شعار قسم ميدان

ترشيح أندريا رايزبورو.. هل لا يزال بإمكاننا الثقة في مصداقية جوائز الأوسكار؟

أندريا رايزبورو
أندريا رايزبورو. (شترستوك)

في كل عام ينشغل عشاق السينما حول العالم بترشيحات جوائز الأوسكار، وعادة ما يتنافسون في توقع أغلبها، عبر متابعة نتائج الجوائز الكبرى السابقة لها مثل الجولدن جلوب وجوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام وغيرها، التي تؤثر بشكل غير مباشر على ترشيحات الأوسكار. لكن ترشيحات جائزة أفضل ممثلة هذا العام جاءت مفاجئة، وطرحت العديد من الأسئلة، إذ دوى ترشيح أندريا رايزبورو عن دورها في فيلم "To Leslie" كالقنبلة التي أزعجت الكثير من متابعي المشهد السينمائي، وأثارت الكثير من التساؤلات التي لا يبدو أنها سوف تهدأ.

 

لا يرجع السبب في ذلك الجدل فقط إلى كون الفيلم من الأفلام منخفضة الميزانية، ولا للنجاح المحدود الذي حققه إبان عرضه، حيث لم تتجاوز أرباح الفيلم في شباك التذاكر أكثر من 27 ألف دولار فقط، بخلاف تجاهلته من قبل العديد من الجوائز الكبرى. لكن ما أثار الجدل حقا هو ارتفاع أسهمه المفاجئ بعد موجة واسعة من التغريدات والمنشورات التي أطلقها العديد من نجوم الصف الأول مباشرة قبل بدء التصويت لترشيحات جوائز الأوسكار، فيما بدا حملة منهجية لدعم الفيلم، وهو ما دفع به بعيدا عن الظلال إلى منتصف دائرة الضوء.

 

وقد أثار ذلك العديد من الأسئلة حول مدى شرعية هذا النوع من الدعم، والآليات التي يمكن الاحتكام إليها في زمن وسائل التواصل الاجتماعي الذي تغيرت فيه معايير الدعاية بدرجة كبيرة. فكل هؤلاء النجوم الذين دعموا رايزبورو ببساطة لم يفعلوا أكثر من التعبير عن آرائهم الخاصة على صفحاتهم الشخصية، فإلى أي مدى يمكن أن يُتهم ما حدث بالوساطة أو اللا أخلاقية؟

المال مقابل العلاقات الشخصية

ليس من الخافي على أحد أن صناعة السينما والجوائز في هوليوود مدعومة بآليات دعائية وإنتاجية ضخمة، وفي كل عام تخصص شركات الإنتاج الكبرى ملايين الدولارات للدعاية المباشرة وغير المباشرة لأفلامها لدعمها في سباقات الجوائز، ويشمل ذلك العروض الخاصة واللقاءات الصحفية والتلفزيونية والمؤتمرات وعشاءات العمل واللافتات وغيرها.

 

لكن ماذا عن الأفلام ذات الميزانيات المنخفضة؟ تلك التي تفتقر إلى هذا الدعم المالي والإنتاجي؟ ما يحدث للأسف أن هذه الأعمال الفنية مهما كانت جودتها تُنسى في الظلال، ولا يلتفت إليها أحد، إلا إذا حصلت على فرصة ما بمحض المصادفة، وهو الأمر النادر حقا في هوليوود. لكن صناع فيلم "ليزلي" قرروا أن يقلبوا القواعد ويلتفوا حول العائق المالي، صحيح أنهم لا يملكون الموارد المالية لدعم الفيلم في سباق الجوائز، لكن لديهم ثروة أخرى لا تُقدَّر بثمن في هوليوود، إنها العلاقات الشخصية.

 

طبقا لما نشرته مجلة "فارايتي"، فقد راسلت ماري مكورماك، زوجة مخرج الفيلم مايكل موريس، مجموعة من أصدقائها وطلبت منهم وديا دعم الفيلم والنشر عنه على منصات التواصل الاجتماعي يوميا حتى يوم 17 يناير/كانون الثاني، وهو اليوم الأخير في التصويت على الترشيحات. وقد كان هذا البريد الإلكتروني مفصلا للغاية، حتى إنه اقترح الوسوم "الهاشتاغات" والصور التي يمكن مشاركتها.

كما أُثيرت الشكوك حول استضافة الثنائي مايكل موريس وماري مكورماك مجموعة من أعضاء اللجنة في حفل استقبال خاص في منزلهما في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، وهو ما اعتبره المعترضون انتهاكا صارخا لقواعد الأكاديمية ضد جماعات الضغط، حيث تنص تلك القواعد على حظر الاتصال بأعضاء الأكاديمية مباشرة للترويج للفيلم، لكن هذه القواعد تنطبق على شركات الأفلام والأشخاص المرتبطين مباشرة بالفيلم، وهذه هي الثغرة التي مرت منها مكورماك. (1)

 

سار الأمر لصالح الفيلم، وبالفعل نجحت هذه الجهود لحشد الدعم للفيلم ولرايزبورو، التي رأى زملاؤها أنها تستحق التكريم، بعد مسيرة طويلة ومميزة لم يسلط عليها الضوء خلالها بما يكافئ حجم موهبتها. وبالفعل ظهر طوفان من التغريدات والمنشورات من نجوم الصف الأول، التي بدا واضحا أنها ليست مجرد منشورات تلقائية، حيث استخدم العديد منها الصياغة ذاتها تقريبا في دعمهم للفيلم (فيلم صغير بقلب عملاق). (2)

 

لم يقتصر هذا الدعم على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، ففي خطاب قبول جائزة اختيار النقاد، أشارت كيت بلانشيت إلى اسم أندريا رايزبورو، وهو ما أثار عاصفة من التصفيق من بقية النجوم.

ومن ناحية أخرى، استضافت النجمة غوينيث بالترو عرضا لفيلم "To Leslie" وكتبت على حسابها الشخصي على منصة إنستغرام أن رايزبورو "تستحق الفوز بكل جائزة موجودة، وبكل الجوائز التي لم تُختَرَع بعد"، واتسعت الحملة لتشمل أسماء نجوم مثل سوزان ساندرون، وهيلين هانت، وميرا سورفينو، وروزانا أركيت، وجينيفر أنيستون، وديمي مور، وكورتني كوكس، وجين فوندا، وكيت وينسلت، وآمي آدامز، وغيرهم الكثير، ممن قدموا كامل الدعم لزميلتهم وحوَّلوا صفحاتهم الشخصية إلى منصات دعائية تحمل اسمها وصورها طوال الوقت. (3) وقد آتت هذه الجهود ثمارها أخيرا، حيث رُشِّحت أندريا رايزبورو ضمن قائمة ترشيحات أفضل ممثلة في 24 يناير/كانون الثاني.

 

ونتيجة لكل الجدل المثار، والتصريحات العنيفة ضد هذا الترشيح، أعلنت الأكاديمية بعد أيام قليلة عن إجراء مراجعة لمرشحي العام، دون إشارة صريحة إلى الفيلم أو اسم رايزبورو. لكن سرعان ما جاءت النتيجة لتُعلن الإبقاء على اسمها ضمن قائمة الترشيحات، حيث وجدت الأكاديمية بعد مراجعتها أن هذا النشاط لا يرتقي إلى المستوى الذي يجب أن يُلغى فيه ترشيح الفيلم.

 

لكن الرئيس التنفيذي للأكاديمية بيل كرامر أشار في بيانه إلى وجود حاجة إلى إجراء تغييرات في المبادئ التوجيهية في العصر الحالي في ظل معطيات وسائل التواصل الاجتماعي والتواصل الرقمي، ووعد بذلك بعد دورة الجوائز الحالية. (4)

 

اتهامات بالعنصرية

ربما كان هذا الترشيح ليمر بكل ما أحاط به من ملابسات مرور الكرام، لولا أنه تسبب بشكل أو بآخر في استبعاد اثنتين من أهم مَن كانتا على قمة التوقعات، وهما النجمتان دانييل دي دويلير (Danielle Deadwyler) نجمة فيلم "Till"، وفيولا ديفيس (Viola Davis) نجمة فيلم "The woman king"، وهو ما عُدَّ تقليصا لفرص النساء السود في صناعة السينما.

 

هذه الأزمة ليست بجديدة، بل يتجدد الحديث عنها عاما بعد الآخر، فقد كانت المرة الأولى والوحيدة التي تفوز فيها ممثلة سوداء في فئة أفضل ممثلة في عام 2001 عندما فازت هالي بيري بالجائزة، وهو أمر لم يتكرر منذ ذلك الحين، أي منذ أكثر من عشرين عاما. أُثيرت تلك الأزمة أكثر من مرة، كانت أعنفها في عام 2016، حيث برز هاشتاغ #OscarsSoWhite اعتراضا على عدم ترشيح أي ممثلين من غير البيض في مختلف فئات الأداء. (5) رايزبورو نفسها أعلنت سابقا في أكثر من مقابلة عن مناصرتها لقضية التنوع في جوائز الأوسكار، وطالبت الأعضاء بالتفكير في مقدار المسؤولية التي يتحملونها وتأثيرهم على العالم. لذلك، وجِه هذا الترشيح بعدد من التصريحات العنيفة، أبرزها ما قالته مخرجة فيلم "تيل" شينوني تشوكو (Chinonye Chukwu) التي كتبت على حسابها في منصة إنستغرام: "نحن نعيش ونعمل في صناعة ملتزمة بعنف بدعم البيض وإدامة التمييز العنصري ضد النساء السود بلا خجل".

LONDON, ENGLAND - OCTOBER 15: Chinonye Chukwu attends the "Till" UK premiere during the 66th BFI London Film Festival at The Royal Festival Hall on October 15, 2022 in London, England. (Photo by Gareth Cattermole/Getty Images for BFI)
مخرجة فيلم "تيل" شينوني تشوكو (Chinonye Chukwu) (غيتي)

أما دي دويلر نجمة فيلم "تيل" فقد قالت في حديثها على إذاعة "بي بي سي راديو" إن تاريخ السينما يعود إلى أكثر من مئة عام، ولا يزال النظام متأثرا بعمق بالعنصرية المنهجية في البلاد التي تؤثر على جميع أجزاء الحياة الأميركية اليومية من النظام التعليمي إلى صناعة السينما.

 

إلى جانب ذلك، ارتفعت العديد من الأصوات المناصرة لهذا الرأي، فقد أشار فريدريك و. جودينج جونيور مؤلف كتاب "أوسكار السمراء" إلى أن علاقات صناع فيلم "ليزلي" الشخصية بالمصوتين في الأكاديمية لعبت دورا كبيرا في ترشيح رايزبورو، خاصة مع مقارنة النجاح الضئيل الذي حققه فيلمها بالنجاح المدوي لفيلمي "Till" و"woman king" بحسب رأيه.

 

أشار جودينج جونيور إلى دور الوساطة في النجاح في بيئة هوليوود، معتبرا أن النجاح في الصناعة يعتمد على ما سمَّاه رأس المال الاجتماعي والعلاقات الشخصية، بينما لا يتمتع الممثلون الأفرو أميركيون وذوو الأصول العِرقية المختلفة بشبكة العلاقات الاجتماعية غير الرسمية التي يهيمن عليها البيض.

