"سوبر ماريو".. كيف تمكن فيلم متواضع من تحقيق مليار دولار من العائدات؟

إذا كنت قضيت شطرا من طفولتك في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فهناك احتمالية كبيرة أنك جلست وقتا طويلا أمام الشاشة تستمتع بالقفز على الحواجز والهرب من السلاحف الشريرة والغوص في أنابيب الصرف في رحلة طويلة غرضها إنقاذ الأميرة الجميلة من الوحش. إنها ألعاب سوبر ماريو، واحدة من أنجح ألعاب الفيديو على الإطلاق، ظهرت للمرة الأولى في عام 1985، وتصدّرت ألعاب الفيديو لسنوات طويلة، عرفها جيدا مواليد الثمانينيات، وقد شكلت موسيقاها الشهيرة خلفية أيام طفولتهم وصبغتها بالمرح.

مؤخرا، حقق فيلم "Super Mario bros" المقتبس من اللعبة نجاحا غير مسبوق، إذ تجاوزت عائداته عالميا حاجز المليار دولار أميركي بعد أقل من شهر من طرحه في الخامس من أبريل/نيسان(1). وكان الفيلم قد حقق في أسبوع الافتتاح 377 مليون دولار، ليحطم الرقم القياسي الذي سبق أن حققه الجزء الثاني من فيلم "فروزن" بأرباح وصلت وقتها إلى 358 مليون دولار، ما يجعله أعلى افتتاح لفيلم رسوم متحركة على الإطلاق، وأعلى أرباح افتتاحية للعام الحالي حتى الآن. فهل نشهد عصرا جديدا لاقتباس ألعاب الفيديو على شاشات السينما؟

لنتسامح مع الماضي بعد ثلاثين عاما

في الواقع، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تنتقل فيها شخصية سوبر ماريو إلى الشاشة، فقد سبقتها محاولة أخرى منذ ثلاثين عاما، حيث ظهر فيلم آخر حمل الاسم نفسه، لكنه لم يكن فيلما للرسوم المتحركة، بل كان محاكاة حية كئيبة ومملة لشخصيات اللعبة، من إخراج أنابيل جانكل وروكي مورتون وبطولة بوب هوسكينز وجون ليجويزامو. حقق هذا الفيلم فشلا ذريعا في وقتها، وأحبط محبي اللعبة في جميع أنحاء العالم، وهو ما جعل الكثير منهم يتوجسون خيفة عند الإعلان عن صدور فيلم الرسوم المتحركة مؤخرا، إذ كانت الفجيعة لا تزال حية رغم مرور كل هذا الوقت.

لكن لحسن الحظ لم تخذلهم النسخة الجديدة، التي صدرت برسوم عصرية مبتكرة وحيوية لكنها مخلصة تماما للروح الأصلية للعبة. جاء فيلم "سوبر ماريو بروس (Super Mario Bros)" نتاجا للتعاون المشترك بين كل من "نينتندو (Nintendo)" و"إلومينيشن إنترتينمنت (Illumination Entertainment)" والتي سبق أن قدمت (2) مجموعة من أنجح أعمال الرسوم المتحركة، في مقدمتها "minions".

حبكة ساذجة تنجح في إبهار الجميع

(مواقع التواصل)

يعتمد فيلم "سوبر ماريو بروس (Super Mario Bros)" على حبكة بسيطة للغاية، مع حشو دسم من القيم المعلبة الجاهزة والتقليدية حول أهمية العائلة والصداقة والقوة الشخصية وعدم الاستسلام والمحاولة من جديد. تستمد حبكة الفيلم الخطوط الرئيسية من حبكة اللعبة، لكن الأميرة هنا لا تحتاج إلى من ينقذها، فنحن الآن في القرن الحادي والعشرين، وقد مضى عصر الأميرات اللاتي يحتجن إلى الإنقاذ.

يحكي الفيلم قصة ماريو ولويجي، أخوين من أصول إيطالية يعيشان في بروكلين، ويحاولان النهوض بعملهما الناشئ في مجال السباكة، يتعرضان للفشل المتكرر لكنهما لا يستسلمان أمام سخرية العائلة والأصدقاء. وبمبرر درامي ساذج، وأثناء سعيهما لإنقاذ المدينة من عطل غامض وغير مبرر في شبكات الصرف، يسقط الشقيقان في الأنابيب التي تأخذهما إلى عالم موازٍ، وبينما يسقط لويجي في عالم الظلام الذي يتحكم فيه الوحش الشرير باوزر، يسقط ماريو الأكثر حظا في عالم الفطر، بألوانه المبهجة، ويسعى لإنقاذ شقيقه، وفي سبيل ذلك يلتقي بالأميرة بيتش (أو الأميرة خوخة بالعربية) التي على عكس الأميرة التقليدية في اللعبة تبدأ في تدريبه ومساعدته في استكشاف قواه الكامنة لإنقاذ شقيقه وهزيمة الشرير.

