شعار قسم ميدان

ملوك الكي بوب.. كيف دخلت الثقافة الكورية إلى كل بيت عربي؟

Los Angeles, California / USA - December 6 2019: South Korean boy band BTS arrives for the KIIS FM's iHeartRadio Jingle Ball at the Forum Los Angeles in Inglewood, California on December 6, 2019

"لا أحب الأغاني العربية أبدا، فكلها تقريبا عن موضوع واحد هو الحب العاطفي، بينما [بي تي إس] يتناولون موضوعات مختلفة، مثل الصداقة والتنمر والعلاقة مع العائلة، ويقدمون رسالة إيجابية حقيقية لتغيير العالم"

يارا – 16 سنة من مصر، في حديث  لميدان

في دبي، وتحديدا في مركز برجمان الشهير للتسوق، افتُتح مؤخرا متجر "سبيس أوف بي تي إس" (Space of BTS)"، والذي شهد اصطفاف طوابير طويلة من محبي الفرقة الكورية الأشهر على الإطلاق (بي تي إس). يمكّن المتجر الجديد زواره من شراء مختلف أنواع المنتجات المُرتبطة بالفرقة الكورية مثل الملابس، والإكسسوارات، والصور، والمجسمات؛ كما يمكن للرواد من معجبي الفرقة أيضا التقاط الصور التذكارية المميزة.

 

المتجر الذي افتتح أبوابه في التاسع من سبتمبر/ أيلول سيستمر لفترة محدودة حتى الثامن من ديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي، وهو الأول في منطقة الشرق الأوسط. ويعد الزحام الذي شهده المتجر أحد ملامح ظاهرة هوس الشباب واليافعين ليس فقط بهذه الفرقة وبموسيقى البوب الكورية أو الكي بوب (k-pop)، بل أيضا بالثقافة الكورية بوجه عام فيما يُعرف بالموجة الكورية. أنت نفسك ربما تكون من معجبي بي تي إس، أو ربما على الأقل سمعت عنهم عن طريق أحد أبنائك أو أشقائك الأصغر عمرا.

عرفت كاتبة التقرير "بي تي إس" للمرة الأولى من خلال ابنتها التي لا يتجاوز عمرها 7 أعوام، والتي بدأت بالفعل في تعلم اللغة الكورية عبر تطبيق دولينجو، وترغب في السفر إلى كوريا. ليس الأمر حالة خاصة، حيث تشهد الكثير من الأسر العربية هذه الشعبية الجارفة لموسيقى البوب الكورية التي تجتاح العالم كله تقريبا، حتى إن مقطع الفيديو الخاص بأغنية "Dynamite" لفريق بي تي إس تمكن من تسجيل رقم قياسي عالمي، عبر تحقيق أكثر من 100 مليون مشاهدة خلال 24 ساعة من طرحه في عام 2020 (وقد قفز هذا الرقم حتى وصل عدد المشاهدات في وقت كتابة هذا التقرير إلى أكثر من مليار ونصف مشاهدة).

 

حتى الآن لم يتجاوز هذا الرقم سوى فيديو آخر للفريق نفسه، هو أغنية "Butter" التي طرحت في العام التالي وحققت أكثر من 108 ملايين مشاهدة خلال الـ24 ساعة الأولى من طرحها. لم يعد الأمر مستغربا بعد الآن، حيث أشار استطلاع على موقع "ستاتيستيكا" شمل 18 دولة أن 39% من المشاركين ذكروا أن موسيقى الكي بوب شائعة في بلادهم (1).

 

نشهد اليوم هوس الشباب واليافعين في دول الشرق الأوسط بمختلف مظاهر الثقافة الكورية، فطبقا لتقرير موقع "سبوتيفاي (Spotify)"، كان أكثر مشغلي الكي بوب من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الفترة من 2014 إلى 2020 هم من السعودية والإمارات ومصر والمغرب والجزائر على الترتيب. وإذا كانت السعودية هي الأكبر، فإن مصر هي الأسرع نموا بزيادة 33% منذ يناير/ كانون الثاني 2019 حتى 2020، وهو ما ظهر واضحا في حفل فريق بي تي إس الذي أقيم في المملكة العربية السعودية في موسم الرياض 2019 وشهد حضور أكثر من 60 ألف متفرج.

