شعار قسم ميدان

موريسكي في إسطنبول.. حين أنقذ العثمانيون مسلمي الأندلس

كانت قضايا مثل ضياع الأندلس، وبزوغ القضية الموريسكية في إسبانيا بعد مطاردة المسلمين وفرارهم من القمع والتنصير الإجباري، وهجراتهم إلى شتى مدن الشرق الأوسط، كانت ولا تزال ميدانا ضخما للكثير من الدراسات الغربية والشرقية. ونحن نعلم أن جذور سقوط الأندلس تعود إلى ضعف سُلطة الموحِّدين في البلاد في أثناء القرنين السادس والسابع الهجريين، ومن قبلها مأساة ملوك الطوائف الشهيرة التي استدركها المرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين. وحتى الجزء الأخير المتبقي في وسط وجنوب الأندلس طالته يد ملوك قشتالة وأراغون، بما فيها أهم حواضر الإسلام في إسبانيا مثل قرطبة وإشبيلية وسرقسطة.

ظهر في تلك الأثناء رجلان حاولا لمَّ شعث التفرق الأندلسي، الأول هو محمد بن يوسف بن هود زعيم سرقسطة، الذي دانت له مناطق شرق الأندلس ومُدنها، والثاني محمد بن يوسف بن الأحمر، الذي اعترفت بسلطته مناطق جنوب الأندلس (الأندلس الصغرى). لكن وفاة ابن هود جعلت ابن الأحمر الزعيم الأهم، والقائد السياسي لمناطق شرق وجنوب الأندلس، وعلى يديه نشأت مملكة غرناطة، البقعة الأخيرة التي فرَّ إليها المسلمون[1]، واستعصموا بها، وظلوا يدافعون عنها طيلة قرنين ونصف حتى السقوط الأخير على يد الإسبان.

سقوط غرناطة وبداية مأساة الموريسكيين

عاشت مملكة غرناطة طوال قرنين مواجهات مستمرة مع القوى النصرانية في الشمال، ولولا دعم الدولة المرينية التي حكمت المغرب حينذاك لما استطاع الأندلسيون البقاء والاستمرار والصمود. هذا فضلا عن إدراك الأندلسيين بطبقاتهم الاجتماعية كافة، سواء كانوا علماء أم عامة أم عسكرا، بأنهم في حصنهم الأخير، وأن الضعف يعني السقوط والموت دون رحمة على يد الإسبان، الأمر الذي دفعهم إلى المقاومة والثبات عليها، رغم ما اعتراهم من انقلابات داخلية ومؤامرات للظفر بالعرش.

قادت هذه الانقلابات الداخلية بين أبناء وأمراء بني الأحمر ملوكَ قشتالة وأراغون إلى استغلال الظرف والتقدم على حساب غرناطة، بل عملوا على إذكاء الفتن والصراعات الداخلية في نهايات القرن التاسع الهجري، حيث لجأ بعض ملوك بني الأحمر إلى "فرناندو" طالبين منه العون على خصومهم ومنافسيهم على العرش، لا سيما أثناء التنافس الشرس بين أبي عبد الله الصغير وعمه محمد بن سعد أبو عبد الله الزغَل، وهو صراع انتهى بتقسيم غرناطة، فاستغل ملك أراغون "فرناندو" وملكة قشتالة "إيزابيلا" هذا الظرف، وانطلقا بجيوشهما صوب غرناطة التي حاصروها حصارا محكما شديدا، فمنعوا عنها المؤن والمدد لشهور طوال، حتى اضطر أهلها وملكها أبو عبد الله الصغير إلى التسليم في محرم 897هـ (نوفمبر/تشرين الثاني 1491م) وفق معاهدة بين الجانبين[2].

تضمنت معاهدة التسليم سبعة وستين شرطا، منها تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم، وضمان إقامة شريعتهم وألا يُحكم عليهم إلا بها، وأن تبقى المساجد والأوقاف كذلك، ولا يدخل النصارى بيوت المسلمين ولا يغصبوا أحدا، وألا يُولّى على المسلمين إلا مسلم أو يهودي، وإطلاق سراح جميع الأسرى المسلمين، وألا يُنصَّر المسلمون عنوة، وغيرها من الشروط الأخرى، ثم انتقل الملك أبو عبد الله إلى إقليم أندرَش الواقع في جبال البشرات جنوب غرناطة، لكنه اضطر إلى الالتجاء إلى المغرب في العام التالي من التسليم بعدما أمره "فرناندو" بالمغادرة، واستقر هناك، حتى إن المؤرخ المقري رأى ذريته بعد ذلك بقرن في شوارع فاس يعانون الفقر وسؤال الناس[3].

