شعار قسم ميدان

ترشيحات ميدان.. أفضل 10 أفلام في عام 2021

ترشيحات ميدان.. أفضل 10 أفلام في عام 2021

غادرنا عام 2021 قبل ساعات. نتروى لنتفقد مجمل مساعينا فيه وتجاربنا وأحوال عالمنا؛ فنجد أن وباء كوفيد-19 واصل فرض ظلاله الثقيلة، رغم أن الأبواب التي أغلقت جرائه عادت لترخي مصدّاتها نسبيا، ليعاد افتتاح دور السينما وصالات العرض طوال معظم فترات العام بعد أن كانت صناعتها على المحك. وقد حرصنا في ميدان على أن نقدم لك أهم الأفلام التي شهدها عام 2021، مستأنسين في ذلك بآراء النقاد والجمهور معا.

 

الأب.. ملك في منفى العمر

تمكن الخرف (الزهايمر) من الأرمل المتقاعد أنتوني (أنتوني هوبكينز)، المقيم في شقة فسيحة، تتردد عليه فيها ابنته آن (أوليفيا كولمان). ومع طول المرض، يستحيل صاحبه كالواقف على طبقة جليد هشة، يخالها ثابتة فيأمن، بينما هي تواصل التهشم. تلتبس لديه الأمور والوجوه، ويتفكك إحساسه بالواقع، يجاهد للتأقلم مع تدهور ذاكرته، لمغالبة قلقه العارم وغضبه وارتباكه، بكبرياء. يخشى فقدان ساعة يده، وكأنه بهذا سيفقد كل ما يربطه بالزمان والمكان. يقلق من أن لا يبدو بكامل أناقته ولو في المنزل، وكأنه بهذا يتخفى من أعين الغرباء بصنع واجهة براقة لذات ترتجف هلعا.

 

وظّف المخرج والكاتب "فلوريان زيلر" المونتاج والتغييرات الطفيفة في الديكور كعناصر مسرحية في سياق سينمائي لفيلم "الأب (The Father)" الحائز على جائزة أوسكار، لنلقي من خلاله نظرة عن كثب إلى عقل أنتوني، ومنظوره، الذي يدفعنا إلى التماهي معه، في فيلم عن التلاشي التدريجي للأمان والغرق الكامل في النسيان.

 

لا وجود للشر

في الخفاء يمرر المخرج الإيراني "محمد رسولوف" فيلمه "لا وجود للشر" الحائز على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي 2020. يتناول الفيلم أربع حكايات لأبطال عالقين في شباك مأزق أخلاقي، يحرمهم من النوم، في تناول متعدد الأوجه لقضية أحكام الإعدام. في أولى الحكايات، يتبدى رجل عادي من الطبقة الوسطى في منتصف العمر، يُدعى "حشمت" (إحسان مير حسيني)، يمارس روتينه اليومي، مقدما التزاماته الأسرية بحنو تجاه زوجته وابنته ووالدته المريضة، إلى أن يستيقظ في اليوم التالي عند الثالثة صباحا، متجها إلى وظيفة تتنافى مع كل ذلك العطف، وهي تنفيذ أحكام الإعدام على المدانين.

 

يمسك "رسولوف" عن قول كل ما لديه دفعة واحدة، يعبر من الحكاية الأولى إلى الثانية، وهي لشاب يدعى "بويا"، حديث العهد بالخدمة العسكرية الإجبارية التي تضعه في مأزق، يقرر فيه بين ضميره وواجبه بوصفه جنديا مطالبا بتنفيذ عقوبة الإعدام الصادرة بحق أحد المساجين.

 

نكابد مع "بويا" حيرته الكبيرة بين الرضوخ للإملاءات والقوانين كما فعل حشمت، وبين الانصياع لضميره ومواجهة المصير المجهول. يقفز بنا ذلك إلى الحكاية الثالثة، وهي لمجند آخر يحصل على عطلة لحضور حفل عيد ميلاد حبيبته لطلبها بالزواج، قبل أن يُفاجَأ بأن ذلك الحفل تحول إلى مأتم بفعل حكم بالإعدام سبق أن نفذه هو بنفسه.

 

يصل الفيلم أخيرا إلى الفصل النهائي، وهو امتداد للحكاية الثانية، يعنون ذلك الجزء بـ"قبليني"، وهي أغنية إيرانية حازت شهرة في الوسط السياسي إبان حكم الشاه، قيل إنها إهداء ثائر إلى حبيبته قبيل إعدامه. في هذا الجزء، نكتشف أن أيا من القرارات التي اتخذت في الحكايات السابقة لم يكن سهلا. بطل تلك الحكاية هو كهل قرر أن يعيش على هامش المجتمع، في قرية بلا كهرباء، لا يستطيع قيادة سيارته أو تربية ابنته التي يلقاها لأول مرة شابة لا تعرفه. في النهاية، نكتشف أن ذلك الكهل هو ذاته الشاب المجند بطل الحكاية الثانية، وأن هذا هو الثمن الذي دفعه لانحيازه الأخلاقي.

 

هكذا يشن رسولوف هجوما شرسا على ممارسة القتل التي ترعاها الدولة في إيران، دون أن يولي أي اهتمام لجرم أو براءة الأطراف التي سيتم إعدامها، بقدر ما يركز على فساد النظام بأكمله. لم يُدِن الفيلم الجلادين بقدر ما سلّط الضوء على أنهم أشخاص عاديون، وأن خياراتهم لم تكن بالسهولة التي نتصورها.

 

أسوأ شخص في العالم

the worst person in the world

يصدق على العصر الذي نحيا فيه وصف عالم الاجتماع البولندي "زيجمونت باومان" له بأنه زمن السيولة، لما فيه من تغير مستمر وعدم ثبات. فالحداثة والحياة والحب والثقافة والخوف والمراقبة والشر أصبحت كلها مفاهيم سائلة، ونتيجة لذلك عَلِقَ جيلنا في شباك الاضطراب وعدم الثقة، تجاه أنفسنا واختياراتنا وجدارتنا. وهذه نفسها هي محنة جولي (رينات رينزفي) في الفيلم الأخير من ثلاثية يواكيم ترير "أسوأ شخص في العالم (The Worst Person)".

 

"آية طنطاوي" هي ناقدة سينمائية وواحدة من أبناء هذا الجيل، تصنف الفيلم بأنه أفضل ما شاهدته هذا العام. في حديثها مع ميدان، تقول: "قبل فترة ليست بالقليلة قرأت جملة لا أذكر من كتبها ولا أين، تقول إن الأفلام تعوضنا عن رؤية قصص الحياة بينما نحن مشغولون في أعمالنا اليومية، ساعتان أمام فيلم كفيلتان أن تجعلاني أرى قصصا إنسانية لتجارب لم يسمح لي الواقع بتأملها. رافقتني الجملة لفترة، إلى أن طاردني سؤال (ما هو أفضل فيلم شاهدته في 2021؟)، فأسعفتني ذاكرتي بفيلم (أسوأ شخص في العالم) ليكون حقا أفضل أفلام العام بالنسبة إليّ".

 

تضيف آية: "لا تختلف جولي، بطلة الفيلم، عن الكثيرين من أبناء جيلنا، جيل عاش عشريناته متقلّبا على أسرّة التيه والتخبط، حيث لا ضمانات في الحياة سوى اللحظة الراهنة، تختبر البطلة كل شيء، تخطئ وتتسرع وتتمهل وتتمادى في علاقات اجتماعية وعاطفية لا تشبهها، لكنها في خضم كل هذا تكتشف نفسها، وتضعنا على مدار ساعتين أمام تجربة إنسانية ثرية". حصلت بطلة الفيلم "رينات رينزفي" على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي، ويعتبر "أسوأ شخص في العالم" آخر فيلم في ثلاثية أوسلو للمخرج النرويجي يواكيم ترير، حيث الأبطال على عتبة الثلاثين، يعانون صراعات في علاقاتهم الذاتية والعاطفية، ولا يزالون يكتشفون أنفسهم بأصعب الطرق.

 

يا هيا

يسحبنا المخرج الأميركي "مايك ميلز" إلى أحدث أعماله "هيا هيا (C’mon C’mon)"، والذي كتب عنه الناقد "كيفن ماهر": "فيلم صادق، مدروس بعمق، يحاول في كل مشهد تقريبا فهم تلك الحياة السعيدة والممتلئة والفارغة التي نعيشها دائما". في أجواء مشحونة بعواطف مضطربة، نستكشف العلاقة بين الصحفي الإذاعي جوني (خواكين فينيكس) ونجل شقيقته التي تحتم عليها السفر لرعاية طليقها المصاب بمرض عقلي.

 

كلا طرفي الفيلم يعجز عن تقديم إجابات وافية، فلا الأم تتوصل إلى صيغة ملائمة لتخبر بها ابنها أن والده في ورطة، ولا يعرف جوني كيف يخبر نجل شقيقته عن أسفه لعدم حضوره كثيرا. كل ذلك وسط أجواء يخيم عليها حزن خافت يستتر في الكادرات التي صُوّرت بالأبيض والأسود.