 

يعرف نجوم الكي بوب أهمية جماهير الشرق الأوسط ووزنهم، لذلك قرر أعضاء فريق B.I.G (بي. آي. جي) أثناء استضافته بأحد البرامج الإذاعية أن يفاجئوا جماهيرهم من العرب بأداء أغنية عربية، وهي أغنية "لا بزاف" لفريق البوب العربي ذا فايف "The5″، وهو ما نال استحسان معجبيهم؛ ما دفعهم لإطلاق المزيد من الأغاني العربية مثل "أنت معلم" للمطرب المغربي "سعد لمجرد". وعلى الجانب المقابل، تشهد العديد من الدول العربية ازدياد عدد المقبلين على تعلم اللغة الكورية، سواء عبر البرامج التي تنظمها المراكز الثقافية الكورية أو من خلال التعليم النظامي في أقسام اللغة الكورية في العديد من الجامعات العربية.

 

بدايات الكي بوب

Saint Petersburg, Russia - October 27, 2019: Korean coverdance festival ETO 2019 in club Aurora Concert Hall
(شترستوك)

الكي بوب والتي تُكتب هكذا "케이팝" بالكورية، أو "K-Pop" بالإنجليزية، هو مصطلح مكون من حرف "كي" (K) الإنجليزي ويشير إلى كوريا، وكلمة "بوب" (Pop) وتعني موسيقى البوب أو الموسيقى الشعبية، أي إن الكي بوب هي موسيقى البوب الشعبية الكورية. وتندرج تحت موسيقى الكي بوب مجموعة متباينة من الأساليب الموسيقية، من بينها البوب، والروك، والهيب هوب، والريجي، والجاز؛ وجميعها تمتزج بجذور الموسيقى الكورية التقليدية.

 

لنعد بالزمن إلى الوراء قليلا، حيث بدأ تأثر الموسيقى الكورية بمختلف أنواع الموسيقى الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين، وخلال فترة الستينيات مع نهاية الحرب تعرضت الموسيقى في كوريا لتأثيرات الأنواع الموسيقية المختلفة، وذلك من خلال العروض الموسيقية التي نظمتها القوات الأميركية في ذلك الوقت سواء خارج قواعدها العسكرية أو داخلها، لتظهر العديد من التجارب الموسيقية الأولية للبوب الكوري.

 

لكن البداية الحقيقية لنجاح الكي بوب وانتشارها جاءت في تسعينيات القرن الماضي، وتحديدا مع سيو تايجي، مؤسس فرقة "سيو تايجي آند بويز" (Seo Taiji and Boys) في عام 1992، التي كانت خطوة البداية في طريق تغيير صناعة الموسيقى في كوريا الجنوبية. وبعدها بفترة قصيرة، وتحديدا في عام 1995، أسس رجل الأعمال الكوري "لي سو مان" وكالة "SM"، لتصبح من أهم نقاط التحول في صناعة الكي بوب، ووضع من خلالها أسس صناعة واختيار النجوم وتدريباتهم، وقد تبعها تأسيس العديد من الوكالات، لعل أشهرها "YG" و"JYP"، حيث سارت جميعها تقريبا على النهج ذاته.

سيو تايجي
سيو تايجي (مواقع التواصل الاجتماعي)

وفي عام 2012 صدرت أغنية "جانجام ستايل" (Gangnam Style)، لتصبح واحدة من أشهر وأهم المحطات في تاريخ موسيقى الكي بوب، وقد حققت رقما قياسيا بصفتها أول فيديو غنائي على يوتيوب يتجاوز مليار مشاهدة. كما شهدت نجاحا تاريخيا في مختلف دول العالم وصارت حركاتها الراقصة صيحة الشباب والمراهقين في كل مكان. وقد وصل عدد مشاهداتها عند كتابة هذا التقرير إلى أكثر من 4.5 مليارات مشاهدة.

الآيدول.. الوجه الآخر لصناعة النجم

"أحب بي تي إس جدا، أحب شكلهم والطريقة التي يرتدون بها ملابسهم، ودائما أغيّر صورة بروفايلي إلى صورة أحد أعضاء الفرقة"

هند – 12 سنة، طالبة من مصر

الآيدول (idol) أو بالكورية "아이돌"، هو اللفظ الذي يوصف به نجوم الكي بوب، وتعني حرفيا المعبود أو الصنم. يتمتع نجوم الكي بوب بإطلالات فريدة ومظهر مميز، كما يتميزون بقدرتهم على أداء مختلف الرقصات المعقدة التي تشعل المسارح حول العالم، لكن في حقيقة الأمر لا يأتي ظهور الآيدول على المسرح في يوم وليلة، بل نتاجا لسنوات طويلة وشاقة من التدريبات، حيث تعقد وكالات الترفيه الكورية اختباراتها لاكتشاف الموهوبين من عمر المراهقة، كي تبدأ في تدريبهم من أعمار تتراوح بين 11 و19 عاما لسنوات طويلة، وفق عقود احتكار ذات شروط قاسية ومنهكة.

 

تفرض وكالات الترفيه سيطرتها على كل شيء يتعلق بحياة نجومها، ونحن نعني كل شيء حرفيا، فهذه السنوات الطوال التي يقضيها المنتسبون في الإعداد لا تقتصر على تدريبات الصوت والرقص الشاقة التي قد تمتد لأكثر من 14 ساعة يوميا، بل تشمل أيضا التحكم في أوزانهم وملابسهم والطريقة التي يتفاعلون بها مع المعجبين، كي يظهروا في النهاية بإطلالة مثالية كاملة، حتى إن بعضهم قد أجبروا على الخضوع لعمليات تجميلية جراحية للوصول إلى المعايير الشكلية التي تضعها وكالاتهم. وقد تمتد فترة التدريب إلى 10 سنوات قبل الظهور الأول للآيدول، كما أن بعضهم لا يحظى بفرصة الظهور على الإطلاق. وقد سبق أن عانى الكثيرون منهم من الاكتئاب، والذي دفع بعضهم إلى الانتحار، وهو ما حدث على سبيل المثال لـ"سولي"، عضوة فريق "إف إكس" التي قررت إنهاء حياتها(2).

 

في وثائقي نتفليكس الذي حمل عنوان "black pink: light up the sky" والذي تناول نجاح فرقة الفتيات الكورية الشهيرة "بلاك بينك"، يمكنك أن تلمح المعاناة خلف ضحكات فتيات الفرقة، اللاتي بدأن تدريبهن بأعمار تتراوح ما بين 14 و16 عاما. واستمرت تدريباتهن لسنوات تحت إشراف وكالة "واي جي (y.g)"، تدريبات وصفن مشقتها وكيف كانت تستمر 14 ساعة يوميا دون راحة سوى يوم إجازة واحد يحصلن عليه كل أسبوعين كاملين.

وثائقي نتفليكس الذي حمل عنوان black pink: light up the sky
وثائقي نتفليكس "black pink: light up the sky" (مواقع التواصل)

إن الكي بوب صناعة متطورة ومعقدة، وربما يفسر هذا بشكل جزئي النجاح الذي حققته سواء في عالمنا العربي أو كل العالم، فكل تفصيلة مدروسة بعناية، لكي تظهر في نهاية الأمر فرق موسيقية لها هوية واضحة ومتقنة، بداية من الأصوات والموسيقى والرقصات والإطلالات، وصولا إلى التسويق وأسلوب التعامل مع المتابعين والمعجبين. وتتراوح تكلفة إنتاج الأغنية الواحدة ما بين 100 ألف وحتى مليون دولار، ولا غضاضة في ذلك، فقد بلغ إجمالي الدخل الناتج عن صادرات فريق بي تي إس وحده في ديسمبر 2018 أكثر من 4 تريليونات وون كوري جنوبي، ما يعادل أكثر من 3 مليارات دولار(3).

 

الهاليو.. القوة الناعمة

"الطريقة التي يعامل بها أعضاء الفريق الكوري بعضهم بعضا رائعة وأخلاقية، وأجد بينهم روح الدعم التي أفتقدها أحيانا مع أصدقائي. أتمنى أن أحظى بأصدقاء مثلهم"

زين – 15 سنة، طالب من الإمارات

يتعدى حدود تأثير الكي بوب عالم الفن والموسيقى. في أوائل التسعينيات، ابتكر عالم السياسة الأميركي في هارفارد "جوزيف ناي" مصطلح القوة الناعمة أو "Soft power"، ويعني القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام أو دفع الأموال. ووفقا لناي، تنشأ هذه القوة الناعمة من جاذبية ثقافة دولة ما، ومثلها السياسية، وسياساتها.

من أجل ذلك، دعمت حكومة كوريا الجنوبية الثقافة والصناعات الإبداعية منذ التسعينيات، خاصة مع بداية فترة رئاسة "كيم داي جونغ"، وذلك عن طريق مجموعة من السياسات، من بينها تخفيف القيود المفروضة على المنتجات الثقافية الأجنبية، ورفع الحظر المفروض على سفر المواطنين للخارج، وتشجيع الاستثمار المؤسسي في الصناعات الفنية، وتخفيف قوانين الرقابة؛ ما خلق مجالا أكثر اتساعا للإبداع في مساحات الدراما والموسيقى والسينما.

 

في الوقت نفسه، أسهمت الأزمة المالية الطاحنة التي تعرضت لها البلاد في أواخر التسعينيات في دفعها للتركيز على تنويع الاقتصاد من خلال ترويج الثقافة الشعبية، وبالفعل سرعان ما ظهرت نتائج هذه الجهود في سرعةِ تصاعدِ وانتشار الثقافة والفنون الكورية، بداية من الدول المجاورة كالصين واليابان، وصولا إلى سائر أنحاء العالم، وهو ما أطلقت عليه الصحافة الصينية مصطلح "الهاليو (Hallyu)"، والذي يعني الموجة الكورية(4).

 

أغرى هذا النجاح الحكومة الكورية لتخصيص ميزانية كبيرة لترويج الثقافة والفنون والمحلية. وتبلغ الميزانية المخصصة لوزارة الثقافة والرياضة والسياحة للعام الحالي حوالي 6.05 مليارات دولار أميركي، وهي تهتم بتنظيم مهرجانات ثقافية في مختلف الدول، عن طريق نحو 40 مركزا ثقافيا كوريا في بلدان في أفريقيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والأميركيتين والشرق الأوسط وأفريقيا(5).

 

الدراما الكورية في كل بيت

"أحب متابعة المسلسلات الكورية، لأنها مختلفة عن المسلسلات المصرية التي تتشابه دائما. في المسلسلات الكورية هناك تنوع كبير، بعضها رومانسي، وهناك مسلسلات كوميدية. كما أن عدد حلقاتها ليس كبيرا؛ ما يمكّنني من إنهاء المسلسل عادة في إجازتي الأسبوعية، أعتبرها مكافأة أسبوعية لنفسي"

سارة – محاسبة مصرية، 24 سنة

هذا الاستثمار طويل الأمد لم يتوقف عند سوق الموسيقى فقط، هل تابعت من قبل مسلسلا كوريا حمل اسم  "أغاني الشتاء (Winter Sonata)"؟ حسنا، يبدو أنك لم تكن الوحيد، فعندما زار "باي يونغ جن" -بطل المسلسل الرومانسي الشهير- اليابان للمرة الأولى في عام 2004، تجمعت حوله أكثر من 3 آلاف معجبة تحت حراسة 350 شرطيا في المطار للترحيب به. وقال عنه "جونيشيرو كويزومي" -رئيس الوزراء الياباني في ذلك الوقت- مازحا إنه أكثر شهرة في اليابان منه هو نفسه.