اللجوء إلى المماليك والعثمانيين

(مواقع التواصل الاجتماعي)

لكن كيف ترك المماليكُ والعثمانيون والحفصيون والمرينيون هذه المأساة الأندلسية تقع دون أن يمدوا يد العون والمساعدة؟ كتب الأستاذ محمد عبد الله عنان في موسوعته "دولة الإسلام في الأندلس" أن صديقه الدكتور المؤرخ عبد العزيز الأهواني عثر على مخطوطة في مكتبة مدريد تتناول سفارة سياسية من غرناطة إلى القاهرة في حدود عام 844هـ/1440م، يستنجد فيها السلطان أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الأحمر المعروف بالأيسر بالسلطان المملوكي القوي الظاهر سيف الدين جقمق، ويُعلل عنان أن سبب هذه السفارة إلى الدولة المملوكية البعيدة في مصر لأول مرة كان بعدما يئس الأندلسيون من الدول الإسلامية القريبة في المغرب، مثل الدولة المرينية التي بدأت تدخل في صراعات على الحكم بعد عقود من دفاعها عن الأندلس وإمدادها لهم بالمؤن والرجال، مما كان له أفضل الأثر في استمرار وقوة مملكة غرناطة.

بيد أن سلطان المماليك حين أدرك صعوبة إمداد الأندلس بالقوات العسكرية لبُعد المسافة بين القاهرة وغرناطة، وصل الطرفان إلى حلول وسط، فاتفق المماليك على مساعدة الغرناطيين مساعدة مادية مالية. وتُعَدُّ هذه السفارة التي أُرسلت إلى المشرق قبل سقوط غرناطة بنصف قرن من العلامات القوية التي تُشير إلى الضغوط العسكرية والسياسية التي تعرضت لها الأندلسُ في عقودها الأخيرة قبل السقوط[4].

قُبيل سقوط غرناطة بسنوات قليلة، أعاد الغرناطيون إرسال رسائل الاستغاثة إلى سلطان المماليك في القاهرة الأشرف قايتباي، وإلى سلطان العثمانيين في إسطنبول بايزيد الثاني. وأمام هذه التطورات هدد سلطان المماليك الأشرف قايتباي بطرد المسيحيين من القدس، وإيقاف رحلات الحج، وإيقاف العلاقات مع الغرب إن تمادوا في الهجوم على مسلمي غرناطة. لكن يبدو أن التهديدات لم تتحقق على أرض الواقع لأسباب كثيرة، منها أهمية رحلات الحج والتجارة الأوروبية بالنسبة إلى الدولة المملوكية في ظل حروبها ضد الدولة العثمانية آنذاك، واستنزاف خزينة دولة المماليك وحاجتها الاقتصادية إلى العلاقات مع الغرب.

الأشرف قايتباي (مواقع التواصل الاجتماعي)

من جهته، جمع السلطان بايزيد الثاني الديوان الهمايوني (يعادل مجلس الوزراء في عصرنا الحالي) وتذاكر معهم حول الوضع، وفي نهاية الاجتماع تقرر إرسال قوة بحرية إلى البحر الأبيض المتوسط تحت قيادة القبطان الشهير كمال رئيس وابن أخته "بيري رئيس"، صاحب كتاب "البحرية" الشهير الذي رسم فيه بدقة بالغة خريطة الأميركتين. وكانت هذه الحملة البحرية التي انطلقت من غاليبولي مقر البحرية العثمانية سنة 892هـ/1487م أول محاولة إسلامية مشرقية جادة لإغاثة الأندلسيين. ولكن الدولة العثمانية بهذه المحاولة أعلنت الحرب البحرية على قشتالة وأراغون ونابولي وصقلية، ورغم ذلك استطاع "كمال رئيس" استعادة مالقة لأشهر معدودات، لكن تحت خيانة الحفصيين في تونس، وانشغال العثمانيين بصراعهم ضد المماليك، وتوحش قوة القشتاليين وأراغون البرية، اضطرت هذه القوة البحرية إلى الانسحاب[5].