يؤدي دور الوحش باوزر النجم جاك بلاك، الذي يرغب في الزواج من الأميرة، ما يؤدي إلى عدد من المفارقات الكوميدية، وينتج عن ذلك أيضا أغنية مميزة حصدت ملايين المشاهدات خلال الأسابيع القليلة الماضية.

لدينا إذن إيقاع سريع، وحبكة مخلصة لروح اللعبة الأصلية وعوالمها، حيث يمكننا أن نرى في كل مشهد إحالات وإشارات لعناصر اللعبة بمختلف إصداراتها، بالإضافة إلى موسيقى تصويرية مميزة استلهم فيها الملحن برايان تايلر موسيقى كوجي كوندو مؤلف الموسيقى الأصلية المميزة للعبة، ليقدم لنا مقطوعات تداعب حنين الطفولة.

ورغم ذلك فقد جاء رسم الشخصيات مسطحا وفي غاية الضحالة، وبدت العديد من الخطوط الدرامية ساذجة أو مبتورة وغير مبررة، بدءا من دخول ماريو ولويجي الساذج إلى ذلك العالم الموازي، وليس انتهاء بالأميرة بيتش التي نعرف عبر تقنية الفلاش باك أنها لا تنتمي لعالم الفطر، وأنها ربما تكون إنسانة، لكن هذا الخط الدرامي يبتر فجأة ولا يفهم المشاهد الهدف منه.

وهكذا لا يقدم الفيلم قصة حقيقية بإمكانك أن تتذكرها، بل مجرد بطل تقليدي سطحي وأحادي البعد يواجه عواقب متتالية وينجح في تخطيها واحدة تلو الأخرى حتى يصل إلى هدفه، تماما كاللعبة التي اقتُبس منها. وربما يكون ذلك هو السر خلف النجاح الغريب الذي حققه، فهو مجرد فيلم بسيط، لا يحمل حبكة معقدة أو مبتكرة، يصلح للصغار، أو للكبار ممن يداعبهم الحنين إلى الطفولة، فيلم بسيط تستمتع بمشاهدته، ثم تنساه بمجرد أن تخرج من صالة العرض.

سر نجاح اللعبة.. الركض بلا نهاية

تقدم ألعاب سوبر ماريو بإصداراتها المختلفة تجربة لعب أقرب إلى البساطة، كل ما عليك هو الركض إلى الأمام، وسوف تستمر الشاشة في التمرير إلى اليمين. (الأناضول)

كانت هذه البساطة ذاتها هي سر نجاح اللعبة وسبب جلوسنا أمامها ساعات طويلة، نقع ونقوم مجددا ونعود للحياة مفعمين بالأمل في التغلب على السلاحف الشريرة، متسلحين بالفطر وآملين في لحظة الانتصار على الوحش وإنقاذ الأميرة. في واقع الأمر لقد تمكنت لعبة سوبر ماريو من الاستمرار في الصدارة على مدى ما يقرب من أربعين عاما بفضل هذه الوصفة البسيطة.

تقدم ألعاب سوبر ماريو بإصداراتها المختلفة تجربة لعب أقرب إلى البساطة، كل ما عليك هو الركض إلى الأمام، وسوف تستمر الشاشة في التمرير إلى اليمين، اقفز فوق التضاريس، وتناول الفطر المقوي، واقفز فوق رؤوس أعدائك من السلاحف وغيرهم كي تتخلص منهم، إذا كنت محظوظا فسوف تأخذك أنابيب الصرف عبر طرق مختصرة إلى مراحل متقدمة من اللعبة، وسوف تحصل على المزيد والمزيد من العملات المعدنية.

وفي النهاية، إذا كنت من هؤلاء المثابرين الذين تمكنوا من استكمال ساعات طويلة من اللعب فستحصل على المكافأة، حيث تتغلب في المعركة النهائية على الوحش وتتمكن من إنقاذ الأميرة الحسناء من الوحش الشرير، في محاكاة لواحد من أقدم المجازات المستخدمة في القصص الخيالية، حيث يمكنك أن تجد تنويعات مختلفة لقصص إنقاذ الأميرات سواء في حكايات ألف ليلة وليلة أو حتى في قصص العصور الوسطى في أوروبا(3).

هذه هي الأسس الرئيسية لتجربة اللعب في سوبر ماريو بإصداراتها المختلفة، لكن اللعبة جاءت أيضا بعناصر مميزة لا يمكن تجاهلها، ربما أبرزها الاستكشاف الذي لا ينتهي، حيث لا توجد خريطة للعبة، لا توجد طريقة لمعرفة أي أنابيب الصرف يمكنك دخوله، وأي هذه القوالب سيمنحك عملات معدنية عند تحطيمه، وأيها سوف يتحطم دون داع، سيكون عليك دائما أن تستكشف بنفسك، ما يمنحك احتمالات لا تنتهي بصفتك لاعبا. والخبر السعيد أن موت البطل لا يعني النهاية، فسوف يعود مرة أخرى ليتمكن من متابعة رحلته من جديد، ليركض دائما باتجاه يمين الشاشة ويستمر في السير دون توقف.

شيجيرو مياموتو (Shigeru Miyamoto)"، مصمم لعبة سوبر ماريو وأحد آباء ألعاب الفيديو حول العالم.  (رويترز)

كان هذا التصميم البسيط والجذاب من بنات أفكار "شيجيرو مياموتو (Shigeru Miyamoto)"، مصمم اللعبة وأحد آباء ألعاب الفيديو حول العالم، والذي انضم إلى نينتندو في عام 1977، وتميز بتركيزه على عناصر القصة والشخصيات في ألعابه، ما أضاف لها جانبا إبداعيا لم يكن واضحا من قبل. ظهرت شخصية ماريو لأول مرة عام 1981 في لعبة دونكي كونج، وسرعان ما تم تطويرها لتظهر باعتبارها شخصية رئيسية في لعبة مستقلة ناجحة عام 1985، حيث حققت نجاحا هائلا، وتوالت من بعده إصداراتها عبر مختلف المنصات(4).

وعلى الرغم من محدودية الإمكانات في ذلك الوقت واعتماد رسوم الألعاب وتصميماتها على تقنية 8 بت البسيطة مقارنة بالتقنيات الحالية، فإن المصممين في ذلك الوقت تمكنوا من التغلب على محدودية الإمكانيات بذكاء وبحيل بسيطة جاءت في صالح تصميم الشخصيات، على سبيل المثال جاء تصميم شارِب سوبر ماريو المميز بهذا الشكل لكونه أسهل بالنسبة إلى الفريق من تصميم شكل الفم العادي، ليصبح فيما بعد واحدا من أبرز السمات الشكلية لشخصية سوبر ماريو(5). كما شكلت اللعبة طفرة في ذلك الوقت، حيث كانت أول لعبة تستخدم شاشة تمرير "scrolling"، بدلا من استخدام شاشات منفصلة كمحاكاة للتقدم(6).

لم يقتصر نجاح الفيلم على شباك التذاكر فحسب، فقد انعكس هذا النجاح على منصات الألعاب أيضا، فوفقا لبيانات منصة "Gamesight" شهدت اللعبة زيادة في الإقبال قدرها 89% بعد أسبوع واحد من عرض الفيلم، وهو ما يعني مزيدا من الجمهور، وفرصة جديدة لإعادة إحياء اللعبة مرة أخرى(7).

لعل فيلم سوبر ماريو بروس ليس أول اقتباس من عالم الألعاب إلى عالم الشاشات، وبالتأكيد لن يكون الأخير، خاصة بعد هذا النجاح الساحق، بقصة بطلها يشبه بطل اللعبة الأصلية، لا يفعل شيئا سوى الركض في محاولات لا تنتهي للوصول.

________________________________________

المصادر:

  1. https://variety.com/2023/film/news/super-mario-bros-movie-1-billion-box-office-milestone-1235598832/
  2. The Super Mario Bros. Movie (2023) – IMDb
  3. Gratuitous Princess – TV Tropes
  4. Shigeru Miyamoto – Super Mario Wiki, the Mario encyclopedia
  5. Mario’s Creators Answer Burning Questions About The Series – Game Informer
  6. Why Super Mario Bros. Was So Successful (gamedeveloper.com)
  7. gamesight: super mario
المصدر : الجزيرة