 

حقّق المسلسل نجاحا عالميا ساحقا، وبيع منه نحو 330 ألف قرص DVD، كما بيعت من الرواية التي أخذ عنها حوالي 1,220,000 نسخة، وقُدّرت إيرادات المسلسل بأكثر من 27 مليار دولار أميركي. كما أسهم في تنشيط السياحة، حيث ازداد عدد زوار جزيرة "نامي سوم" التي صورت فيها مشاهده من 250 ألفا إلى أكثر من 650 ألف زائر(6).

 

وهكذا أصبح النجاح العالمي الذي حققه مسلسل "أغاني الشتاء" علامة فارقة لبداية الهاليو أو الموجة الكورية، وقد قدمت الحكومة الكورية في ذلك الوقت تسهيلات للقنوات الفضائية العالمية لعرض المسلسلات الكورية المترجمة، وذلك في محاولة منها لفتح المزيد من الأسواق أمامها في العديد من الدول حول العالم، وكان من بين هذه المناطق دول الشرق الأوسط.

مسلسل جوهرة القصر. صورة
مسلسل جوهرة القصر (مواقع التواصل)

ومن بين المسلسلات الكورية الأخرى التي حققت نجاحا كبيرا أيضا المسلسل التاريخي "جوهرة القصر (Dae Jang Geum)"، والذي عُرض في أكثر من 90%، من بينها مصر واليابان والمكسيك وبولندا، وحقق إيرادات بلغت أكثر من 13 مليار وون كوري (حوالي 10 ملايين دولار أميركي). تدور أحداثه حول الطباخة الصغيرة التي تمكنت من أن تتعلم الطبخ ثم الطب لتصبح أول طبيبة ملكية وتعالج الملك "سونغ جونغ"، وبسبب موضوعه التاريخي اتسعت دائرة اهتمام متابعيه بجوانب أخرى في الثقافة الكورية شملت أنواع الطعام والتاريخ الكوري والأزياء التقليدية أيضا.

 

ولا يزال نجاح الدراما الكورية مستمرا. وما دمنا نتحدث عن الدراما الكورية فبالتأكيد لا بد أن نذكر النجاح المبهر لمسلسل نتفليكس الشهير "لعبة الحبار (Squid game)"، الذي حقق نجاحا عالميا عبر فوزه بـ4 جوائز إيمي في الدورة الـ74، وهي جوائز: الضيف، والمؤثرات المرئية، والأداء المتميز، وتصميم الإنتاج؛ وذلك من أصل 7 جوائز ترشح لها(7).

 

السينما والأدب

لم يقتصر النجاح الكوري على دراما الشاشة الصغيرة فقط، بل امتد إلى شاشات السينما، ولعل واحدا من أشهر الأفلام الكورية هو فيلم "Train to Busan"، وقد عرض في أكثر من 160 دولة، وحقق إيرادات زادت عن 52 مليون دولار.

وفي عام 2019، حصد فيلم "الطفيلي" أو "Parasite" للمخرج "بونغ جون هو" جائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان كان السينمائي الدولي، وبعدها في مطلع عام 2020 حصد 4 جوائز أوسكار، هي جائزة أفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو أصلي، وأفضل فيلم أجنبي؛ لتصبح تلك هي المرة الأولى في تاريخ الجائزة التي يحصل فيها فيلم ناطق بلغة أجنبية على جائزة أفضل فيلم.

 

كما شهد الأدب الكوري الحديث رواجا كبيرا في دول الشرق الأوسط، خاصة مع نشاط حركة الترجمة إلى العربية، ومن أشهر الكاتبات الكوريات بين القراء العرب "هان كانغ" صاحبة "الكتاب الأبيض" ورواية "النباتية"، وهي الرواية التي فازت بجائزة "مان بوكر" الدولية  لعام 2016، وكذلك الروائية "شين كيونغ سوك" التي ترجمت روايتها "أرجوك، اعتنِ بأمي" إلى العربية بعد أن تصدرت نسختها الإنجليزية قائمة أكثر 10 كتب مبيعا على أمازون.