مع السقوط النهائي لغرناطة عام 897هـ/1492م، أرسل العثمانيون حملات بحرية منظمة بقيادة كمال وبيري رئيس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فتمكَّنت هذه القوة من نقل ما يقارب 300 ألف مسلم إلى المغرب والجزائر. ولهول ما وقع للموريسكيين وخطورة التحدي الإسباني والبرتغالي في البحرَيْن المتوسط والأحمر وكذلك الخليج العربي، رأت الدولة العثمانية أهمية اتحادها مع "خير الدين بربروس" وأخيه من قادة البحر المستقلين والظافرين، فضلا عن ضرورة ضم الجزائر وتونس بعد استغاثات أهلها المتوالية التي ندَّدت بإجرام الإسبان واحتلالهم. وهكذا أصبح خير الدين والي الجزائر وقائد البحرية العثمانية فيما بعد حجر الزاوية العثمانية في هذه المنطقة من غرب المتوسط، واليد الطولى التي ستتدخل من خلالها إسطنبول في أزمة الأندلسيين الذين بدأ العديد منهم في اللجوء إلى إسطنبول منذ ذلك التاريخ.

(مواقع التواصل الاجتماعي)

وقف الدكتور عبد الجليل التميمي على الدور المهم الذي بذلته الجالية الموريسكية في أراضي الدولة العثمانية، لا سيما في الجزائر وإسطنبول، لتكون عونا للعثمانيين على تعريفهم بمكامن ضعف العدو الإسباني وتحركاته، وذلك بفضل إتقانها للغته. وحين قضى خير الدين على قلعة البينون الإسبانية في عرض البحر أمام مدينة الجزائر سنة 1529م استجاب لاستغاثات موريسكيي الأندلس، مرسلا إليهم في السنة نفسها 36 سفينة استطاعت أن تنقذ "إخوة الدين المساكين. وقد أبحر عشرة آلاف منهم في كل مرة حتى أنقذ سبعين ألفا من أهل الأندلس في سبع رحلات، كما ذكر كاتب شلبي في كتابه "تحفة الكبار في أسفار البحار" [6].

على المستوى السياسي واللوجستي، اتخذ العثمانيون عدة قرارات منها بناء 61 وحدة من وحدات الأسطول في القرن الذهبي بإسطنبول. وفي عام 1541م، أرسل السلطان سليمان القانوني رسالة إلى الأندلسيين يعِدهم فيها بالعون والمساعدة وعدم التخلي عنهم، وكان ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى دعم العثمانيين للملك الفرنسي فرنسوا الأول ضد التحالف الألماني-الإسباني، ودخول الأساطيل العثمانية إلى السواحل الفرنسية بل ومهاجمة بعض القواعد البحرية في المياه الإسبانية.

أشارت رسالة السلطان سليمان القانوني إلى "أهالي الأندلس" إلى أنه أمر واليه على الجزائر بإرسال الأسلحة والذخائر إليهم، وأنه يشد على أيديهم، ويفرح بأخبار انتصاراتهم على أعدائهم الإسبان في العديد من المعارك التي دارت بين الجانبين، ودفاعهم المجيد عن دينهم وحرماتهم ونسائهم، لكنه يوضح لهم أن سبب تأخر الأسطول العثماني الأكبر عن نصرتهم يعود إلى "أنه في هذا الظرف بالذات وبالقرب من ممالكي تقع جزيرة قبرص.. إن الكفار أصحاب الجزيرة نقضوا العهد باعتدائهم على كل أهالي الإسلام، وسائر طوائف التجار عندما تخلص نيتهم للسفر والطواف ببيت الله الحرام وزيارة قبر حضرة الرسول سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، مُقرين بذلك العصيان والطغيان.. وفي الربيع السعيد نتيجة لتلك الآثار عزم سلطاني وقرر الاستيلاء وفتح الجزيرة المذكورة.. وإننا الآن في حالة استعداد وتحضير"[7].

