خاصة أحذية الشتاء طويلة الرقبة التي عادة ما يكون سعرها مرتفعا أيضا، فشراء حذاء واحد بجودة عالية وبلون محايد يدوم لسنوات أفضل كثيرا من شراء حذاء أرخص ثمنا ستضطرين للتخلص منه بنهاية الشتاء أو حتى قبل ذلك.
وأخيرا، تخيَّري ملابس تحبينها حقا. طالما قررتِ اتباع خيارات مستدامة، فذلك يعني أنكِ مضطرة لارتداء القطع نفسها لسنوات، وبالتالي عليكِ أن تدققي جيدا عند اختيار ملابسك، فالشراء الاندفاعي واتباع تيارات الموضة الوقتية لا يتفق بحال مع الاستدامة. تحتاجين إلى شراء قطع ملابس تعرفين أنك تحبينها حقا وتستطيعين ارتداءها لسنوات دون أن تشعري بالملل.
يمكن للإكسسوارات الشتوية أن تزيح ملل التكرار قليلا، لذلك فهي صديقكِ الأهم. الكوفيات والأوشحة الشتوية والقفازات والقبعات المحبوكة كلها عناصر جمالية تضيف إلى أناقتكِ وتساعد على تجديد مظهركِ، فإذا كنتِ ترتدين المعطف نفسه كل يوم، فبإمكانكِ أن تكسري شعوركِ بالملل وتجددي مظهركِ عبر ارتداء أوشحة بألوان مختلفة كل يوم.
كيف تعتنين بملابسك؟
تُحدِّد الطريقة التي تتبعينها كي تعتني بملابسكِ مدى استدامتها في خزانتك، ننصح بأن تقللي عدد مرات غسيل قطع الملابس، باستثناء الملابس الداخلية والجوارب وملابس التمرين بالطبع، يمكنكِ ارتداء الملابس أكثر من مرة قبل غسلها ما لم تتعرق أو تتسخ، إذ سيساعد ذلك في الحفاظ على قطع الملابس لوقت أطول.
احرصي أيضا على غسيل ملابسكِ بالمياه الباردة، إذ إن استخدام المياه الدافئة في الغسيل يغير من نسيج الملابس، ويسرع تغير ألوانها. قديما استخدم أسلافنا المياه الساخنة لغسيل ملابسهم كي يتمكَّنوا من تفعيل المواد المنظفة في مساحيق الغسيل، لكن مساحيق التنظيف الموجودة حاليا تعمل بالكفاءة نفسها مع المياه الباردة لحُسن الحظ.
احرصي أيضا على اتباع تعليمات العناية الموجودة على قطع الملابس، فهذا الملصق الصغير الموجود داخل قطعة الملابس لم يُوضع فقط كي يُسبِّب لنا الحكة، لكنه موجود كي يساعدنا على العناية بالملابس، كما يمكنكِ من خلاله التعرف على نسيج الملابس وتكوينها، وبلد المنشأ، وغيرها من المعلومات التي تساعدكِ في اختيارك.(6)
وختاما، عند بناء خزانة ملابسكِ احرصي على اختيار الملابس التي تُعبِّر عنكِ، عما تحبينه، عن أفكاركِ ومعتقداتكِ أنتِ، ولا تندفعي خلف الموضات المختلفة، فأنتِ صرتِ تعرفين جيدا أنها لن تستمر طويلا.
_______________________________________________
المصادر: