شعار قسم ميدان

"لم أُراجع حرفا واحدا والامتحان غدا".. لماذا يستمر هذا الحلم في التكرار حتى بعد عقود طويلة من التخرج؟

"لم أُراجع حرفا واحدا والامتحان غدا".. لماذا يستمر هذا الحلم في التكرار حتى بعد عقود طويلة من التخرج؟

مقدمة للترجمة:

يمكننا القول بقلب مطمئن إن الغالبية العظمى ممن يقرأون هذا الكلام الآن قد تعرضوا في يوم من الأيام لهذا الحلم العجيب، حلم امتحان الغد الذي لم تستذكر منه كلمة، أو حلم لجنة الامتحان وهي منعقدة بينما أنت لا تعرف أي شيء في هذه المادة الدراسية. هذا النمط من الأحلام شائع، يشترك فيه عدد كبير من البشر، ويميل للتكرار بحيث يراه الشخص نفسه أكثر من مرة، أساتذة علم النفس والأعصاب يجدون في هذا النوع من الأحلام مادة ممتازة للدراسة، ربما تساعدنا في فهم طبيعة الأحلام كلها!

 

نص الترجمة:

كثيرا ما تزورني أحلام ينبعث منها تيار من العزم لا يناله الوهن، ولسبب ما أجدها تتكرر معي باستمرار، وأكثرها شيوعا هو حلم يتعلق بسنوات دراستي في الكلية. أجدني فجأة في نهاية الفصل الدراسي، وأكتشف أنني في الحقيقة نسيت تماما أن أحضر أي صفوف للمادة التي سأمتحن فيها. يقف وعيي حيال هذا الموقف حائرا لا يدري من أمره شيئا تطمئن إليه النفس بعد أن فات الآوان للدراسة، وعليَّ أن أجلس الآن للامتحان النهائي. أستيقظ مذعورة في كل مرة، ويجثم على صدري هم عظيم، وأفكِّر في معدلي التراكمي الذي بات الآن في مهب الريح، وأستمر في تأنيب ذاتي وأتساءل: لِمَ لا أرتدع ولا أنثني في كل مرة عن هذه السبيل المحفوفة بالمخاطر؟ وبينما أنا على هذه الحالة من التيه والذعر، أتذكَّر أنني غادرتُ الكلية منذ أكثر من عقد، فتملأ نسائم الأريحية فؤادي أخيرا.

 

الأحلام تسلب الوجود الحُر منا، تجعل من ذواتنا أحيانا موضوعات نشاهدها، وغالبا ما تبدو حريتنا في الاختيار داخل الحلم وكأنها مسلوبة. قد يرى شخص لديه معرفة وثيقة بمسيرتي التعليمية أن هذا الكابوس ليس بعيدا عن تجربتي الحقيقية في الدراسة والجامعة، وأنه في أوقات معينة من حياتي، لم يتطلب مني الأمر إلا أن أغفو قليلا، لأستيقظ وأجدني غير مستعدة تماما للاختبار. لكن بغض النظر عن تجربتي الشخصية المُتعلِّقة بالدراسة، أعتقد أن ذلك الحلم المُقبِض، الذي تبدو بدايته غائمة ونهايته مفقودة، هو حلم شائع جدا بين البشر، وبالأخص مَن كانوا طلابا مهووسين بالدراسة.

 

لتأكيد هذه النظرية، تقول ديردري باريت، أستاذة علم النفس بجامعة هارفارد وباحثة متخصصة في مجال الأحلام، ومؤلفة عدة كتب منها "أحلام وبائية" (Pandemic Dreams) و"لجنة النوم" (The Committee of Sleep)، إن تلك الأحلام المُتعلِّقة بالدراسة شائعة بين الناس مع تنوع أشكالها، فمثلا قد يجد الحالم نفسه يهرع إلى الامتحان بعدما استيقظ متأخرا بسبب إفراطه في النوم، أو ربما يجد نفسه في حلم آخر يواجه صعوبة في العثور على قاعة الامتحان، أو يكتشف أنه ذاكر مادة أخرى غير تلك التي سيمتحن فيها، وأحيانا أخرى يجلس لأداء امتحان ليكتشف أنه مكتوب بالهيروغليفية، أو قد يظهر في وسط المدرسة وهو عارٍ تماما. ويبدو أن هواجسنا تأتلف كلها لتخلق مشاهد في أحلامنا تستحضر أشد الجوانب سرية وإحراجا في نفوسنا.