 

الفارس الأخضر

"عندما تغادر سوف تمتلئ آثار أقدامك بالعشب

ستغطي الطحالب شاهد قبرك

وعندما تشرق الشمس سوف يغطي اللون الأخضر الجميع

بكل درجاته وطبقاته"

أحال المخرج "ديفيد لوري" قصيدة نظمها شاعر مجهول منذ عقود إلى فيلم شاعري، يحمل مسماها: الفارس الأخضر. أُنتج الفيلم بواسطة أستوديوهات "إيه 24″، وصوّره "أندرو دروز باليرمو". اقتفى لوري سعي شخصيته المحورية "جاوين" للتحلي بالفضيلة وبلوغ العظمة، ليدُسَّ سؤالا ضمنيا عن ماهية تلك المعاني من الأساس.

 

لا يملك جاوين حكايته الخاصة، ووسط ضباب يخلق مسافة بينه وبين معرفة نفسه، يباشر رحلة يختلط فيها الفانتازيا والخيال بالواقع، والخارج بالداخل. يخفق في كل اختبار يعترضه، يرتكب أخطاء فادحة وإخفاقات صريحة، ناسفا كل احتمال يمكن أن يجعله فارسا أو بطلا. فمَن الفارس المقصود إذن؟ وإلى أين يقود الدرب الذي يسير فيه جاوين؟ إلى نجاته أم هلاكه؟

 

فلوري ليس مجرد حكّاء، وإنما هو أقرب إلى فنان، يضع نصب عينيه التعبير عن ذاته، وتمتلكه نزعة بها هوس هادئ بالأساطير والقصص، يقمعها حينا، وتفوقه في أطوار أخرى، إنه رجل لا يكف عن طرق منابع شغفه محاولا تفسيره واستنباطه واستكشاف طبيعته، تماما مثلما فعل بسردية فارسه الأخضر.

 

ديونdune

تطبعت رواية "الكثيب (Dune)" لـ"فرانك هيربرت" بملامح الثقافة العربية والإسلامية. حار العديد من صناع الأفلام في تشكيلها لتناسب قالبا سينمائيا، تبددت مجهودات ومحاولات هدرا، البعض منها قد طواها النسيان، إلى أن سنحت الفرصة للمخرج "دينيس فيلنوف" لصناعة جزء أول من فيلم خيال علمي عنها، فلم يتوانَ عن ذلك، فشيّد في هذا العمل مجرات كونية تقدمت فيها البشرية، فيما تدور الأحداث برمتها على كوكب يحمل اسم الفيلم والرواية.

 

لم يخلُ الفيلم عند صدوره من جدل. عدَّه البعض ترسيخا لرؤية هيربرت المتعصبة عن الاستعمار، بينما عبر آخرون عن استيائهم لعدم وجود ممثلين شرق أوسطيين أو مسلمين في أي دور رئيسي في فيلم يدور في أجواء عربية. يحتوي الفيلم على العديد من الاستعارات من اللغة العربية، مثل الإشارة إلى بول، بطل الحكاية الرئيسي، في الرواية بـ"المؤدِّب" أي "المعلم" باللغة العربية، وإلى ديدان الرمال بـ"شاي خلود" التي تعني الشيء الخالد. كما ظهر في الفيلم تأثُّر واضح بالأمازيغ الذين استعار منهم هربرت أسلوب حياتهم البدوي وحياتهم في الصحراء، إلى درجة أنه أطلق على أبطاله الفضائيين "فريمين"، في ترجمة حرفية من الأمازيغية للفظ "الرجال الأحرار".

 

قوة الكلب

يصنف فيلم قوة الكلب (The Power of the Dog)، للمنتجة والمخرجة جين كامبيون، بين أفلام الويسترن (الغرب الأميركي). نرى فيه الممثل البريطاني بينيديكت كامبرباتش، الذي يقوم بدور فيل، مغطى بالأوساخ من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. يجسد فيل شخصية تدفن مخاوفها وألمها تحت قشرة من الرجولة، هو بحاجة مستمرة لإثبات أنه الأقوى، ونتيجة لذلك فإنه لا يعبأ بالألم الذي يسببه للآخرين من خلال ملاحظاته القاسية.

 

تزداد صفات فيل وضوحا كلما جاور شقيقه جورج (جيسي بليمونس)، الذي يناقضه، بسماحته وهدوئه. الفيلم هو اقتباس من رواية "توماس سافاج" التي تحمل الاسم نفسه، وتعول كامبيون في سردها على لغة الجسد واللقطات المقربة، لتلتقط عبرها ما لا يلفظ أبدا، من مشاعر الشخصيات بالتهديد والغضب والألم.

 

تعبر ناقدة الأفلام "مونيكا كاستيلو" عن شخصية فيل المركبة بقولها: "عيناه باردتان مثل هواء الجبل، وجهه واجهة حجرية، لسانه حاد مثل ناب الأفعى". تركز العديد من أفلام كامبيون أيضا على تحول ديناميكيات القوة بين الشخصيات: من يمتلك القوة ومن يخسرها، وكيف يستعيدها مرة أخرى. في بعض الأحيان، يكون هذا في شكل نساء يناضلن من أجل أن يتم الاستماع إليهن، كما هو الحال في "Sweetie" أو "Bright Star"، ولكن في "قوة الكلب" يُنظر إلى دخول المرأة إلى العائلة على أنه تهديد وتحدٍّ للنظام القائم.