 

تَبِع كلَّ هذا النجاح غزوٌ كوري جديد يمكنك أن تلمسه بنفسك في مختلف الدول العربية في السنوات الأخيرة، حيث تزايد عدد المطاعم الكورية، وذاعت شهرة الأطباق الكورية التقليدية، مثل البيميباب والكيمتشي وغيرها، وفي السوبرماركت أيضا بإمكانك أن تجد الكثير من مكونات الأطباق الكورية بسهولة كي تجربها في المنزل(8). ولا يقتصر الأمر على الطعام، فقد غزت منتجات التجميل الكورية المتاجر في مختلف دول الشرق الأوسط، في سعي حثيث للوصول إلى هذا المظهر المثالي الذي تظهر به بشرة النساء الكوريات (9).

منتجات التجميل الكورية. صورة
منتجات التجميل الكورية (مواقع التواصل)

 

سبب إضافي

لكن ربما لا يتوقف الأمر عند قوة التسويق الكوري فقط، لقد عانى المراهقون والشباب بعد ما شهدته مختلف الدول العربية من صراعات واضطرابات وأزمات من أزمات هوية وحاجة للانتماء، خاصة الأجيال الجديدة ممن عاصروا بدايات الربيع العربي في طفولتهم، وعانوا مما تلاه من أزمات في مراهقتهم. وفي ظل وجود فراغ كبير على الساحات الفنية العربية، ظهرت الحاجة لمن يملأ هذا الفراغ.

هنا ظهرت الفرق الكورية ومثيلاتها ربما لتسد حاجة الجيل الجديد إلى التمرد على جيل سابق يشهدون هزيمته بشكل يومي. ربما لا يكون جميع محبي الكي بوب من المراهقين فقط، لكن نظرة واحدة على طوابير المعجبين توضح أنهم السواد الأعظم وهو أمر مفهوم بالنظر إلى أن نجوم الكي بوب أنفسهم يبدؤون مسيرتهم الفنية في عمر المراهقة، في أعمار تتراوح ما بين الـ16 والـ19، وهو ما يفسر طبيعة جمهورهم.

ربما تشعر بعض الأجيال الأكبر سنا بالاستغراب تجاه الهوس الذي يبديه المراهقون تجاه هذا النوع الجديد من الفن، لكن هذه هي سنة الحياة على ما يبدو. في كل جيل يظهر هذا الغرام بفن مختلف عن ذائقة الجيل السابق، فن أحيانا لا يستوعبه الكبار. لنتذكر أن معجبي منيرة المهدية بعضهم لم يستوعب إعجاب الجيل التالي بالمطربة الصاعدة وقتها أم كلثوم، وهؤلاء لم يستوعبوا نجاح عدوية. هناك أجيال لم تستوعب قفزات مايكل جاكسون الراقصة، كما لم تستوعب أمي موسيقى عمرو دياب، الذي عندما أستمع اليوم إلى إحدى أغانيه ترمقني ابنتي بضجر وتقول إنها لا تحب الكلاسيكيات.

————————————————————————-

المصادر:

1-Popularity of South Korean pop music (K-pop) worldwide in 2021

2-Exploding the myths behind K-pop

3-The Capitalist Control of K-pop: The Idol as a Product

4-How South Korean Pop Culture Can Be a Source of Soft Power – The Case for South Korean Soft Power

5-تعرف على الهاليو التي تغزو العالم بخطى ثابتة

6-Remembering ‘Winter Sonata,’ the start of hallyu

7- لعبة الحبار أول دراما غير ناطقة بالإنجليزية تفوز بـ4 جوائز في حفل جوائز إيمي

8-تعريف بكوريا

9-This Is South Korea’s K-pop Soft Power Moment

المصدر : الجزيرة