 

نظرا إلى أن الأحلام تعكس صراعاتنا الداخلية، يبقى الحالم هو الشاهد الوحيد على حلمه الذي يتضمن حدثا ما منفصلا عن كل سياق، منقطع الصلة بالمنطق وطبائع الأمور، وعن هذا تقول باريت: "إن تلك الأحلام المُتعلِّقة بالدراسة شائعة بين البشر، إذ تجري عواطف معظم البشر على الدروب نفسها، كما أن الذكريات ذاتها تثير وجدانهم، لذا تجد معظم البشر يشتركون في أحلام مشابهة. والمثير للدهشة أنها لا تتكرر فقط مع الطلاب الذين ما زالوا يدرسون، بل نجدها شائعة جدا بين الناضجين الذين أنهوا سنوات دراستهم منذ آمادٍ مضت".

 

لماذا يتكرر هذا الحلم؟

"لم أُراجع حرفا واحدا والامتحان غدا".. لماذا يستمر هذا الحلم في التكرار حتى بعد عقود طويلة من التخرج؟
تُعَدُّ الأحلام رحلة في حضرة الخيال، رحلة تخيُّل الأشياء بعد أن فُكِّكت علاقاتها المعتادة والمألوفة، وصارت حرة في التشكُّل (شترستوك)

ترى عالمة النفس باريت أن الأحلام المُتعلِّقة بالدراسة تميل إلى الظهور عندما يرزح الحالم تحت وطأة ضغوطات وقلق في عالمه الواقعي، وبالأخص عندما تخضع كفاءته لتقييم من قِبل صاحب سلطة في حياته كمديره في العمل، فضلا عن أن السيناريو ذاته يتكرر مع الأفراد الذين رغبوا في الدخول إلى عالم التمثيل أو الموسيقى في سن مبكرة، لكن الفرق أن أحلامهم لا تدور حول الدراسة، بل عن تجارب الأداء، التي كانت تجري أول عهدهم أمام أصحاب سلطة يستطيعون بكلمة واحدة منهم أن يسحقوا مستقبلهم بسهولة.

 

بغض النظر عن سيناريوهات الأحلام هذه، فإننا مع كل حلم من هذه الأحلام نُعيد النظر في المساحة التي شهدنا فيها لأول مرة نجاحاتنا أو إخفاقاتنا بناء على معايير مجتمعية تبث في نفوس أفرادها تطلعات بلا قيد ولا حد، ويغدو معيارها الرئيسي هو أداء المرء في ظل دوامة الحياة التي لا تهدأ شراستها أبدا.

 

لفهم ذاك القلق المُصاحِب للأحلام المُتعلِّقة بأدائنا، ترى جين تيريزا أندرسون، مُحلِّلة الأحلام ومؤلفة كتاب "دليل الأحلام" (The Dream Handbook)، أنه على الرغم من أن العلم لم يحسم أمره بعد بشأن الهدف الدقيق للأحلام، فإنها تعتقد أن الأحلام هي نتيجة لمحاولة عقلك معالجة الذكريات، سواء كانت هذه الذكريات واعية أو تقع ضمن نطاق اللا وعي، فيتملَّكنا في بعض الأحيان شعور في الحلم بأننا مخلوقات متحررة من وجودها المأزوم.

 

أحيانا، قد تظهر جوانب من ماضيك في الأحلام لتجعلك أكثر انسجاما مع الواقع بمساعدتك في تصنيف التجارب الجديدة (حتى وإن لم تكن مدركا لهذه الروابط التي تُمهِّد جسرا بين ماضيك وحاضرك)، وتُعَدُّ الأحلام رحلة في حضرة الخيال، رحلة تخيُّل الأشياء بعد أن فُكِّكت علاقاتها المعتادة والمألوفة، وصارت حرة في التشكُّل، وعن ذلك تقول أندرسون: "إن هذه الروابط بين الماضي والحاضر تُعيد برمجتنا على رؤية العالم رؤية مختلفة، فيستيقظ المرء منا في بعض الأحيان بعقلية مغايرة تماما عن تلك التي تبنَّاها قبل نومه".