العثمانيون ودورهم في إنقاذ الموريسكيين

(مواقع التواصل الاجتماعي)

توفي السلطان سليمان القانوني أثناء استعداده لفتح جزيرة قبرص، ثم أتم عملية الفتح والقضاء على البنادقة والإسبان وغيرهم من اللاتينيين في هذه الجزيرة ابنه السلطان سليم الثاني، وبسبب تأمين شرق البحر المتوسط والسيطرة العثمانية المطلقة عليه، ازداد التدخل والاهتمام العثماني بالأندلس في العقود التالية. ففي زمن ولاية "قِليج علي" باشا في الجزائر سنة 1569م، أمره الصدر الأعظم بإسطنبول أن يوفر الأسلحة والذخيرة والمؤونة، بل ويتحرك بنفسه وبأسطوله لنجدة الأندلسيين. وعلى ضوء هذا سارع قليج باشا إلى إحضار ست سفن كانت قد رست قرب ألمرية مُحمَّلة بالذخيرة والأسلحة والمدد، بالإضافة إلى 32 سفينة أخرى كانت تُقِل جنودا وتشتَّت بسبب عاصفة هوجاء. وفي أكتوبر/تشرين الأول 1569م، نجحت الجزائر في تقديم 400 بندقية وعدد من الذخائر فضلا عن مئات من العساكر الإنكشارية القدماء ليكونوا أعوانا ومدربين للموريسكيين، كما أرسل قليج باشا مددا آخر من الجنود والأسلحة بعد ذلك بعدة أشهر في أوائل سنة 1570م[8].

دعم العثمانيون الأندلس أيضا على إثر ثورة البشرات الثانية التي استمرت بين عامي 1568-1571م، ودافع فيها الغرناطيون والأندلسيون عن مقدراتهم ودينهم لآخر لحظة ضد قمع الإسبان. وقد شرعت إسبانيا مع زيادة النفوذ العثماني في البحر المتوسط انطلاقا من إيالة الجزائر في تنفيذ قرار الطرد النهائي للموريسكيين في عام 1609م، وهنا تجلى مُجددا الدور العثماني رغم الصعوبات الداخلية التي مرَّت بها في زمن السلطان أحمد الأول الذي واجه النمساويين والصفويين. واستغل السلطان علاقاته الطيبة مع فرنسا وإنجلترا وجمهورية البندقية فأرسل إليهم رسائل تحضُّهم على معاونة الموريسكيين وتسهيل إيصالهم إلى أراضي الدولة العثمانية. وقد وقف عبد الجليل التميمي على واحدة من هذه الرسائل العثمانية التي أرسلها أحمد الأول إلى دوق البندقية في إيطاليا وحققها في بعض دراساته.

بشكل إجمالي، تناول كُلٌّ من السورية ليلى الصباغ والتونسي عبد الجليل التميمي والتركي إسماعيل أوزون جارشلي دور الدولة العثمانية في القضية الموريسكية في غرب البحر المتوسط من خلال الإمدادات العسكرية والعون اللوجستي والحربي اللازم، وكذلك بإرسال المدربين العسكريين وتسخير سفن إيالة الجزائر العثمانية لإنقاذ الأندلسيين قبل قرار الطرد النهائي وبعده، واستقبالهم بجميع الإمكانيات المتاحة. وفي هذه النقطة سنرى عند الباحث والمستعرب الإسباني ميكيل دي إيبالثا في كتابه "المورسيكيون في إسبانيا وفي المنفى" اعترافا بهذا الدور العثماني، فهو يُقِر بأن ثمة جالية موريسكية قطنت إسطنبول، وسهَّل لها العثمانيون البقاء والمقام، ويبدو أن الجالية الموريسكية في العاصمة التركية وضواحيها كانت كبيرة بلغت في بدايات لجوئها أكثر من ألف أندلسي، فضلا عن تجار ورحالة ومثقفين موريسكيين قطنوا إسطنبول في فترات مؤقتة، وكانوا عاملا مهما من العوامل التي اعتمدت عليها الدولة العثمانية معلوماتيا واستخباراتيا لمعرفة حقائق هذه الأزمة.