 

الرجل العنكبوت: لا طريق للمنزل

من منا لم يسمع بسبايدر مان؟ بالأحرى المراهق "بيتر باركر" الذي أصبح بطلا، بمدرسته الثانوية ومشكلاته المألوفة، وحماقاته. هنا يأتي الجزء الثالث من النسخة الأخيرة لسبايدر مان الصادرة عن عالم مارفل، من إخراج جون واتس وبطولة توم هولاند، يأتي مطعما بعناصر وأفكار جديدة حول الخسارة واستحقاق فرصة ثانية، وتحمل نتائج قراراتنا الخاطئة.

 

انتهى فيلم سبايدر مان السابق "بعيدا عن المنزل (Spider-Man: Far From Home)" بكشف النقاب عن حقيقة سبايدر مان، الذي يضطر للتعامل مع تداعيات معركته المميتة وكشف هويته السرية الذي يؤثر عليه وعلى من يحبهم، فيلجأ إلى طلب العون من دكتور سترينج (بنديكت كومبرباتش)، نعم الرجل سابق الذكر من الفيلم أعلاه.

 

سجل الفيلم رقما قياسيا في شباك التذاكر، ففي أقل من أسبوع تجاوزت عائداته 587 مليون دولار حول العالم. ويعد ثالث أفضل افتتاح عالمي لأي فيلم على الإطلاق في تاريخ أميركا الشمالية.

 

إلى أين تذهبين يا عايدة؟

Quo Vadis ، Aida؟

تنشب الحرب فجأة، دون مقدمات. ففي عام 1995، أبادت قوات الجيش الصربي نحو 8372 بوسنيّا، وذلك إبان الحرب العرقية على مسلمي البوسنة والهرسك. يأتي فيلم الكاتبة والمخرجة "ياسميلا أبانيتش" الحائز على أوسكار، "إلى أين تذهبين يا عايدة؟ (Quo Vadis ، Aida؟)" بوصفه إعادة سرد وتوثيقا لتلك الإبادة الجماعية، لافتا إلى أن كل حالة وفاة أو تعذيب واحدة هي مأساة كاملة، وإن لم تلتفت التغطيات الإعلامية إليها.

 

تُعير المخرجة انتباهها صوب أبسط التفاصيل، وأقساها، من النيران المشتعلة، إلى صراخ الأطفال وفرار الجموع. في خضم كل ذلك وجدت عايدة، مدرسة اللغة الإنجليزية والمترجمة، نفسها حلقة الوصل بين الأطراف المحلية والفرق الدولية. ولعل أبانيتش جعلت من شخصيتها المركزية مترجمة لا لتنقل مفردات لغوية فحسب، وإنما لتعكس بصدق نكبة ألمّت بشعب بأكمله، أُجبر الناجون منها على العيش جنبا إلى جنب مع الجناة الذين لم يُقدَّموا للعدالة مطلقا.

 

التلميذ

وضع شاراد نيرولكار (أديتيا موداك) نصب عينيه شغفه بالموسيقى الهندوستانية (الكلاسيكية الشمالية الهندية)، وطوال عقد من الزمن لم يفعل شيئا سوى تكريس مجهوداته لإثبات ذاته بوصفه مطربا كلاسيكيا هنديا، لكن الشغف قلما يعين على سداد الفواتير أو دفع الإيجار.

 

يجعل ذلك السعي الأبدي "شاراد" في مأزق وجودي، إذ يدرك أن تلك الموسيقى تحتاج إلى تمرس بقدر حاجتها إلى نوع من السلام الداخلي. وفي غمرة صراعاته الداخلية، يدركه الإحباط والخيبات والفشل.

 

من أجل تلك الإخفاقات، صنع المخرج "شيتانيا تمهاني" فيلمه "التلميذ (The Disciple)"، قائلا: "كانت نقطة البداية بالنسبة إليّ الرغبة في استكشاف التلاشي التدريجي للحلم، والعقبات". فكان عمله أول فيلم هندي يعرض في مسابقة البندقية منذ أن فاز فيلم "حفل زفاف"، للمخرجة ميرا ناير، بجائزة الأسد الذهبي في عام 2001، ليصل إلى حقيقة أن الشغف وحده قد لا يكفي، لكن ما من تجربةٍ ستخرج منها خالي الوفاض؛ لأن الخسارات تكون أعمق إن لم نقاوم.

المصدر : الجزيرة