 

على المنوال ذاته، تستكمل أندرسون حديثها قائلة: "قد يكون السبب الرئيسي وراء سيناريو الحلم المتكرر بالعودة إلى المدرسة والاضطرار إلى خوض الامتحان النهائي في كل مرة هو شعور المرء بأنه رازح تحت وطأة اختبار في حياته الواقعية، وربما يكون الاختبار هو رغبتنا في تلبية توقعات الآخرين عنا. فتقييم الآخرين لنا يُعَدُّ مهما من الناحية النفسية، لأننا بحكم طبيعتنا مُبتلون بانعدام اليقين نحو قيمتنا الخاصة، ما يسمح لنا بأن نسقط أسرى في قبضة أحكام مَن نعيش بينهم، فنحاول جاهدين تلبية توقعاتهم التي شكَّلوها عنا. لكن مع استمرار شعورنا بأننا لسنا أهلا لتحقيق هذه التوقعات، أو أننا نفتقر إلى القدرات اللازمة لتحقيق أهدافنا المنشودة، فإننا ننجرف بسهولة تجاه أمواج القلق المتلاطمة. وما إن نسقط في فخ فقدان الثقة بالنفس وانعدام القيمة، حتى نجد أنفسنا انتقلنا مرة أخرى إلى المدرسة في أحلامنا".

 

قلق المدرسة الذي يستمر معنا العمر كله

قلق المدرسة الذي يستمر معنا العمر كله
تُسلِّط الأحلام الضوء على مواطن الضعف التي نتلهَّف جميعا لإخفائها في الظلال (شترستوك)

لطالما راودنا بالتأكيد -في حياتنا الواقعية- ذاك الشعور بأن كفاءتنا تخضع لاختبار من قِبَل أشخاص آخرين غير المعلمين، باعتبار أننا كثيرا ما نسمح لتقييماتهم بأن تلعب دورا حاسما في الطريقة التي نرى بها أنفسنا، ويأتي على رأس هؤلاء الأشخاص أرباب العمل، وموظفو مصلحة الضرائب، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يمتد ليصل حتى إلى أشخاص بأسماء مُستعارة على مواقع التواصل يمكنهم نقدك أو تقييمك. لذا ترى أندرسون أن السبب الرئيسي في أن المدرسة تُمثِّل لنا تربة خصبة لنمو القلق هو أنها المكان الذي نبني فيه فهمنا للطريقة التي تسير بها الحياة.

 

في السياق ذاته، تقول أندرسون: "خلال سنوات دراستك، تمر بالكثير من الأحداث التي تُشَكِّل قناعاتك ومعتقداتك الأساسية، وتبقى راسخة في عقلك اللا واعي، فضلا عن أن مشاعر التوتر وعدم الكفاءة، والتعثر بأذيال الإحراج والحزن، كلها مشاعر تجعل الحد الكافي من تقدير الذات يكاد يكون مطلبا مستحيل المنال، وهي أمور تختبرها للمرة الأولى في محيط المدرسة، لذا قد يكون من الصعب للغاية تغيير هذه المعتقدات". بيد أن الأحلام تُسلِّط الضوء على مواطن الضعف التي نتلهَّف جميعا لإخفائها في الظلال، لكن ما قد نسهو عنه أحيانا أن منظومة المعتقدات المتأصلة فينا بدءا من سن الخامسة (أو قبل ذلك) غالبا ما تكون غير قابلة للتطبيق على تحديات البالغين، ومعرفة ذلك قد يكون مفيدا في فصل الواقع عن المشاعر التي تؤدي إلى الأحلام الزاخرة بشعور القلق المُتعلِّق بالمدرسة.

 

إن محاولة تفسير الأحلام هي في الحقيقة عبور إلى معانيها المجرَّدة في عالم الروح، هذه المعاني التي تتخذ في طريقها إلينا أشكالا مادية محسوسة، ليراها النائم وكأنه يُدركها بحواسه. ولحل معضلة الأحلام المتعلقة بالدراسة، تقول أندرسون: "بالعودة إلى الماضي قليلا، يمكنك ببساطة أن تتحدث إلى ذاتك وتتساءل: ألم تكن بعمر الخامسة عشرة شخصا مختلفا عما أنت عليه حاليا؟ ألم يكن السبب الرئيسي في أنك تُبلي جيدا في الدراسة هو ما كان يتوقعه منك والدك؟ أما زلت بعد كل تلك السنوات تخطو خطواتك في الحياة وفقا لتطلعات والدك؟"، ومهما كان الحلم بسيطا، ستجد دائما مَن يميلون إلى النظر إليه كرحلة غامضة، لكنها ذات مغزى، لذا يبقى السؤال الأهم هنا: هل هناك مغزى وراء استمرار تلك الأحلام حتى آخر العمر؟!