(مواقع التواصل الاجتماعي)

ذكر الدبلوماسيون الفرنسيون والهولنديون والفينيسيون تقارير منفصلة عن الموريسكيين في إسطنبول، فقالوا إن الأندلسيين شكَّلوا جالية كبيرة ومؤثرة في المدينة، وصار لهم بمرور الوقت مسجد في حي غالاتا على شاطئ البوسفور. ويبدو أن اندماج التجار والحرفيين الموريسكيين بين سكان العاصمة إسطنبول كان ميسورا، وقد درس "روبير مانتران" بدقة في كتابه "تاريخ الدولة العثمانية" العلاقة بين الوظائف والأقليات، وذكر الأندلسيين باعتبارهم أقلية لها وزنها الخاص في صناعة الخزف وتجارة إسطنبول الخارجية. وقد لجأ التاجر الموريسكي وشيخ الأندلسيين في تونس وطرابلس "مصطفى دي كارديناس" إلى إسطنبول عندما غضب عليه باي "والي" تونس، ثم سافر إلى مصر واستقر به المقام أخيرا في عنابة بالجزائر. ويُعد هذا دليلا على قدرة كثير من الموريسكيين على التنقل بين أنحاء الإمبراطورية العثمانية بسهولة وأمان، كما يقول "ميكيل دي إيبالثا"[9].

تَتبَّع عدد آخر من المؤرخين الوجود الموريسكي في الأناضول، فوجدوا جاليات موريسكية مسلمة تفاوتت من حيث العدد في كلٍّ من أضنة قُرب البحر المتوسط، وبورصة، وبعض مناطق البلقان، بخلاف جالية إسطنبول المؤثرة. كما آثر يهود الأندلس المهاجرون ممن تعرضوا للاضطهاد على يد الكاثوليك الإسبان اللجوء إلى أراضي الدولة العثمانية، التي أسكنتهم في عدة مناطق في اليونان الحالية أهمها مدينة سالونيك/سلانيك، حيث كوَّنوا 26 جماعة عُرفت في وثائق الأرشيف العثماني بأسماء مثل جماعة يهود الإسبانيول، وجماعة يهود البرتغال، وجماعة يهود أراغون، وجماعة يهود قشتالة. وقد ظل بعض هذه الجماعات يحمل أسماء يهودية عبرانية فقط، ومن خلال دفتر تحرير مُلكيات مدينة سلانيك لعام 1613م/1022هـ وجدنا أن عدد أماكن اليهود في المدينة بلغ 1388 موضعا من أصل 2918 موضعا لجميع ساكني المدينة، مما يعني أن نسبة يهود الأندلس في سلانيك بلغت تقريبا 49% وفقا للإحصاء العثماني في تلك السنة كما تتبعه المؤرخ التركي "لطفي شيبان" في دراسته عن اليهود في الدولة العثمانية[10].

مما سبق نجد انخراطا وجهدا عثمانيا كبيرا في التضامن لم تقم به دولة إسلامية أخرى أثناء الأزمة الموريسكية، من حيث المال والجهد. وقد أنقذ العثمانيون مئات الآلاف من الأندلسيين الفارين بأنفسهم من نير القتل والعنصرية والإبادة والطرد، وسمحوا لهم ليس بالسكن والتوطن في بلاد المغرب فحسب، بل وفي مصر والأناضول وإسطنبول، وهو تاريخ تناوله قلة من المؤرخين العرب والعثمانيين والإسبان، ويحتاج حتى يومنا هذا إلى كشف اللثام عنه، والبحث في الأرشيف العثماني والإسباني والأوروبي عن وثائق تُبيِّن صفحات جديدة من المساعدة العثمانية للموريسكيين، التي استندت إلى التضامن الإسلامي الذي كان يعلو على القوميات واللغات والأوطان في ذلك الحين بين المسلمين.

____________________________________________

المصادر

  • [1] ابن الخطيب: أعمال الأعلام 2/279، 280.
  • [2] نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر ص39- 42.
  • [3] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 4/527.
  • [4] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 5/162، 163.
  • [5] الدولة العثمانية المجهولة ص204.
  • [6] كاتب شلبي: تحفة الكبار في أسفار البحار ص40.
  • [7] عبد الجليل التميمي: الدولة العثمانية وقضية الموريسكيين ص24، 25.
  • [8] عبد الجليل التميمي: الدولة العثمانية وقضية الموريسكيين ص19، 20.
  • [9] ميكيل دي إيبالثا: المورسكيون في إسبانيا وفي المنفى ص338-340.
  • [10] Lütfi Şeban, Mudejares & Sefarades, s. 353-355.
المصدر : الجزيرة