شعار قسم ميدان

طبول الحرب.. أفلام جسَّدت ملامح الحرب العالمية الثالثة بين روسيا والغرب

"د. سترانجلوف".. كيف تعلّمت ألا أقلق وأحب القنبلة النووية؟

في فجر الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022 بتوقيت موسكو، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر كلمة متلفزة موجَّهة للشعب الروسي، مُعلِنا بدء عملية اجتياح عسكري شامل ضد أوكرانيا بدواعي الحفاظ على الأمن القومي الروسي، بعد أزمة سياسية استمرت عدة أشهر بين الجارتين، وحشود عسكرية روسية ضخمة على الحدود تجاوزت مئة وخمسين ألف جندي.

 

هذه اللحظة بالتحديد، الصدام العسكري المباشر بين روسيا والغرب، لطالما كانت دائمة الحضور في بطون الكتب بمختلف تصنيفاتها، وبالتأكيد على شاشات السينما بحبكات مختلفة، جميعها تُحذِّر من عواقب اندلاع حرب عالمية ثالثة بين أعضاء النادي النووي قد تكون سببا في فناء البشرية بالكامل. هنا نستعرض بعض الأفلام التي دارت أحداثها حول الحرب المتخيلة بين روسيا والغرب، التي يبدو أنها صارت أقرب إلى الواقع أكثر من أي وقت مضى.

 

"ميونيخ: حافة الحرب".. كيف تُشعل حربا عالمية؟

منذ صدوره على شبكة "نتفليكس" في مطلع العام الحالي والمحللون يعتبرونه واحدا من أكثر الأفلام التي تُسلِّط الضوء على "وصفة إشعال حرب عالمية" في كل مكان وزمان. فيلم "ميونيخ: حافة الحرب" هو فيلم درامي بريطاني من بطولة جورج ماكاي وجيرمي أيرونز، ويقع تحت عدة تصنيفات تشمل السياسة والحروب والغموض في إطار درامي متوسط السرعة في تتابع الأحداث.

 

الفيلم يُسلِّط الضوء على أوروبا عام 1938، عندما كانت إشارات اندلاع حرب عالمية تحوم في الأجواء. القائد النازي أدولف هتلر يستعرض قواته العسكرية الضخمة، ويُلوِّح بتغييرات سياسية وعسكرية كبرى تشهدها القارة، بينما رئيس الوزراء البريطاني "تشامبرلين" يدرس من كثب تحركات هتلر. في هذا الوقت، كان هتلر يُلوِّح باستخدام القوة العسكرية لغزو إقليم "السوديت" في دولة تشيكوسلوفاكيا، بدعوى أن هذا الإقليم يحوي أغلبية ألمانية، وأن الألمان يُساء معاملتهم من حكومة تشيكوسلوفاكيا.

 

وجد الحلفاء أنفسهم في موقف شديد الصعوبة: هل يبدؤون في خوض حرب ضد ألمانيا من أجل تشيكوسلوفاكيا وتأمين مصالحهم، أم يصلون إلى تسوية مع هتلر بالتنازل عن هذا الإقليم وتجنُّب الحرب؟ كان هذا هو ما حدث في مؤتمر ميونيخ، عندما ذهب رؤساء وزراء بريطانيا وفرنسا وإيطاليا إلى هتلر، وعقدوا اتفاقا يذكره التاريخ بوصفه واحدا من أسوأ اتفاقات العلاقات الدولية، حيث سمحوا لهتلر بضم إقليم السوديت طواعية تجنُّبا للحرب، مع التعهُّد بأن يكون هذا هو آخر مطالبه الإقليمية. وهو ما لم يحدث بالطبع، فبعد سيطرة هتلر على إقليم السوديت وتلبية مطالبه طوعا، شهد العام الذي يليه 1939 اندلاع الحرب العالمية الثانية باجتياح القوات الألمانية لبولندا.

 

على مدار الأشهر الماضية، استُحضِر نموذج إقليم السوديت في تشيكوسلوفاكيا ومؤتمر ميونيخ دائما في التعليق على الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية، التي دأب الرئيس الروسي خلالها على استحضار "معاناة" الأقلية الروسية شرق أوكرانيا وتعرُّضها لاضطهاد وتصفية من قِبَل النازيين الجدد كما يصفهم. وأخيرا، أُعلن اعتراف روسيا رسميا باستقلال منطقتَيْ دونيتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا، الأمر الذي اعتبره حلف الناتو خطوة تمهيدية لاجتياح كامل لأوكرانيا، وهو ما حدث بالفعل، على غرار ما فعله هتلر بالضبط في الحرب العالمية الثانية.

 

"بروتوكول الشبح".. كيف تمنع حربا عالمية؟

الجزء الرابع من سلسلة أفلام الجاسوسية والإثارة الشهيرة "مهمة مستحيلة" (Mission Impossible) يُعَدُّ واحدا من أكثر أجزاء السلسلة انتشارا وجماهيرية ونجاحا. فيلم "بروتوكول الشبح" أُنتِج عام 2011، وهو من بطولة النجم الأميركي الشهير توم كروز، الذي يواجه هذه المرة واحدة من أخطر المهام التي مرَّت عليه على الإطلاق، وهو ضرورة منع اندلاع حرب نووية شاملة بين روسيا والولايات المتحدة.

 

الفيلم أحداثه شديدة الإثارة، تلعب على ثيمة ازدهرت كثيرا خلال العقود الماضية، وهي: ماذا لو نجح أحد المجانين غير المحسوبين على أي جهة، لا أميركا ولا روسيا، في امتلاك أدوات نووية يهاجم من خلالها أحد الطرفين، ويلصق تهمة الهجوم بالطرف الآخر؟ وقتئذ، الأمر لن يستغرق عدة ساعات لبدء حرب نووية شاملة بين الدولتين المتحفزتين تجاه بعضهما بعضا، وتملك كلتاهما أسلحة نووية كافية لإبادة الحياة على الكوكب بأكمله.

 

هذا المجنون يُجسِّده كيرت هيندريكس، العالِم النووي السويدي الذي يسعى لسرقة أسرار نووية عالية الخطورة من الكرملين في موسكو، ويسعى للسيطرة على قمر صناعي هندي وأكواد نووية في دبي، حتى يبدأ في تنفيذ مسعاه بتفجير صاروخ نووي يُشعل حربا نووية بين أميركا وروسيا، لكن إيثان هانت (توم كروز) يستطيع إيقاف المهمة بمعجزة في اللحظات الأخيرة مع انطلاق الصاروخ بالفعل.

 

الفيلم الذي حقَّق إيرادات ضخمة قاربت سقف 700 مليون دولار، وشهد تصوير مجموعة من أكثر المشاهد السينمائية إثارة وشهرة في عالم أفلام الحركة، يُعَدُّ واحدا من أكثر الأفلام التي دقَّت ناقوس الخطر من احتمالات اشتعال حرب نووية في أي وقت يتسبَّب فيها جماعات من الفوضويين غير المحسوبين على أي جهة.

 

"ثلاثة عشر يوما".. العالم على شفير الحرب

 

في أكتوبر/تشرين الأول سنة 1962 وقف العالم كله على شفير حرب عالمية، عندما كشفت صور الاستطلاع الجوي الأميركي قيام الاتحاد السوفيتي بنصب صواريخ باليستية متوسطة المدى ذات رؤوس نووية في دولة كوبا على حدود الولايات المتحدة، مع تهديد وشيك بتوجيه ضربة نووية. وجد الرئيس الأميركي الشاب المُنتخَب حديثا وقتها "جون كينيدي" نفسه في مأزق عنيف: إما التراجع أمام الاتحاد السوفيتي، وإما شن هجوم مضاد يعني اندلاع حرب عالمية نووية بدون شك.

 

فيلم "13 يوما" يُعَدُّ واحدا من أفضل الأفلام الهوليودية التي جسَّدت أحداث هذه الأزمة التاريخية بدقة وبمستوى عالٍ من الإثارة والتشويق. الفيلم يُسلِّط الضوء على ثلاثة عشر يوما عصيبة عاشها العالم كله، وتحديدا الإدارة الأميركية التي تعاملت مع الموقف بحذر شديد، حيث اعتبرت أي خطوة يقوم بها الأميركيون سيتلوها رد سوفيتي عنيف، إما باجتياح برلين في أوروبا، وإما الرد المباشر بحرب صاروخية ضد الأراضي الأميركية.

 

يُسلِّط الفيلم الضوء أيضا على هامش من المفاوضات السياسية والعسكرية التي سمحت للاتحاد السوفيتي بالانسحاب من كوبا في مقابل تعهُّد أميركي بعدم غزو البلاد، وسحب الصواريخ الأميركية من تركيا، مع مفاوضات على تخفيف وتيرة الصراع بين القوتين العظميين التي وصلت ذروتها في تلك الفترة وكاد العالم كله أن يدفع ثمنها.

 

حقَّق الفيلم نجاحا كبيرا وتقييما إيجابيا واسعا بين النقاد، لكن المفاجأة أنه لم يُحقِّق الإيرادات المتوقَّعة منه. ومع ذلك، يظل واحدا من أكثر الأفلام ذات الوتيرة التشويقية المتصاعدة التي نقلت أجواء سياسية شديدة الاضطراب، مع حرب عالمية يمكن أن تنطلق في أي لحظة.

 

"د. سترانجلوف".. كيف تعلّمت ألا أقلق وأحب القنبلة النووية؟

 

في الستينيات، كان الهاجس الأكبر الذي يعيشه العالم كله هو اندلاع حرب نووية مفاجئة بين أميركا والاتحاد السوفيتي، خصوصا بعد نهاية أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 التي أوشكت أن تتحوَّل إلى حرب نووية شاملة بين الدولتين. في هذا التوقيت بالضبط، ظهر فيلم "د. سترانجلوف" أو "كيف تعلمت التوقف عن القلق وحب القنبلة؟"، من إخراج المخرج الأميركي المخضرم ستانلي كوبريك، الذي عُدَّ من أكثر أفلام تلك الفترة تجسيدا للرعب النووي.

 

الفيلم مبني على رواية "الإنذار الأحمر" للكاتب بيتر جورج، ويحكي عن ضابط أميركي يُصاب بلوثة جنون، فيرسل أمرا إلى أحد الطيارين الأميركيين بالتوجُّه فورا، وبدون إبداء أسباب، بقاذفة قنابل ثقيلة إلى الأراضي السوفيتية وإلقاء القنبلة النووية هناك لشن حرب وقائية لتدمير الاتحاد السوفيتي. هذه الحالة من الجنون ينعقد على إثرها اجتماعات سريعة للمسؤولين العسكريين في أميركا، محاولين الوصول لحل للخروج من تلك الأزمة.

 

يُظهِر الفيلم المسؤولين الأميركيين بأنهم مجموعة من معدومي المواهب، معظمهم لا يعرف ما يقول ويتحدثون باستهتار وعدم إلمام بالمعلومات، بينما يُظهِر المسؤولين السوفييت بأنهم ثَمِلون معظم الوقت وغير مهتمين سوى برد فعل عنيف تجاه أي فعل يقوم به الأميركيون. الفيلم يُعَدُّ تجسيدا كاملا للكوميديا السوداء التي تُشير إلى حقيقة إمكانية زوال العالم بسبب أخطاء تافهة من قِبَل المسؤولين المباشرين عن إطلاق الأسلحة النووية.

 

ترشَّح الفيلم إلى أربع جوائز أوسكار، وعُدَّ من أهم أفلام القرن العشرين التي حذَّرت من اندلاع حرب نووية بين الاتحاد السوفيتي والغرب بسبب الاندفاعات العاطفية غير المبررة لقادة هذه الدول التي يمكن أن تُنهي الحياة على الأرض بالكامل.

 

"الصياد القاتل".. مارقون في الكرملين

واحد من الأفلام الهوليودية التي أُنتجت حديثا وتُسلِّط الضوء على احتمالية نشوب حرب عالمية وشيكة بين روسيا والغرب. فيلم "الصياد القاتل" (Hunter Killer) أُنتِج عام 2018 من بطولة النجمين المخضرمين جيرارد باتلر وغاري أولدمان، وتدور أحداث الفيلم حول لحظة الإطاحة بالرئيس الروسي بواسطة وزير دفاعه السايكوباثي المختل، الذي يتولى زمام السلطة في روسيا ويحتجز الرئيس الشرعي في قاعدة بحرية في أقصى شمال روسيا.

 

مع تولّي وزير الدفاع الروسي السلطة، يبدأ الصدام بين روسيا وأميركا، الذي يتعالى إلى حد الوصول إلى التلويح بنشوب حرب بين البلدين، فتسعى المخابرات الأميركية إلى تحرير الرئيس الروسي وإعادته إلى منصبه لمواجهة جنرالات الحرب المارقين في موسكو. هنا، يُقدِّم الفيلم قصة خيالية غريبة، وهي محاولة تحرير الرئيس الروسي الذي يُمثِّل صوت العقل والدبلوماسية، بدلا من مواجهة جنرالات الحرب في روسيا الذين يسعون لإشعال حرب عالمية ثالثة مع الغرب.

 

الفيلم يميل إلى تصنيف الإثارة والمغامرة أكثر من كونه فيلما دراميا سياسيا، لكنه يعج بالمشاهد التي تتناول طبيعة العلاقة المضطربة بين الغرب عموما وروسيا، كما أنه يلعب تماما على ثيمة التحذير من اندلاع حرب عالمية شاملة بسبب وقوع السلطة في أيدي أشخاص مارقين، وهي الرسالة الأساسية من الفيلم الذي حقَّق تقييما إيجابيا جيدا وإيرادات جيّدة.

 

وعلى الرغم من أن الفيلم يُعَدُّ من الأفلام الهوليودية القليلة التي تُظهِر الجانب الحديث في الجيش الروسي بدلا من تقديم الصورة النمطية المعتادة للروس أنهم جهلة وسخفاء، فإن الفيلم لم يخلُ أيضا من الكليشيهات الأميركية المعتادة في مشاهد الإثارة، عندما يتمكَّن ثلاثة ضباط أميركيين من الفتك بحشد هائل من الجنود الروس دون أن يُصابوا بخدش واحد!

 

"المتحولون".. صراع الخوارق

 

اثنا عشر فيلما أنتجتها هوليوود لسلسلة "المتحولون" (X Men)، واحدة من أشهر سلاسل الأفلام الخوارقية في العالم التي تُجسِّد مجموعة من الأبطال ذوي القدرات الخارقة. في فيلم "المتحولون: الدرجة الأولى"، الذي أُنتج عام 2011، ويُعَدُّ من أكثر أفلام هذه السلسلة نجاحا وتحقيقا للأرباح على الإطلاق بنحو 350 مليون دولار، تدور الأحداث حول فترة الحرب الباردة التي تستعين فيها القوى العظمى بالمتحوِّلين لشنّ حرب عالمية ثالثة.

 

في عام 1963، يبدأ الشاب الذي يمتلك قوى تحريك خارقة عن بُعد "إريك لينشر" في رحلة بحث عن الطبيب النازي الذي قتل والدته أمام عينه، وأخفى هويته في تلك الحقبة ليتحوَّل إلى عالم مجنون يسعى لإشعال حرب عالمية ثالثة بين الاتحاد السوفيتي وأميركا إبان أزمة الصواريخ الكوبية. يجتمع "لينشر" مع عدد من الخارقين المتحولين الآخرين بهدف التصدي لمخططات العالم المجنون، لكن الخلافات تظهر بينهم ويتصارع الجميع في الوقت الذي تشتعل فيه شرارة الحرب العالمية وتنطلق الصواريخ النووية.

 

رغم أن الفيلم يُصنَّف تحت الإثارة والخيال العلمي، فإنه يحكي هامشا من الصراع الوجودي الشامل بين القوتين العظميين في العالم في ذلك الوقت، الذي كان يصل إلى حد السعي لتجنيد كل الطرق والأشخاص والأدوات والتقنيات في صراعهما ضد بعضها بعضا، بما في ذلك تجنيد أصحاب القوى الخارقة للمشاركة في الصراع.

 

في النهاية، يبدو أن المقولة الشهيرة المنسوبة لعالِم الفيزياء الأشهر ألبرت أينشتاين "أنا لا أعرف ما الأسلحة التي سوف تكون في الحرب العالمية الثالثة، لكني أعلم يقينا أن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة" تحمل شيئا من الوجاهة، سواء صدقت نسبتها إلى أينشتاين أم لا، فالعالم الآن يعجّ بأسلحة نووية قادرة على أن تُنهي الحياة على الكوكب في غضون ساعات، مما يجعلنا جميعا نتمنى أن تبقى سيناريوهات الحرب العالمية الثالثة حبيسة شاشات السينما فقط.

——————————————————————-

المصادر:

  • الأفلام المذكورة في القائمة ضمن مشاهدات الكاتب الشخصية، وكل المعلومات الواردة في التقرير مُستمَدَّة من وصف الأفلام ذاتها.
المصدر : الجزيرة