 

لكن من ناحية أخرى، كان ستيفن تابيرت المدرس في أكاديمية نيويورك للسينما أكثر تفاؤلا، وقد اعتبر ترشيح ميشيل يوه بوصفها أول ممثلة آسيوية تترشح في فئة أفضل ممثلة لحظة فارقة في تاريخ الأوسكار، مما جعله متفائلا ببعض التقدم في اختيارات الجائزة. لكنه لا يزال يتساءل حول عدم التنوع في هذه الفئة تحديدا، حيث لم ترشح سوى 20 امرأة فقط من الملونين من بين نحو 475 ترشيحا في فئة أفضل ممثلة منذ بدأت جوائز الأوسكار في عام 1929. (6)

 

على الجانب الآخر، احتفى العديد من النجوم والنقاد بما سموه دعم نجوم السينما لبعضهم بعضا، واعتبروه بمنزلة انتصار للأفلام الأقل شهرة وذات الميزانيات المنخفضة على رؤوس الأموال الضخمة والمؤسسات الكبرى. ففي مقابل ملايين الدولارات التي أُنفقت على دعاية الأفلام الأخرى، لم يدعم أندريا سوى عدد من زملائها ممن دعموها إيمانا بموهبتها فقط لا غير.

 

دعم مستحق رغم كل شيء

لقطة من فيلم to leslie
لقطة من فيلم "To Leslie" (مواقع التواصل)

وسواء كنت مع أو ضد ما حدث، إذا كنت في الصف الذي يراه فسادا ووساطة، أو في الصف الآخر الذي يراه انتصارا للفن، بأي حال من الأحوال لا يمكنك تجاهل الأداء المميز الذي قدَّمته أندريا في هذا الفيلم فقد استطاعت أن تُقدِّم دور "ليزلي" الأم مدمنة الكحول وتحولاتها ببراعة، سواء على مستوى الأداء والتحولات النفسية، وكذلك من ناحية الهيئة الجسدية والشكلية. وقد جاء هذا الترشيح كي يتوج مسيرة طويلة من الأداء المميز يشمل أدوارها في أعمال مثل "Birdman"، و"Black Mirror"، و"Mandy"، و"Amsterdam".

 

يُعَدُّ فيلم "To leslie" العمل السينمائي الأول للمخرج مايكل موريس، بعد أن أخرج حلقات من مسلسلات حققت نجاحا جماهيريا ونقديا جيدا مثل "Better Call Saul"، و"13 Reasons Why"، و"Kingdom"، و"Bloodline". أحداث الفيلم مستوحاة من حياة والدة كاتب السيناريو رايان بيانكو، وتدور حول أم عزباء ومدمنة كحول تفوز بالجائزة الكبرى في اليانصيب، وبدلا من استغلالها لتحسين حياة ابنها الوحيد تنفقها كاملة على الكحول، وينتهي بها الأمر مشردة بلا مأوى وقد تركت ابنها خلفها دون رعاية، لكن القدر يمد يده لها بفرصة جديدة.

 

حظي الفيلم بفرصة مشاهدة جيدة بعد كل هذه الأضواء، وهو ما يستحقه كل عمل فني جيد بصرف النظر عن ميزانية الدعاية المخصصة له. لكن ما حدث على أية حال يطرح على طاولة المناقشة تساؤلات كثيرة حول فاعلية القواعد التي وضعتها الأكاديمية لضمان نزاهة الجوائز، في ظل تغير المشهد الحالي، وتوغل منصات التواصل الاجتماعي في حياتنا، فإلى أي مدى يمكن اعتبار ما حدث ضغطا على المصوتين؟ وكيف يمكنك التفريق بين ما يمكن اعتباره دعاية مقصودة، أو مجرد تعبير شخصي عن الرأي؟

————————————————————————————–

المصادر:

1- Unpacking Andrea Riseborough’s Controversial Oscar Nomination

2-Andrea Riseborough’s Oscar nomination upheld after academy review

3- What Andrea Riseborough’s controversial nomination reveals about the Oscars

4- The Andrea Riseborough Oscar Controversy Explained: Grassroots Campaign By Paltrow, Winslet, Blanchett And Others Helped Score Nomination For ‘To Leslie’ Actress

5- The Andrea Riseborough Oscar Controversy Explained: Grassroots Campaign By Paltrow, Winslet, Blanchett And Others Helped Score Nomination For ‘To Leslie’ Actress

6-Everything We Know About the Controversy Over Andrea Riseborough’s Oscar Nomination

المصدر : الجزيرة