 

يعتقد معظمنا أن أحلامنا أحيانا لا تتعدى كونها مجرد تمشية في متاهة بلا هدف، أو مشاهد لأحداث غير مترابطة، لكننا مع ذلك نود لو كانت هذه الأحلام طريقا إلى شيء ما، بُشرى أو تحذيرا، أو حتى استباقا للمستقبل أو إعادة تمثيل للماضي. أعتقد أن الهدف التطوري وراء هذه الأحلام هو تذكير الحالمين المُسنين بأن فترة الشباب ربما لم تكن ساحرة وممتعة بالقدر الذي رُسمت به في خيالهم. غير أن باريت، أستاذة علم النفس بجامعة هارفارد، لديها نظرية مختلفة، وهي أن هذه الأحلام تُذكِّرنا "بما كان مهما للنجاة باستصراخ قوة إرادتنا لنضبط بها وجداننا ونجتاز التجارب الجديدة بنجاح".

 

أداة للتعلم!

إذا كنت ترغب في التحرر من هذه الأحلام، فاربط بين الأحداث في حلمك والأحداث التي تختبرها في حياتك الواقعية، لتتمكَّن من فهم ماهية ما تشعر به وما يُثقِل كاهلك، ومن ثم تتحرر من وثاقه.
إذا كنت ترغب في التحرر من هذه الأحلام، فاربط بين الأحداث في حلمك والأحداث التي تختبرها في حياتك الواقعية، لتتمكَّن من فهم ماهية ما تشعر به وما يُثقِل كاهلك، ومن ثم تتحرر من وثاقه. (شترستوك)

بالنسبة إلى تاريخنا التطوري، ربما يكون مقدار الوقت الذي يقضيه الطلاب في الفصول الدراسية مجرد غمضة عين، لكن المهارات التي يتعلمها الطلاب من أصحاب السلطة كالمعلمين تستمر طويلا، لأنها تضرب بجذورها بعمق في نفوس الطلاب، وتترك وراءها شاهدا عميقا لا تنال منه السنين، وقد تزيد أحيانا من فرصنا في النجاة. لذا ترى باريت أنه إذا أخضعنا هذه المهارات لبحث وافٍ، فسنكتشف إلى أي مدى لعبتْ دورا رئيسيا في إرشادنا نحو الوجهة التي ينبغي أن تتخذها أفكارنا، وما يجب أن تمنحه أفئدتنا القيمة الأكبر لكي نُبلي جيدا في الحياة.

 

بمعنى آخر، إذا طغى عليك شعور بعدم الكفاية، وحفَّز هذا الشعور أحلاما زاخرة بمشاعر القلق والاضطراب، ثم دفعتك هذه الأحلام إلى الدراسة بجدية أكبر، فقد يكون لديك فرصة أفضل لاجتياز اختبار التفاضل والتكامل (في حالة كنت طالبا)، أو النجاح في تقديم عرض مهم وكبير في العمل. لذا، تؤكد باريت مرة أخرى أن هذه الأحلام لديها "هدف تطوري بلا شك". لكن إذا كنت ترغب في التحرر من هذه الأحلام، فلدى أندرسون طريقة تساعدك بها، وهي أن تربط بين الأحداث في حلمك والأحداث التي تختبرها في حياتك الواقعية، لتتمكَّن من فهم ماهية ما تشعر به وما يُثقِل كاهلك، ومن ثم تتحرر من وثاقه.

 

إنك بهذه الطريقة تُعيد تصور نهاية إيجابية لحلمك، وكل ما عليك فعله بعد الاستيقاظ مباشرة، هو أن تستلقي على السرير قليلا وتبدأ في تخيُّل سيناريو الحلم مرة أخرى، لكن هذه المرة حاوِل أن تتصور نهاية للحلم أكثر سلاما وهدوءا، كأن يخبرك المعلم أنك اجتزت هذا الاختبار بنجاح. في نهاية المطاف، إذا ما تشرَّب أغلبنا الدروس المضمَّنة من الأحلام، فلن يكون لعواقب إخفاقنا في حياتنا الواقعية كل هذا الثقل الجاثم فوق أنفسنا. وتختتم أندرسون حديثها قائلة: "على الرغم من أن تلك الخطوات التي ستفعلها بمجرد استيقاظك قد تبدو وكأنها تُغيِّر نتيجة الحلم فحسب، فإنها في حقيقة الأمر قادرة على تغيير طريقة تفكيرك إزاء أي موقف قد تواجهه في حياتك، وأعتقد أن الأمر يستحق التجربة".

————————————————————————-

هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: سمية زاهر.

المصدر : الجزيرة